الإعجاز العددي : هو أسلوب جديد في كتاب الله يناسب عصرنا هذا ،
الهدف منه : هو زيادة إيمان المؤمن
{ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً }
هذه المعجزة هي وسيلة أيضاً لتثبيت المؤمن وزيادة يقينه بكتاب ربه
لكي لا يرتاب ولا يشك بشيء من هذه الرسالة الإلهية الخاتمة ،
{ وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ }
ولكن الذي لا يؤمن بهذا القرآن ولا يقيم وزناً لهذه المعجزة .
يخبرنا البيان الإلهي عن أمثال هؤلاء وردّ فعلهم :
{ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً }
هذا هو حال الكافر يبقى على ضلاله حتى يلقى الله تعالى
نرى اليوم الهجوم العدواني على الإسلام وعلى كتاب الله تعالى ،
لدرجة أن بعض أعداء الإسلام يسعى للتشكيك في القرآن
ودعوة المسلمين للتخلي عنه
وإبداله بكتاب من صنعهم أسموه ( الفرقان الحق ) !
وهنا تتجلى المهمة الصعبة للإعجاز العددي في إثبات صدق كلام الله تعالى
{ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً }
فالتناسق والإعجاز العددي الذي نراه في القرآن
لا يمكن أن يوجد في أي كتاب بشري ،
ولو أننا قمنا بدراسة هذا الفرقان المزيف من الناحية الرقمية
لم ولن نجد أي نظام أو إحكام عددي بل على العكس سوف نجده هو وغيره
من كتب البشر غير قابل للدراسة الرقمية على الإطلاق .
هذا . ودرءاً لهذه الشبهات وحرصاً على كتاب الله تعالى ،
فإنه لا بد من وضع مجموعة من الأسس والقواعد
تكون مرتكزاً للباحثين في دراساتهم الرقمية ،
ووسيلة لكل من أحب أن يتأكد من صدق هذه الدراسات ليكون القلب مطمئناً
ونبني عقيدتنا على أسس صلبة ومتينة .
يتألف أي بحث علمي كما نعلم من ثلاثة عناصر ،
وهي المعطيات والمنهج والنتائج .
فالمعطيات هي الأساس الذي يقوم عليه البحث ،
فإذا كانت هذه المعطيات صحيحة
وكان المنهج المتبع في التعامل معها صحيحاً
فلابدّ عندها أن تكون النتائج التي سيقدمها البحث صحيحة أيضاً .
أما إذا كانت المعطيات غير دقيقة أو غير صحيحة
وكان المنهج المتبع في التعامل معها أيضاً متناقضاً
فإن النتائج بلا شكّ ستكون ضعيفة وغير مقنعة ، وربما تكون خاطئة .
وحتى تكون أبحاث الإعجاز العددي صحيحة ويطمئن القلب إليها ،
يجب أن توافق العلم والشرع، أي يجب أن تحقق الضوابط التالية :
* ضوابط خاصة بمعطيات البحث
بالنسبة لمعطيات البحث يجب أن تأتي من القرآن نفسه ،
ولا يجوز أبداً أن نُقحِم في كتاب الله عزّ وجلّ مالا يرضاه الله تعالى .
وهذا ما جعل الكثير من الأبحاث تفقد مصداقيتها
بسبب اعتماد الباحث على أرقام من خارج القرآن الكريم ،
كما حدث في حساب الجُمَّل .
فعندما نبدّل حروف اسم ( الله ) جلّ وعلا بأرقام ،
فنبدّل الألف بالواحد، واللام بثلاثين، واللام الثانية بثلاثين، والهاء بخمسة،
وهذه هي قيم الحروف في حساب الجُمّل،
ونَخْرُج بعد ذلك بعدد يمثل مجموع هذه الأرقام
هو ( 1 + 30 + 30 + 5 = 66 ) ،
والسؤال: ماذا يعبّر هذا العدد 66 ؟!
وهل يمكن القول بأن اسم ( الله ) يساوي 66 ؟
بل ما علاقة هذا الرقم باسم ( الله ) تبارك وتعالى ؟
إن كتاب الله تعالى غزير بالعجائب والأسرار فلا حاجة للجوء إلى غيره،
فنحن نستطيع أن نستنبط من كتاب الله تعالى آلاف الأرقام .
ففي آية واحدة نستطيع أن نستخرج الكثير والكثير من المعطيات
أو البيانات الرقمية الثابتة ، مثلاً : عدد كلمات هذه الآية، عدد حروف الآية ،
تكرار كل حرف من حروف هذه الآية ،
تكرار كل كلمة من كلمات الآية في القرآن .
وهكذا أرقام لا تكاد تنتهي ، كلها من آية واحدة .
فتأمل كم نستطيع استخراج أرقام من القرآن كلِّه ؟
أن تكون طريقة استخراج المعطيات القرآنية ثابتة وغير متناقضة أبداً .
فقد دأب كثير من الباحثين على استخراج أية أرقام تصادفه
فتجده تارة يعدّ الحروف كما تُكتب وفق الرسم القرآني ،
وتارة يعدُّ حروفاً أخرى كما تُلفظ ، وتارة يخالف رسم القرآن
بهدف الحصول على أرقام محددة تتفق مع حسابات ،
وغير ذلك مما لا يقوم على أساس علمي أو شرعي .
أما الطريقة التي نعالج بها هذه المعطيات القرآنية :
فيجب أن تكون مبنيّة على أساس علمي وشرعي .
فلا يجوز استخدام طرق غير علمية، لأن القرآن كتاب الله تعالى ،
وكما أن الله بنى وأحكم هذا الكون بقوانين علمية محكمة ،
كذلك أنزل القرآن ورتبه وأحكمه بقوانين علمية محكمة ،
{ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }
{ لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ
أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً }
وقد نرى من بعض الباحثين اتباع منهج غير علمي ،
فهو يجمع الحروف تارةً ، ثم يطرح أرقام الآيات ،
وقد يضرب رقم السورة مرةً وأحياناً يقسّم رقم الآية
وأخرى يحذف الحروف المكررة أو يضيف حروفاً تُلفظ ولا تكتب ،
حتى تنضبط حساباته لتوافق رقماً محدداً مسبقاً في ذاكرته .
وبعضهم يسوق القارئ سوقاً باتجاه نتيجة وضعها سلفاً في ذهنه
ويحاول أن يثبتها . ولا ننسى أن هناك فريقاً من الباحثين
يستخدمون الأرقام القرآنية للتنبؤ بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ،
ومثل هذه الأساليب غير المنهجية مرفوضة ،
إلا إذا قدّم صاحبها برهاناً مؤكداً على مصداقيتها .
إذن يجب أن يكون المنهج المتبع في البحث :
منهجاً علمياً يعتمد أسس الرياضيات وقواعدها الثابتة ،
وعدم إقحام أساليب غير علمية ،
أن تكون الطريقة المستخدمة لمعالجة المعطيات ثابتة .
وعدم التنقل من طريقة لأخرى في البحث الواح
لأن هذا سيؤدي إلى تدخل المصادفة بشكل كبير في نتائج البحث ،
عدم استخدام طرائق متناقضة في منهج البحث .
كما يجب ألا يكون هنالك تناقض بين طريقة معالجة المعطيات القرآنية
وبين الطرائق العلمية الثابتة والمؤكدة .
* ضوابط خاصة بنتائج البحث:
أما نتائج البحث القرآني :
فيجب أن تمثّل معجزة حقيقيّة لا مجال للمصادفة فيها .
وينبغي على الباحث في هذا المجال
إثبات أن نتائجه لم تأت عن طريق المصادفة ،
وذلك باستخدام قانون الاحتمالات الرياضي .
كما يجب أن يتنبه من يبحث في الإعجاز العددي
إلى أن الأرقام هي وسيلة لرؤية البناء العددي القرآني، وليست هي الهدف !
ويجب أن يبقى بعيداً عن منْزلقات التنبُّؤ بالغيب
الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .
وأن يبتعد عن الاستدلال بهذه الأرقام على تواريخ أو أحداث سياسية .
ونحن لا ننكر أن القرآن يحوي كل العلوم ويحوي الماضي والمستقبل ،
ولكن يجب التثبُّت والتأنِّي والانتظار طويلاً
قبل أن نستنبط شيئاً من كتاب الله له علاقة بعلم الغيب ،
فقد يثبُت خطأ هذا الاستنباط مستقبلاً ،
فنكون بذلك قد وضعنا حجّة في يد أعداء الإسلام للطعن في هذا الدين .
وبالنتيجة يجب أن تكون نتائج البحث :
انتفاء المصادفة نهائياً عن هذه النتائج ،
عدم بناء استدلالات غير علمية على هذه النتائج
مثل : علم الغيب إلا بالبرهان القاطع ،
وأن يكون عدد النتائج كبيراً لإقناع غير المسلمين بعظمة كتاب الله تعالى .
{ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً
إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم المهندس / عبد الدائم الكحيل