ويقول أيضاً مقسِماً بالسماء :
{ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا }
وهكذا آيات كثيرة تأتي دائماً بصيغة البناء لتؤكد لنا أن الكون بناء ،
وهذا ما وجده العلماء يقيناً في القرن الحادي والعشرين .
وجد العلماء بأن الكون عبارة عن بناء محكم ،
ولذلك فالأبحاث الصادرة حديثاً ، والتي ينال أصحابها الجوائز عليها ،
تهدف بالدرجة الأولى الأبحاث الكونية الحديثة إلى اكتشاف بنية الكون ،
تهدف إلى اكتشاف البناء الكوني . وهنا تتجلى معجزة القرآن ،
فالعلماء عندما أطلقوا على الكون اسم ( فضاء ) كانوا مخطئين ،
واليوم يعدلون عن هذه التسمية إلى ما هو أدق منها
فيستخدمون كلمة ( البناء ) من أجل وصف الكون ،
ولكن هذه الكلمة موجودة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً
في كتاب الله تعالى تبارك وتعالى ، وهذا إن دل على شيء
فإنما يدل على أن القرآن الكريم دقيق من الناحية العلمية واللغوية ،
فجميع كلماته تأتي مناسبة تماماً للحقيقة الكونية التي يصفها .
{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا }
ما معني كلمة { قَرَارًا } ؟ وكيف نحسُّ بهذا القرار ؟
إننا نعيش على هذه الكرة الأرضية ،
والله تبارك وتعالى زوّد هذه الأرض بحقل للجاذبية
بحيث أنه يجذبنا إليها في كل لحظة ، فنحس بالاستقرار .
إن رواد الفضاء مجرد أن غادروا الغلاف الجوي ،
وارتفعوا خارج الأرض فإنهم على الفور يفقدون أوزانهم
ويحس رائد الفضاء وكأنه يسبح في بحر عميق ،
فإذا أراد أن يأكل اضطرب لديه نظام الأكل ،
لأنه تعود على نظام الجاذبية الأرضية ، وإذا أراد أن ينام لا يستطيع النوم
لأنه ليس لديه أرض يستقر عليها وينام عليها ،
بل إنهم أحياناً يضعون نوابض على رؤوسهم
ليضغطوا هذه الرؤوس فيحسّون بشيء من الثقل ليتمكنوا من النوم ،
وتضطرب لديهم الذاكرة، وتضطرب لديهم الدورة الدموية ،
ونظام عمل القلب يضطرب ، وكثير من الأشياء .
كل هذه النعم لم نحس بها إلا بعد أن غادر رواد الفضاء
وخرجوا خارج الأرض ووصفوا لنا ما يحسون به ،
وهناك علم قائم بذاته اليوم ،
يدرس المشاكل التي يسببها فقدان الجاذبية الأرضية ،
وهذا العلم يهتم بالدرجة الأولى برواد الفضاء ،
وبالناس الذين يمضون فترات طويلة
سواء في الفضاء الخارجي أو في الغواصات في أعماق البحار .
ومن هنا ندرك أهمية هذه الجاذبية وأهمية هذا القرار ,
وهذا الأمر لم يكن أحد يدركه في زمن نزول القرآن .
ولكن الله تبارك وتعالى ذكرنا بهذه النعمة فقال :
{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً
وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }