فوضعوها على العجلة حمدوا الله على ما قواهم من ذلك ، وقد جعل لهم
تلك القوة وأفهمهم علم ذلك فهم لايقصرون عن ذلك شيئا ثم يجرونها
بإذن الله تعالى حتى يبلغوا بها إلى المغرب ثم يدخلونها باب العين التي
تغرب فيها فتسقط من أفق السماء خلف البحر ثم ترتفع في سرعة طيران
الملائكة إلى السماء السابعة العليا فتسجد تحت العرش مقدار الليل ثم
تؤمر بالطلوع من المشرق فطع من العين التي وقت الله لها فلا تزال
الشمس والقمر كذلك من طلوعهما إلى غروبهما وقد وكل الله تعالى بالليل
ملكامن الملائكة وخلق الله حجبا من ظلمة من المشرق عدد الليالي في
الدنيا على البحر السابع فإذا غربت الشمس أقبل ذلك الملك فقبض قبضة
من ظلمة ذلك الحجاب ثم استقبل المغرب فلا يزال يراعي الشفق ويرسل
تلك الظلمة من خلال أصابعه قليلا قليلا حتى إذا غاب الشفق أرسل الظلمة
كلها ثم نشر جناحيه فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء ثم يسوق ظلمة
الليل بجناحيه إلى المغرب قليلا قليلا حتى إذا بلغ المغرب انفجر الصبح
من المشرق ثم ضم الظلمة بعضها إلى بعض ثم قبض عليها بكف واحدة
نحو قبضته إذا تناولها من الحجاب بالمشرق ثم يضعها عند المغرب على
البحر السابع ، فإذا نقل تلك الظلمة من المشرق إلى المغرب نفخ في
الصور وانصرفت الدنيا فلا تزال الشمس والقمر كذلك حتى يأتي الوقت
الذي ضرب لتوبة العباد فتنتشر المعاصي في الأرض وتكثر الفواحش
ويظهر المعروف فلا يأمر به أحد ويظهر المنكر فلا ينهي عنه أحد وتكثر
أولاد الخبثة ويلي أمورهم السفهاء ويكثر أتباعهممن السفهاء وتظهر
فيهم الأباطيل ويتعاونون على ريبهم ويتزينون بألسنتهم ويعيبون العلماء
من أولي الألباب ويتخذونهم سخريا حتى يصير الباطل منهم بمنزلة الحق
ويصير الحق بمنزلة الباطل ويكثر فيهم ضرب المعازف واتخاذ القينات
ويصير دينهم بألسنتهم ويصغوا قلوبهم إلى الدنيا يحادون الله ورسوله
ويصير المؤمن بينهم بالتقية والكتمان ويستحلون الربا بالبيع والخمر
بالنبيذ والسحت بالهدية والقيل بالموعظة فإذا فعلوا ذلك قلت الصدقة
حتى يطوف السائل ما بين الجمعة إلى الجمعة فلا يعطى دينارا ولا درهما
ويبخل الناس بما عندهم حتى يظن الغني أنه لا يكفيه ما عنده ويقطع كل
ذي رحم رحمه ، فإذا فعلوا ذلك واجتمعت هذه الخصال فيهم حبست
الشمس تحت العرش مقدار ليلة كما سجدت واستأذنت من أين تؤمر
أن تطلع فلا تجاب حتى يوافيها القمر فتكون الشمس مقدار ثلاث ليال
والقمر مقدار ليلتين ولا يعلم طول تلك الليلة إلا المتهجدون وهم حنيفية
عصابة قليلة في ذلة من الناس وهوان من أنفسهم وضيق من معايشهم
فيقوم أحدهم بقية تلك الليلة يصلي مقدار ورده كل ليلة فلا يرى الصبح
فيستنكر ذلك ثم يقول لعلي قد خففت قراءتي إذ قمت قبل حيني فينظر إلى
السماء فإذا هو بالليل كما هو والنجوم قد استدارات مع السماء فصارت
مكانها من أول الليل ثم يدخل فيأخذ مضجعه فلا يأخذه النوم فيقوم فيصلي
الثانية مقدار ورده كل ليلة فلا يرى الصبح فيزيده ذلك إنكارا ثم يخرج
فينظر إلىالنجوم فإذا هي قد صارت كهيئتها من الليل ثم يدخل فيأخذ
مضجعه الثالثة فلا يأخذه النوم ثم يقوم أيضا فيصلي مقدار ورده فلا
يرىالصبح فيخرج وينظر إلى السماء فيخنقهم البكاء فينادي بعضهم
بعضا فيجتمع المتهجدون في كل مسجد بحضرتهم وهم قبل ذلك كانوا
يتواصلون ويتعارفون فلا يزالون في غفلتهم فإذا تم للشمس مقدار ثلاث
ليال وللقمر مقدار ليلتين أرسل الله تعالى إليهما جبريل فقال لهما إن الرب
يأمركما أن ترجعا إلى المغرب لتطلعا منه فإنه لا ضوء لكما عندنا اليوم
ولا نور فيبكيان عند ذلك وجلا من اللهتعالى وتبكي الملائكة لبكائهما مع
ما يخالطهما من الخوف فيرجعان إلى المغرب فيطلعان من المغرب فبينما
الناس كذلك إذ نادى مناد ألا إن الشمس والقمر قد طلعا من المغرب فينظر
الناس إليهما فإذا هما أسودان كهيئتهما في حال كسوفهما قبل ذلك لا
ضوء للشمس ولا نور للقمر فذلك قول الله عز وجل
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }
{ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ }
قال : فيرتفعان ينازع كل واحد منهما صاحبه حتى يبلغا سهوة السماء
وهو منصفهما فيجيئهما جبريل عليه السلام فيأخذ بقرنيهما فيردهما
إلى المغرب آفلا ويغربهما في تلك العيون ولكن يغربهما في باب التوبة ،
فقال عمر بن الخطاب بأبي وأمي يا رسول الله وما باب التوبة ؟ قال :
يا عمر خلق الله تعالى خلف المغرب مصراعين من ذهب مكللين بالجوهر
للتوبة فلا يتوب أحد من ولد آدم توبة نصوحا إلا ولجت توبته في ذلك
الباب ثم ترفع إلى الله عز وجل ، فقال حذيفة : بأبي أنت وأمي يا رسول
الله وما التوبة النصوح ؟قال : الندم على ما فات منه فلا يعود إليه كما
لا يعود اللبن إلى الضرع ، قال حذيفة : يا رسول الله كيف بالشمس
والقمر بعد ذلك وكيف بالناس بعد ذلك ؟ قال : يا حذيفة أما الشمس
والقمر فإنهما يعودان فإذا أغربهما الله في ذلك الباب رد المصراعين
فالتأم ما بينهما كأن لم يكن فيما بينهما صدع قط فلا ينفع نفسا بعد ذلك
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ولا تقبل من عبد
حسنة إلا من كان قبل محسنا فإنه يجزى له وعليه فتطلع الشمس عليهم
وتغرب كما كانت قبل ، فأما الناس فإنهم بعد ما يرون من فظيع تلك الآية
وعظمها يلحون على الدنيا حتى يغرسوا فيها الأشجار ويشققوا فيها
الأنهار ويبنوا فوق ظهورها البنيان ، وأما الدنيا فلو أنتج رجل مهرا لم
يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى أن تقوم الساعة والذي نفس
محمد بيده إن الأيام والليالي أسرع من مر السحاب لا يدري الرجل متى
يمسي ومتى يصبح ثم تقوم الساعة فوالذي نفسي بيده لتأتينهم وإن
الرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فما يذوقه ولا يطعمه وإن الرجل
في فيه اللقمة فما يسيغها فذلك قول الله تعالى
{ وَلَوْلَا أَجَل مُسَمًّى لَجَاءَهُمْ الْعَذَاب وَلَيَأْتِيَنهمْ بَغْتَة وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }