من الآيات التي تشابهت خواتيمها مع بعض اختلاف
فيها الآيات الثلاث التالية:
الآية الأولى: قوله سبحانه:
{ لَتُبْلَوُنَّ فِيْ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِيْنَ أُوْتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَمِنَ الَّذِيْنَ أَشْرَكُوْا أَذًى كَثِيْرًا وَإِنْ تَصْبِرُوْا وَتَتَّقُوْا
فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُوْرِ }
الآية الثانية: قوله تعالى:
{ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }
الآية الثالثة: قوله عز وجل:
{ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }
والاختلاف بين هذه الآيات الثلاث من وجهين:
أن آية آل عمران اقتران الخبر فيها بـ (الفاء)، وذلك قوله سبحانه:
{ فإن ذلك من عزم الأمور }،
في حين أن الآيتين الأُخريين لم تقترن (الفاء) بحرف التأكيد (إن)،
أن خبر (إن) في آيتي آل عمران ولقمان جاء بغير لام:
في حين أن خبر (إن) في آية الشورى جاء مقروناً باللام:
فزيد في هذه الآية اللام المذكورة فى الخبر،
فلسائل أن يسأل عن الفرق ..
والجواب عن الأول ظاهر، وهو أن (الفاء) في آية آل عمران داخلة على
جملة جواب الشرط، ودخولها على الجواب الشرط هنا واجب؛ لأن جملة
الجواب جملة اسمية. أما في الآيتين الأخريين فهما ليستا جواباً لجملة
شرطية، بل هما جملتان مؤكدتان بالحرف {إن}، فافترقا.
فمرده الاختلاف إلى ما وقع الحض على الصبر عليه في هذه الآيات
الثلاث، وأشير إليه بذلك، وأنه
{ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا }
فوقع الإخبار بالابتلاء في الأموال والأنفس وسماع الأذى ممن ذُكر،
فعُرِّفوا بثلاثة ضروب من الابتلاء، وأمروا بالصبر عليها، وأعلموا
أن الصبر عليها من عزم الأمور.
وآية لقمان أشير فيها إلى أربع خصال أمر بها لقمان ابنه، وذلك قوله:
{ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ }
{ إن ذلك من عزم الأمور }.
والأمور الثلاثة في الآية الأولى، والأمور الأربعة في الآية الثانية
أما آية الشورى فالإشارة فيها بقوله:
إلى اثني عشر مطلوباً، ابتداء من قوله تعالى:
{ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }
وهذه إشارة إلى التنزه عن ذلك. ثم قيل للذين آمنوا:
فالإشارة إلى الإيمان، والتوكل، والتزام ذلك.
{ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ }
فهذه التزامات ثلاثة. ثم قال:
{ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }
فهذه التزامات أربعة. ثم قال:
{ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ }
فأشار إلى أن هؤلاء لا يظلمون أحداً، وأن أقصى ما يقع منهم الانتصار
ممن يظلمهم، وذلك مباح لهم غير قبيح.
{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا }
ثم عرَّف بحال أجلَّ من ذلك، وأعلى عملاً، فقال:
{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }
. وبين أن المنتصِر من ظلمه
وإنما السبيل إنما هو على ظالمي الناس والباغين. وبعد هذه الخصال
الزائدة على العشر قال تعالى في التزام جميعها:
{ إن ذلك لمن عزم الأمور }
فناسب كثرة هذه الخصال الجليلة زيادة (اللام) المؤكدة في قوله:
{ إن ذلك لمن عزم الأمور }
ولم يكن في الآيتين قبلها كثرة، فناسبها عدم زيادة (اللام).
على أن ما خُتمت به آية الشورى من قوله:
{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }
وهي الخصلة الشاهدة بكمال الإيمان للمتصف بها، فلو لم يكن قبل قوله:
{ إن ذلك لمن عزم الأمور }
غيرها لكانت بمعناها أعم من الخصال المذكورة في آيتي آل عمران
ولقمان؛ إذ تلك الخصال داخلة تحت هذه الخصلة الجليلة، ومنتظمة
في مضمونها، فناسب ذلك أتم المناسبة.