( الحلقة رقم : 734)
{ الموضوع الثامن الفقرة 11 }
( أحكــام الزكاة و المال )
لقد أنتهينا بفضل الله و حمدهمن شرح الجزء الأول من زكاة الزرع و الثمر
و ننتقل إلى الجزء الثالث و الأخير من شرح هذا النوع من الزكاة و هو :-
هذه هى الحلقة الثالثة من زكاة الزروع و الثمار
متى تجب زكاة الزرع و الثمر ؟؟
أختلف الفقهاء فى الوقت الذى تجب فيه زكاة الزروع و الثمار
فقال مالك و الشافعى و أحمد
تجب زكاة الزروع عند إشتدادها بحيث يمكن إفراكه وإستغناؤه عن السقى
و تجب زكاة الثمار عند بدء صلاحها بحيث يصبح ثمرا طيبا يؤكل
فمثلاً طيب البلح بأحمراره أو بأصفراره و جريان الحلاوة فيه
و طيب العنب يكون بظهور الحلاوة فيه
هذا و بدء الصلاح فى بعضه كبدئه فى الجميع
فاذا بدأ الصلاح فى بعضه و لو قلوجبت الزكاة فيه جميعا
و كذا إشتداد بعض الحب كإشتداده كله
فاذا أشتد بعض الحب دون بعض وجبت الزكاة فيه
تجب الزكاة بخروج الزرع و ظهور الثمر
قال الحق سبحانه و تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ
وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }
فدل على أن الوجوب متعلق بالأخراج
وقال ابو يوسف-- من علماء الحنفية
تجب الزكاة يوم أدراكه و الحصول عليه
{ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ
مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ
وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِوَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }
و قال محمد بن الحسن-- من علماء الحنفية أيضاً
تجب الزكاة بالتنقية فى الحبوب
تنقية الحبوب أى فصلها عن التبن بالمدراة
جذاذ الثمر أى قطعه من الشجر
لعل أرجح الأقوال هو قول الأئمه الثلاثه و هم
مالك و الشافعى و أحمد يرحمهم الله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ
وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }
فلن يكون الخارج من الأرض طيبا
إلا بعد أن يظهر نفعه و يبدو صلاحه
و أن فائدة الخلاف بين أبى حنيفة و الأئمه الثلاثة
أن الزارع يضمن ما أستهلكه أو باعه قبل صلاح الزرع و طيب الثمر
فأنه قد أوجب الزكاة فى الزرع و الثمر بمجرد خروجه من الأرض
فلا يضمن العشر على ما أستهلكه
قبل بدو صلاح الحب و ظهور طيب الثمر
فلا يضمن العشر فيما أستهلكه قبل الحصاد
لا يضمن العشر فيما أستهلكه قبل تنقية الحب من التبن و نحوه
إذ لا تجب الزكاة عنده بالحصاد
و لكن بتنقية الحب و فصل الثمر عن جذوره
الخرص فى اللغة معناه أى الحذر و التخمين
و المراد به هنا تقدير ما على النخل
و ما على الكرم من العنب زبيبا
و ذلك بأن ينظر العارف فيقول
أو نصف العشر على ما قدرناه سابقا
ثم تترك الثمار لصاحبها يصنع فيها ما أحب
فاذا ما حان جنى الثمار و قطف العنب
أخذت منه الزكاة على التقدير الذى قدره الخارص من قبل
بهذا قال مالك و الشافعى و أحمد
روى أبو داود عن أمنا أم المؤمنين
السيدة / عائشة رضى الله عنها و عن أبيها أنها قالت
كان النبى يبعث عبد الله بن رواحه إلى اليهود
فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه
أن يأخذ منهم الجزية أو شيئا كان قد صالحوه عليه
فان الزكاة لا تجب إلا على المسلم المكلف
و قد روى البخارى عن أبى حميد الساعدى رضى الله عنه أنه قال
غزونا مع النبى صلى الله عليه و سلم
فلما جاء وادى القرى إذا أمرأة فى حديقة لها
فقال النبى صلى الله عليه و سلم
و خرص رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
و الخارص ينبغى أن يكون عارفا أمينا
قد خالف الأحناف ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة
و أكثر أهل العلم من السلف و الخلف
أن الخرص ظن و تخمين لا يقوم به حكم شرعى
و الحق أنه ليس من قبيل الظن و التخمين
بل هو أجتهاد فى معرفة قدر الثمر كالأجتهاد فى تقويم المتلفات
فأنه من أتلف شيئا قدر الحاكم قيمة هذا الشئ بحسب علمه و أجتهاده
و يلزم المتلف بقيمة ما أتلف
فتخريص التمر و العنب من قبيل تخريص المتلفات
و يجب أن تعلم أن التخريص لا يكون إلا
عند بلوغ صلاح التمر و ظهور طيب العنب
و يكفى فى الخرص رجل واحد تجتمع فيه
صفات العدل و الأمانه و المعرفة
هذاو ينبغى على الخارص أن يسقط من الحساب
قدر الثلث أو الربع لا يحصيه على صاحبه
فأن صاحبه قد يطعم من ثمره ضيفه و جاره
و المسكين و اليتيم و أبن السبيل
فهذا الإطعام يكون بمنزلة زكاته فى هذا الثلث أو الربع
و الذى أسقطه الخارص من الحساب
فقد روى أحمد و الحاكم و أبن حبان عن سهل بن أبى حثمة
أن النبى صلى الله عليه و سلم قال
أن خرصتم فخذوا و دعوا الثلث فان لم تدعوا الثلث فدعوا الربع
و حكمة الخرص أن الفقراء شركاء أرباب الأموال
{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }
فلو لم يخرص التمر و العنب عند بلوغ صلاحه
و تقدر فيه الزكاة لضاع كثير من حقوق الفقراء و المساكين
فأن صاحب التمر قد يأكل منهو قد يطعم منه جيرانه الأغنياء
و لما كانت الأمانة غير متحققه عند كل واحد من أرباب الأموال و عمالهم
وضع الشارع هذا الضابط ليتأتى لرب المال الأنتفاع به مع حفظ حق المساكين
و أنما كان الخرص فى التمر و العنب دون غيرهما من سائر الثمار
لأنهما كانا الغالبين فى شبه الجزيرة العربية
فقد ثبت الخرص بالنص فى هذين النوعين فقط
فلا يقاس عليهما ما سواهما من الثمار
أختلف أهل العلم فى عسل النحل هل تجب فيه زكاة أم لا
و إذا كانت فيه زكاة فهل لها نصاب معين أم لا
فقال مالك و الشافعى و الثورى
لا زكاة فى العسل قل أو كثر
و بذلك قال على و أبن عمر رضى الله عنهم
و الجمهور من العلماء على أختلاف مذاهبهم
لأنه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن
و لعدم ورود حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه و سلم
و أن ما ورد أن قوما كانوا يخرجون زكاته فيحمل على أنه صدقة
تطوعوا بها و ليست هى من قبيل الزكاة المفروضة
ليس فى وجوب الصدقة فى العسلخبر يثبت و لا إجماع
فلا زكاة فيه و هو قول الجمهور
أقول و لكن عليه أن يزكى عن هذا العسل إن كانيتاجر فيه زكاة التجارة
ينبغى للمزكى أن يتحرى أخراج الطيب الوسط من ماله
و يتجنب أخراج الردئ الذى تأباه النفوس و تمجه الطباع
فان الزكاة نوع من أنواع البر
{ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }
و قال و قوله الحق سبحانه و تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ
وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ *
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء
وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
من هذه الآيات نعلم أن الصدقة أنما يخرجها العبد إبتغاء مرضاة الله
و الله طيب لا يقبل من الأعمال إلا ماكان طيبا و خالصا لوجهه الكريم
فلن يقبل الله من عبد شيئا رديئا أو خبيثا
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ
وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }
اىلا تقصدوا إلى الخبيث فتنفقوا منه
و الحال أنكم لا تأخذونه أن قدم لكم إلا بعد أن تغمضوا أعينكم عند أخذه
كراهية النظر إليهأو استخفافا به و ذلك على ما جاء فى بعض التفاسير
بهذا نكون قد أنتهينا بفضل الله و عونه
و إلى أن نلتقى فى الحلقة القادمة
مع زكاة النعم و هى الأبل و البقر و الغنم
نسأل الله أن تكونوا بكل الخير
فأنتظرونا و لا تنسونا من صالح الدعوات
أو السراج إذا غطيته بصحفة
هو موجود و لكن يمنع نوره الغطاء
ثم أنك تحضر المجلس فى المجلس فى الجامع
ليتوفر عقلك و أن كان عمرك قليلا يصير كثيرا
و لحصول الإيمان و الخشوع و الخضوع
و الخشية و التدبر و التذكر
فلو عرفت الإيمان ما قاربت المعصية
و لا عدوا أعظم من الشيطان
و لا يدفع المدد الهابط مثل الكبر
لأن الغيث لا يقر إلا على الأرض المنخفضة
تنتقل عنها الرحمة و تنزل إلى قلوب المتواضعين
و المراد بالمتكبرين من يرد الحق
و لا تعتقد أن الكبر لا يكون إلا فى وزير أو صاحب دنيا
قد يكون فيمن لا يملك عشاء ليلة
لأنه تكبر على خلق الله تعالى
و لا تعتقد أن المنكوب من كان فى الأسر أو فى السجن
و أدخل فى هذه المملكة الطاهرة نجـاسة المعصية .
و إلى اللقاء فى الحلقة القادمة
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخيكم الفقير إلى عفو ربه و مغفرته