قصَّة الصَّبيّ الذي كان يصرع
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
قصَّة الصَّبيّ الذي كان يصرع فدعا له عليه السلام فبرأ:
قد تقدَّم ذلك من رواية أسامة بن زيد، وجابر بن عبد الله، ويعلى بن مرة
الثقفيّ، مع قصَّة الجمل الحديث بطوله.
حدَّثنا يزيد، ثنا حماد بن سلمة عن فرقد السنجيّ، عن سعيد بن جبير بن عبَّاس
أنَّ امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت:
يا رسول الله إنَّ به لمماً وإنَّه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا.
قال: فمسح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صدره ودعا له، فثع ثعة
فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى.
وفرقد السَّنجيّ رجل صالح ولكنَّه سيء الحفظ، وقد روى عنه شعبة
وغير واحد، واحتمل حديثه، ولما رواه ههنا شاهد مما تقدَّم، والله أعلم.
وقد تكون هذه القصَّة هي كما سبق إيرادها، ويحتمل أن تكون أخرى
ثنا محمد بن مرزوق، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا صدقة - يعني: ابن موسى
- ثنا فرقد - يعني: السنجيّ - عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس قال: كان
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمكة فجاءته امرأة من الأنصار فقالت:
يا رسول الله إنَّ هذا الخبيث قد غلبني.
( إن تصبري على ما أنت عليه تجيئين يوم القيامة
ليس عليك ذنوب ولا حساب ).
قالت: والذي بعثك بالحق لأصبرنَّ حتى ألقى الله.
قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني، فدعا لها، فكانت إذا خشيت أن يأتيها
تأتي أستار الكعبة فتعلق بها وتقول له: إخسأ، فيذهب عنها.
لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، وصدقة ليس به بأس، وفرقد
حدَّث عنه جماعة من أهل العلم منهم شعبة وغيره، واحتمل حديثه
طريق أخرى عن ابن عبَّاس:
حدَّثنا يحيى بن عمران أبي بكر، ثنا عطاء ابن أبي رباح قال: قال لي
ابن عبَّاس: ألا أريك امرأة من أهل الجنَّة ؟ قلت: بلى. قال: هذه السَّوداء
أتت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: إني أصرع وأنكشف،
( إن شئت صبرت ولك الجنَّة، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك )
قالت: لا بل أصبر فادع الله ألا أنكشف ولا ينكشف عني. قال: فدعا لها.
وهكذا رواه البخاريّ عن مسدد، عن يحيى - وهو ابن سعيد القطان -.
وأخرجه مسلم عن القواريريّ، عن يحيى القطَّان وبشر بن الفضل، كلاهما
عن عمران بن مسلم أبي بكر الفقيه البصري، عن عطاء ابن أبي رباح،
عن ابن عبَّاس فذكر مثله.
حدَّثنا محمد، ثنا مخلد عن ابن جريح قال: أخبرني عطاء أنَّه رأى أم زفر
تلك امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة.
وقد ذكر الحافظ ابن الأثير في (الغابة):
أنَّ أم زفر هذه كانت مشاطة خديجة بنت خويلد قديماً، وأنها عمَّرت
حتى أدركها عطاء ابن أبي رباح، فالله أعلم.
قال أبو بكر ابن أبي شيبة:
ثنا محمد بن بشر، ثنا عبد العزيز بن عمر، حدَّثني رجل من بني سلامان
وبني سعد عن أبيه، عن خاله، أو أن خاله، أو خالها حبيب بن مريط،
حدَّثها أنَّ أباه خرج إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعيناه مبيضَّتان
لا يبصر بهما شيئاً أصلاً.فسأله:
فقال: كنت أرعى جملاً لي فوقعت رجلي على بطن حية فأصبت ببصري.
قال: فنفث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في عينيه فأبصر، فرأيته
وإنَّه ليدخل الخيط في الإبرة، وإنَّه لابن ثمانين سنة، وإن عينيه
كذا في كتابه، وغيره يقول: حبيب بن مدرك.
قال: وقد مضى في هذا المعنى حديث قتادة بن النّعمان أنَّه أصيبت عينه
فسالت حدقته فردَّها رسول الله إلى موضعها، فكان لا يدري أيّهما أصيبت.
قلت: وقد تقدَّم ذلك في غزوة أحد، وقد ذكرنا في مقتل أبي رافع مسحه
بيده الكريمة على رجل جابر بن عتيك - وقد انكسر ساقه - فبرأ
أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم مسح يد محمد بن حاطب - وقد احترقت يده
بالنَّار - فبرأ من ساعته.
وأنَّه عليه السلام نفث في كفّ شرحبيل الجعفيّ فذهبت من كفه سلعة
وتقدَّم في غزوة خيبر تفله في عينيّ علي وهو أمرد فبرأ.
وروى التّرمذيّ عن علي حديثه في تعليمه عليه السلام ذلك الدُّعاء
وفي الصَّحيح أنَّه قال لأبي هريرة وجماعة:
( من يبسط رداءه اليوم فإنَّه لا ينسى شيئاً من مقالتي ).
قال: فبسطته، فلم أنْسَ شيئاً من مقالته تلك.
فقيل: كان ذلك حفظاً من أبي هريرة لكل ما سمعه منه في ذلك اليوم.
وقيل: وفي غيره، فالله أعلم.
ودعا لسعد ابن أبي وقاص فبرأ.
أنَّه دعا لعمِّه أبي طالب في مرضة مرضها وطلب من رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم أن يدعو له ربَّه فبرأ من ساعته.
والأحاديث في هذا كثيرة جداً يطول استقصاؤها.
وقد أورد البيهقيّ من هذا النوع كثيراً طيباً أشرنا إلى أطراف منه، وتركنا
أحاديث ضعيفة الإسناد واكتفينا بما أوردنا عما تركنا، وبالله المستعان.
ثبت في الصَّحيحين من حديث زكريا ابن أبي زائدة زاد مسلم والمغيرة،
كلاهما عن شراحيل الشعبيّ، عن جابر بن عبد الله أنَّه كان يسير
على جمل قد أعيا فأراد أن يسيبه.قال: فلحقني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فضربه ودعا لي، فسار سيراً لم يسر مثله.
فما زال بين يدي الإبل قدَّامها حتى كنت أحبس خطامه فلا أقدر عليه.
( كيف ترى جملك؟ )
فقلت: قد أصابته بركتك يا رسول الله.
ثمَّ ذكر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اشتراه منه، واختلف الرُّواة
في مقدار ثمنه على روايات كثيرة، وأنَّه استثنى حملانه إلى المدينة، ثمَّ
لما قدم المدينة جاءه بالجمل فنقده ثمنه وزاده، ثمَّ أطلق له الجمل أيضاً،
روى البيهقيّ واللفظ له وهو في صحيح البخاري من حديث حسن
بن محمد المروزيّ عن جرير ابن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أنس
بن مالك قال: فزع النَّاس فركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرسا
ً لأبي طلحة بطيئاً ثمَّ خرج يركض وحده، فركب النَّاس يركضون خلف
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال:
( لن تراعوا إنَّه لبحر )
فوالله ما سبق بعد ذلك اليوم.
أنَّا أبو بكر القاضي، أنَّا حامد بن محمد الهرويّ، ثنا علي بن عبد العزيز،
ثنا محمد بن عبد الله الرقاشيّ، ثنا رافع بن سلمة بن زياد، حدَّثني عبد الله
ابن أبي الجعد عن جعيل الأشجعيّ قال: غزوت مع رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم في بعض غزواته وأنا على فرس لي
قال: فكنت في أخريات النَّاس فلحقني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقال:
( سر يا صاحب الفرس ).
فقلت: يا رسول الله عجفاء ضعيفة.
قال: فرفع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مخفقة معه
( اللَّهم بارك له ).
قال: فلقد رأيتني أمسك برأسها أن تقدَّم النَّاس، ولقد بعت من بطنها
ورواه النَّسائيّ عن محمد بن رافع، عن محمد بن عبد الله الرقاشيّ فذكره.
وهكذا رواه أبو بكر ابن أبي خيثمة عن عبيد بن يعيش،
عن زيد بن الخبَّاب، عن رافع بن سلمة الأشجعيّ فذكره.
وقال البخاري في (التَّاريخ):
وقال رافع بن زياد بن الجعد ابن أبي الجعد: حدَّثني أبي عبد الله
ابن أبي الجعد أخي سالم، عن جعيل فذكره.
أنَّا أبو الحسين ابن الفضل القطَّان ببغداد، أنَّا أبو سهل بن زياد القطَّان،
ثنا محمد بن شاذان الجوهريّ، حدَّثنا زكريا بن عدي، ثنا مروان بن معاوية
عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: جاء رجل
إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: إني تزوجت امرأة.
( هلا نظرت إليها؟ فإنَّ في أعين الأنصار شيئاً )
( على كم تزوجتها؟ )
( كأنهم ينحتون الذَّهب والفضة من عرض هذه الجبال، ما عندنا
اليوم شيء نعطيكه ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه، فبعث بعثاً
إلى بني عبس وبعث الرَّجل فيهم )
فأتاه فقال: يا رسول الله أعيتني ناقتي أن تنبعث.قال: فناوله رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم يده كالمعتمد عليه للقيام فأتاها فضربها برجله.
والذي نفسي بيده لقد رأيتها تسبق به القائد.
رواه مسلم في الصَّحيح عن يحيى بن معين، عن مروان.
أنَّا أبو زكريا ابن أبي إسحاق المزنيّ، أنَّا أبو عبد الله محمد بن يعقوب،
ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، أنَّا أبو جعفر بن عون، أنَّا الأعمش
عن مجاهد أنَّ رجلاً اشترى بعيراً فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فقال: إني اشتريت بعيراً فادع الله أن يبارك لي فيه.
( اللَّهم بارك له فيه )
فلم يلبث إلا يسيراً أن نفق، ثمَّ اشترى بعيراً آخر فأتى به رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: إني اشتريت بعيراً فادع الله أن يبارك لي فيه.
( اللَّهم بارك له فيه )
فلم يلبث حتى نفق، ثمَّ اشترى بعيراً آخر فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فقال: يا رسول الله قد اشتريت بعيرين فدعوت الله أن يبارك لي فيهما
فادع الله أن يحملني عليه.
وهذا مرسل ودعاؤه عليه السلام صار إلى أمر الآخرة في
أنَّا أبو عبد الرَّحمن السلميّ، أنَّا إسماعيل بن عبد الله الميكاليّ، ثنا علي
بن سعد العسكريّ، أنَّا أبو أمية عبد الله بن محمد بن خلاد الواسطيّ، ثنا
يزيد بن هارون، أنَّا المستلم بن سعيد، ثنا خبيب بن عبد الرَّحمن بن خبيب
بن أساف عن أبيه، عن جدِّه حبيب بن أساف قال: أتيت رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه فقلنا:
إنَّا نشتهي أن نشهد معك مشهداً.
( فإنَّا لا نستعين بالمشركين على المشركين ).
قال: فأسلمنا، وشهدت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأصابتني
ضربة على عاتقي فجافتني فتعلقت يدي، فأتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فتفل فيها وألزقها فالتأمت وبرأت، وقتلت الذي ضربني، ثمَّ تزوجت ابنة
الذي قتلته وضربني فكانت تقول: لا عدمت رجلاً وشَّحك هذا الوشاح.
فأقول: لا عدمت رجلاً أعجل أباك إلى النَّار.
وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث عن يزيد بن هارون بإسناده مثله،
ولم يذكر: فتفل فيها فبرأت.
ثبت في الصَّحيحين من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم عن ورقاء
بن عمر السكريّ، عن عبد الله بن يزيد، عن ابن عباس قال: أتى
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الخلاء فوضعت له وضوءاً فلمَّا خرج قال:
( من صنع هذا؟ )
( اللَّهم فقِّهه في الدِّين ).
وروى البيهقيّ عن الحاكم وغيره، عن الأصمّ، عن عبَّاس الدورقيّ،
عن الحسن بن موسى الأشيب، عن زهير، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم
عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
وضع يده على كتفي - أو قال: منكبي شكَّ سعيد –
( اللَّهم فقِّهه في الدِّين وعلِّمه التأويل )
وقد استجاب الله لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الدَّعوة في ابن عمه،
فكان إماماً يهتدى بهداه ويقتدى بسناه في علوم الشَّريعة، ولا سيما
في علم التأويل وهو التَّفسير فإنَّه انتهت إليه علوم الصَّحابة قبله،
وما كان عقله من كلام ابن عمه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد قال الأعمش عن أبي الضُّحى، عن مسروق قال:
قال عبد الله بن مسعود: لو أنَّ ابن عبَّاس أدرك أسناننا ما عاشره
( نعم ترجمان القرآن ابن عبَّاس )
هذا وقد تأخَّرت وفاة ابن عبَّاس عن وفاة عبد الله بن مسعود ببضع
وثلاثين سنة فما ظنَّك بما حصَّله بعده في هذه المدَّة؟
وقد روينا عن بعض أصحابه أنَّه قال: خطب النَّاس ابن عبَّاس في عشية
عرفة ففسَّر لهم سورة البقرة - أو قال: سورة - ففسرها تفسيراً لو سمعه
الرُّوم والتُّرك والدَّيلم لأسلموا - رضي الله عنه وأرضاه -.
ثبت في الصَّحيح أنَّه عليه السلام دعا لأنس بن مالك بكثرة المال والولد.
فكان كذلك حتى روى التّرمذيّ عن محمود بن غيلان، عن أبي داود الطَّيالسيّ
عن أبي خلدة قال: قلت لأبي العالية: سمع أنس من النَّبيّ
- صلَّى الله عليه وسلَّم - ؟
فقال: خدمه عشر سنين، ودعا له، وكان له بستان يحمل في السَّنة
الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك.
أنَّه ولد له لصلبه قريب من مائة أو ما ينيف عليها.
أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
( اللَّهم أطل عمره )
وقد دعا صلَّى الله عليه وسلَّم لأم سليم، ولأبي طلحة في غابر ليلتهما
فولدت له غلاماً سمَّاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عبد الله، فجاء
من صلبه تسعة كلهم قد حفظ القرآن، ثبت ذلك في الصَّحيح.
وثبت في صحيح مسلم من حديث عكرمة بن عمار عن أبي كثير الغبريّ،
عن أبي هريرة أنَّه سأل من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يدعو لأمه
فيهديها الله، فدعا لها، فذهب أبو هريرة فوجد أمه تغتسل خلف الباب فلمَّا
فرغت قالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فجعل
أبو هريرة يبكي من الفرح، ثمَّ ذهب فأعلم بذلك رسول الله وسأل منه أن
يدعو لهما أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين، فدعا لهما فحصل ذلك.
فليس مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبنا، وقد صدق أبو هريرة في ذلك
ومن تمام هذه الدعوة أنَّ الله شهر ذكره في أيام الجمع حيث يذكره النَّاس
بين يدي خطبة الجمعة، وهذا من التقييض القدريّ والتقدير المعنوي.
وثبت في الصَّحيح أنَّه عليه السلام دعا لسعد ابن أبي وقَّاص وهو مريض
فعوفي، ودعا له أن يكون مجاب الدَّعوة فقال:
( اللَّهم أجب دعوته، وسدد رميته )
فكان كذلك، فنعم أمير السَّرايا والجيوش كان.
وقد دعا على أبي سعدة أسامة بن قتادة حين شهد فيه بالزُّور بطول
العمر، وكثرة الفقر، والتَّعرض للفتن، فكان ذلك، فكان إذا سئل ذلك الرَّجل
يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد.
وثبت في صحيح البخاريّ وغيره:
أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم دعا للسَّائب بن يزيد، ومسح بيده على رأسه
فطال عمره حتى بلغ أربعاً وتسعين سنة، وهو تام القامة معتدل، ولم يشب
منه موضع أصابت يد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومتِّع
ثنا جرير بن عمير، ثنا عروة بن ثابت، ثنا علي بن أحمد،
حدَّثني أبو زيد الأنصاريّ قال: قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
فمسح بيده على رأسي ثمَّ قال:
( اللَّهم جمِّله وأدم جماله )
قال: فبلغ بضعاً ومائة - يعني: سنة - وما في لحيته بياض إلا نبذة يسيرة،
ولقد كان منبسط الوجه لم ينقبض وجهه حتى مات،
ولقد أورد البيهقيّ لهذا نظائر كثيرة في هذا المعنى تشفي القلوب،
حدَّثنا عارم، ثنا معتمر، وقال: يحيى بن معين، ثنا عبد الأعلى، ثنا معتمر
- هو ابن سليمان - قال: سمعت أبي يحدّث عن أبي العلاء قال: كنت عند
قتادة بن ملحان في موضعه الذي مات فيه. قال: فمرَّ رجل في مؤخر الدَّار.
قال: فرأيته في وجه قتادة. وقال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد
مسح وجهه. قال: وكنت قبل ما رأيته إلا ورأيت كأن على وجهه الدِّهان.
وثبت في الصَّحيحين أنَّه عليه السلام دعا لعبد الرَّحمن بن عوف بالبركة
حين رأى عليه ذلك الدِّرع من الزَّعفران لأجل العرس، فاستجاب الله
لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ففتح له في المتجر والمغانم حتى حصل له
مال جزيل بحيث أنَّه لما مات صولحت امرأة من نسائه الأربع
عن ربع الثمن على ثمانين ألفاً.
وثبت في الحديث من طريق شبيب بن غرقد أنَّه سمع الحيّ يخبرون
عن عروة ابن أبي الجعد المازنيّ أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
أعطاه ديناراً ليشتري له به شاة، فاشترى شاتين وباع إحداهما بدينار،
وأتاه بشاة ودينار فقال له:
( بارك الله لك في صفقة يمينك ).
فدعا له بالبركة في البيع فكان لو اشترى التُّراب لربح فيه.
ثنا عبد الله بن يوسف، أنَّا ابن وهب، ثنا سعيد ابن أبي أيوب عن
أبي عقيل أنَّه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السُّوق فيشتري
الطَّعام فيلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان: أشركنا في بيعك فإنَّ رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم قد دعا لك بالبركة، فيشركهم فربما أصاب الرَّاحلة
كما هي فبعث بها إلى المنزل.
أنَّا أبو سعد الماليني، أنَّا ابن عديّ، ثنا علي بن محمد بن سليمان الحليميّ
ثنا محمد بن يزيد المستمليّ، ثنا سبابة بن عبد الله، ثنا أيوب بن سيار
عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن أبي بكر، عن بلال قال: أذَّنت في
غداة باردة فخرج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يرَ في المسجد واحداً
( اللَّهم أذهب عنهم البرد )
تفرَّد به أيوب بن سيار، ونظيره قد مضى في الحديث المشهور
عن حذيفة في قصَّة الخندق.
قال أبو القاسم البغويّ:
ثنا كامل بن طلحة، ثنا حماد بن سلمة، ثنا علي بن زيد بن جدعان
عن أبي الطّفيل أنَّ رجلاً ولد له غلام فأتى به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فدعا له بالبركة، وأخذ بجبهته فنبتت شعرة في جبهته كأنها هلبة فرس،
فشبَّ الغلام فلمَّا كان زمن الخوارج أجابهم، فسقطت الشَّعرة عن جبهته،
فأخذه أبوه فحبسه وقيده مخافة أن يلحق بهم.
قال: فدخلنا عليه فوعظناه وقلنا له: ألم تر إلى بركة رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم وقعت، فلم نزل به حتى رجع عن رأيهم.
قال: فردَّ الله تلك الشعرة إلى جبهته إذ تاب.
وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقيّ عن الحاكم وغيره، عن الأصمّ، عن
أبي أسامة الكلبيّ، عن سريج بن مسلم، عن أبي يحيى إسماعيل
بن إبراهيم التيميّ، حدَّثني سيف بن وهب عن أبي الطّفيل أنَّ رجلاً من
بني ليث يقال له: فراس بن عمرو أصابه صداع شديد فذهب به أبوه إلى
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأجلسه بين يديه وأخذ بجلدة بين عينيه
فجذبها حتى تبعصت فنبتت في موضع أصابع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
شعرة وذهب عنه الصُّداع فلم يصدع، وذكر بقية القصَّة في الشعرة