{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ
وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }
{ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ }
("العلي": هو العالي القاهر، فعيل بمعنى فاعل، كالقدير والقادر والعليم
والعالم، وقد يكون ذلك من العلو الذي هو مصدر علا، يعلو، فهو عال،
{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }
ويكون ذلك من علاء المجد والشرف، يقال منه: علي يعلى علاء،
ويكون الذي علا وجل أن تلحقه صفات الخلق أو تكيفه أوهامهم) اهـ .
وقال البغوي في قوله تعالى:
{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ }
{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }
{ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ }
، فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته، لا إله إلا هو، ولا رب سواه؛
لأنه العظيم الذي لا أعظم منه، العلي الذي لا أعلى منه، الكبير الذي
لا أكبر منه، تعالى وتقدس وتنزه عز وجل عما يقول الظالمون
المعتدون علواً كبيراً) اهـ .
وقال أبو بكر بن خزيمة رحمه الله:
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى }
فالأعلى مفهوم في اللغة أنه أعلى كل شيء، وفوق كل شيء، والله قد
وصف نفسه في غير موضع من تنزيله ووجوهه، وأعلمنا أنه العلي
العظيم، أفليس العلي – يا ذوي الحجى – ما يكون عالياً، لا كما تزعم
المعطلة الجهمية أنه أعلى وأسفل ووسط ومع كل شيء، وفي كل موضع
من أرض وسماء، وفي أجواف جميع الحيوان، ولو تدبروا الآية من كتاب
الله ووفقهم الله لفهمها لعقلوا أنهم جهال لا يفهمون ما يقولون،
وبان لهم جهل أنفسهم وخطأ مقالتهم.قال الله تعالى لما سأله
موسى عليه السلام أن يريه ينظر إليه قال:
{ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ }
{ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا }
أفليس العلم محيطاً – يا ذوي الألباب – أن الله عز وجل لو كان في كل
موضع ومع كل بشر وخلق – كما زعمت المعطلة – لكان متجلياً لكل
شيء، وكذلك جميع ما في الأرض لو كان متجلياً لجميع أرضه سهلها
ووعرها، وجبالها براريها ومفازها، مدنها وقراها، وعمارتها وخرابها،
وجميع ما فيها من نبات وبناء، لجعلها دكاً كما جعل الله الجبل الذي تجلى له دكا،
{ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا }
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وهو سبحانه وصف نفسه بالعلو، وهو من صفات المدح له بذلك
والتعظيم؛ لأنه من صفات الكمال، كما مدح نفسه بأنه العظيم والعليم
والقدير والعزيز والحليم ونحو ذلك، وأنه الحي القيوم، ونحو ذلك من
معاني أسمائه الحسنى، فلا يجوز أن يتصف بأضداد هذه، فلا يجوز أن
يوصف بضد الحياة والقيومية والقدرة، مثل الموت والنوم والجهل والعجز
واللغوب، ولا بضد العزة وهو الذل، ولا بضد الحكمة وهو السفه.
فكذلك لا يوصف بضد العلو وهو السفول، ولا بضد العظيم وهو الحقير،
بل هو سبحانه منزه عن هذه النقائص المنافية لصفات الكمال الثابتة له،
فثبوت الكمال له ينفي اتصافه بأضدادها وهي النقائص) اهـ .
وقال ابن القيم رحمه الله:
هــذا ومـــن توحـيـدهـم إثـبــاتiiأو صـــاف الـكـمـال لـربـنـا الـرحـمـن