{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }
هو الذي ليس ببعيد فالله عز وجل قريب من عباده ... أي: أنا قريب
الإجابة، وهو مثل قوله –عز وجل-
{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ }
{ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ
وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا }
{ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }
وهو القريب وقربه المختص بـــــ ــــــــالداعي وعباده على الإيمان
فقربه سبحانه وتعالى نوعان:
1- قرب عام: وهو إحاطة علمه بجميع الأشياء، وهو أقرب إلى الإنسان
من حبل الوريد، وهو بمعنى المعية العامة.
2- قرب خاص بالداعين والعابدين، هو قرب يقتضي المحبة والنصرة،
والتأييد في الحركات والسكنات، والإجابة للداعين، والقبول والإنابة للعابدين .
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }
وإذا فهم القرب بهذا المعنى في العموم والخصوص لم يكن هناك تعارض
أصلاً بينه وبين ما هو معلوم من وجوده تعالى فوق عرشه فسبحان
من هو علي في دنوه قريب في علوه .
فالله عز وجل قريب ممن دعاه بإجابته،
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي
صلى الله عليه وسلم في سفر، فكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير،
( يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم
ولا غائباً إنما تدعون سميعاً قريباً، إن الذي تدعونه أقرب
إلى أحدكم من عنق راحلته ) .
وكذلك قول صالح -عليه السلام- لقومه
{ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }
فقوله قريب مجيب مقرون بالتوبة والاستغفار، أراد قريب مجيب
لاستغفار المستغفرين التائبين إليه.أما المجيب فاسم فاعل من أجاب
يجيب فهو مجيب. فالله –عز وجل- مجيب دعاء عباده إذا دعوه
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }
فهو سبحانه وتعالى: المجيب الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويغيث
الملهوف إذا ناداه، ويقابل مسألة السائلين بالإسعاف، ودعاء الداعين
بالإجابة، وضرورة المضطرين بالكفاية، بل ينعم قبل النداء، ويتفضل
وهو المجيب يقول من يدعو أجيبــــ ـــــه أنا المجيب لكل من ناداني
وهو المجيب لدعوة المضطر إذ يدعوه في سر وفي إعلان
إجابة الله -عز وجل- لعباده نوعان:
1- إجابة عامة لكل من دعاه دعاء عبادة أو دعاء مسألة،
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }
فدعاء المسألة أن يقول العبد اللهم أعطني كذا أو اللهم ادفع عني كذا،
وهذا يقع من البر والفاجر، ويستجيب الله فيه لكل من دعاه بحسب الحال
المقتضية وبحسب ما تقتضيه حكمته، وهذا يستدل به على كرم المولى
وشمول إحسانه للبر والفاجر، ولا يدل بمجرده على حسن حال الداعي
الذي أجيبت دعوته إن لم يقترن بذلك ما يدل عليه وعلى صدقه وتعين
الحق معه، كسؤال الأنبياء ودعائهم لقومهم وعلى قومهم فيجيبهم الله،
فإنه يدل على صدقهم فيما أخبروا به وكرامتهم على ربهم، ولهذا كان
النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو بدعاء يشاهد المسلمون
وغيرهم إجابته، وذلك من دلائل نبوته وآيات صدقه، وكذلك ما يذكرونه
عن كثير من أولياء الله من إجابة الدعوات، فإنه من أدلة كراماتهم
2- إجابة خاصة ولها أسباب عديدة، منها دعوة المضطر الذي وقع
في شدة وكربة عظيمة، فإن الله يجيب دعوته،
{ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ }
وسبب ذلك شدة الافتقار إلى الله وقوة الانكسار وانقطاع تعلقه
بالمخلوقين، ولسعة رحمة الله التي يشمل بها الخلق بحسب حاجتهم
إليها، فكيف بمن اضطر إليها، ومن أسباب الإجابة طول السفر، والتوسل
إلى الله بأحب الوسائل إليه من أسمائه وصفاته ونعمه، وكذلك دعوة
المريض والمظلوم والصائم والوالد على ولده أو له وفي الأوقات
مجيب السائلين.. حملت ذنبي وسرت على الطريق إلى حماكا
ورحت أدق بابك مستجيراً ومعتذراً... ومنتظراً رضاكا
دعوتك يا مفرج كل كرب ولست ترد مكروباً دعاكا
وتبت إليك.. توبة من تراه غريقاً في الدموع.. ولا يراكا