وهما من صفات الذات أيضاً إذ هما بــالـــذات لا بـالـغـيــرiiقـائـمــتــان
والمقدم والمؤخر من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد منها
على الله إلا مقروناً بالآخر، فإن الكمال من اجتماعها، فهو تعالى المقدم
لمن شاء والمؤخر لمن شاء بحكمته.
وهذا التقديم كونياً كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها
على بعض وكتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها.
وأنواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير بحر لا ساحل له. ويكون
شرعياً كما فضل الأنبياء على الخلق وفضل بعضهم على بعض، وفضل
بعض عباده على بعض، وقدمهم في العلم والإيمان والعمل والأخلاق
وسائر الأوصاف، وأخر من أخر منهم بشيء من ذلك وكل هذا تبعاً
لحكمته. وهذان الوصفان وما أشبههما من الصفات الذاتية لكونهما
قائمتين بالله والله متصف بهما، ومن صفات الأفعال لأن التقديم والتأخير
متعلق بالمخلوقات ذواتها وأفعالها ومعانيها وأوصافها، وهي ناشئة
عن إرادته وقدرته ...فالله عز وجل هو المقدم والمؤخر فقد قدم الإنسان
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }
وفضل الله الأنبياء، وقدم بعضهم على بعض،
ورفع بعضهم فوق بعض درجات.
{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ
وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ }
قال ابن كثير -رحمه الله-:
يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض
{ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا }
{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ }
يعني موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم.
{ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ }
كما ثبت في حديث الإسراء حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء
في السماوات بحسب تفاوت منازلهم عند الله -عز وجل-