{ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا
وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا }
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله
{ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا }
وكان الله على كل شيء حفيظاً وشهيداً.
القائم على كل شيء بالتدبير وقال آخرون: هو القدير).
(والصواب من هذه الأقوال، قول من قال: معنى المقيت القدير،
وذلك فيما يذكر كذلك بلغة قريش وينشد للزبير بن عبد المطلب
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتاً
إن منه قول النبي صلى الله عليه وسلم
( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقيت ) .
وفي رواية من رواها (يقيت) يعني: من هو تحت يديه وفي سلطانه من
أهله وعياله، فيقدر له قوته، يقال منه أقات فلان الشيء يقيته إقاته،
ووقاته يقوته قياتة، والقوت الاسم.واختار أن معنى (المقيت):
القدير، الفراء ، والخطابي ، وابن قتيبة .
(وقد قال علماء اللغة أنه بمعنى (القادر) وليس فيه على هذا أكثر من
السماع، فلو رجعنا إلى الاستقراء وتتبع مسالك النظر لجعلناه في موارده
كلها بمعنى القوت، ولكن السماع يقضي على النظر.
وعلى القول بأنه (القادر) يكون من صفات الذات.وإن قلنا إنه اسم للذي
يعطي القوت فهو اسم للوهاب والرزاق، ويكون من صفات الأفعال) اهـ ..
بعد أن ذكر المعنى اللغوي: فالمعنى أن الله تعالى يعطي كل إنسان
وحيوان قوته على مر الأوقات، شيئاً بعد شيء، فهو يمدها في كل وقت
بما جعله قواماً لها، إلى أن يريد إبطال شيء منها فيحبس عنه ما جعله
(وقال أبو عبيدة: (المقيت: الحافظ)، وقال الكسائي: (المقيت: المقتدر).
وقول أبي عبيدة أولى؛ لأنه مشتق من القوت، والقوت معناه مقدار
المقيت معناه خالق الأقوات، وموصلها إلى الأبدان وهي الأطعمة، وإلى
القلوب وهي المعرفة، فيكون بمعنى (الرزاق) إلا أنه أخص منه إذ الرزق
يتناول القوت وغير القوت، والقوت ما يكتفي به في قوام البدن.
وأما أن يكون بمعنى المستولي على الشيء، القادر عليه، والاستيلاء يتم
{ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا }
أي: مطلعاً قادراً، فيكون معناه راجعاً على القدرة والعلم.
... ويكون بهذا المعنى وصفه بـــ (المقيت) أتم من وصفه بالقادر وحده
وبالعالم وحده، لأنه دال على اجتماع المعنيين، وبذلك يخرج هذا الاسم
وقال عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
المقيت الذي أوصل إلى كل موجود ما به يقتات، وأوصل إليها أرزاقها،
وصرفها كيف يشاء بحكمته وحمده