صفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعزة، والحكمة،
والعلو، والعظمة، وغير ذلك وقد دل على هذا السمع، والعقل، والفطرة.
{ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى.
فوجهه أن كل موجود حقيقة، فلابد أن تكون له صفة إما صفة كمال،
وإما صفة نقص والثاني باطل بالنسبة إلى الرب الكامل المستحق للعبادة؛
ولهذا أظهر الله تعالى بطلان ألوهية الأصنام باتصافها بالنقص والعجز
{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ
إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}
{ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا
وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }
وقال عن إبراهيم وهو يحتج على أبيه:
{ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا }
{ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ
أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ }
ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفات كمال، وهي
من الله تعالى، فمعطي الكمال أولى به وأما الفطرة: فلأن النفوس السليمة
مجبولة مفطورة على محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهل تحب وتعظم
وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته؟
وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى
كالموت والجهل، والنسيان، والعجز،والعمى،والصمم ونحوها؛
{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ }
{ فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى }
{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ }
{ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم
بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال
( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور )
( أيها الناس، اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ، ولا غائباً )
وقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص،
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ
بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }
{ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء
سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ
وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }
ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص،
{ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ
إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }
وإذا كانت الصفة كمالاً في حال، ونقصاً في حال، لم تكن جائزة في حق
الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، فلا تثبت له إثباتاً مطلقاً، ولا تنفى عنه
نفياً مطلقاً بل لابد من التفصيل: فتجوز في الحال التي تكون كمالاً، وتمتنع
في الحال التي تكون نقصاً وذلك كالمكر، والكيد، والخداع، ونحوها فهذه
الصفات تكون كمالاً إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها؛ لأنها
حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أشد،
وتكون نقصاً في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته
على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها
{ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }
{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا }
{ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ }
{ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ
اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ }
ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه فقال تعالى:
{ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهي صفة ذم
مطلقاً وبذا عرف أن قول بعض العوام: (خان الله من يخون)