عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-20-2015, 08:57 PM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 59,977
افتراضي خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان : دوام الطاعات بعد رمضان


خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي - يحفظه الله

خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
دوام الطاعات بعد رمضان


والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وانتهاء موسِمه،

مُشيرًا إلى أن علامة قبول الله تعالى لأعمال العباد هي في استمرارهم

ومُداومتهم على الطاعات بعد مواسِم الخير، مثل: رمضان وغيره..

الحمد لله الذي خلق الخلقَ بقدرته، ومَنَّ على من شاء بطاعته،

وخذلَ من شاء بحكمته، فسبحان الله الغني عن كل شيءٍ

فلا تنفعه طاعةُ من تقرَّب إليه بعبادته،


ولا تضرُّه معصيةُ من عصاه لكمال غِناه وعظيم عزَّته،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلاهيَّته،

وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه خيرتُه من خليقته،

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ،

وعلى آله وصحابته صلاةً وسلامًا كثيرًا



فاتَّقوا الله تعالى بدوام الطاعات، وهجر المُحرَّمات؛

فقد فاز من تمسَّك بالتقوى في الآخرة والأولى، وخابَ وخسِرَ من اتَّبعَ الهوى .

عباد الله :

اذكروا نعمَ الله عليكم التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وقابِلوها بالشُّكر لتدومَ وتبقَى،

قال الله تعالى:

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }

[ إبراهيم: 7 ]

وقال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }

[ فاطر: 15 ]

وقال تعالى:

{ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }

[ لقمان: 12 ].

وقال تعالى في الحديث القُدسي:

( يا عبادي! إنما هي أعمالُكم أُحصِيها لكم ثم أُوفِّيكم إيَّاها؛

فمن وجدَ خيرًا فليحمَد الله، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه )


رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه .

أيها المسلمون :

بالأمس في رمضان صفَتْ لكم الأيام والليالي، وتلذَّذتم بأنواع الطاعات في تلك الساعات

الخوالِي، ووفَّق الله لهجر المُحرَّمات خوفًا من عقاب الكبير المُتعال،

فلا تتبدَّلوا العِصيان بطاعة الرحمن، ولا تتبدَّلوا الغفلةَ بذِكرِ الله وتلاوة القرآن،

ولا يدخلنَّ عليكم في الفرائِض النقصُ بالتقصيرِ فيها أو الكسل عنها.

فالصبرُ على الطاعات، والصبرُ عن المعاصِي هو صفاتُ المؤمنين،

وشِعارُ المُتَّقين،

قال الله تعالى:

{ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }

[ مريم: 65 ]

وقال تعالى:

{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا

لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }


[ طه: 132 ].

ولا يتحوَّلُ أحدٌ مما يحبُّ الله تعالى منه إلى ما يكرهُ الله منه؛

لئلا يتحوَّل الله له إلى ما يكره، ولا يُغيِّرنَّ أحدٌ ما كان عليه من الاستقامة،

والسَّداد، والطاعة إلى اتباع الهوى والشيطان، ومُقارفة المُنكرات والمُحرَّمات،

فيُغيِّر الله عليه أحوالَه، وتنتكِس عليه أمورُه.

قال الله تعالى:

{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ

حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }


[ الأنفال: 53 ]

وقال تعالى:

{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }

[ الصف: 5 ].

وليُجاهِد المسلمُ نفسَه على أن يكون على أحسن الأحوال مُستعينًا بالله تبارك وتعالى ،

وليسأل من ربِّه العونَ والتوفيقَ على أن يُعينَه على طاعته، ويحفَظه عن معاصِيه.

أيها المسلمون :
ألا تعلَمون أن أحسنَ أمور المُسلم: أن يكون على طاعةٍ بعد طاعة؟

وأن يُتبِع الحسناتِ الحسنات مع مُجانبة السيئات؟

قال الله تعالى:

{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ }

[ محمد: 17 ].

ثم إن دون هذه المنزلة أن يُتبِع السيئةَ الحسنة لتُكفِّرَها

قال الله تعالى:

{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ

إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }


[ هود: 114 ].

وفي حديثِ مُعاذٍ وأبي ذرٍّ - رضي الله عنهما -، قالا:

قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:

( اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتبِع السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ )

رواه الترمذي.

وأسوأُ أحوال الإنسان: أن يُتبِع السيئات السيئاتِ،

أو يُتبِع الحسناتِ السيئات التي تُبطِلُها

قال الله تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ }

[ محمد: 33 ].

لأن السيئات والمعاصِي بعد الحسنات والطاعات قد تُحبِط العمل،

وقد تُبطِلُ بعض العمل، وقد تُنقِصُ ثوابَ الأعمال.

وقد ذَكَر الصالِحون عن السلف أنهم كانوا يدعُون الله أن يتقبَّل منهم رمضان ستة أشهر،

ويدعُون الله ستة أشهر أن يُبلِّغهم رمضان.

ومن كيد الشيطان: أن يُزيَّن للإنسان التهاوُن في الطاعات،

والضعفَ أمام المُحرَّمات في غير رمضان، فيَنالَ منه ما لم ينَلْ في رمضان؛

لأنه كان في رمضان مأسورًا.

قيل لبشرٍ الحافيٍّ:

[ ما تقولُ في قومٍ يجتهدون في رمضان، فإذا ولَّى تركُوا !

قال: "بئسَ القوم؛ لا يعرِفونَ الله إلا في رمضان ]


وأعظمُ الكرامة: هي أن يمُنَّ الله على العبد بالاستقامة في كل أيام عُمره،

فذلك هو الفوزُ كلُّه والسعادةُ التامَّة

قال الله تعالى:

{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)

أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }


[ الأحقاف: 13، 14 ].

وعن سُفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال:

( قلتُ: يا رسول الله ! قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا غيرَك.

قال: قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم )


رواه مسلم.

وربُّنا - عز وجل - هو الذي يُعبَد في كل زمانٍ ومكانٍ،

وهو الذي يجبُ أن يُطاعَ فلا يُعصَى

قال الله تعالى:

{ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }

[ الحجر: 99 ].

قال المُفسِّرون:

[ اعبُد ربَّك دائمًا حتى يأتيَك الموتُ ]

قال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -:

[ ليس للمؤمن وقتٌ ينتهي إليه حتى يأتِيَه الموتُ ]

ومن فهِمَ من الآية أن التكاليفَ تسقُط عن العبد بعد وصولِه إلى اليقين –

وهو عدمُ الشكِّ -، فهو من الزنادِقة المُلحِدين الذين يهدِمون الدينَ بالبِدع،

ودينُه غيرُ دين الإسلام .

وإذا كان رمضان قد انقضَى فرضُ صيامِه، وشُرِع في شهره أنواعُ الطاعات؛

فقد شرعَ الله فيما بعد رمضان فعلَ الخيرات، وأوجبَ الفرائض، ونهى عن المُحرَّمات،

فقد شُرِع صيامُ ستة أيامٍ من شوال .

عن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

( من صامَ رمضان ثم أتبَعَه بستٍّ من شوال كان كصيام الدَّهر )

رواه مسلم.

وشُرِع صيامُ ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وذلك كصيام الدَّهر كما في الحديث،

وشُرِع صيامُ الاثنين والخميس، وصيام عرفة، وعاشوراء، وصيامُ عشر ذي الحجَّة،

وشُرِع الذِّكرُ مع تلاوة القرآن، وأفضلُ التطوُّع الصلاةُ في جوفِ الليل،

وشُرِعَت الصدقةُ وأنواعُ النفقات، وشهرُ شوال بدايةُ أشهر الحجِّ.

فالأعمالُ الصالحات كما هي في رمضان، هي مشروعةٌ فيما بعد رمضان،

والسابِقون هم المُستكثِرون منها.

ومن مكر الشيطان: أن يُصابَ بعضُ الناس بالكسل عن صلاةِ الفريضة،

فيُصلِّي في رمضان ويترك الصلاة بعده، أو يُصلِّي بعضَ الصلاة ويترك بعضَها،

رد مع اقتباس