معاشرَ المسلمين ، ثلاثةٌ و عشرون عامًا مِن الدعوة و الصبر و التعليم و الجهاد
تقِف شامخةً على قمَّة الزمنِ و الحضارة و التأريخ ، لا تجِد فيها ساعةً أو خطوَة
توصَف بالضياع أو الإهدارِ .
أمّةَ الإسلام ، أحباب سيّدِ الأنام ، و مع كلِّ هذا الجلاء و البهاء في سيرةِ خير الورَى ،
لا يزالُ أرباب النّفاق و مَردَة الكُفرِ و مُسوخ العولمة و التغريب
ينشرون أباطيلَهم و حقدَهم عبرَ الحمَلات و الشبكات
حِيالَ الجناب المحمدّيّ الأطهر و الهديِ المصطفويّ الأزهَر ،
فيا وَيحهم ، يَرمون من أرسلَه الله رحمةً للعالمين بالقَسوة و الجفاء
و الإرهابِ و الغِلظة و الشناءَة ، في رسومٍ ساخِرة و دِعايات سافِرة و حملات ماكِرة ،
فالله حسبنا و حسيبُهم .
و ما عُدَّتهم إلاّ الإفتراء و الزور،
و قد علِموا يقينًا قاطعًا أنّ النبيَّ الأمّيَّ الهاشميّ القرشيّ
صلوات ربي و سلامُه عليه قد جاء للبشريّة بأسمى الحقائِق و أزكى الآداب ،
و أرقى النُّظُم و أجلى الشرائع ، و لكن
وَجَحَدُوا بِهَاوَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًاوَعُلُوًّا
[النمل:14] .
الله أكبر ،
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ
[الكوثر:3] ،
و لله درُّ حسّانَ رضي الله تعالى عنه :
هجوتَ مباركًا برًّا حنيفًا أميـنَ الله شِيمتُه الوفاءُ
فإنَّ أبي و والدَه و عِرضي لعِرضِ محمّدٍ منكم وقاء
أمّةَ الإسلام في كلّ مكان ، و إذا كانَت المآسي تلفَح وجوهَنا في كلِّ شبرٍ و واد ،
فإنّه لِزامًا على الأمّة و قد رضِيَت بالركون إلى هذه الدنيا ،
و ضعُف حبلُ صِلَتِها بهذِه السّيرةِ الهادِية ،
أن تَنثَنِي إلى السيرة النبوية في شمولٍ و عُمق و جِدٍّ و صِدق ،
و أن تكونَ أشدَّ تعلُّقًا بنبيِّها و سيرتِه عليه الصلاة و السلام تأسِّيًا و فهمًا و سلوكًا
و إستبصارًا و إعتبارًا ؛ لتنتشلَ نفسَها من العجزِ و التمزّق ،
و الفِتن و الإنحدار التي مُنِيت بها في هذهِ الآونةِ المتأخرة ،
و لْتعلِنها مدوّيَة خفّاقةً أنّ السيرة النبويّةَ و المناقب المحمّديّة على صاحبها أزكَى صلاة و سلامٍ ، هي مناط العِزّ و النصر الذي سوف يعرُج بالأمة إلى مراتب السّؤدَد و التمكين ، وهي التي تقضِي على جدلٍ كلِّ عنيد و خداع كلِّ ماكر و نفاق كلِّ دعِيّ ، و هي الحجّة القاطعة لدحرِ المتهجمين على أصولِ الشريعة و أحكامها مِن قليلِي البصيرة و سُفَهاء الأحلام .
السيرةُ النبويّة ـ يرعاكم الله ـ هي الشمسُ الساطعة التي تربَّى عليها الأجيالُ
بمنهج الوسَطِ و الإعتدال بعدَ أن تلقَّفَتهم الغرائز و الشهوات في الإعلام و الفضائيّات ،
و طوَّقتهم الشّبهات في الشبكاتٍ و المنتدَيَات ،
حتى جفَّت في قلوبهم ينابيعُ الحبِّ المورِقِ لنبيِّهم و شمائِلِه و صَحبهِ إلاّ مَن رحم الله .
يا أمّة الحبيب المصطفى ، و لن يتحقَّق الحبّ النبويّ المكين
في أكملِ معانيه و أحكمِ مبانيه إلاّ إذا كانت لُحمتُه الاتِّباعَ و الإقتداء ،
و وسيلته العمل و الاهتداء .
ألا فاتقوا الله عباد الله، و تحلًوا بشمائل نبيِّكم و أخلاقِه ،
و تزيَّنوا بمناقبِه و آدابِه ، و تمثَّلوا هديَه ، و ترسَّموا سنّتَه ،
و عَضّوا عليها بالنواجذ ، تغنَموا و تنعَموا و تسودوا و تقودوا .
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِوَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
[يوسف:21] .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُوَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْوَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَوَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ
[آل عمران:31، 32] .
بارك الله لي و لكم في الوَحيين ، و نفعني و إيّاكم بهدي سيِّد الثقلين ،
أقول قولي هذا ، و أستغفر الله العظيم الجليل لي و لكم و لسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ ،
فأستغفروه و توبوا إليه ؛ إنه كان توّابًا .
الحمد لله جعَلنا من خيرِ أمّة أخرِجت للناس ،
سبحانه و بحمدِه خصَّنا بشريعةٍ لا يعيبها عِوَج و لا إلتباس ،
و أشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له هو المجير من فِتَن الدّنيا و الأرجاس ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدًا عبد الله و رسوله أفضل من قادَ و ساس ،
و خيرُ من سقانا بسيرتِه السنيّة أروى كاس ،
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آلِه و صحبه الصّفوةِ من كل الملا و الناس ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين .
أمّـــا بعـــد :
فأتقوا الله عباد الله ، و أعلَموا أنَّ من مقتضَى محبّة رسول الله محبّةَ آله الأطهار
و صَحبه الأخيار المهاجرين منهم و الأنصار ،
و وُدَّ أهل بيته الطيّبين الطاهرين و زَوجاته الطاهرات أمّهات المؤمنين
و صحابَتِه الغرِّ الميامين ، فلَيس في الأمّة كالصحابة في الفضلِ و المعروف ؛
أبرُّ الناس إيمانًا ، و أهدَاهم قلوبًا ، و أجفَاهم للهِ جنوبًا ،
أنتَهَوا في محبَّتِهم لخير البريّة إلى تفديَتِه بالآباء و الأمّهات ،
و إلى أعالي الدّرجات و سامي الغايات التي تمتنِع إلاّ على النفوسِ المشرقة باليقين .
فمن أحبَّهم و أثنى عليهم برِئ من النّفاق و كان له من منازل الإيمان
على قدرِ محبّتِه لهم و الاقتداء بهم ، يقول سبحانه :
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
[الفتح:18] .
و في صحيحِ الخبَر عن سيِّد البشَر في بيان حقِّهم و عظيمِ قدرِهم :
(( لا يحبُّهم إلا مؤمِن ، و لا يبغِضهم إلاّ منافق ،
و من أحبَّهم أحبَّه الله ، و من أبغضَهم أبغضه الله )) .
رضي الله عنهم و أرضاهم ، فهم ـ و ايمُ الله ـ لا يذكَرُون إلاّ بالجميل ،
و مَن ذكرهم بغير الجميل فهو على غير سّبيل المؤمنين .
و ختامًا، فلتعلَموا ـ يرعاكم الله ـ أنّ من أحبَّ شيئًا أجراه دومًا على لسانه
و مكَّنه من سويداء جنانه .
ألا فأكثِروا ـ يرحمكم الله ـ من الصلاة و السلامِ على الحبيب رسولِ الله
كما أمركم بذلك ربّكم جلّ في علاه ، فقال تعالى قولاً كريمًا :
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[الأحزاب:56] ،
و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه :
(( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا )) .
اللّهمّ فاجز عنّا نبيّنا محمّدًا خيرَ الجزاء و أوفاه ، و أكمله و أسناه ،
و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ، و لحقِّه أداءً ،
و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول .
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد ، و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك .
اللهم اجعل حبَّك و حبَّ رسولك أحبَّ إلينا من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين .
اللهم أعزَّ الإسلام و المسلمين ... ثم باقى الدعاء
اللهم أستجب لنا إنك أنت السميع العليم و تب علينا إنك أنت التواب الرحيم
اللهم أميـــــن
أنتهت