الموضوع
:
خطبة المدينة: التذكُّر حقائقه وتفصيله لفضيلة الشيخ د. علي الحذيفي
عرض مشاركة واحدة
#
1
03-05-2011, 06:36 PM
vip_vip
Moderator
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
خطبة المدينة: التذكُّر حقائقه وتفصيله لفضيلة الشيخ د. علي الحذيفي
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى الشريف
بالمدينة المنورة - طيبة الطيبة
بعنوان : التذكر حقائقه وتفصيله
ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور / على الحذيفى
الأمام و الخطيب بالمسجد النبوى الشريف
خطبة المدينة: التذكُّر حقائقه وتفصيله لفضيلة الشيخ د. علي الحذيفي
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان:
" التذكُّر حقائقه وتفصيله"،
والتي تحدَّث فيها عن التذكُّر وأهميته في حياة الفرد والمجتمع،
وبيَّن أن الله - سبحانه وتعالى - أمر به في غير ما آيةٍ من كتابه على صورٍِ كثيرة،
وأشار في خِتام خُطبته إلى الأحداث المُعاصِرة وضرورة ضبط النفس حيالَها
وعدم الانسياق وراء الفتن وأصحابها لئلا نُصاب بما أُصيب به من قبلنا.
الحمد لله، الحمد لله الذي أحيا قلوب المؤمنين بالإيمان واليقين،
وجعل القرآن والسنة شفاءً وهدًى وبشرى للمسلمين، أحمد ربي وأشكره،
وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين،
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الأمين،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله، اتقوا الله بالتقرُّب إليه فيما أمَر، والبُعد عما نهى عنه وزَجَر، قال الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
[الأحزاب: 70، 71].
عباد الله:
اعلموا أن التذكُّر لما ينفع العبد في دنياه وأخراه، والعملَ بما يُوجِبُه التذكُّر النافع هو فلاحُ الإنسان وسعادته وفوزه في الدارين،
قال الله تعالى:
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى
[الأعلى: 10]،
ونسيان ما ينفع والإعراضُ عن التذكُّر هو الخسران والخيبة والشقاوة،
قال الله تعالى:
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
[الكهف: 28]
وقال تعالى:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ
[السجدة: 22]،
وقال تعالى:
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ
[الصافات: 13].
والتذكُّر من صفات أهل العقول الراجحة والفِطر المستقيمة،
قال الله تعالى:
وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ
[البقرة: 269]،
وأولو الألباب هم المهتدون المتقون الذين يفعلون الحسن ويهجرون القبائح،
قال الله تعالى:
فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ
وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ
[الزمر: 17، 18].
والتذكُّر من صفات المُنيبين التائبين الذين أحيا الله قلوبهم بالإيمان،
وأصلح أعمالهم بالإخلاص واتباع السنة،
قال الله تعالى:
وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ
[غافر: 13]،
وقال تعالى:
تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ
[ق: 8].
والمُتذكِّرون قد سلَكوا سبيل النجاة والسعادة في الدنيا،
واتَّصفوا بأحسن الصفات، وتطهَّروا من أعمال وأخلاق السيئات،
فوعَدَهم الله بأرفع الدرجات في الجنات، قال الله تعالى:
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً
وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23)
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ
[الرعد: 19 - 24]،
هذه الصفات الكريمة لمن تذكَّر وتقدَّم في الخيرات ولم يتأخَّر.
أيها المسلم:
ألا تحبُّ أن تعلم التذكُّر وتعرف حقائقه وتفصيله؟! نعم،
التذكُّر: هو استحضار كل علمٍ نافعٍ نزل به الوحي،
أو استفاده العقل الصحيح بالتجارب الحقَّة أو الاعتبار المُصيب،
ولعمل بمُوجِب ذلك كله، وترك ما يُضادّه؛ فمن اكتسب العلمَ النافع،
وقام بالعمل الصالح فقد فاز بأعلى الدرجات في الأخرى،
وتمتَّع بأحسن حالٍ في حياته الدنيا، قال الله تعالى:
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
[النحل: 97]،
وقال تعالى:
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
[طه: 124].
والتذكُّر مأمورٌ به العباد لتحقيق التوحيد لرب العالمين،
ومعرفة دلائله، قال الله تعالى في دعوة الخليل إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - إلى التوحيد:
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا
فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ
[الأنعام: 79- 82]؛
لأن التوحيد أساس الدين، وأصل الأعمال الصالحة؛
فإن صلُح وصحَّ صلُحَت الحياة، وإن فسَدَت العقيدة فسدَت الحياة.
وتذكُّر تدبير الله للعالم العلوي والسفلي ونفوذ مشيئة الله بالكون
وتصريف المخلوقات ينفع المُتذكِّر في صلاح قلبه،
واستقامة أحواله، وزكاة أعماله؛ فالربُّ - تبارك وتعالى -
يُذكِّرُنا بانفراده واختصاصه بالتدبير للخلق،
قال الله تعالى:
أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
[الأعراف: 54]،
وقال تعالى:
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ
[السجدة: 5]،
وقال تعالى:
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
[يونس: 3]،
وقال تعالى:
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ
[الرعد: 2]،
وقال تعالى:
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
[هود: 56]،
وقال تعالى:
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
[التكوير: 29]،
وقال تعالى:
وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
[يونس: 61]،
وقال تعالى:
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا
[فاطر: 44]،
وقال تعالى:
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ
[هود: 107].
فإذا تذكَّر الإنسان أن تدبير الكون كله وتصريفه بيد الله وحده لا شريك له،
وأن المقادير نافذةٌ بمشية الرب وحده،
كما قال - تبارك وتعالى -:
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
[القمر: 49]،
وتذكَّر أن الدنيا والآخرة لله وحده،
كما قال تعالى:
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى
[النجم: 25]،
إذا تذكَّر الإنسان هذا كلَّه تعلَّق قلبُه بالله وحده،
واعتمد على ربه في كل أموره، وطلبَ مرضاته، وابتعَد عن معاصيه؛
فالسعادة لا تُنال بالمُغالبة والقوة، إنما تُنال بطاعة الله - تبارك وتعالى -.
والربُّ - سبحانه وتعالى - كثيرًا ما يقرِن التذكُّر بالأمر والنهي،
فتذكُّر ما في أوامر الله تعالى من الحِكَم والمنافع والخيرات العامة وصلاح القلوب،
وتذكُّر ما في المنهيَّات من المضارّ والمفاسِد والخبائث والعار والدمار ومرض القلوب وموتها،
تذكُّر ذلك كله كافٍ لفعل الطاعات وبُغض المُحرَّمات والوقاية من المُهلِكات،
قال الله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
[النحل: 90]،
وقال تعالى:
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
[الأنعام: 152]،
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ويُرشِد ربُّنا الإنسانَ إلى تذكُّر بدايته ونهايته وما بين ذلك من تقلُّب أحواله
وتدبير الله له كما يريد ربُّه وأنه لا يملِك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا إلا ما أعطاه الله
ليخضَع هذا الإنسان لعبودية الله وشرعه مختارًا؛
إذ لا سعادة للإنسان إلا بذلِّ العبودية والمحبة لله - عز وجل -،
قال الله تعالى:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ
[الواقعة: 62]
وقال تعالى:
أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ
[فاطر: 37]،
وقال تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -:
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ
[الأعراف: 188].
فإذا كان هذا لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فكيف بمن دونه؟!
وقال - صلى الله عليه وسلم -:
«واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتَبَه الله لك،
وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك لم يضرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك»
؛
رواه الترمذي من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
ويُرشِدُّ الربُّ تعالى إلى تذكُّر تقلُّب الليل والنهار،
وتذكُّر الحِكَم والمنافع والغايات التي خُلِق لها كلُّ مخلوقٍ،
قال الله تعالى:
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا
[الفرقان: 62]،
وقال تعالى:
وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ
[النحل: 13].
فالكونُ المُشاهَد آياتٌ منظورة فيها التذكُّر والعبرة لكل عبدٍ مُنيب،
وقد أرشدنا الله تعالى إلى التذكُّر والاعتبار بما وقع للأمم الخالية
من العقوبات المُدمِّرة المُهلِكة لتحذَر الأمة أعمالهم،
قال الله تعالى:
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
[ق: 36، 37].
قال المُفسِّرون: "قد أهلك الله قرونًا كثيرة هم أشد قوة من كفَّار قريش،
ففتَّشوا وبحثُوا عن مكانٍ يمنعهم من الموت، فلم يجِدوا محيصًا - وهو الملاذ -،
فعاقبهم الله بذنوبهم وأهلَكَهم".
ففيما جرى للأمم الخالية تذكُّرٌ وعِظَة لمن كان له لُبٌّ وعقلٌ صحيحٌ راجحٌ،
أو ألقَى سمعَه لكلام الله وهو حاضرُ القلب،
وقال تعالى:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
[إبراهيم: 5].
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أيام الله: نِعَمُه"،
وقال مُقاتل: "أيام الله: نِقمَتُه من أهل الكفر والمعاصي"،
وكلٌّ مرادٌ للآية، فالتذكير بنِعَم الله يُورِثُ الحياءَ من المُنعِم،
ويحُثُّه على مُقابلَة النِّعَم بالطاعة والشكر،
والتذكيرُ بعقوبات الله لمن حاربَ دينَه يزجُرُ عن الوقوع في الذنوب والمعاصي،
ويمنعُ من اتباع سبيل الهالكين،
قال الله تعالى:
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
[الحشر: 19].
وقد أمرنا الله - عز وجل - أن نتذكَّر نعَمه علينا وعلى الناس،
فقال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ
غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
[فاطر: 3]،
وقال تعالى:
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ
[البقرة: 231]،
وقال تعالى:
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ
[المائدة: 7].
وأعظم النِّعَم: نعمة القرآن الكريم الذي جمع الخيرَ كلَّه وأمرَ به،
وبيَّن الشرَّ كلَّه ونهَى عنه، فهو أعظم واعِظ ومُذكِّر،
vip_vip
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى vip_vip
زيارة موقع vip_vip المفضل
البحث عن المشاركات التي كتبها vip_vip