08-08-2016, 05:10 PM
|
Senior Member
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 596
|
|
خطبتي الجمعة من المسجد النبوي بعنوان : نعمةُ الأمن وأسبابه
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
نعمةُ الأمن وأسبابه
والتي تحدَّث فيها عن الأمن وأنه نعمةٌ عظيمةٌ،
وقد أوردَ في خُطبته ما يدلُّ على فضلِ الأمن وأهميته في حياة المسلمين
أفرادًا ومُجتمعات، من كتاب الله وسنة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -،
كما ذكرَ عددًا من أسبابِ تحقّق الأمنِ، والتي ينبغي على المُسلمين الأخذَ بها.
الحمدُ لله، الحمدُ لله ذي المجد والكرَم، والعظمة والكِبرياء، وليِّ النعماء،
أهل الحمد في السرَّاء والضرَّاء، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه،
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرض والسماء،
وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالحنيفيَّة السمحَاء،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه البرَرَة الأتقِيَاء.
فاتقوا الله بطاعته؛ فتقوَى الله خيرُ زادٍ، وما تمسَّك بها أحدٌ إلا فازَ بخيرات الدنيا،
وأفلحَ يوم المعاد، قال الله تعالى:
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ
وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }
[ الطلاق: 5 ]
أيها الناس :
اذكُروا ما أسبغَ الله عليكم وآتاكم من النِّعَم، وما دفعَ عنكم من النِّقَم،
فما أكرمَ الله - سبحانه -، وما أعظمَ جُودَه، وما أوسعَ رحمتَه، وما أحكمَ تشريعَه.
فمن رحمتِه: أنه شرعَ للعباد كلَّ ما ينفعُهم ويُسعِدُهم ويُحيِيهم به الحياةَ الطيبةَ الآمِنةَ؛
فشرَعَ للعباد الأسبابَ التي يتحقَّقُ بها الأمنُ والطُّمأنينةُ والسَّكينةُ، والحياةُ الكريمة،
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }
[ الأنفال: 24 ].
فالأمنُ حِصنُ الإسلام، وأهلُ الإسلام هم سُكَّانُه، فالحِصنُ يُحرِزُهم من أعداء الإسلام،
وأهلُ الإسلام يحمُون هذا الحِصنَ من أن يهدِمَه المُفسِدُون،
والأمنُ هو سُورُ الإسلام الذي يتحصَّنُ به المُسلمون،
ويصُدُّ عنهم عُدوانَ المُفسدين، وبغيَ الباغِين.
وأهلُ الإسلام يحرُسُونَ هذا السورَ من مَعاوِل الهَدم،
ويُحافِظون عليه من التصدُّعِ والانهِيارِ، لما جعلَ الله تعالى في بقائِه من حِفظ الدين،
والدماء، والأعراض، والأموال، وتبادُل المنافِع، وحُرية حركةِ الحياة في جميع نشاطِها،
وحِفظ السُّبُل التي يصِلُ الناسُ بها إلى مُختلَف البُلدان، لقضاءِ حاجاتهم ومصالِحهم،
وجَلبِ أرزاقهم .
قال الله تعالى:
{ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا
وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
[ القصص: 57 ].
وعن عُبيد الله بن مِحصَن - رضي الله عنه - قال:
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( من أصبحَ منكم آمنًا في سِربه، مُعافًى في جسَدِه، عنده قُوتُ يومِه،
فكأنَّما حِيزَت له الدنيا بحذَافِيرِها )
رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسن".
الأمنُ قرينُ الإيمان، وعِدلُ الإسلام؛ عن طَلحَة بن عُبيد الله - رضي الله عنه -،
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى الهِلالَ قال:
( اللهم أهِلَّه علينا بالأمنِ والإيمان، والسلامةِ والإسلام،
ربِّي وربُّك الله، هِلالُ خيرٍ ورُشد )
رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسن".
الأمنُ هو الطُّمأنينةُ على الدين، والأمنُ هو الطُّمأنينةُ على النفس،
والطُّمأنينةُ على الأعراض، والطُّمأنينةُ على الأموال، والمُمتلَكات والحُرُمات،
والطُّمأنينةُ على ما كان منك بسَبيلٍ، بعدم الخَوف على ذلك كلِّه،
والطُّمأنينةُ على الحقوق المعنويَّة والأدبيَّة التي اعتبَرَها الإسلام،
بعدم تضييعها أو انتِقاصِها.
الأمنُ من الإسلام، والتشريعُ الإسلاميُّ جاء لضمان الأمن للمُسلم في حياته وبعد مماته؛
ليحيا حياةً طيبةً آمِنة، كما قال الله تعالى:
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
[ النحل: 97 ].
فالتوحيدُ لربِّ العالمين أولُ الواجِبات؛ فمن حقَّقَ التوحيد أثابَه الله بالأمن والهداية،
وحفِظَه من عقوبات الشرك في الدنيا، ومن الخِزي والخوف في الآخرة،
قال الله تعالى في قصة أبينا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -:
{ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ
مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }
[ الأنعام: 80- 82 ].
قال الإمامُ ابن تيمية - رحمه الله -:
[ فمن سلِمَ من أجنَاسِ الظُّلمِ الثلاثِ: الشرك، وظُلم العباد،
وظُلمه لنفسه بما هو دون الشرك، كان له الأمنُ التامُّ والاهتِداءُ التامُّ،
ومن لم يسلَم من ظُلمه لنفسِه، كان له الأمنُ والاهتِداءُ مُطلقًا ]
اهـ.
أي: بحسَبِ سلامته مما هو دون الشرك الأكبر، وقال تعالى:
{ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }
[ الأنبياء: 103 ].
فالأمنُ من أسبابه: عملُ المُسلم بتشريع الإسلام؛ لأن التشريعَ الإسلامي
يضمنُ حقوقَ الله تعالى، وحقوقَ العباد، ويزجُرُ عن الإثمِ والبغيِ والظُّلمِ والعُدوانِ،
قال الله تعالى:
{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ }
[ العنكبوت: 45 ]
وقال تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
[ النحل: 90 ].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( لا تحاسَدوا، ولا تناجَشُوا، ولا تباغَضُوا، ولا تدابَرُوا،
ولا يبِع بعضُكم على بيع بعضٍ، وكونوا عبادَ الله إخوانًا،
المُسلمُ أخو المُسلم، لا يظلِمه، ولا يحقِره، ولا يخذُله، التقوى هاهُنا
ويشيرُ إلى صدره ثلاث مرات -، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقِر أخاه المُسلم،
كل المُسلم على المُسلم حرام، دمُه ومالُه وعِرضُه )
رواه مسلم.
وقال - عليه الصلاة والسلام -:
( لا تظلِموا أهل الذمَّة )
وقد جعلَ الله الأمنَ مُعتبرًا مشروطًا لبعض العبادات والأحكام،
قال الله تعالى في الصلاة في أدائِها بصفتها في غير الخوف:
{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ
فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا }
[ النساء: 103 ].
والزكاةُ لا تُجبَى في الأموال الظاهِرة، والثمار والحُبوب إلا باستِتباب الأمن،
وقال تعالى في الحج:
{ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ }
[ البقرة: 196 ].
والعبادات تزكُو بالأمن على العبادات في الخوف، قال الله تعالى:
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا
وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
[ النور: 55 ].
ومن أسبابِ الأمنِ: حِمايةُ المُجتمع للأمن من المُفسِدين والمُخرِّبين،
والمُجرِمين والمُعتَدين، بالأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكَر؛
فالأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المُنكَر ناشِرٌ لكل خيرٍ وفضيلةٍ، ومُزيلٌ لكل شرٍّ ورَذيلَة.
والحمايةُ أيضًا بالتوجيهِ والإرشادِ والتعليمِ، والتحذيرِ من البِدَع والمُحرَّمات،
والتحذيرِ من الخروج عن جماعة المُسلمين وإمامِهم،
وبالرفع للسلطان عن أهل الزَّيغ والفساد والإجرام إذا أقامُوا على المُنكَر،
قال الله تعالى:
{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
[ آل عمران: 104 ].
وعن أبي سعيدٍ الخُدري - رضي الله عنه - قال:
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( من رأى منكم مُنكرًا فليُغيِّره بيدِه، فإن لم يستطِع فبلسانِه،
فإن لم يستطِع فبقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمان )
رواه مسلم.
ومن أعظم أسباب الأمن: قُوَّةُ السلطان،
وأخذُه على يدِ المُجرمين وردعُهم عن الفساد في الأرضِ بما قرَّرت الشريعةُ السَّمحَة،
فالظالمُ المُعتَدي يُكفُّ شرُّه بما يمنعُه عن الظُّلم والعُدوان ولو كان
مُسلمًا،
والكافرُ الذمِّيُّ من أهل الكتاب يُقَرُّ على دينِه؛
لأن شرَّه وكُفرَه عليه ما لم يعتَدِ على أحدٍ ويظلِم أحدًا.
والسلطانُ مسؤولٌ عن رعيَّته،
قال عُثمانُ - رضي الله عنه -:
[ إن الله يزَعُ بالسلطان ما لا يزَعُ بالقرآن ]
وأحسنُ أحوال الأمة:
إذا كان الوازِعُ الدينيُّ فيها قويًّا، وكان السُّلطانُ قويًّا،
فأمورُها في هذه الحال على أحسنِ الأحوال في دينِها ودُنياها.
ثم يلِي هذه الحال: إذا كان السُّلطانُ قويًّا، وضَعُفَ الوازِعُ الدينيُّ عند بعضِ الأمة،
فالسُّلطانُ يُقوِّمُها، ويأخذُ على يدِ المُفسِدين والمُجرِمين،
فالأمةُ في هذه الحال على سبيلِ نجاةٍ.
وبالتتبُّع لأحكام التشريعِ الإسلاميِّ والعملِ به، نُشاهِدُ ونعلمُ أن كثيرًا من المُسلمين
بعد الأعمار الطويلة لم يُطالِبهم أحدٌ بمظلَمةٍ في دمٍ، أو عِرضٍ، أو مالٍ،
أو حقٍّ؛ لامتِثالهم أحكام الإسلام، وأدائِهِم الحقوق. فهؤلاء تمتَّعوا بالأمن والإيمان،
وتمتَّعُوا بالحياة الطيبة، ومن حكَّم التشريعَ الإسلاميَّ في حياته، فلا سبيلَ عليه،
وصدقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في قولِه:
( المُسلمُ من سلِم المُسلمون من لسانِه ويدِه )
والأمنُ قد أحاطَتْه الشريعةُ بسِياجٍ من الحِفظ والرعاية، والعناية والقوة؛
لأن الله تعالى أناطَ به منافِعَ الناس الدينية والدنيوية،
فإذا تعدَّى أحدٌ على الأمن بزِنًا أو تعدَّى بعملِ قومِ لُوطٍ، أقامَ السُّلطانُ عليه الحدَّ
حِفظًا للأعراض، والكرامة والأنساب، إذا قامَت البيِّنة أو الاعتِراف.
وإذا خرقَ أحدٌ الأمنَ بسرقةٍ، أُقيمَ عليه الحدُّ حِفظًا للأموال،
وإذا شرِب أحدٌ مُسكِرًا أو تعاطَى المُخدِّرات أو روَّجَها،
فقد تعدَّى على حِمَى الأمن، فيُقامُ عليه الحدُّ حِفظًا للعقول.
وإذا سفكَ دمًا عمدًا، أقامَ عليه السُّلطانُ القصاص حِفظًا للدماء والنفوس،
وإذا قامَت عِصابةٌ بسَفك الدماء المعصُومة، ونهب الأموال،
وتدمير المُمتلَكَات، أقام السُّلطانُ حُكمَ الله في قوله:
{ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا
أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ
ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[ المائدة: 33، 34 ].
ومن حاربَه الله ورسولُه فهو مخذولٌ أبدًا.
فما من عقوبةٍ إلا وهي لوقاية المُجتمع من شرِّ المُعتَدين على أمن الأمة،
ولكفَّارة الذنوب، ومن تابَ تابَ الله عليه، ومن سترَ الله عليه في ذنبِه ولم يضُرَّ أحدًا،
فحِسابُه على ربِّه.
وإذا منَّ الله بالأمن على المُجتمع تيسَّرَت أرزاقُه، ونشطَت حياتُه،
وفاضَ المال، وازدهرَت أمورُه، وطابَ عيشُه،
وحُفِظَت فيه النفوسُ والأموالُ والأعراضُ،
وإذا اختلَّ الأمنُ صارَت الحياةُ زمنَ الاختِلال ذاتَ مرارةٍ لا تُطاق،
قال الله تعالى:
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }
[ النحل: 112 ].
والأمنُ من تمام الدين، ومن مقاصِد الشريعة العُظمى.
عن خبَّاب بن الأرَت - رضي الله عنه - قال:
شكَونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مُتوسِّدٌ بُردةً في ظلِّ الكعبة، فقُلنا:
( ألا تستنصِرُ لنا؟! ألا تدعُو لنا؟!
قال: قد كان من قبلَكم يُؤخذُ الرجلُ، فيُحفرُ له في الأرض فيُجعلُ فيها،
ثم يُؤتَى بالمِنشار فيُوضعُ على رأسه فيُجعلُ نصفَين،
ويُمشَّطُ بأمشاطِ الحديد ما دون لحمِه وعظمِه، ما يصُدُّه ذلك عن دينِه،
واللهِ ليُتمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاء إلى حضر موت
لا يخافُ إلا الله، والذئبَ على غنَمه، ولكنكم تستعجِلون )
رواه البخاري.
وقد وقعَ ما أخبرَ به - صلى الله عليه وسلم -.
قال الله تعالى:
{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ }
[ البقرة: 152 ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم،
ونفعَنا بهدي سيِّد المرسلين وقولِه القَويم، أقول قولي هذا،
وأستغفرُ الله لي ولكم وللمُسلمين.
الحمدُ لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له القويُّ المتين،
وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الأمين،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه.
فاتقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.
عباد الله:
إن نعمةَ الأمن من النِّعَم العظيمة، فمن الناس من يشكُرُ النعم فيُثابُ من الله عليها،
ويزيدُه الله على ذلك، ومن الناس من لا يُقدِّرُ النِّعَمَ ولا يصبِرُ عليها، فيُعاقَبُ ويُحرَم،
قال الله تعالى:
{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }
[ هود: 9 – 11 ].
فتشريعُ الله هو الرحمةُ والعدلُ، والسلامُ والخيرُ، والأمنُ والإيمان،
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
( لَلهُ أرحمُ بعباده من الأم بولدِها )
عباد الله:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[ الأحزاب: 56 ]
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:
( من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا )
فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم،
إنك حميدٌ مجيد،
اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم،
إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،
اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ،
وعن سائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،
اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }
[ البقرة: 201 ].
اللهم فرِّج همَّ المهمُومين من المُسلمين،
اللهم واقضِ الدَّينَ عن المَدينين من المُسلمين،
اللهم واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم تولَّ أمرَ كل مُسلمٍ ومُسلمة، وأمرَ كل مُؤمنٍ ومُؤمنةٍ، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفَع عن المُسلمين الفتنَ،
اللهم ارفَع عن المُسلمين مُضِلاَّت الفتن، ما ظهرَ منها وما بطَن،
عن بلدِنا هذا خاصَّة وعن سائرِ بلاد المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُسلمين في سُوريا،
اللهم انصُر المُسلمين في الشام،
اللهم أطفِئ الفتنَ التي اشتعَلَت في بلاد المُسلمين يا رب العالمين،
بعافيةٍ يا رب العالمين منك للإسلام والمُسلمين،
إنك على كل شيء قدير.
اللهم احفَظ أراضِينا من المُعتَدين الظالِمين،
اللهم احفَظ أراضِينا من المُعتَدين الظالِمين،
اللهم احفَظ بلادَنا من شرِّ الظالمين إنك على كل شيء قدير،
اللهم احفَظ جنودَنا، وسدِّدهم ووفِّقهم يا ربَّ العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّ وترضَى،
اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك يا ذا الجلال والإكرام،
وأعِنه على كل خيرٍ، ووفِّق نائبَيه لما تحبُّ وترضَى،
ولما فيه الخيرُ للإسلام والمُسلمين يا رب العالمين.
اللهم اغفِر لنا ذنوبَنا، وأحسِن عاقِبتَنا في الأمور كلِّها،
وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم أعِذنا وأعِذ ذريَّاتنا من إبليس وشياطينه وجنوده وخُطواته
وأوليائِه يا رب العالمين، وشَرَكه إنك على كل شيء قدير،
اللهم أعِذ المُسلمين من إبليس وذُريَّته إنك على كل شيء قدير.
|