عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-02-2017, 07:49 PM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 58,214
افتراضي همسات للتفاعل مع القرآن

من:الأخ / رضا ريحان

همسات للتفاعل مع القرآن

لعل من أخطر ما يعانية مسلمو هذا العصر هو ضعف تفاعلهم مع كتاب
ربهم ودستور حياتهم , ذلك التفاعل الذي ينتقل بالمسلمين من حال إلى
حال , والذي يقتضي أولا تلاوته وعدم هجره , إذ كيف يمكن الوصول
إلى مرحلة التفاعل مع القرآن الكريم وفي المسلمين
من لا يواظب على تلاوته أصلا ؟
!

إن المرحلة التالية والأهم التي تلي المواظبة
على تلاوة القرآن الكريم وعدم هجره تكمن في

فهمه والتفاعل مع أوامره ونواهيه , من خلال المبادرة لتنفيذ ما فيه
من أوامر , واجتناب ما تضمنه من نواه و زواجر , وهو تماما ما فعله
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا خير أمة أخرجت للناس .

ومن أجل الوصول إلى مرحلة التفاعل مع كلام الله تعالى لا بد أن نشعر
بأهمية القرآن وعظمته أولا , ومن ثم إدراك مخاطبته لكل واحد منا أمرا
ونهيا وإخبارا , فخطاب القرآن المتكرر للمؤمنين تارة :

{ يا أيها الذين آمنوا }

وللناس تارة أخرى :

{ يا أيها الناس }

يشير بوضوح إلى أن المخاطب هو أنت أيها المسلم .

ولكي نتعرف على الطريق الموصلة إلى هذه الغاية العظيمة – التفاعل
مع القرآن – التي إن تحققت قلبت موازين حياة ملايين المسلمين ,
وغيرت الكثير من الأفكار والمفاهيم في عقولهم , وجعلتهم أقرب إلى الله
تعالى بمشاعرهم , وأسعد الناس في هذه الدنيا حقيقة لا وهما ...... لا بد
من مطالعة حال السلف الصالح مع القرآن الكريم , و الرجوع إلى نماذج
تفاعل الصحابة الكرام (رضي الله عنهم) مع كتاب ربهم , و مسارعتهم
(رضي الله عنهم) إلى الإئتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه , ففيها
من الدروس ما ينبغي أن يُتوقف عندها , ومن العبر ما لا ينبغي أن تفوت .

إن من يدقق في حال الصحابة مع القرآن الكريم ,
يمكنه أن يستخلص الكثير من الوسائل المعينة على التفاعل
الإيجابي مع كتاب الله تعالى , أردت أن أهمس بها في أذن
كل مسلم .... أهمها :
1- اليقين بأن القرآن نزل للتطبيق لا للتلاوة فحسب :
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم

{ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ
فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
البقرة / 284 ,

قال : فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ,
فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم , ثم بركوا على الركب فقالوا أي
رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ,
وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها .

فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :

( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم
سمعنا وعصينا ؟؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك
ربنا وإليك المصير )

فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها

{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ
كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ
وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }
البقرة / 285 ,

فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى وأنزل الله عز و جل

{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ( قال نعم )
رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
( قال نعم ) رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ( قال نعم )
وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا
فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( قال نعم )
البقرة / 286 . صحيح مسلم 1/115 برقم 199

إن أول ما يلفت النظر في الحديث هو :
يقين الصحابة وإدراكهم جيدا أن كل آية تنزل على خاتم الأنبياء
والمرسلين هي للتطبيق لا للتلاوة وابتغاء الثواب فحسب كما يظن الكثير
من مسلمي عصرنا الحاضر , ومن هنا يمكن فهم استشعار بعض الصحابة
بثقل تطبيق الأمر في هذه الآية , فجاؤوا يشكون ذلك لرسول الله
صلى الله عليه وسلم , فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن زادهم
تأديبا وتعليما بالتسليم والطاعة المطلقة لأمر الله تعالى , فوق ما هم عليه
من تسليم وطاعة , وعند ذلك فقط – أي عند التسليم والانقياد التام لأمر
الله تعالى ونهيه – نزل التخفيف من الله تعالى .

ومن هنا يمكن استنتاج أولى خطوات التفاعل مع القرآن الكريم ,
والمتمثلة بإدراك المسلم حين يتلوه بأن ما فيه من أوامر
ونواه هي للعمل والتنفيذ .

2- سارع في تنفيذ ما يحثك عليه القرآن
فقد كان الصحابة الكرام , يسارعون لتطبيق الأمر القرآني مهما عظم
و ثقل على النفس تطبيقه , حتى لو تعلق ذلك الأمر بالمال الذي يثقل
على النفس إنفاقه عادة , فالإنسان متعلق بماله , حريص عليه ومحب له
وشحيح في إنفاقه , فكيف إذا كان الأمر لا يتعلق بإنفاق المال فحسب ,
بل بإنفاق أحب أنواع المال إلى الإنسان , والذي يحتفظ به لنفسه عادة ؟!

جاء في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : لما نزلت

{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون }

. جاء أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
فقال يا رسول الله يقول الله تبارك وتعالى في كتابه

{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ....}

وإن أحب أموالي إلي بيرحاء - قال وكانت حديقة كان رسول الله
صلى الله عليه و سلم يدخلها ويستظل بها ويشرب من مائها - فهي إلى
الله عز و جل وإلى رسوله صلى الله عليه و سلم , أرجو بره وذخره
فضعها أي رسول الله حيث أراك الله , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم

( بخ يا أبا طلحة ذلك مال رابح ,
قبلناه منك ورددناه عليك فاجعله في الأقربين )
فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه . صحيح البخاري 3/
104 برقم 2607

إن أمثال هذه الاستجابة والتفاعل من الصحابة الكرام لما يحثهم عليه
القرآن الكريم أثناء تلاوته هي ما نحتاج إليه في زماننا , فمن خلال تلك
الاستجابة يمكن رؤية أثر تلاوة القرآن على المسليمن في حياتهم
ومعاشهم , وبدونها يبقى القرآن الكريم حبيس الفائدة الفردية المتمثلة
بأجر تلاوته – مع فضل ذلك إن وجد – ولا يتعداه إلى الأثر
الحياتي المقصود .

3- لا تتأخر في اجتناب ما نهاك عنه القرآن
وليكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مثال لك وقدوة وأسوة
, فقد كانوا أسرع الناس تركا لما نهاهم الله عنه , ولعل خير مثال على ذلك
: نزول تحريم الخمر , ذلك المشروب الذي اعتاد عليه العرب في الجاهلية
, بل كان العرب لا يشربون الخمر فحسب , بل يحبونها ويعشقونها حتى
قالوا في الخمر شعرا وقصائد , وحتى جعلوا من الخمر مؤنة لا تنفذ
أو تفقد من أي بيت في صيف أو شتاء , فهي أهم من الطعام والشراب
والكساء , ولعل شدة تعلق النفوس بالخمر كان سببا في التدرج
في تحريمه تخفيفا على الصحابة الكرام رضوان الله عنهم أجمعين .

لقد كان الخمر ملازما للنفوس والقلوب , ولا يتخيل أحد من العرب
الاستغناء عنه يوما أو ليله , بله أن يستغن عنه العمر كله , ولكن قوة
الإيمان في نفوس الصحابة الكرام , جعلت من هذا المشروب المحبوب ,
رخيصا مبتذلا مهانا أمام امتثال نهي الله تعالى عنه واجتنابه .

جاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :

( كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب من فضيخ زهو
وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت
فقال أبو طلحة قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها )

البخاري 5/2117 برقم 5260 , وفي رواية :
( فجرت – أي الخمر – في سكك المدينة ) سنن البيهقي 8/ 286 ,

فلم ينتظر الصحابة لحظة واحدة بعد سماع التحريم , حتى امتثلوا وحولوا
الأمر الإلهي إلى فعل وتطبيق , حتى ولو كان في ذلك ترك شراب
لطالما اعتادوا عليه وأداموا شربه .

والأعجب من ذلك أن الصحابة لم يكتفوا بإهراق الخمر التي في بيوتهم ,
والتي دفعوا ثمنها من أموالهم , بل إن بعض الصحابة الكرام , كان يتاجر
بالخمر , وقد جاء للتو من الشام بتجارة كبيرة من الخمر , فيها أمواله
ورزقه وتجارته , ولم يكن يعلم أن الخمر قد حرمت , فماذا فعل ؟؟!

عن كيسان رضي الله عنه : أنه كان يتجر بالخمر في زمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم , وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق يريد
بها التجارة , فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله :
إني قد جئتك بشراب جيد , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( يا كيسان إنها قد حرمت بعدك )

قال : أفنبيعها يا رسول الله؟؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(إنها قد حرمت وحرم ثمنها )

, فانطلق كيسان إلى الزقاق فأخذ بأرجلها ثم أهرقها .
رواه أحمد و الطبراني في الكبير, مجمع الزوائد
ومنبع الفوائد 4/103 برقم 6401

لقد كان السلف الصالح يقرؤون القرآن بنية الالتزام والتنفيذ , فيشعر كل
واحد منهم أن هذا القرآن نزل عليه هو , وأنه المخاطب في كل آية
من آياته , وكل كلمة من كلماته , فأصبحوا بطريقتهم هذه قرآنا يمشي
على الأرض , يراهم الناس فيرون الإسلام .

ولا يقولن قائل :
إنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم !!
وأنى لأمثالنا أن يصل إلى ما وصلوا إليه , ويكون ذلك مبررا لترك الاقتداء
والتأسي بهم , بل الواجب أن نجعل الاقتداء والتأسي هدفنا وغايتنا ,
مسترشدين بقول الشاعر :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح

رد مع اقتباس