فسبحان من أقام من شواهد البينات على عظمته و قدرته !
فانقادت له العقول معترفة به و مسلمة له ، فبان لها أن فاطر النملة هو فاطر النخلة .
إخوة الإيمان ، و ثمة أمر يغفل عنه كثير من المسافرين و هم في غمرة الاستعداد
و التأهب لخوض غمار السفر و متاعبه ، إنه التأهب و الاستعداد للسفر للدار الآخرة ،
ذلكم السفر الذي ينساه كثير من الخلق ، و يغفل عنه فئام ممن طال عليهم الأمد فقست قلوبهم .
إنه السفر الذي سوف يخوضه كل واحد منا وحيداً فريداً ،
ليس له من الزاد إلا ماقدمه من عمل صالح في هذه الحياة الدنيا .
فحري بكل من حزم حقيبته لسفر من أسفار الدنيا أن يتذكر يوم سفره إلى الآخرة ،
يوم قدومه على ربه و مولاه ، لا يحمل معه إلا صالح عمله ، و تقواه لربه .
فأعدوا العدة لذلكم رحمكم الله و تزودوا فإن خير الزاد التقوى ، و اتقوا الله يا أولي الألباب .
بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم ، و نفعني و إياكم بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم .
قد قلت ما قلت إن صوابا فمن الله ،
و إن خطأ فمن نفسي و الشيطان و أستغفروا الله إن الله غفور رحيم .
الحمد لله على إحسانه ، و الشكر له على توفيقه و امتنانه ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
شهادة نرجو بها النجاة من عصيانه ،
و أشهد أن سيدنا محمدا عبده و رسوله الداعي إلى رضوانه ،
صلوات ربي و سلامه عليه و على آله و صحبه و إخوانه .
أمّــا بــعــد :
فاتقوا الله معاشر المسلمين ، و اعلموا أن الإسلام قد عُنِيَ بالسفر عناية فائقة ؛
فجعل له أحكاما تخصه من سنن و آداب و واجبات ،
و محرمات و مكروهات ينبغي ألا يغفل عنها كل مسافر .
كما يؤكد على إحياء السنن المندثرة عند السفر ، من ذكر الوداع بقوله لمن يودعهم :
أستودعكم الله الذي لا تضيع و دائعه ، و كذا دعاء الركوب على الدابة ،
و التكبير على كل شرف و التسبيح إذا هبط واديا،
و ذكر إقبال الليل أثناء السفر بأن يقول :
(( يا أرض ربي و ربك الله ، أعوذ بالله من شرك ، و من شر ما فيك ،
و شر ما خلق فيك ، و شر ما يدب عليك ، و أعوذ بالله من أسد و أسود ،
و من الحية و العقرب ، و من ساكن البلد ، و من والد و ما ولد )) .
و أن يقول إذا نزل منزلا :
(( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق )) ،
فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك إن شاء الله .
و قد قال القرطبي ـ رحمه الله ـ:
هذا خبر صحيح علمنا صدقه دليلا و تجربة ، منذ سمعته عملت به ،
فلم يضرني شيء إلى أن تركته فلدغتني عقرب ليلة فتفكرت فإذا بي نسيته .
كما يستحب للمسافر ـ عباد الله ـ ، إذا بدا له الفجر و هو في السفر أن يقول
ما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم
أنه قال حينما بدا له الفجر :
(( سمع سامع بحمد الله و حسن بلائه علينا ،
ربنا صاحبنا و أفضل علينا ، عائذا بالله من النار ))
[رواه مسلم] .
و غير ذلك من السنن كثير و كثير يطول المقام بذكره ،
غير أنا نوجه بأن وصايا النبي صلى الله عليه و سلم بآداب السفر من ذكر و تكبير
و تسبيح كأنه يعني بالتعريض أن القافلة المسافرة كلها في صلاة ،
و ما هي إلا صور تجعل من تمجيد الله شغل قافلة السفر ، و من ذكره و الثناء عليه ،
السمو الذي تطمئن به قلوب ذاكريه ، و من ثم يشعر المسافر ،
باختصار السفر و سهولته فينجو من و عثائه و من كآبته .
هذا و صلّوا و سلّموا على رسولِ الله نبيِّكم الحبيب المصطفى
محمّدٍ بن عبدالله رسول الله المُجتبى ،
فقد أمركم بذلك ربّكم جل و علا ، فقال عز من قائلا عليما سبحانه :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56] .
اللّهمّ صلِّ و سلِّم و بارِكْ على عبدك و رسولك نبيّنا و سيّدنا محمّدٍ ،
صاحبِ الوجه الأنوَر و الجبين الأزهر و الخلُق الأكمل ،
و على آل بيتِه الطيّبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمهاتنا أمّهات المؤمنين ،
و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين و الأئمّة المهديّين :
أبي بكر و عمر و عثمان و عليّ ،
و عن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
و عنّا معهم بعفوِك و جودك يا أكرم الأكرمين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة امورنا ،
و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو أى بلد من بلاد المسلمين
اللهم أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين ...
ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم
أنتهت