عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-24-2018, 04:40 PM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 59,977
افتراضي خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان :التحذير من الشائعات

خُطَبّ الحرمين الشريفين
خطبتى الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان:
التحذير من الشائعات

، والتي تحدَّث فيها عن الشائعات وخُطورتها ومدَى آثارِها المُدمِّرة
لحياةِ الأفرادِ والأُمم، مُبيِّنًا أنه لا يحيقُ المكرُ السيِّئُ إلا بأهلِه،
وأن التاريخَ ملآنٌ بأخبارِ مَن مكرَ بغيره فعادَ مكرُه عليه.

الخطبة الأولى

إن الحمدَ لله، نحمدُك ربِّي ونستعينُك ونستغفِرُك ونتوبُ إليك،
نحمدُه الله - سبحانه -، ونشكُرُه على نعمٍ أثنَت بها الجوارِحُ والسرائِر،
ولهَجَت بها الألسُنُ والضمائِر.

فحَمدًا للإلهِ بإثرِ حَمدٍ

على فضلٍ تكاثَرَ في ازدِيادِ

وشُكرًا دائِمًا في كل وقتٍ

نرُومُ ثَوابَه يوم التنادِ

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً هي خيرُ الكلام وأسمَى الذخائِر،
وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا مُحمدًا عبدُ الله ورسولُه أشرفُ الأوائل والأواخِر،
صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وذريَّته النُّجوم الزواهِر، وصحابتِه
البالِغين أسمَى البشائِر، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم تُبلَى السرائِر.

أما بعد .. فيا عباد الله:

اتَّقُوا الله أقوالًا وفِعالًا، خُضوعًا وامتِثالًا، بُكَرًا وآصالًا؛ تُحقِّقُوا عزًّا
وجلالًا، وسُؤدَدًا وكمالًا،
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }
[الطلاق: 5].

وكُنْ مُخبِتًا لله بالتقوَى التِي

هي الزادُ للأُخرَى ودَعْ كلَّ مَن ألْوَى

فحَسبُك وانزِلْ حيثُما نزَلَ الهُدَى

وكُنْ حيثُما كان التورُّعُ والتقوَى

معاشِر المسلمين:

مَن تمعَّن في مقاصِدِ شريعتنا الغرَّاء، ألفاها حقَّقَت أعظمَ المصالِح
وأسنَى المقاصِد، وزكَّت النُّفوسَ عن البوائِقِ والمفاسِدِ، فصاغَت مُجتمعًا شريفًا
أَنُوفًا للآثام والمُحرَّمات عَيُوفًا، وعمَّ ساقِطِي الأدرانِ عَزُوفًا.

وبذلك قادَت أمَّتُنا المُبارَكة الفضائلَ والمكارِمَ بأعلى زِمام، وبلَغَت مِن
الذَّود عن الأعراضِ والمحارِم الذِّروةَ والسَّنام، وعلى غارِبِ العصر
التقانِيِّ الأخَّاذ الذي سبَى الأفهام، وسحَرَ الضِّعافَ مِن الخواصِّ والعوامِّ،
تبرُزُ قضيَّةٌ مُؤرِّقةٌ فاتِكة، ولوَحدة الأمة وائتِلافاتها مُمزِّقة،
تلكُم - يا رعاكم الله - هي قضيَّةُ الشائِعات المقِيتة المُغرِضة،
والافتِراءات المُرسَلة المُتناقِضة، والأخبار الكاذِبة المُتعارِضة،
والتي يسعَى في نشرها مهازِيلُ أغرار، وسُفهاءُ ضُلَّال، لُحمتُهم
القِيل والقال والتخمين، وسَداهم الافتِراءُ المُبين، في أخطر حُروبٍ
نفسيَّة، وأمراضٍ اجتِماعيَّة.

فبِئسَت المسالِكُ المُعوجَّة، والرُّعوناتُ الفجَّة.
وكَم يُبتلَى الطامِحُون الناجِحُون، يتربَّصُ بهم حاقِدُون حاسِدُون،
كالِحُون جامِحُون،
ولكن ذلك لا يفُلُّ عزمَهم، بل يزيدُهم ثِقةً وشُمُوخًا، ونجاحًا وطُموحًا.

ولِسانُ حال الواثِقِ بربِّه:

كَم يطلُبُون لنا عيبًا فيُعجِزُهمْ

ويأبَى الله ما يأتُون الكرَمُ

وما أحَدٌ مِن الناسِ سالِمًا

ولو كان ذاك التَّقِيُّ المُهذَّبُ

معاشِر المُؤمنين:

لقد نهَى الإسلامُ أتباعَه أن يُطلِقُوا الكلامَ على عواهِنِه، ويُلغُوا عقولَهم
عند كل شائِعة، وتفكيرَهم عند كل ذائِعة، أو ينساقُوا وراء كل ناعِق،
ويُصدِّقُوا قولَ كل دعِيٍّ مارِق.

جاء الزَّجرُ الشديدُ والوعيدُ الأكيدُ في السنَّة والكتاب، بسُوء المصير
والمآب بكل مشَّاءٍ بالبُهتِ مُفتَرٍ كذَّاب،
{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا
بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }

[الأحزاب: 58]،
{ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ }
[القلم: 10، 11].

ورسَمَ - سبحانه - المنهجَ في تلقِّي الأخبار، فقال - سبحانه -:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }

[الحجرات: 6].

وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
( كفَى بالمرءِ كذِبًا أن يُحدِّثَ بكل ما سمِع ).

وفي روايةٍ:
( كفَى بالمرءِ إثمًا ).

فأيُّ وعيدٍ أو تهديدٍ أشدُّ وأنكَى مِن هذا الوعيدِ الشديدِ؟! وأيُّ تحذير
ٍ مِن نقلِ الكلامِ دُون تثبُّت أبلَغُ مِن هذا التحذير؟!

إن الشائِعات والأكاذِيب مِن أشدِّ الرِّماح المسمُومة الهاتِكة لحِمَى الوحدة والجماعة.
فكَم تجنَّت على أبرِياء، وأشعَلَت نارَ الفتنة بين الأصفِياء؟!
وكَم هدَمَت مِن وشائِج، وتسبَّبت في جرائِم، وفكَّكَت مِن علاقاتٍ وأواصِر،
وحطَّمَت مِن حضاراتٍ وأمجاد؟! ولم يسلَم مِنها أهلُ الصلاح ذَوُو الأفهام،
بل ولا حتى الأنبِياءُ والرسُلُ الكِرام.

فهذا المسيحُ - عليه السلام - تُشكِّكُ الشائِعاتُ المُغرِضةُ فيه وفي أمِّه الصدِّيقة:
{ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا }
[مريم: 28].

والكريم ابن الكريم ابن الكريم يُوسفُ بن يعقوب بن إبراهيم أنموذجٌ
مِن نماذِجِ الطُّهر والنَّقاء، ضدَّ الشائِعات المُغرِضة التي تمَسُّ العِرضَ والشرَف،
{ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }
[يوسف: 24].

والسيرةُ العطِرة لرسولِ الهُدى - صلى الله عليه وسلم - أنموذجٌ مُشرِّفٌ
يحمِلُ في طيَّاته نماذِج حيَّة لتأريخ الشائِعة والموقِفِ السليمِ مِنها؛
فقد رُمِيَت دعوتُه المُبارَكة بالشائِعات منذ بُزوغها، فرُمِيَ بالسِّحر،
والجُنون، والكذِبِ، والكِهانة، وافتنَّ الكفارُ والمُنافِقُون الذين مرَدُوا
على النِّفاق في صُنع الأراجِيف الكاذِبة، والاتهامات الباطِلة ضدّ
َ دعوتِه - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -.

ولعلَّ مِن أشهَرها:
حادِثة الإفك الشهيرة، تلك الحادِثة التي كشَفَت عن شناعَة الشائِعات،
وهي تتناوَلُ بيتَ النبوَّة الطاهِر، وتتعرَّضُ لعِرضِ أكرمِ الخلقِ على الله،
وعِرضِ الصدِّيقة بينت الصدِّيق - رضي الله عنها وعن أبِيها -،
والتي نزلَت براءتُها مِن فوقِ سبعِ سماوات، وجاء معه العِتاب:
{ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا
هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ }

[النور: 12].

يا هاتِكًا حُرُمَ الرِّجالِ وقاطِعًا

سُبْلَ المودَّة عِشْتَ غيرَ مُكرَّمِ

لو كُنتَ حُرًّا مِن سُلالةِ ماجِدٍ

ما كُنتَ مُنتَهِكًا لحُرمةِ مُسلِم

يُساقُ ذلك - يا رعاكم الله - وقد عظُم الخَطبُ، وجلَّت الرزِيَّة، واستُخِفَّت
البلِيَّة بفَريِ أعراضِ رُموزِ الأمة وقادتها وعلمائِها، ممَّن أعراضُهم
أشرَقُ مِن ذُكاء، ومناقِبُهم بعدد نُجوم السماء.

يُقصَدُون بهذا السُّوء حطًّا مِن أقدارِهم، ووقيعةً في أعراضِهم، ونَزعًا
للثِّقةِ والمرجعيَّةِ مِنهم بالازدِراء والتشهيرِ في وسائلِ الإعلامِ الحديثِ،
عبرَ ما يُعرفُ بالتغريداتِ والهاشتاقات، فإذا رأيتَ ثم رأيتَ،
رأيتَ ثرثرةً ولآمة، وهُراءً وفَدامة.

وكثيرًا قد سلَّ للبَهيتَةِ أقلامَه، وصوَّبَ للجُرم سِهامَه، وجرَّد - يا وَيحَه –
مِن لِسانِه حُسامَه، طعنًا في الأخيار البُرآء، والمُصلِحين النُّزهاء
الذين يحمِلُون رِسالةَ الأمة، ويعيشُون قضاياها وجِراحَها،
ويُضمِّدُون نزيفَها، ويرُومُون فلاحَها.

وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:
( كلُّ المُسلم على المُسلم حرامٌ، دمُه ومالُه وعِرضُه )؛
أخرجه مسلم.

وقال:
( يا معشَرَ مَن آمَنَ بلِسانِه ولم يدخُل الإيمانُ قلبَه! لا تغتابُوا المُسلمين،
ولا تتبَّعُوا عوراتِهم؛ فإنه مَن تتبَّع عوراتِهم تتبَّع اللهُ عورتَه، ومَن تتبَّع
اللهُ عورتَه يفضَحه ولو في جَوفِ بيتِه )؛

أخرجه أحمد وأبو داود.

وقال الإمامُ أحمدُ - رحمه الله -:
ما رأيتُ أحدًا تكلَّم في الناسِ إلا سقَط .

وقال أيضًا:
الوقيعةُ في أهلِ العلم ولاسيَّما أكابِرُهم مِن كبائِر الذُّنوب .

وقال مالِكُ بن دينار - رحمه الله -:
كفَى بالمرءِ شرًّا ألا يكون صالِحًا وهو يقعُ في الصالِحين .

وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
والكلامُ في الناسِ يجبُ أن يكون بعلمٍ وعدلٍ، لا بجهلٍ وظُلمٍ، والوقيعةُ
في أعراضِ الناسِ أشدُّ مِن سرقةِ أموالهم .

فكيف بمَن دأَبُوا وهِجِّيراهُ:

يُحرِّفُ القَولَ في جَهلٍ يئِنُّ له

فُؤادُ مَن يتَّقِي شرًّا وإجرامَا

ويَلمِزُ العِرضَ لا تَقوَى لذِي سَفَهٍ

وكيف يَقوَى سَفِيهُ القَولِ أحلامَا

فكيف بأُناسٍ دَيدَنُهم الغَمزُ والتشويشُ، ومطِيَّتُهم الهَمزُ والتحريش،
وسجِيَّتُهم الإثارةُ والتهويش، قامُوسُهم سُوءُ الظنِّ، ومعاجِمُهم الأذَى
والحسَدُ والمَنُّ، يُبادِرُون بالاتهام، ويستعجِلُون بالجفاءِ والاصطِلام،
يُكثِرُون الوقيعةَ والعِتاب، ولا يتورَّعُون عن الشتائِمِ والسِّباب، يطعَنُون
في الخواصِر، ويُصوِّبُون سِهامَهم تِلقاءَ القفَا، إذا رأَوكَ في نعمةٍ
حسَدُوك، وإن توارَيتَ عنهم اغتابُوك،
{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ }
[النساء: 54].

إن يسمَعُوا هَفوةً طارُوا بها فرَحًا

وما علِمُوا مِن صالِحٍ كتَمُوا

يعمَلُون ليلَ نهار على الحطِّ مِن الأقدار، والنَّيل مِن الكفاءات، وتشويهِ
صُورة البُرآء الأخيار النُّزهاء، يتحرَّكُون كالخفافيش في الظلام،
ويعمَلُون خلف الكوالِيس، ليس لأحدهم اسمٌ منصوص،
أو وجهٌ كباقي الشُّخوص، بل يتنكَّرُون كاللُّصوص وراء أسماء مُستعارة، وشِعاراتٍ
برَّاق، وهي في حقيقتها غدَّارةٌ ختَّارةٌ،
{ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }
[البقرة: 109].

وما درَى هؤلاء أنهم ينشُرُون فضائِلَ محسُوديهم، ويرفعُون ذِكرَهم.

وإذا أرادَ الله نشرَ فضيلةٍ طُوِيَتْ

أتاحَ لها لِسانَ حَسُودِ

لولا اشتِعالُ النَّارِ فيما جاوَرَتْ

ما كان يُعرَفُ طِيب عَرْفِ العُودِ

وآخرون يركَبُون المَوجة، يتقفَّرون العِلمَ، ويتتبَّعُون شُذوذات
المسائل وينشُرُونها بين العامَّة للإثارةِ والتشويشِ والبَلبَلة.

فيا أيها المُتهوِّكُون في سِيَر العِباد ونيَّاتهم! تجافَوا عن تلك المساخِطِ
والسَّوءات، وكُفُّوا عن تتبُّع العيُوب والعورات، وتقصُّد النقائِصِ
البشريَّة والعثَرَات؛ فإنه سُلُوكٌ رثٌّ هدَّام، وخُلُق أهل اللُّؤم والآثام،
مُحادٌّ لشرع الله تعالى وهديِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - القائل:
( طُوبَى لمَن شغَلَه عيبُه عن عيُوب الناسِ )؛
أخرجه البزَّار في مسنده، والبيهقيُّ في شُعبه.

وروَى الإمامُ أحمد وغيرُه: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
( ألا أُنبِّئُكم بشِرارِكم؟ المشَّاؤُون بالنَّميمة، المُفرِّقُون بين الأحِبَّة،
المُبتَغُون للبُرآء العيب ).


وقال بعضُ السلَف:
أدرَكنا السلفَ الصالِحَ وهم لا يرَون العِبادة في الصلاةِ والصيامِ،
ولكن في الكفِّ عن أعراضِ الناسِ .

فكُلُّ لفظٍ مُعدٌّ في صحائِفِنا

ليَومِ حشرٍ ففِيهِ الشرُّ يندَحِرُ

رد مع اقتباس