80 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان :
( التوبة فى شهر التوبة )
ألقاها الأخ فضيلة الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع المجموعات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
================================================== ================================
80 - خطبتى الجمعة بعنوان
( التوبة فى شهر التوبة )
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه ، و نؤمن به و نتوكل عليه ،
يجبر الكسر ، و يغفر الذنب و يعفو عن السيئات ، و يقيل العاثر من العثرات ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
إله الأولين و الآخرين ، و رب الأرض و السموات ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبد الله و رسوله ،
عبد ربه حق عبادته ، و دعا إلى دينه ، فكان أتباعه بالحق هم الظاهرين ،
صلى الله و سلم عليه و على آله و صحبه ، نجومٌ في الدجى زاهرة ،
و كواكبٌ على الهدى سائرين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمــا بــعــد :
فأوصيكم - أيّها الناس – و نفسي بتقوَى الله عزّ و جلّ , فاتَّقوا الله رحمكم الله ،
و اعملوا و استعدّوا ؛ فالموت مورِد , و الساعة موعِد , و القيامة مشهَد ,
فاستقيموا و أحسنوا , فمن أحسن الظنَّ بالله أحسنَ العمل , الإيمانُ ليس بالتحلّي و لا بالتمنّي ,
و لكن ما وقَر في القَلب و صدَّقه العمَل ,
و من سار على طريق رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلَّم و منهاجه
و إن اقتصَد سابِقٌ لمن سار على غَير طريقهِ و إن اجتهد , يمشي الهُوينى و يجيء في الأوّل ,
{ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى
أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
[الملك: 22].
عبادَ الله ، و أنتم في تعيشون ساعات الشهر القادم الكريم , ترجون فضلَ ربكم ,
و تتعرَّضون لنفحات مولاكم , تأملون في خيره و بِرِّه , و تحاذرون تقصيركم ,
و تخشَون ذنوبَكم , تقبَّل الله منا و منكم , و رزقنا فيه الإحسان في العمَل ,
و رزقنا الله فيه القيامَ و الصيام .
إعلموا حفظكم الله ، أنه يحيط بابن آدم أعداء كثير ، من شياطين الإنس و الجن ،
يحسنون القبيح ، و يقبحون الحسن ، ينضم إليهم النفس الأمارة بالسوء ،
و الشيطان ، و الهوى ، يدعونه إلى الشهوات ، و يقودونه إلى مهاوي الردى.
ينحدر في موبقات الذنوب صغائرها و كبائرها ، ينساق في مغريات الحياة،
و داعيات الهوى ، يصاحب ذلك ضيق و حرج و شعور بالذنب و الخطيئة
فيوشك أن تنغلق أمامه أبواب الأمل ،
و يدخل في دائرة اليأس من روح الله و القنوط من رحمة الله .
و لكن الله العليم الحكيم ، الرؤوف الرحيم ، الذي يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير ؛
فتح لعباده أبواب التوبة ، و دلهم على الاستغفار و جعل لهم من أعمالهم الصالحة كفارات ،
و في ابتلاءاتهم مكفرات .
بل إنه سبحانه بفضله و كرمه يبدل سيئاتهم حسنات :
{ وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً *
يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً }
[النساء:27، 28].
أيها الصائمون القائمون ، لقد جعل الله في التوبة ملاذاً مكيناً و ملجأ حصيناً ،
يلجه المذنب معترفا بذنبه ، مؤملاً في ربه ، نادماً على فعله ، غير مصرٍ على خطيئته ،
يحتمي بحمى الإستغفار ، يتبع السيئة الحسنة ؛ فيكفر الله عنه سيئاته ، و يرفع من درجاته.
التوبة الصادقة - حفظكم الله - تمحو الخطيئات مهما عظمت حتى الكفر و الشرك
{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ }
[الأنفال:38].
و قتلة الأنبياء ممن قالوا إن الله ثالث ثلاثة
و قالوا إن الله هو المسيح بن مريم - تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا –
لقد ناداهم المولى بقوله :
{ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
[المائدة:74].
فتح ربكم أبوابه لكل التائبين ، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ،
و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ،
و خاطبكم في الحديث القدسي :
(( يا عبادي إنكم تخطئون بالليل و النهار
و أنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ))
و في التنزيل :
{ قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ
إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }
[الزمر:53]،
{ وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }
[النساء:110]،
و من ظن أن ذنباً لا يتسع لعفو الله فقد ظن بربه ظن السوء .
كم من عبد كان من إخوان الشياطين فمن الله عليه بتوبة محت عنه ما سلف
فصار صواماً قواماً قانتاً لله ساجداً و قائماً يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربه .
معاشر الصائمين القائمين المتصدقين المنفقين ،
من تدنس بشيء من قذر المعاصي فليبادر بغسله بماء التوبة و الاستغفار ؛
فإن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين .
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
عن النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم قال:
( إذا أذنب عبد فقال : رب إني عملت ذنباً فاغفر لي
فقال الله : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب و يأخذ بالذنب ،
قد غفرت لعبدي،
ثم أذنب ذنبا آخر فذكر مثل الأول مرتين أخريين حتى
قال في الرابعة : فليعمل ما شاء ) ،
يعني ما دام على هذه الحال كلما أذنب ذنباً استغفر منه غير مُصر .
و جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم و هو يقول : و اذنوباه مرتين أو ثلاثاً
فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :
( قل اللهم مغفرتك أوسع لي من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي،
ثم قال له: أعد فأعاد، ثم قال له: أعد فأعاد فقال: قم فقد غفر الله لك ) .
أخرجه الحاكم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه ،
و أخرج أيضاً من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه
أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
يا رسول الله : أحدنا يذنب ،
قال:
( يكتب عليه ).
قال : ثم يستغفر منه
قال:
( يغفر له ويتاب عليه ) .
قال: فيعود فيذنب.
قال :
( يكتب عليه ).
قال: ثم يستغفر منه ويتوب.
قال:
( يغفر له و يثاب عليه. و لا يمل الله حتى تملوا ) .
و سئل علي رضي الله عنه عن العبد يذنب ؟
قال : يستغفر الله و يتوب .
قيل : فإن عاد ؟
قال : يستغفر الله و يتوب .
قيل : فإن عاد ؟
قال : يستغفر الله و يتوب .
قيل حتى متى ؟
قال : حتى يكون الشيطان هو المحسور .
و قيل للحسن رحمه الله : ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه
ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود ؟ فقال : ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا ، فلا تملوا من الاستغفار.
إلى جانب التوبة و الاستغفار ـ أيها الإخوة ـ تأتي الأعمال الصالحة من الفرائض
و التطوعات تكفر بها السيئات ، و ترفع بها الدرجات .
طهارة و صيام و صدقات و حج و جهاد و غيرها .
من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله يقضي فريضة من فرائض
الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة و الأخرى ترفع درجة ،
و الصلوات الخمس و الجمعة إلى الجمعة و رمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن
ما لم تغش الكبائر.
و من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع و انصت
غفر له ما بينه و بين الجمعة و زيادة ثلاثة أيام ؛
أخرج كل ذلك مسلم في صحيحه من أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه .
و هذا باب واسع لا يكاد يقع تحت حصر من طلب الرزق ، و إطعام الطعام ، و حسن الخلق ،
و السماحة في التعامل ، و طلب العلم ، و قضاء الحوائج ، و حضور مجالس الذكر ،
و الرحمة بالبهائم ، و إماطة الأذى . فأبشروا و أملوا و أحسنوا الظن بربكم .