يقوم الوحش المفترس بإحكام فكيه على رقبة الفريسة وبالتحديد منطقة الحنجرة
التي هي أخطر جزء في الحيوان، وعندما يغرز فكيه في الرقبة
ويطبق أسنانه بشدة على القصبة الهوائية يقطع إمدادات الدم والأكسجين
عن الدماغ فتتخدر الفريسة وتستسلم بسهولة وتموت مختنقة...
سبحان الله، من الذي علم هذا الفهد كل هذه التقنيات؟
أليس هو الله تعالى القائل:
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا
وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}
[هود: 6]؟!
الآن ماذا يقول القرآن يا أحبتي؟ وهل هو كتاب من تأليف النبي صلى الله عليه وسلم
كما يدعي الملحدون؟ طبعاً من ميزات القرآن أنه يقدم لك المعلومة
ليس لمجرد الاطلاع – كما يفعل العلماء اليوم – إنما يقدمها لك لهدف وحكمة
وفائدة بل ويربطها بأمر يهمك في حياتك أو آخرتك.
فقد تحدث القرآن عن اللحوم التي حرم الله أكلها، فحرَّم لحم الخنزير وحرَّم الميتة وحرَّم "المنخنقة"
والحقيقة هذا التعبير عجيب، يقول تعالى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}
[المائدة: 3].
فهذه الحيوانات التي تفترسها الوحوش وربما تأكل بعضها وتترك بعضاً منها فلا يجوز أكلها،
مع العلم أن الشائع في بعض الحضارات أكل مثل هذه الحيوانات، بل وحتى يومنا
هذا هناك قبائل تأكل مثل هذه الحيوانات، فحرَّمها القرآن لأنها ضارة جداً، والسؤال:
كيف علم النبي صلى الله عليه وسلم أن الوحوش المفترسة تخنق فريستها خنقاً؟!
ملاحظة:
إن القرآن يحوي إشارات خفية يفهمها كل قارئ على مر العصور،
ولذلك فإن كلمة (الْمُنْخَنِقَةُ) تتضمن إشارة إلى الحيوانات التي تخنقها السِّباع،
ومنها ما يأكل بعضها السبع، ولذلك قال تعالى: (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ).
وهناك طرق كثيرة يموت بها الحيوان مختنقاً عندما يعلق بين أغصان شجرة مثلاً،
وبالنتيجة كل حيوان يموت مختنقاً بأي طريقة كانت فقد حرَّم الله أكله،
لما فيه من الضرر والأذى.
والآية لا تدل فقط على الحيوانات التي تخنقها السباع،
بل كل حيوان يموت خنقاً.
هناك إعجاز آخر في الآية في قوله تعالى: (الْمُتَرَدِّيَةُ) أي التي تسقط من جبل مرتفع فتموت،
وهذه حرَّم الله أكلها لما فيها من الضرر أيضاً، ولكن كيف يمكن لحيوان
أن يتردى من فوق جبل؟ ونحن نعلم أن الحيوانات لا تنتحر؟
سبحان الله! هناك بعض أنواع النسور تصطاد فريستها بطريقة غريبة،
وهي أنها تلجأ إلى المرتفعات حيث تكثر الحيوانات الجبلية مثل الوعل وغيره،
وبسبب الوزن الكبير للحيوان فإن النسر لا يتمكن من اصطياده،
فيقوم بحيلة ذكية جداً حيث يقتل الفريسة بطريقة التردّي!!!
حيث يهبط النسر بشكل مفاجئ ويمسك بالفريسة ويسحبها قليلاً
ثم يرميها من فوق الجبل فتسقط على الصخور وتموت، فينزل ويأكلها،
انظروا كيف تعلم هذا النسر هذه التقنية العجيبة؟
فهذا النوع يدخل في قوله تعالى: (الْمُتَرَدِّيَةُ) فقد حرَّم الله أكلها،
مع العلم أن الآية تحرّم أكل كل حيوان يسقط من مرتفع فيموت.
وقد كان الناس في الماضي يعثرون على هذه المتردية في أسفل الجبل فيأكلونها،
فتصيبهم الأمراض بسبب ذلك، حتى جاء الإسلام فحرّم هذه اللحوم.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل