عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-28-2013, 09:28 PM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : السيرة النبوية و وجوب تعلُّمها


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
[FONT='Times New Roman', 'serif']خُطَبّ الحرمين الشريفين [/FONT]
[FONT='Times New Roman', 'serif']
خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
[/FONT]



ألقى فضيلة الشيخ الدكتور / عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان:
السيرة النبوية ووجوب تعلُّمها
والتي تحدَّث فيها عن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأهميتها
وضرورة تعلُّمها وتعلُّم السنَّة المُطهَّرة، والذبِّ عنها، ولا بُدَّ من استِشعار أخلاقِه –
عليه الصلاة والسلام - ونشرِها في رُبوع الأرض.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
إن الحمد لله نحمده - سبحانه - حقَّ حمده، ونُسبِّح بعظمته ومجده،
ونسألُه صلاحَ الحال وحُسنَ العواقِب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
منَّ علينا ببعثة المُصطفى الحاشِر العاقِب،
وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا وحبيبَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المُجتبى بأشرف الخِصال
وأبقَى المناقِب،
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه المخصُوصين في الاقتِداء بأسمى المراتِب،
والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ ما دامَ الجَديدان في دأبٍ وتعاقُب، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
فيا عباد الله :
اتقوا الله حقَّ تُقاته، واعلَموا أن تقواه - سبحانه - أعظمُ مِصداق، وأقوى مِيثاق،
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }
[النور: 52].
أيها المسلمون:
كل قضيةٍ إلى انمِحاءٍ وطموس، وكل أمرٍ إلى نِسيانٍ ودُروس،
وكل باطلٍ - لا محالةَ - إلى اندِحارٍ ونُكوص، ولكن دينَ الإسلام الرباني العالمي حياة
الأرواح والنفوس إلى إباءٍ وشُموس، وسيرةَ خير الأنام - عليه الصلاة والسلام –
في انتِصارٍ وائتِلاق، وانتِشار وانطِلاق،
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }
[الأنبياء: 107].
والأمةُ الإسلامية المُبارَكة إنما تسنَّمَت قِمَم السُّؤدَد والإباء،
وساقَت الإنسانيَّة إلى مرابِع الحضارة والعَلياء، وأفياء الأمن والاستِقرار والإخاء
أوانَ استِعصامها بالوحيَيْن الشريفين، وإبَّان كان مُفعَمُ روحِها ومُستولَى مشاعِرها
سيرةَ نبيِّها - صلى الله عليه وسلم - الغرَّاء وشمائلَه الفَيْحاء.
ويوم أن تنكَّبَت أمةُ الاتحاد والقوة والإنجاد عن ذلك الهديْ الربَّاني الرَّقراق فاءَت
إلى يَباب التَّبعيَّة والوَهَن، وصارَت والتنافُر والتناثُر في قَرَن، والتأمَت مع
الأسَى المُمِدّ على الشَّتات والانبِتات، والله المستعان.
معاشر المسلمين:
منذ ما يربُو على أربعة عشر قرنًا من بعثة سيد الأنبياء - عليه الصلاة والسلام –
وسيرتُه المُؤنَّقةُ البَلْجاء تُعطِّرُ الأقطارَ والأرجاء.
والكونُ أشرقَ والفضاءُ تعطَّرا والأفقُ ضلَّلَه السرورُ فهل ترَى
بما انهمرَت به من حقائق المهابة والجمال، والخشية والجلال، والحِكمة المُجلِّيَة
في الأقوال والفِعال؛ لأنها المكنَزُ التأريخيُّ، والمنهَلُ الحضاريُّ، والمِنهاجُ العلميُّ،
والمِعراجُ العمليِّ الذي يُبوِّئُ الأمةَ السُّؤدَدَ والمهابَة، والتوفيقَ والإصابَة.
أليست هي سيرةَ الحبيب المُصطفى والخاتَم المُقتفَى - صلى الله عليه وسلم -،
ما ذرَّ شارِق وحنَّ إلى إلفِه المُفارِق، رسول الملكِ العلاَّم، وحاملِ ألوية الحق والخير
والعدل والسلام، من هدى البشريَّةَ من الضلالة، وعلَّمَها من الجَهالة،
وانتحَى بها قِمَم الرِّفعَة والجلالة.
نبيِّ المُعجِزات، وآخِذنا عن النار بالحُجُزات، أمنِّ الناس على كل مسلمٍ ومسلمة،
وأحقِّهم نقلاً وعقلاً بالمحبَّة الوادِقة، والطاعَة الصادقة.
إذا ما المجدُ فاخرَ في عُلاهُ بدَا محبوبُنا أبهَى انتِســـابًا
إذا ما العزُّ أخجَلَنا صدَاهُ بدَا في الناس أرفعَهم جنابًا
يقول - صلى الله عليه وسلم -:
( لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِه ووالدِه والناس أجمعين )
أخرجه الشيخان.
أنت الحبيبُ بأمر الله قد خفَقَت لك القلوبُ بلا خوفٍ ولا تعبِ
أنت الذي خصَّه بالحبِّ خالِقُه لما اصطفَاهُ حبيبًا عالِيَ الرُّتَبِ
وتلكم هي المحبةُ المُفضِيَة إلى أصل الطاعة والتسليم الذي دلَّ عليه قولُ المولَى الكريم:
{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[النساء: 65].
يقول - صلى الله عليه وسلم -:
( إنما أنا رحمةٌ مُهداةٌ )
الله أكبر!
يا له من نبيٍّ ما أعظمَه، ومن رسولٍ ما أكرَمَه.
أقامَ مُجتمعَ الفضيلةِ والتُّقَى وأشادَ مجدًا شامِخَ البُنيانِ
العدلُ جوهرهُ وأُسُّ بِنائِه بمكارِمِ الأخلاق والإحسانِ
أيها المؤمنون:
ومع كلِّ هذا الجلاء في سيرة خير الورَى والبَهَاء لا ينفكُّ عفاكِلَةُ الشِّقاق ودَهماءُ الآفاق
ينشُرُون أباطِيلَهم وحِقدَهم الأرعَن عبرَ الحمَلات والشَّبَكات، ويَطالُون في النَّيْل والبُهتان
رُموزَ النبُوَّات، وعُظماءَ الرِّسالات، وشريفَ المُقدَّسات،
وخاصَّةً حِيالَ الجنابِ المُحمديِّ الأطهَر وهديِه الأزهَر.
ولكن بَلسَمُنا وسلوانَا قولُ ربنا ومولانا:
{ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ }
[الحجر: 95]
{ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }
[الكوثر: 3].
إنا لنـــــــعلَمُ أن قدرَ نبيِّنا أســمَى وأن الشَّانِئين صِغارُ
سقطَت مكانةُ شاتِمٍ وجزاؤُه إن لم يتُبْ مما جـــــــناهُ النارُ
وقد علِموا يقينًا قاطِعًا أن النبيَّ الكريمَ - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم –
قد جاء للبشريَّة بأسمَى القِيَم والآداب الخُلُقيَّة، وأدقِّ الحقائق الكونيَّة،
وأرقَى النُّظُم الاجتِماعيَّة، وأزكَى الشرائعِ التعبُّديَّة،
{ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }
[النمل: 14].
أمة الإسلام:
وإذا كانت المَآسِي تلفَحُ وجهَ الأمة في كل شبرٍ ووادٍ من كل باغٍ وعادٍ،
وخصوصًا في أرضِ الشام من قِبَلِ من فاقُوا جورَ عاد؛ فإنه لِزامًا على الأمة –
وقد رثَّ حبلُ صِلَتِها بهذه السيرة الهادِية أو كاد، ولم تُلقِ لها فهمًا أو بالاً،
فجرَّ ذلك تِرَةً ووبالاً - لزِمَ الأمةَ وبكل الوسائل التِّقانيَّة والفضائيَّة أن تنثنِيَ إلى السيرة
النبويَّة في شُمولٍ وعُمقٍ، وأن تكون أشدَّ تعلُّقًا بنبيِّها وسُنَّته - عليه الصلاة والسلام -،
تأسِّيًا وفهمًا واستِبصارًا، وسلوكًا وفِكرًا واعتِبارًا، لتنتشِلَ نفسَها من هُوَّة العجز والهُونِ
الواضح، والتمزُّق والانحِدار الفاضِح التي مُنِيَت بها في هذه الآونة العَصيبة القَلِقَة.
ولْنُعلِنها مُدوِّيَّةً خفَّاقَة، وشجًى في اللَّهَوات المُغرِضَة الأفَّاكَة أن السيرةَ النبوية والسنَّة
السنِيَّة - على صاحبها أزكى صلاةٍ وتحيَّة - هُما مَناطُ العزِّ والنصر، وأجلَى لُغاتِ العصر،
التي تُؤصِّلُ للأمة الفوقيَّة والتمكِين. نعم، يا أمةٍ عزَّت بأعظم سيرة، وقادَت بأكرَم مسيرة.
لا بُدَّ من بعث هِدايات السيرة المُشرِقة، وإشراقات معانيها ومرامِيها،
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:
( إنما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالحَ الأخلاق )
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد".
وقد أتمَّها - عليه الصلاة والسلام - بأبي هو وأمي - بالرحمة والرِّفق، والصدق والنزاهة
والأمانة والحِوار، والتسامُح والاعتِدال والإصلاح.
خُتِمَت به الأخلاقُ فهو تمامُها ولقــــــــــد يفوقُ بدايةً إنهاءُ
جــاء الأُلَى قبلاً بألفِ فضيلةٍ فأتَى بهيمَنةٍ على ما جاؤُوا
بل لا بُدَّ للأمم من استِشعار الأخلاق المُحمديَّة في سِياساتِها وفِكرِها وثقافاتها
وطُموحاتها وعلاقاتها وحِواراتها واقتصادِياتها وإعلامِها؛
لأنها الخِرِّيتُ الحادِي والمُرشِدُ الأمينُ الهادِي، يقول - جلَّ اسمُه -:
{ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا }
[النور: 54].
أمة السيرة والسنة :
ونظيرُ التحقُّق بالسيرة الزكيَّة: التمسُّكُ بالسنَّة السنيَّة والذبُّ عن حِياضِها،
والرُّتُوعُ مظهرًا ومخبَرًا في رِياضِها، والنَّهْلُ بالفهم السَّديد من سَلْسالِ غِياضِها،
في نَأْيٍ عن مسالكِ التعصُّباتِ المذهبيَّة، والنَّعَرات الطائفيَّة.
معاشر الأحِبَّة :
ولن تُترجَمَ نوابِضُ الحبِّ والإحساس، ومقاصِدُ الأنفاسِ في اتباعِ خير الناس –
عليه الصلاة والسلام - إلا بالوقوفِ عند هديِه وسُنَّتِه، والاقتِباسِ من مِشكاةِ سيرتِه؛
فأنَّى وعلامَ، وكيف وحتَّامَ يكونُ الهديُ النبويُّ المَكين مدى الأعمار والسِّنين قصرًا
على مُحدثاتٍ ومُخالفاتٍ، في ليالٍ وأيامٍ معدودات، وانبِتاتٍ عن معينِ السُّنَّة البَلْجاءِ
أيِّ انبِتات. ليتَ شِعري! إنه الحبُّ الهَباءُ الأخفُّ، وفي الموازينِ هو الأطَفُّ.
سلْهُم عن الحب الصحيحِ ووصفِه فـــــلسوفَ تسمعُ صادقَ الأخبار
إحيــــــــــاءُ سُنَّته حقيقةُ حُبِّه في القلبِ في الكلماتِ في الأفكارِ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }
[آل عمران: 31، 32].
بارك الله ولي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحِكمة،
أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛
فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنه كان توابًا.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
الحمد لله، جعل التمسُّكَ بالسنَّة الغرَّاء إلى مراضِيهِ سبيلاً، وشاهدًا على توفيقه ودليلاً،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المُبجَّلُ
في العالمين تبجيلاً جِيلاً فجِيلاً، من امتثَلَ حُبَّه فيا بُشراه نهَلَ من السعادة سَلسبيلاً،
صَلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله الأطهار، وصحابتِه الأبرار المُفضَّلين تفضيلاً،
والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ صلاةً وسلامًا يتعاقَبَان بُكرةً وأصيلاً.

رد مع اقتباس