عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-12-2013, 09:38 PM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي

عباد الله أيها المسلمون في كل مكان :


تبتهِجُ النفوسُ اليوم بمرأَى الحُجَّاج ينعَمون بالبيت الحرام،

وينتظِمُ عِقدُهم في رِحابِه الطاهِرة، في منظرٍ إيمانيٍّ رهيبٍ،

يبتَغون فضلاً من الله ورِضوانًا.


حطُّوا رِحالَهم عند بيت الله العَتيق،


{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)

فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا }

[ آل عمران: 96، 97 ].


مُلبِّين النداءَ القديمَ المُتجدِّد:


{ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ }

[ الحج: 27، 28 ].


يُؤدُّون رُكنَ الإسلام الخامِس،


{ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا }

[ آل عمران: 97 ].

يُلبُّون ويدعُون، يأمَلون من الله القَبول، ويرجُون رحمتَه ويخافُون عذابَه.


قدِمتُم - أيها الحُجَّاج - أهلاً، ووطِئتُم سهلاً، مرحبًا بكم في هذا الوادِي المُقدَّس،

وبين جنَبَات البيت العتيق أول بيتٍ وُضِع للناس، حجَّ إليه الأنبياء،

واستقبلَ أوائِلَ الوحي من السماء، وخطَرَ جبرائِيلُ بين أفيائِه،

وتنزَّلَ القرآنُ الكريمُ على سامِق جِبالِه،

وانطلقَت منه بِعثةُ نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وعلى آله -،

وربَّى نبيُّنا - عليه السلام - أبرَّ وأصدقَ رِجالِه.


بيتٌ بناه الخليلُ إبراهيمُ - عليه السلام -،

وحجَّه الأنبياءُ على تباعُد العُصور وترادُفِ الأعوام، زمزم والمقام، والحِجرُ،

والصفا والمروة، والجبالُ والأوديةُ والشِّعاب، كلُّها شواهِدُ على تصارُعِ الحقِّ والباطِل،

ومُغالَبَة الهُدى والضلال، حتى بزَغَ النورُ وعمَّ ضِياهُ الخافِقَيْن.


فعلى هذه الرُّبَى تُغسَلُ الخطايا، ويعودُ الحاجُّ نقيًّا كما ولدَتْه أمُّه،

وليس مكانٌ في الدنيا له ميزةٌ كهذا المكان. فاقدُرُوا للبيت حُرمتَه،

وتلمَّسُوا من الزمان والمكان بركَتَه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:


( من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفُث ولم يفسُق رجعَ كيوم ولدَتْه أمُّه )

متفق عليه.


وفي "الصحيحين" أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:


( العُمرةُ إلى العُمرة كفَّارةٌ لما بينَهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة )

متفق عليه.

تقبَّل الله منكم الطاعات، وغفرَ الخطيئَات، وأتمَّ لكم النُّسُك.


أيها المسلمون في مشارِق الأرض ومغارِبِها :


حُجَّاج بيت الله الحرام! أيامُكم هذه أيامٌ عظَّم الله أمرَها، وشرَّفَ قدرَها،

وأقسمَ بها في كتابِه العزيز، فقال - جلَّ شأنُه -:


{ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ }

[ الفجر: 1، 2 ]

وقال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -:


( ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام

قالوا: ولا الجهادُ في سبيلِ الله ؟

قال: ولا الجهادُ في سبيلِ الله، إلا رجلٌ خرجَ بنفسِه ومالِه

ثم لم يرجِع من ذلك بشيءٍ )

أخرجه البخاري.


وعند الإمام أحمد:


( فأكثِروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحمِيد )


الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.


أيها المسلمون :


لقد أُسِّس هذا البيتُ العتيقُ لأجل توحيدِ الله تعالى وإفرادِه بالعبادة،


{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا }

[ الحج: 26 ]

ثم رفعَ الخليلُ - عليه السلام - البناءَ وهو يدعُو،


{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا

إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }

[ البقرة: 127، 128 ].


{ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ }

الإسلامُ هو الاستِسلامُ لله، والانقيادُ بالطاعة، والخُلُوصُ من الشِّرك وأهلِه


{ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا }

تأصيلٌ للصواب، ولُزوم الشريعة، واتِّباع السُّنَّة.


وفي ثَنايا آيات الحجِّ يقول الله تعالى:


{ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ }

[ الحج: 30، 31 ].


وفي حديثِ جابرٍ - رضي الله عنه - قال:

ثم أهلَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد:


( لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لك لا شريكَ لك لبَّيك )

رواه أبو داود.


فأخلِصوا دينَكم لله، وتفقَّدوا أعمالَكم ومقاصِدَكم.

عباد الله:


وفي مناسِك الحجِّ تربيةٌ على إفرادِ الله بالدعاء والسؤال والطلَب،

مع التوكُّل عليه واللُّجُوء إليه، والاستِغناء عن الخلق، والاعتِماد على الخالِق،


{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }

[ الجن: 18 ]

لا نبيًّا ولا وليًّا ولا مكانًا ولا رسمًا.


كما لا يجوزُ أن يُحوَّلَ الحجُّ إلا ما يُنافِي مقاصِدَه؛ فلا دعوةَ إلا إلى الله وحدَه،

ولا شِعارَ إلا شِعارُ التوحيد والسُّنَّة. فالدينُ دينُ الله، والشرعُ شرعُه،

والواجِبُ على من بلغَه كلامُ الله وسُنَّةُ رسولِه - صلى الله عليه وسلم –

أن يتَّبِع الحقَّ ويطَّرِح ما سِواه، ولا يترُك القُرآنَ والسنَّةَ لقول أحدٍ مهما كان،

والله تعالى يقول:


{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

[ النور: 63 ].


ولقد تسرَّب الوهْنُ للأمة بقَدرِ ما تسرَّبَ إليها من البِدَع والمُحدَثات

والانحِراف عن الطريق الحقِّ. وإذا كان المُسلمون اليوم يلتمِسُون طريقًا للنُّهوض،

فليس لهم من سبيلٍ إلا وحدةُ جماعتهم، ولا سبيلَ إلى وحدَتهم إلا على الإسلام الصحيح،

والإسلامُ الصحيحُ مصدرُه القرآنُ والسُّنَّةُ،

وهو ما عليه سلَفُ الأمةِ من الصحابَةِ والتابِعين لهم.


أيها المسلمون:


والحجُّ عبادةٌ فريدةٌ تجمعُ ملايين البشَر، المُتدفِّقين لأداء النُّسُك شوقًا،

التارِكين لدُنياهم طوعًا. فأيُّ مشهَدٍ أبهَى من هذا التجمُّع الإيمانيِّ العَظيم؟

فيه اجتماعُ الأمة وائتِلافُها، وظُهورُ قِيَمها وأخلاقِها،


{ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }

[ البقرة: 197 ].


قِيَمُ التسامُح والإخاء، والبُعد عن الخِلافِ والمِراء، قِيَمُ المُساواة والعدل،

قِيَمُ القَناعَة والبَسَاطَة في تجرُّد الحاجِّ من متاع الدنيا في لِباسِه ومسكَنه ومنامِه.

رد مع اقتباس