عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-17-2013, 11:38 PM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي

{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ }
[النساء: 125].
وإسلامُ الوجهِ لله هو إقبالُ العبدِ بكلِّيَّته على الله وإعراضُه عمَّن سِواه،
والخُضوع لإرادتِه، والتذلُّل لعظمَته وكبريائِه، والإيمانُ بوحدانيَّته وشريعته،
وبه يكونُ كمال الإيمان وتمامُه.
الإيمانُ جعلَ نبيَّ الله هُودًا يقول لقومِه:
{ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ }
[هود: 55، 56].
وحين وقفَ موسى - عليه السلام - أمام البحر، وخلفَه فرعون وجيشُه،
وتراءَى الجَمعان،
{ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }
[الشعراء: 61، 62].
الإيمانُ جعلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو في مرمَى بصر المُشرِكين:
( يا أبا بكر! ما ظنُّك باثنَين اللهُ ثالِثُهما )
قال ابن القيم - رحمه الله -:
[ ومتى وصلَ اليقينُ إلى القلبِ امتلأَ نورًا وإشراقًا، وانتفَى عنه كلُّ ريبٍ وشكٍّ،
وسُخطٍ وهمٍّ وغمٍّ، فامتلأَ محبَّةً لله، وخوفًا منه، ورِضًا به، وشُكرًا له،
وتوكُّلاً عليه، وإنابةً إليه ]
وفي قول الله تعالى:
{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[النساء: 65]
قال - رحمه الله -:
[ التسليمُ هو الخلاصُ من شُبهةٍ تُعارِضُ الإيمانَ بالخبر، أو شَهوةٍ تُعارِضُ أمرَ الله،
أو سُخطٍ يُعارِضُ القضاءَ والقدَر ]
أيها المسلمون:
الإيمانُ يصنعُ المواقِفَ كما يصنعُ الرِّجال، الإيمانُ وَقودُ الهِمَم كما هو رُوحُ الأُمم،
وبه بلغَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - بالإسلام ما بلَغوا،
وعطَّرَت سيرتُهم ومسيرتُهم ذرَّات الكون، وصفَ اللهُ ثباتَ المؤمنين وقتَ المِحَن فقال:
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا
وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
[آل عمران: 173].
ووصفَ استِسلامَهم لأحكام الشريعةِ فقال:
{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ
أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
[النور: 51].
لقد بلغَ الإيمانُ واليقينُ بالصحابةِ مبلغًا صنعَ التاريخَ، في علمِهم وفقهِهم،
وجهادِهم وعبادتِهم، وحُبِّهم وتعامُلهم، وبَذل مُهَجهم لله،
مُستيقِنين قولَ الله - عز وجل -:
{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ }
[التوبة: 111].
بلغَ بهم الإيمان أن أنسَ بن النَّضر - رضي الله عنه - يقول:
[ والذي نفسي بيده؛ إني لأجِدُ ريحَ الجنةِ دونَ أُحُد ]
قال أنسُ بن مالكٍ - راوي الحديث -:
ونزلَت هذه الآية:
{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }
[الأحزاب: 23]
قال: وكنا نقولُ: أُنزِلَت هذه الآية فيه وفي أصحابِه
رواه مسلم.
وهذا عُميرُ بن الحِمام - رضي الله عنه - يقولُ:
[ بَخٍ بَخٍ؛ ليس بيني وبين الجنة إلا أن يقتُلَني هؤلاء،
لئِن بقيتُ حتى آكُلَ هذه التَّمَرات إنها لحياةٌ طويلةٌ ]
ثم رمَى ما في يدِه وقاتَلَ حتى قُتِل.
هذا يقينُ الصحابة - رضي الله عنهم -،
فهم يرَون عالمَ الغيب أمامَهم كأنَّه عالمُ الشهادة.
ولما علِمَ المُشرِكون بخبَر الإسراء والمِعرَاج سخِرُوا من النبي - صلى الله عليه وسلم -،
سخِروا من أمرٍ لم تبلُغه عقولُهم، فتجهَّزَ ناسٌ من قريشٍ إلى أبي بكرٍ - رضي الله عنه -،

رد مع اقتباس