عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-23-2017, 11:35 PM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 57,597
افتراضي خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان :صفات الطيبين والطيبات

ِ
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ألقى فضيلة الشيخ فيصل بن جميل غزاوي - حفظه الله –
خطبة الجمعة بعنوان:
صفات الطيبين والطيبات ،

والتي تحدَّث فيها عن صفاتِ عباد الله الطيبين من الرجال والنساء،
مما ذكرَهم الله تعالى في كتابِه، وبيَّنهم نبيُّه - صلى الله عليه وسلم –
في سُنَّته المُطهَّرة، وحثَّ الناسَ على التحلِّي بها، والاقتِداء بالنبي –
صلى الله عليه وسلم - في طِيبِه قولًا وفعلًا.

الخطبة الأولى

الحمدُ لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويرضَى،
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الحمدُ في الآخرة والأولى،
وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالرحمة والهُدى، صلَّى الله
وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجِه أمهات المُؤمنين،
وعلى أصحابِهِ أجمعين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتَّقُوا الله - عباد الله -، وتمسَّكُوا بدينِكم حتى تلقَوه،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[آل عمران: 102].

إخوة الإسلام:

مِن أوصاف المُؤمن التي تُبيِّن حقيقةَ حالِه، وتكشِفُ عن نُبل أصلِه
وكريم خِصالِه: وصفُه بأنه طيِّب، وكلُّ امرئٍ منَّا يُحبُّ أن يُوصَفَ بذلك،
ويكرَه ويُبغِضَ أن يُوصَفَ بأنه خبِيث، بل وينفِر مِن أن يكون مِن أهل
هذا الطَّبع.

فإذا كان الأمرُ كذلك، فما هي صفاتُ الطيبين، وبأي شيءٍ يمتازُون،
وكيف يعيشُون؟

إليكُم - عباد الله - جُملةً مِن النُّصوص الشرعيَّة التي تُجيبُنا عن هذه التساؤُلات:

ففي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال:
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( والذي نفسُ مُحمدٍ بيدِه؛ إن مثلَ المُؤمن لكمَثل النَّحلة، أكَلَت طيبًا،
ووضَعَت طيبًا، ووقَعَت فلم تكسِر ولم تُفسِد ).

فشبَّه - عليه الصلاة والسلام - المُؤمنَ الذي تكامَلَت فيه خِصالُ الخير
باطنًا، وأخلاقُ الإسلام ظاهرًا بالنَّحلة التي تأكُلُ بأمر مُسخِّرِها
- سبحانه -:
{ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ }
[النحل: 69].

وإن وضَعَت وضَعَت طيبًا، فلا يخرُجُ مِنها إلا الطيِّب،
{ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ }
[النحل: 69].

وهكذا المُؤمنُ طيِّبُ الأفعال، كريمُ الأخلاق، صالِحُ الأعمال.

معاشِر المُسلمين:

إن الإنسانَ الطيبَ هو الطاهرُ المُطهَّر، الذي يحرِصُ على أن يتجرَّد مِن
كل نقصٍ ودنَسٍ يتطرَّقُ إليه، ويُخِلُّ بإيمانِه، ويَنأَى بنفسِه عن التلبُّس
بالجهلِ والفِسقِ، وقبائِحِ الأعمال. وفي المُقابِل: يتحلَّى ويتجمَّلُ بالعلم والإيمان،
ومحاسِنِ الأعمال، ويسعَى في إصلاحِ نفسِه وتقويمِها وتكمِيلِها.

فطابَ قلبُه بمعرفة الله ومحبَّته، ولِسانُه بذِكرِه والثَّناء عليه،
وجوارِحُه بطاعتِه والإقبالِ عليه.

روى الإمام أحمد وغيرُه عن عليٍّ - رضي الله عنه - قال:
جاء عمَّار بن ياسرٍ يستأذِنُ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
فقال:
( ائذَنُوا له، مرحَبًا بالطيِّب المُطيَّب )
أي: الطاهر المُطهَّر.

أيها المُسلمون:

المُؤمنُ طيِّبٌ في كل شيء، في أعماله وتصرُّفاته، في تَجوَالِه وتنقُّلاتِه،
في حياتِه وبعد مماتِه. فإن سألتُم عن نفسِ المُؤمن، فهي نفسٌ طيبةٌ.

فعن مُعاذ بن عبد الله بن خُبيبٍ، عن أبيه، عن عمِّه قال: كُنَّا في مجلسٍ
فجاء النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسِه أثرُ ماء -،
فقال له بعضُنا: نراكَ اليوم طيِّبَ النفسِ.
فقال:
( أجَلْ، والحمدُ لله )، ثم أفاضَ القومُ في ذِكرِ الغِنَى،
فقال: ( لا بأسَ بالغِنَى لمَن اتَّقَى، والصحةُ لمَن اتَّقَى خيرٌ مِن الغِنَى،
وطِيبُ النَّفس مِن النَّعيم )؛
رواه ابن ماجه.

فمِن النعيم - يا عباد الله -: أن يكون العبدُ طيِّبَ النفس.

وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -،
أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
( يعقِدُ الشيطانُ على قافِيةِ رأسِ أحدِكم إذا هو نامَ ثلاثَ عُقَدٍ، يضرِبُ
على مكانِ كل عُقدةٍ: عليكَ ليلٌ طويلٌ فارقُد! فإن استيقَظَ انحَلَّت عُقدَة،
فإن توضَّأ انحَلَّت عُقدَة، فإن صلَّى انحَلَّت عُقدَة، فأصبَحَ نشيطًا طيبَ
النفسِ، وإلا أصبَحَ خبِيثَ النَّفس كسلَان ).

قال ابنُ حجر - رحمه الله -:
( والذي يظهرُ أن في صلاةِ الليل سِرًّا في طِيبِ النفسِ ).

وقال ابنُ عبد البرِّ - رحمه الله -:
هذا الذمُّ يختصُّ بمَن لم يقُم إلى صلاتِه وضيَّعَها، اما مَن كانت عادتُه
القيامَ إلى الصلاةِ المكتُوبة، أو إلى النافِلةِ بالليل فغلَبَتْه عينُه فنامَ،
فقد ثبَتَ أن الله يكتُبُ له أجرَ صلاتِه، ونومُه عليه صدقَة.

أيها الإخوة:

للمُؤمن كلمةٌ طيبةٌ يعتُّ بها، لا تُفارِقُ لسانَه مُدَّة بقائِه وعند مماتِه،
وقد جاء ذِكرُها في قولِه تعالى:
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ
اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }
[إبراهيم: 24، 25].

هذه الكلمةُ الطيبةُ هي: شهادةُ أن لا إله إلا الله.
فطِب نفسًا، وقَرَّ عينًا - أيها المُسلم - بهذه الكلِمة الطيبةِ كلمةِ التوحيد،
واستحضِرها دومًا، وتذكَّر أن مَن كان آخرُ كلامِه مِن الدنيا:
لا إله إلا الله، دخلَ الجنةَ، فسَلْ ربَّك الثباتَ حتى الممات.

وقال الله تعالى:
{ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ }
[الحج: 24].

فهدَى الله المُؤمنَ إلى الطيبِ مِن القول الذي أفضلُه وأطيبُه كلمةُ
الإخلاص، ثم سائرُ الأقوال الطيبة التي فيها ذِكرُ الله، أو إحسانٌ إلى عبادِ الله.

وقال - جلَّ ثناؤُه -:
{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }
[فاطر: 10].

الكلِمُ الطيِّبُ مِن قراءةٍ وتسبيحٍ، وتحميدٍ وتهليلٍ، وكل كلامٍ حسنٍ طيبٍ،
فيُرفعُ إلى الله، ويُعرضُ عليه، ويُثنِي على صاحِبِه بين الملأ الأعلَى.

ومما يحرِصُ عليه المُؤمنُ:
إفشاء السلام، فإنها تحيةٌ مِن عند الله مُبارَكة، وموصُوفةٌ بأنها طيبةٌ؛
لأنها مِن الكلام الطيبِ المحبُوبِ عند الله، الذي فيه طِيبُ
نفسٍ للمُحيَّا، ومحبةٌ وجَلبُ مودَّة.

عباد الله:

والطيبُون مِن الرجال، والطيِّباتُ مِن النساء يحرِصُون على أشباهِهم
وما يُوافِقُ أفعالَهم.

قال تعالى:
{ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ }
[النور: 26]،
فكلُّ طيبٍ مِن الرجال والنساء، والكلِمات والأفعال مُناسِبٌ للطيبِ،
ومُوافِقٌ له، ومُقترِنٌ به، ومُشاكِلٌ له.

والطيباتُ مِن الكلام أفضلُه وأحسنُه.

فاعمَلُوا بوصيَّةِ نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم -؛
إذ يقول:
( أطعِمُوا الطعامَ، وأطِيبُوا الكلامَ )؛
رواه الطبرانيُّ عن عليٍّ - رضي الله عنه -.

وتذكَّرُوا بِشارةَ الصادقِ المصدُوقِ - صلى الله عليه وسلم -؛
إذ يقول:
( إن في الجنة لغُرفًا يُرَى ظُهورُها مِن بُطونِها، وبُطونُها مِن ظُهورِها )،
فقام إليه أعرابيٌّ فقال:
لمَن هي يا رسولَ الله؟ قال:
( هي لمَن أطابَ الكلامَ، وأطعَمَ الطعامَ، وأدامَ الصيامَ، وصلَّى بالليل
والناسُ نِيام )؛
رواه الترمذي مِن حديث عليٍّ - رضي الله عنه -.

ويحرِصُ المُؤمنُ أن يكون كسبُه طيبًا.

روى مُسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال :
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( أيها الناس! إن الله طيبٌ لا يقبَلُ إلا طيبًا، وإن الله أمرَ المُؤمنين بما
أمرَ به المُرسَلين فقال:
{ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }
[المؤمنون: 51]،
وقال:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }
[البقرة: 172] ).

ثم ذكرَ
( الرَّجُلَ يُطِيلُ السفرَ، أشعثَ أغبَرَ، يمُدُّ يدَيه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ!
ومطعَمُه حرام، ومشرَبُه حرام، وملبَسُه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى
يُستجاب لذلك؟! ).

قال القُرطبيُّ - رحمه الله -:
( سَوَّى الله تعالى بين النبيين والمُؤمنين في الخِطاب، بوُجوبِ أكلِ
الحلال، وتجنُّبِ الحرام، ثم شملَ الكلَّ في الوَعِيد الذي تضمَّنَه
قولُه تعالى: { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } ).

صلَّى الله على رُسُلِه وأنبيائِه.
وإذا كان هذا معهم، فما ظنُّ كل الناسِ بأنفسِهم؟!

ويحرِصُ المُؤمنُ كذلك أن تكون صدقتُه مِن كسبٍ طيبٍ،
عمَلًا بقوله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا
فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }
[البقرة: 267].

أمرَ الله أن يقصِدَ العبادُ الطيبَ عند الإنفاق، ولا يقصِدُوا الخبيثَ.

وما أعظمَ أجر مَن تصدَّقَ مِن كسبٍ طيبٍ ولو كان شيئًا يسيرًا.

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
( ما تصدَّقَ أحدٌ بصدقةٍ مِن طيِّبٍ - ولا يقبَلُ الله إلا الطيِّبَ -،
إلا أخذَها الرحمنُ بيمينِه - وإن كانت تمرةً -، فتربُو في كفِّ الرحمن، حتى
تكون أعظمَ مِن الجبَل، كما يُربِّي أحدُكم فَلُوَّه أو فصِيلَه )؛
رواه مسلم.

أيها الإخوة:

ومِن علاماتِ طِيبةِ المُؤمن: التزاوُرُ والتواصُلُ مع إخوانِه المُسلمين،
وهو في سبيلِ تحقيقِ ذلك يمشِي إلى الخير، ويسعَى إلى الطيبِ.

جاء في الحديثِ الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه
- قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:

( مَن عادَ مريضًا، أو زارَ أخًا له في الله؛ نادَاه مُنادٍ: أن طِبتَ وطابَ
مَمشَاكَ، وتبوَّأتَ مِن الجنةِ منزِلًا ).

قال الطِّيبيُّ - رحمه الله -:
( دُعاءٌ له بطِيبِ العيشِ في الأُخرى، كما أن طِبتَ دُعاءٌ له بطِيبِ
العيشِ في الدنيا ).

أيها الإخوة:

وتطييبُ قُلوبِ عباد الله مِن علاماتِ طِيبِ القلوبِ، كما جاء في وصفِ
النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذين يُؤدُّون إلى الناس حُقوقَهم وافِيةً زائِدةً
بقولِه:
( إن خيارَ عِباد الله المُوفُون المُطيِّبُون )؛
رواه الطبرانيُّ مِن حديث أبي حُميدٍ الساعديِّ.

وأقصَرُ طريقٍ إلى القلوبِ: الكلمةُ الطيبةُ.

قال - صلى الله عليه وسلم -:
( اتَّقُوا النارَ ولو بشِقِّ تمرة، فمَن لم يجِد فبكلمةٍ طيبةٍ )؛
رواه البخاري مِن حديث عديِّ بن حاتمٍ - رضي الله عنه -.

والمُؤمنُ أيضًا - عباد الله - يطلبُ الطيبَ في مظهَرِه، فيلبَسُ البياضَ؛
لقولِه - صلى الله عليه وسلم -:
( البَسُوا مِن ثِيابِكم البياضَ؛ فإنها أطهَرُ وأطيَبُ، وكفِّنُوا فيها موتاكم )؛
رواه النسائي مِن حديث سمُرَة بن جُندب - رضي الله عنه -.

قولُه: ( وأطيَبُ ) لغلَبَة دلالتها على التواضُع والتخشُّع،
وعدم الكِبر والعُجبِ.

ولهذه الأطيَبِيَّة نُدِبَ إيثارُها في المحافِلِ؛ كشُهودِ جُمعةٍ، وحُضورِ مسجِدٍ،
ولذلك فُضِّلَت في التكفين، كما قال - صلى الله عليه وسلم -:
( وكفِّنُوا فيها موتاكم ).


رد مع اقتباس