عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-02-2012, 10:14 PM
vip_vip vip_vip غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى vip_vip
افتراضي خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : مقاصِد الحج وشواهِدُه

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان:

"مقاصِد الحج وشواهِدُه"،

والتي تحدَّث فيها عن الحجِّ ومقاصِده وشواهِده، وبيَّن أن من أعظم مقاصِد هذه الشعيرةِ المُبارَكة تقوى الله تعالى،
وإخلاصُ العمل له - سبحانه -، واتباعُ سنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وذكرَ بعضَ روحانيَّات الحجِّ،
ثم ختمَ خُطبتَه بضرورة الاستِغفارِ بعد الأعمال؛ حِفاظًا عليها ورعايةً لها من البُطلان.

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونسنغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين،
ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،
وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
ألا وإن خيرَ الوصايا بعد المحامِد والتحايا: الوصيةُ بتقوى الله العظيم،

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}

[الأحزاب: 70، 71].
أسلِموا لله القِياد، وأعِدُّوا ليوم المعاد، وأخلِصوا لله في السرِّ والإعلان؛
فكم من إنسانٍ كثيرِ الثياب، عارِي الثواب، مذكورٍ في الأرض، مهجورٍ في السماء.
أيها الحُجَّاج في هذي البِطاح! يا مَن وفَدتم من كل ناحيةٍ وساح، ها هنا المورِدُ فعُلُّوا، وهنا الرواءُ فانهَلوا،
أكرمَكم الله بإدراك يومٍ عظيمٍ من أيام الإسلام، وموقفٍ جليلٍ من مواقفِ المُسلمين، فأتممتُم حجَّكم، وقضيتُم تفَثَكم،
وقد سبقَكم إلى هذه الصُّعُدات آدمُ ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وأنبياءٌ كُثُر، ومحمدٌ النبي الكريم،
وصحبُه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، والصحابةُ العِظام، وأئمةُ المذاهبِ وصُلَحاءُ المُسلمين.

وها أنتم تخلُفونهم على هذه الرُّبُوع، الربُّ واحدٌ، والمشاعِرُ هي نفسُها،
والهدفُ مُتَّحِد، فلماذا الحالُ غيرُ الحال، والرجالُ دون الرِّجال؟!
نسَبُكم - أيها المُسلمون - في المُعتقَد تسلسلَ إلى أنبياء الله ورُسُله؛ فلِمَ الحَيدَة؟
وديوانُ الإسلام - قُرآنٌ وسنَّةٌ - لا زالَت حيَّةً، وشواهِدُ التوحيد ما زالَت قائمةً من عهد إبراهيم؛
فلماذا الخلْطُ؟
ودينُكم أعظمُ شِرعةٍ نزلَت من السماء إلى الأرض؛ فلِمَ الذِّلَّة؟

قضيتُم نُسُكًا شِعارُه التوحيد، فاجعَلوه شِعارَكم حتى تلقَوا ربَّكم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

(من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخل الجنةَ)

رواه مسلم.
عظِّمُوا اللهَ وأجِلُّوا رسولَه، وعظِّموا ما جاء من عندهما وأسلِموا له، أخلِصوا لله القصدَ والعملَ،
واقتَفوا هديَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبِه الذين رضِي الله عنهم ورضُوا عنه،
واعرِضوا العبادةَ على الكتاب والسنة،

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}

[الحشر: 7]،
وما لم يرِد في السنَّة فاطَّرِحوه.
أيها المسلمون:
حُجَّاج بيت الله العتيق! إن من حجَّ البيتَ واعتمَرَ فقد ازدادَ من الله قُربًا، وتقرَّبَ إليه زُلفَى،
والمُقرَّبُون هُم أولَى الناس بالتأدُّبِ مع الله - جل في علاه -، يحدُوهم الرجاءُ في الازديادِ من الطاعة،
ويمنعُهم الحياءُ من التلطُّخ بشيءٍ من المعاصِي بعد أن أكرمَ الله وسادَتَهم، وغفرَ ذنوبَهم، وأتمَّ مناسِكَهم.
أما وقد وفَّقَكم الله لمرضاته، ويسَّر لكم التعرُّضَ لنفحاته؛ فاستقِيموا على أمره،

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}

[النحل: 92].
وإن من أولَى ما يُوصَى به المُسلِمُ بعد التقوى: ما أوصَى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم
- سُفيانَ - رضي الله عنه - حينما قال: يا رسولَ الله! قُل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك. قال:

(قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم)

رواه مسلم.
ألا وإن من أولَى ما استقامَ عليه المُؤمنُ بعد التوحيد: المُحافظةُ على الصلاة؛ فهي عمودُ الدين،
وفارِقُ المؤمنين عن الكافرين، وقد قال الله - عز وجل -:

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}

[المؤمنون: 1، 2].
روى الترمذي والنسائي والحاكم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

(أُنزِلَ عليَّ عشرُ آياتٍ، من أقامهنَّ دخلَ الجنة، ثم قرأَ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)، حتى ختمَ عشر آياتٍ)

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

[المؤمنون: 1- 11]،

هذه هي أسبابُ الفلاحِ وأسبابُ دخول الجنة؛ الصلاةُ، والزكاةُ،
واجتِنابُ ما لا نفعَ فيه من الأقوال والأعمال، وحِفظُ العورات والمحارِم،
واجتِنابُ الفواحِش، والمُحافظةُ على الأمانة والعهد.
أيها المؤمنون:
الإسلامُ هو الاستِسلامُ لله، والانقِيادُ له بالطاعة، والخُلُوص من الشِّرك وأهلِه،
والاستِسلامُ لله عبَّرَت عنه أحكامُ الحجِّ كما جسَّدَته المشاعِرُ،
ومثَّلَته سيرةُ نبي الله إبراهيم وآله، تلك الأُسرةُ الصالحةُ التي استسلَمَ فيها إبراهيمُ لأمر الله بترك زوجته
ورضِيعها في وادٍ قَفْرٍ؛ لأن اللهَ أمرَه بذلك، وقالت زوجُه هاجَر:
"آللهُ أمرَكَ بهذا؟". قال: "نعم". قالت: "إذًا، لن يُضيِّعَنا".
فلم يُضيِّعهم ربُّهم، وفجَّرَ الأرضَ بعين زمزم، وباركَ فيها، وعمَرَ الوادي بالبشر،
فهوَت أفئدَةُ الناسِ إليهم، ورزقَهم الله من الطيبات، وجعلَ بلدَهم آمنًا مُطمئنًّا.
واستسلَم إبراهيمُ لأمر الله بذبحِ ابنِه، واستسلَم إسماعيلُ أيضًا لهذا الأمر، وقال الله عنهما:

{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}

[الصافات: 103]؛
أي: استسلَما، لكنَّ اللهَ الرحيمَ لطَفَ.
إنه مثالٌ للأُسرة الصالحةِ المُستسلِمة، ودرسٌ للأمة بكل تفاصيل الحدَث،
وكان الجزاءُ في الموقِفَين: أن اللهَ كان لهم، ورفعَ درجتَهم،
وجعلَ النبُوَّةَ فيهما وفي ذريَّتهما، وجعلَ آثارَهما مناسِكَ للمُؤمنين إلى يوم الدين.
عباد الله:
ومن روحانيات الحجِّ: التربيةُ على التقوى، وفي ثنايا آيات الحجِّ:

{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}

[البقرة: 197]،
إنها عبادةٌ محدودةٌ في أيامٍ معدودةٍ، يجهَدُ الحاجُّ في تمامِها، ويحذَرُ من نُقصانِها أو بُطلانِها،
ويلتمِسُ من ربِّه القبولَ راجيًا رحمتَه، طالبًا الخلاصَ من ناره. وهذا مُختصرُ الحياة ومُلخَّصُها.
والتقوى شعورٌ قلبيٌّ يحدُو المُسلِمَ خلال ذلك للسير وفقَ مُراد الله، يُزجِيه خوفُ الله،
ورجاءُ ما عند الله لا ما عند الناس، وإذا جعلَ المُسلِمُ قصدَه استِرضاءَ ربِّه أفلحَ ونجا.
أيها المسلمون:
الحجُّ موسمٌ روحانيٌّ نشرَ بين المُسلمين حقيقةَ العبادة المُقدَّسة؛ طاعةٌ واستِجابةٌ لنداء الرحمن،
واستِسلامٌ لشرعه وأحكامه، ومهما أحاطَ الإنسانُ نفسَه بمظاهر التَّرَف فلن ينفكَّ عن الشُّعورِ بالحقيقة
حقيقةِ أنه فردٌ من بين ملايين البشر، وأنه فقيرٌ إلى الله كبقيَّة السائرين إليه، المُستجدِين منه الرحمةَ
والمغفرةَ والرِّضوانَ.
لذا، فإنه من الخطأ تطلُّبُ حجٍّ مُرفَّهٍ، أو التذمُّرُ من مشقَّةٍ يلقاها من لم يتعوَّد المشاقَّ؛ فإن اللهَ تعالى قال:

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}

[النحل: 7]،

فالبساطةُ والتخلِّي عن الرفاهيَة من مقاصِد الحجِّ، فيها التربيَةُ والعبوديَّةُ والتواضُع،
والمُساواةُ عند الضَّراعة بين يدَي الله.
وفي ذلك أيضًا: تربيةٌ للمُسلِمين بأن يكونوا رحمةً على إخوانِهم مُتواضِعي لهم، قائمِين على مصالِحِهم،
في بُعدٍ عن الأنانيَّة والأثَرَة، فضلاً عن التقصير في حقِّهم، أو الإخلالِ بما أُنيطُوا به من واجبِهم.
عباد الله:
ومن مشاهِد الحجِّ: أن الله تعالى أحاطَه بالرعاية والحفظِ، وأسبغَ على حُجَّاج بيته الأمنَ والطُّمأنينة،
في أيامٍ يضطربُ فيها العالَمُ كما تضطرِمُ نارُ الحروبِ في بِقاعٍ شتَّى، ولسنا بمَنأى عن الحُسَّاد والمُعتدين،
ولكنَّ الله تعالى هو الذي لطَفَ وآمنَ، وستَرَ وعافَى، وأسبغَ علينا نعَمَه ظاهرةً وباطنةً،
وسخَّرَ لهذا البلد حُماةً صادقين، حفِظَ الله بهم العبادَ والبلادَ.
فلله الحمدُ والشُّكرُ، وله الثناءُ الحسن، وصدق الله:

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}

[العنكبوت: 67].
إنها نعمةٌ تستوجِبُ الذِّكرَ والشُّكرَ والتنبيهَ؛ تحدُّثًا بنعمة الله تعالى، وشُكرًا له وحمدًا.
باركَ الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة،
أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

رد مع اقتباس