عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-15-2013, 07:47 PM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : سوريا و يقظة الأمة

ألقى فضيلة الشيخ الدكتورسعود الشريم - حفظه الله - خطبتي الجمعة بعنوان :
سوريا و يقظة الأمة
والتي تحدَّث فيها عن أمة الإسلام وما ميَّزها الله به في التعامُل
مع الواقعِ في كل عصرٍ ومصرٍ، وأنها مهما هُزِمت وضعُفَت فإنها لا تموت ولا تذِلّ،
وحثَّ على نُصرة قضايا المسلمين في كل مكان كلٌّ بحسب جُهده وطاقَته.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهدِه الله فلا مُضلَّ له ، ومن يُضلل فلا هاديَ له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[ آل عمران: 102 ].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }
[النساء: 1].
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
[ الأحزاب: 70، 71 ].
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
فيا أيها الناس:
لقد ميَّز الله أمة الإسلام بحُسن التعامُل مع غِيَر الحياة ودُروبها؛
فهم يشكُرون الله في سرَّائِها، ويصبِرون الصبرَ الجميلَ في ضرَّائِها،
إن انتصَروا علِموا أن النصرَ من عند الله، وإن هُزِموا علِموا أنه من عند أنفُسهم،
كما علَّمهم بذلك ربُّهم - جل وعلا -:
{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا
قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
[ آل عمران: 165 ].
وقد بُلِيت أمةُ الإسلام في هذا الزمن بالبُركان المعلوماتيِّ الثائِر،
والموج التقنِيِّ الهائِج، فقرَّب البعيد، وكشفَ المخبوءَ،
فكان نتيجةُ هذا الطُّوفان الجارِف من الحضارة التي رفَّهَت الجسدَ،
وأوحشَت الرُّوح أن أصبحَ العالَمُ كلُّه كالكُتلة الواحدة،
اجتمعَ فيها بطشُ عادٍ، ومعصيةُ قوم لوطٍ، وسحرُ فرعون وقومِه،
وتطفيفُ مديَن، وسُخريةُ قوم نوحٍ، وكيدُ إخوة يوسف.
حتى أصبَحت أمتُنا من جُملة المنكوبين بلَهيب هذه النار،
واعتراهُم مُعترَك الحضارة بهُمومه وغُمومه، وعُجَره وبُجَره،
فزادَت سُخونتَهم غليانًا، وطِينَتهم بلَّة، وكربَهم وجعًا، وضيقَهم حرَجًا،
حتى عشْعشَ في أفئدةِ كثيرٍ منهم عنكبوتُ اليأس والتشاؤُم،
وأصابَهم من الضِّيق ما يجعلُ صدرَ الواحدِ منهم
ضيِّقًا حرجًا كأنَّما يصَّعَّدُ في السماء.
لقد كثُرت آلامُهم، واغتِيلَت آمالُهم، فخُرِّبت أرضُهم وديارُهم وأموالُهم وصياصِيهم،
وزُجَّ بهم في كل مضيقٍ، ليتجرَّعوا حقائِق مُزوَّرةً على شرَقٍ،
وهم يتهوَّعون الظلمَ والحَيفَ من أجل أن يعترِفوا بأن حقَّهم باطِل، وباطِل غيرهم حقٌّ.
حتى كشفَ الستار عن زيف هذه الحضارة وتيهِ العدل فيها،
وظهور ما يُسمَّى "حقوق الإنسان" بوجهٍ كالِحٍ،
ليس لأمة الإسلام منه نصيبٌ تحت صريرِ المُجنزرَات والمُقاتِلات
التي تحصُدُ أرواحَهم بلا رقيبٍ ولا حسيبٍ، ولا ذِمَّةٍ، ولا رحمةٍ بشريَّةٍ.
وأمةُ الإسلام أمةٌ عزيزةٌ لا تُنقِّبُ - مهما ضاقَت أمورُها - عن نائِحةٍ مُستأجَرة،
ولا إعارة ظِئرٍ تُودِعُ قضاياها ترائِبَها؛ لأن الدموعَ لا تُعار،
والبُكاءَ لا يُحيِي الميِّت، فلم يكُن للأمة المُسلِمة بُدٌّ
إلا أن تعتصِم بحبل خالقِها قبل كل شيءٍ،
ثم بحبل الاتِّحاد والاجتماع لقادَة الأمة لنصرِ قضيَّتها،
والدفاع بكل ما تملِك من جُهدٍ واستطاعة في كفكَفة دموع الأيتام
والثَّكالَى والجرحَى الذين طالَتْهم حروبُ الظلم والقهر والجبَروت.
فأمةُ الإسلام لديها من معينِ دينِها ما تستطيع من خلالِه أن تكون أقوى الأمم،
وأعدلَ الأمم إذا جمعَتها وحدةُ الدين، والتعاوُن على البرِّ والتقوى؛
فإن تمَّ لها ذلك فإن عدوَّها لن يستطيعَ أن يقتُلَها ولا أن يُشيِّع جنازتَها،
ولو أرجعَ بصرَه لانقلَبَ إليه بصرُه خاسِئًا وهو حسيرٌ.
فإن أمة الإسلام قد تضعُف لكنها لا تموت، وقد تُهزَم ولكنها لا تستكِين؛
لأن الله - جل وعلا - يقول:
{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ }
[ آل عمران: 139- 141 ].
عباد الله:
إن على أمة الإسلام أن تلتمِس في كل ضيقٍ طيفَ السَّعَة،
وفي كل كربٍ طيفَ الفرَج؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم –
أمرَ بالفأْل ونهَى عن التشاؤُم، فقد قال - صلوات الله وسلامه عليه -:
( يُعجِبُني الفألُ
قالوا: وما الفأْلُ ؟
قال: الكلمةُ الطيبة )
رواه البخاري ومسلم.
ومن هنا وجبَ على أمة الإسلام أن تُغلِّبَ جانبَ الفأْل في حياتِها
حتى لا تقضِي عليها نوائِبُ الحروب والخُطوب، وألا تستحكِمَها حلقاتُ المضايِق؛
لأن الله لا يُعجِزُه شيءٌ في الأرض ولا في السماء،
ولأن أمة الإسلام ليست ظالمةً ولا مُعتديةً،
ولم ولن يكون من طبيعتها الظلمُ والغدرُ وهدرُ الحقوق، والارتِواءُ بالدماء،
والشِّبَعُ بالأشلاء.
إنها أمةُ عدلٍ وعبوديَّةٍ لله؛ لأن من عرفَ الله نصَرَه وأمدَّه بعونِه وتوفيقِه،
وليس لليأس والقُنوط سبيلٌ أمام كل واثِقٍ بالله وبوعده بنصر كتابِه،
وسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -.
قال - جلَّ شأنُه -:
{ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ
ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }
[ الحج: 15 ].
فلنَتَّقِ الله - عباد الله
ولنعمل على وحدة صفِّنا؛ فإن العمل مِفتاحُ النجاح،
ورأسُ العمل هو رُجوعُنا إلى كتاب ربِّنا وسُنَّة نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -،
ليخرُج من ضِئضِئِ أمَّتنا حبُّ الإخوة والتناصُح والتناصُر؛
لأن ما أصابَ أمةَ الإسلام لم يكن بِدعًا من الأمر؛
بل إنه نتيجةُ خللٍ وفُتوقٍ وتقصيرٍ ملحوظٍ في قيام المُسلمين
بواجِباتهم تُجاه إخوانِهم في الدِّين، حتى لاقَت الأمةُ من أعدائِها مكرًا في صُورة لِينٍ،
وبطشًا في صُورة تأديبٍ، مع احترافٍ في الهمجيَّة والجبَروت،
والتلويحِ بالقُوَّة، وحقِّ النقضِ الجائِر،
وترك الجِدال بالتي هي أحسن إلى الجِدال بالتي هي أخشَن.
حتى جعَلوا من ذواتِهم أشباحًا مرهوبة، وحقوقَ من سِواهم لِباناتٍ ممضوغةً
يلفِظونَها بعد علْكِها ببين مخالِب القوة الباطِشة،
حتى جعَلوا العالَم الإسلاميَّ اليوم يألَفُ ألوانًا من الحروب والاعتِداءات والنَّكَبات،
ليُصبِح الأمانُ لديهم شِبهَ سرابٍ بِقيعةٍ لا يبلُغُه أحد،
{ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
[ يوسف: 21 ].
إنه لن تُكسَر رماحٌ مُجتمعة، ولن يأكل الذئبُ من الغنَم إلا القاصِية،
وما على المُسلمين إلا أن يغلِبَ فألُهم يأسَهم
{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ }
[ يوسف: 110 ].
إن الأمرَ إذا ضاقَ اتَّسَع، وإذا استحكَمَت حلقاتُه فُرِج، ولن يغلِبَ عُسرٌ يُسرَيْن،
{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }
[ الشرح: 5، 6 ].
باركَ الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم،
قد قلتُ ما قلتُ إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسِي والشيطان،
وأستغفر الله إنه كان غفَّارًا.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رد مع اقتباس