عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-01-2013, 01:02 AM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

ومن أنواع الإحسان:
مُواساتُه عند الحاجة؛ بل كم هو جميلٌ أن ينفعَ الجارُ جارَه فيما وهبَه الله من مواهِب،
وهيَّأ له من تخصُّصات؛ فالغنيُّ يُواسِي، والطبيبُ يُعالِج، والمُعلِّمُ يُعلِّم.
يُقال مثلُ هذا في المهندس، والنجَّار، والحدَّاد، وسائر أرباب الحِرَف والمِهَن والصنائع.
جيرانٌ مُتحابُّون، يُعينُ بعضُهم بعضًا، وينفعُ بعضُهم بعضًا.
ومن أنواع الإحسان:
تعليمُه وإرشادُه، ونُصحُه، وأمرُه بالمعروف ونهيُه عن المُنكر بأدبٍ وحكمةٍ،
كما ينبغي أن يتلطَّف لولده في كلماته ويُرشِده إلى ما ينفعه في أمور دينِه ودُنياه.
وفي حديثٍ جامعٍ حسنِ الإسناد، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال:
( قُلنا: يا رسول الله! ما حقُّ الجار؟
قال: إن استقرضَك أقرضتَه، وإن استعانَك أعنتَه، وإن احتاجَ أعطيتَه،
وإن مرِضَ عُدتَّه، وإن ماتَ تبِعتَ جنازتَه، وإن أصابَه خيرٌ سرَّك وهنَّيتَه،
وإن أصابَته مُصيبةٌ ساءَك وعزَّيتَه، ولا تُؤذِه بقَتار قِدرِك إلا أن تغرِف له منها،
ولا تستطِل عليه بالبناء لتُشرِف عليه، وتسُدّ الريحَ إلا بإذنه، وإن اشتريتَ فأهدِ له منها،
وإلا فأدخِلها سرًّا، ولا يخرُج ولدُك بشيءٍ منه يُغيظُ به ولدَه )
وفي حديثٍ مُتفقٌ عليه :
( ومن كان له جارٌ في حاجةٍ أو شريك فلا يبِعه حتى يعرِضَ عليه )
ويبدأ في إحسانه ومعروفه بالأقرب فالأقرب؛
لأن الأقربَ يرى ما يدخلُ من بيت جارِه وما يخرُج؛
فعند البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:
( قلتُ: يا رسول الله ! إن لي جارَين، فإلى أيِّهما أُهدِي؟
قال: إلى أقربِهما منكِ بابًا )
قال أهلُ العلم:
[ والمرادُ: إذا لم يكُن عندك ما تُهديه إليهما جميعًا فتُهدِي للأقرب،
أما إذا أمكنَ الإهداءُ لهما جميعًا فهو أولَى وأفضَل ]
وتتضاعفُ المسؤوليةُ وتزدادُ الحقوقُ حين يكونُ الجارُ مسكينًا أو يتيمًا
أو أرملةً أو صاحبَ حاجةٍ خاصَّة، ورُوي أن الجارَ الفقير يتعلَّق بالجار الغنيِّ
يوم القيامة ويقول:
( يا ربِّ ! سلْ هذا لمَ منعَ عني معروفَه وأغلقَ عني بابَه ؟ )
أيها الإخوة في الله :
ومن أعظم حقوق الجيران: كفُّ الأذى عنهم،
وقد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( من كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يُؤذِ جارَه )
وعند مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -:
( لا يدخلُ الجنةَ من لا يأمنُ جارُه بوائقَه )
وفي الحديث الآخر:
( أعوذُ بك من جار السوء في دار الإقامة؛ فإن جارَ البادية يتحوَّل )
رواه أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، والنسائي،
والحاكم وصحَّحه، ووافقه الذهبي.
والبوائِق جمعُ بائِقة، وهي: الغائِلة والفتْك والشرور والأضرار.
وعبَّر في الحديث بقوله :
( لا يأمنُ جارُه بوائقَه )
أي: لا يتَّخِذ من معرفته بأحواله سبيلاً لطعنِه والتسلُّط عليه، وطريقًا لابتِزازه.
وأنواع الأذى، وصُوره كثيرة، فيصفَحُ عن زلاَّته، ولا يطَّلعُ على عوراته،
ولا يُتبِعُ نظرَه فيما يحمِلُه من متاع، ويستُرُ ما ينكشِفُ من عورته،
ويغُضُّ البصرَ عن محارِمه، ولا يُضايِقُه في طرحِ الأترِبة والكُناسَة في فنائِه،
ولا يُضيِّقُ عليه في طريقِه إلى جارِه، ولا في مصبِّ الماء في ميزابِه،
ولا يستطِل عليه في البناء فيحجبُ عنه الهواء إلا بإذنه.
وتعوَّذوا بالله - رحمكم الله - من جار السوء، يسمعُ الخنا، ويهذِي بكل عنا.
ثم الحذرَ الحذرَ أن يكون وفرةُ مالك أو سعَة جاهِك سببًا لإهانتك جارَك،
أو التطاوُل عليه، أو لاستِكبارك عليه.
وعلِّم أولادَك أن يحفَظوا حقوقَ الجيران،
حتى لا يتربَّى أهل الحيِّ على الحسد والنِّقمة والكراهية والحقد.
عباد الله:
فبالقيام بحقوق الجيران تقوم الأُلفة، وتحصُل المودَّة،
فيعيشُ أهلُ الحي والمُجتمع في أمنٍ وطُمأنينة، يتبادَلون المنافع،
ويقضُون حاجاتهم فيما بينهم، ويتعاوَنون على البرِّ والتقوى،
ويدفَعون الشُّرور والأذَى والسوءَ عن أهليهم وبيوتهم،
في إخلاصٍ وصدقٍ في الظاهر والباطن، يُؤمنون بالله واليوم الآخر،
ويأمرون بالمعروف، وينهَون عن المُنكر، ويُسارِعون في الخيرات،
وأولئك من الصالحين.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛
فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

رد مع اقتباس