أَعُوذُ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) }
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عبدك ورسولك سيدنا مُحَمَّدٍ
وَعَلَى زوجاته الطيبات الطاهرات أُمَّهِاتِ المُؤْمِنِينَ، وذُرِّيَاتِهِ الأبرار،
وآله الأخيار، وسَائِرَ صَحَابَتِهِ الْكِرامِ،
وخُصَّ مِنْهُمْ أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ وعَلِيٍّ، وبقية العشرة المبشرين،
والتَّابِعِينَ لهُمْ بِإِحْسَانٍ ما تعاقب الليل والنهار إلى يَومِ الدِّينَ.
عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه:
( كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ قَامَ،
فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءتِ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ،
جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ
قُلْتُ: يَا رسول الله، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟
قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ
قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ
قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ
قُلْتُ: أجعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا؟
قَالَ: إذاً تُكْفى هَمَّكَ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبكَ ).
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، القائل :
{ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ... (180) }
الذي أَوْجب على المسلمين الصَّلاةَ والسَّلامَ
على رسولهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم نَوعاً من أنواعِ العبادةِ،
ونَنَال بها شرف صَلاةِ الله علينا، وأنَّها سببٌ لغفرانِ الذنوبِ وتفريجِ الكروبِ،
ومُوجبةٌ لشفاعتهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّم. وتجبُ ولو فِي العُمرِ مرةً واحدةً،
لكنها تَتأكدُ فِي مواطنَ مُتعددةٍ نذكرُ منها:
التَّشهُّدَ الأخيرَ فِي الصَّلاةِ، وعندَ الأذانِ والإقامةِ، وليلةَ الجُمعةِ ويومها،
وفي الصَّباحِ والمساءِ، وفي مجالسِ الذِّكرِ، وعندَ الدعاءِ،
وعندَ دخولِ المسجدِ والخروجِ مِنه، وبعدَ التكبيرةِ الثانيةِ في صلاةِ الجنازةِ،
وفي تكبيراتِ عيدِ الفطرِ وعيدِ الأضحى،
وعندَ ذِكرِ اسمهِ أو زيارةِ قبرهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
ولقد أمرنا ربُّ العزةِ والجلالِ بأمرٍ بَدأ فِيه بِنفسهِ
وثَنَّى بملائكتهِ وأَيْـهٍ بالمؤمنينَ فقال تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) }
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك وحبيبك
سيدنا محمد بن عبدالله صلَّى الله عليه وسلَّم
الذي حَثَّنَا ورَغَّبنا في الصَّلاةِ والسَّلامِ عليه في أحاديثَ شريفةٍ كثيرةٍ، منها:
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما:
أنَّه سمع رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم، يقول:
( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً )
- عن ابن مسعود رضي الله عنه:
أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ:
( أَوْلَى النَّاسِ بِي يَومَ القِيَامَةِ أكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً )
- عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه، قَالَ:
قَالَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
( رَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ )
- عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه، قَالَ :
قَالَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
( لا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً، وَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ )
- عن عليّ رضي الله عنه، قَالَ:
قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
( البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ )
- عن أوْسٍ بن أوْسٍ رضي الله عنه، قَالَ:
قَالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
( إنَّ مِنْ أفْضَلِ أيَّامِكُمْ يَومَ الجُمُعَةِ، فَأكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ،
فَإنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ
قَالَ: قالوا: يَا رسول الله، وَكَيفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟!
قَالَ: إنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الأرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ )
- عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه:
أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قَالَ:
( مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلاَّ رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ )
رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.
- عن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه، قَالَ:
( سَمِعَ رسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم،
رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ الله تَعَالَى،
وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم،
فَقَالَ رسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ
فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ : إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ،
وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم،
ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ )
رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
ولقد أَسْهَبَتْ كثيرٌ مِنْ المؤلفاتِ بالصحيحِ والثَّابتِ في فَضْلِ الصَّلاةِ والسَّلامِ
على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وصِيغِها المتَنوِّعةِ،
وآثارِها في الدَّارين لمن صلَّى وسلَّم على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم،
وقد أوْضحَ فضيلةُ الشيخِ الدكتور/ أسامةُ بن عبدالله خيَّاط
في خطبةِ الجمعةِ التِي ألقَاهَا بالمسجدِ الحرامِ بتأريخ 2/3/1435هـ
( حُقُوقَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أُمَّتِهِ )
( وقد سَرَدْتُها بعدَ هذهِ المقدمةِ ).
وفي هذا المؤلفِ رَكَّزْتُ على ذِكرِ الله وتَحميدِهِ وتَمجيدِهِ
والثَّناءِ عليه جلَّ جلالُهُ بِذكرِ أسمائهِ الحُسْنَى وصِفاتِهِ العُلَى وأَفْعالهِ العُظْمَى
وآلائِهِ ونِعَمِهِ عَلَى عِبادِهِ مِنْ القُرْءَانِ الكرِيمِ
أو مما وَردَ في بَعضِ الأحاديثِ أو مما أُثِرَ عَنْ بعضِ السَّلفِ،
والمذْكُور جَلَّ جَلالُهُ لَا يُفَارق الذَّاكِر،
ثم أتْبعتها بالصَّلاةِ الإِبْرَاهِيمِيَّةِ التي تُقْرَأُ في تَشَهُّدِ الصَّلاةِ،
وقال ابنُ القيِّمِ الجوْزِيَّةِ في كِتابهِ:
جَلاءُ الأَفْهامِ في فَضلِ الصَّلاةِ على مُحمدٍ خيرِ الأنامِ :
[ فالدَّاعِي مَنْدوبٌ إلى أَنْ يَسْألَ اللهَ تَعالى بأسْمائهِ وَصِفاتهِ،
والدُّعاءُ ثلاثةُ أقسامٍ: أَحدُها أَنْ يَسألَ اللهَ تعالى بِأسْمائهِ وصِفاتهِ
وهَذا أَحَدُ التَّأْويلَينِ في قوله تعالى :
{ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ... (180) }
والثاني أَنْ تَسألَهُ بِحَاجَتكَ وفَقْركَ وذَلك فَتَقولُ أنَا العَبدُ الفَقيرُ المسكينُ
البائسُ الذليلُ المستجيرُ ونَحوَ ذلك،
والثَّالثُ أَنْ تَسأَلَ حَاجتَكَ ولَا تَذْكُر واحِداً مِنْ الأمرينِ،
فَإذا جَمع الدُّعاءُ الأمورَ الثلاثةَ كانَ أَكْمَل ]
مُؤمِّلاً أَنْ نَحْصُلَ بحوْلِ الله عَلى ثَوابِ ذِكْرِ الله بِأسْمائِهِ وصِفاتِهِ وأفْعالِهِ،
وثَوابَ الصَّلاةِ والسَّلامِ عَلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم،
كَما يُمكنُ بعدَ ذلك ذِكْرُ حَاجَتِنَا وَطَلَبِنا مِنْ الله تَعالى،
فَقَمينٌ بأَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لنَا.
وخِتاماً، لَوْ أَنَّ البِحارَ مِدادٌ، والأشْجارَ أقلامٌ، وجَميعَ الخَلائِقِ كَتبةٌ،
ومَهما صلَّى وسلَّم البَشَرُ عَلَى مَنْ صَلَّى وسَلَّمَ اللهُ عَليه،
لَما اسْتَطَاعُوا أَنْ يُوفُّوهُ حَقَّهُ وَقَدْرَهُ
وَمِقْدَارَهُ العَظِيمَ مِنْ الصَّلاةِ والسَّلامِ عَليه.
وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلى نَبِينا ورَسُولِنا وإِمامِنا وَحَبِيبِنا وشَفيعِنا
سَيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، والحَمْدُ لله ربِّ العَالمِين.