عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-28-2013, 12:30 AM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

معاشر الإخوة :
الشكرُ اعترافٌ من العبد بمنَّة الله عليه، وإقرارٌ بنعمِه عليه من خيرَي الدنيا والآخرة
في النفس، وفي الأهل والمال والأعمال، وفي شأن العبد كلِّه.
الشكرُ دليلٌ على أن العبدَ راضٍ عن ربِّه؛ فالشكرُ حياةُ القلب وحيَّويَّتُه،
والشكرُ قيدُ النعم الموجودة، وصيدُ النعم المفقودة.
الشكرُ دليلٌ على صفاء النفس، وطهارة القلب، وسلامة الصدر،
وكمال العقل؛ بل إن الله - جل وعلا - خلقَ الناسَ من أجل أن يشكُروه
يقول - جل وعلا -:
{ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا
وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
[ النحل: 78 ].
والشكرُ أولُ وصيَّةٍ وصَّى بها الإنسان :
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ
أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }
[ لقمان: 14 ]
وأخبرَ - عزَّ شأنه - أن رِاه في شُكره، فقال:
{ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ }
[ الزمر: 7 ]
كما جعلَه سببًا من أسباب الأمن من عذاب الله، يقول - عزَّ شأنه -:
{ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا }
[ النساء: 147 ]
بل لقد خصَّ الله الشاكرين بمنَّته عليهم من بين سائر عباده، فقال - جل وعلا -:
{ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ }
[ الأنعام: 53 ]
أيها الإخوة:
وللشكرِ أركانٌ ثلاثة :
الاعترافُ بالنعم باطنًا مع محبَّة المُنعِم.
والتحدُّثُ بها ظاهرًا مع الثناء على الله.
وصرفُها في طاعة الله ومرضاته واجتناب معاصِيه.
ورؤوسُ النعم ثلاثة :
أولُها وأولاها: نعمة الإسلام التي لا تتمُّ نعمةٌ على الحقيقة إلا بها.
ونعمةُ العافية التي لا تستقيمُ الحياةُ إلا بها.
ونعمةُ الرِّضا التي لا يَطيبُ العيشُ إلا بها.
يقول الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -:
[ الخيرُ الذي لا شرَّ فيه: العافية مع الشكر؛ فكم من شاكرٍ وهو في بلاء،
وكم من مُنعَمٍ عليه وهو غيرُ شاكِر.
فإذا سألتُم الله - عز وجل - فاسألُوه الشكرَ مع العافية ]
وشكرُ الله - أيها الصائمون القائمون - واجبٌ في جميع الأحوال:
في الصحة والسَّقَم، والشباب والهرَم، والفقر والغِنى، والفراغ والشَّغل،
والسرَّاء والضرَّاء، واليقَظَة والمنام، والسفَر والإقامة،
وفي الخَلوة والاختلاط، قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم
يقول أبو الدرداء:
[ من لم يعرِف نعمَ الله - عز وجل - عليه إلا في مطعمه ومشربِه فقد قلَّ علمُه ]
لأن نعم الله دائمة، وآلاءَه مُتتابِعة،
{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }
[ إبراهيم: 34 ]
وقال - عزَّ شأنه -:
{ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }
[ لقمان: 20 ].
واعلموا - وفقكم الله - أن وسائل الشكر لا تُحصَى، وميادينَه لا تُحصَر،
اشكُروا ربَّكم على ما أظهرَ من جميل، وعلى ما ستَرَ من قبيح.
قال رجلٌ لأبي تميمة : كيف أصبَحتَ ؟
قال: أصبحتُ بين نعمتين لا أدري أيّهما أفضل: ذنوبٌ سترَها الله - عز وجل –
فلا يستطيعُ أحدٌ أن يُعيِّرَني بها، ومودَّةٌ قذَفَها الله في قلوبِ العباد لم يبلُغها عملي
ويكونُ الشكرُ بالصلاة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم –
يُصلِّي من الليل حتى تتفطَّر قدماه، ويقول:
( أفلا أكون عبدًا شكورًا ؟ )
ويكونُ بالصيام؛ فقد صامَ مُوسَى - عليه السلام - يوم عاشوراء شُكرًا لله؛
إذ نجَّاه وقومَه من فرعون وقومِه، ثم صامَه نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وآله وسلم –
وأمرَ بصيامِه، وقال لليهود:
( نحن أحقُّ بمُوسَى منكم )
كما يكونُ الشكرُ بسَجدة شكرٍ يسجُدها المؤمن إذا جاءَه خيرٌ من ربِّه،
أو حدثَت له نعمةٌ من مولاه، وقد سجدَ نبيُّكم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم –
حين أخبرَه جبريل - عليه السلام - أن الله يقول:
( من صلَّى عليك صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا )
وسجدَ أبو بكر - رضي الله عنه - لما بلغَه مقتلُ مُسيلِمة الكذَّاب.
وسجدَ عليٌّ - رضي الله عنه - لما بلغَه مقتلُ الخارجيِّ ابن الثديَّة.
وسجدَ كعبُ بن مالك لما تابَ الله عليه.

رد مع اقتباس