عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-24-2013, 08:48 PM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

ولما لا يكونوا إخوانًا وربُّهم واحد، ونبيُّهم واحد، وقبلتُهم واحدة؟!
وتأكيدًا لهذه القاعدة الكُبرى هيَّأ الشرعُ الأسبابَ التي تُقوِّي بُنيانَ الائتلاف،
وتشُدُّ عضُدَ الاجتماع؛ فصلاةُ الجماعة يتحقَّقُ فيها الاجتماعُ خمسَ مرَّاتٍ،
والتراصُّ في الصفوف وتقارُب الأجسام والأقدام والمناكِب،
وهذا الاجتماعُ الأسبوعيُّ في يوم الجُمعة، واجتماعٌ سنويٌّ في صلاة العيد،
والزكاة التي تُمثِّلُ التكافُل الاجتماعي، ومعاني التراحُم والتعاطُف،
وصيامُ رمضان الذي يُوحِّدُ الأمةَ بأعماله في ليلِه ونهارِه،
والحجُّ التقاءٌ سنويٌّ من بُلدان عدَّة وأجناسٍ شتَّى.
يلقَى المسلمُ أخاه من أقصَى الدنيا وأدناها،
فيُبادِرُه التحية ويعيشُ معه جلالَ الأُخوَّة وجلال المحبَّة.
لكن مما يعصِرُ القلبَ ألمًا، ويَزيدُه همًّا: ما يشهَدُه المُتأمِّل من شِقاقٍ أليم،
وتنازُعٍ عميقٍ في جسَد الأمة الكبير.
عن جابرٍ - رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
( إن الشيطانَ قد أيِسَ أن يعبُدَه المُصلُّون في جزيرَة العرب،
ولكن في التحريشِ بينهم )
ينشَأُ التفرُّق المقيت والاختلافُ المذموم من اتباع الأهواء والأطماع الشخصية،
والسعي إلى تحقيق الذات.
ومن الجهل والظلم: الفُرقة والشِّقاق والاختلاف المذموم،
كلُّ ذلك يُعطِّل مسيرةَ الأمة، ويُعيقُ تنميَتها، ويُبدِّد طاقاتها،
ويُبعِدُها عن تحقيق آمالها وبلوغ أهدافها. والمستقبلُ الذلُّ والتقهقُر وسوءُ المصير.
لقد حذَّر القرآنُ الكريمُ المُسلمين من الفُرقة التي تُخلخِلُ الصفوف،
وتُفضِي إلى زوال الأمم وانهِيارها،
قال الله تعالى:
{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }
[الأنفال: 46].
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:
سمعتُ رجلاً قرأ آيةً وسمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأُ خلافَها.
فجئتُ به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرتُه، فعرفتُ في وجهه الكراهية،
وقال:
( كلاكُما مُحسنٌ، ولا تختلِفوا؛ فإن من كان قبلَكم اختلفوا فهلَكوا )
رواه البخاري.
قال الله تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ }
[الأنعام: 159].
فالذي يُريدُ أن يُفرِّق المُسلمين ويُشتِّت جمعَهم، ويجعلَهم فِرقًا مُتنافِسة،
فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بريءٌ منه.
بسبب الاختلاف والتفرُّق اغتُصِبَت بلادُ المُسلمين،
ونُهِبَت ثرواتُهم، ودُنِّسَت مُقدَّساتُهم.
وبسبب الاختلاف والتفرُّق تباعَدَ المُسلمون وتناحَروا،
وأحبَّ المُسلمُ وأبغضَ في غير ذات الله،
وقد يؤُولُ الأمرُ إلى استباحَة قتال بعضِهم بعضًا؛
لاعتقاد كلِّ طرفٍ ببُطلان ما عند الطرف الآخر.
ولذا نهى الإسلام عن الاقتتال بين الإخوة في الدين،
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( فإن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كُحرمة يومكم هذا،
في شهرِكم هذا، في بلدكم هذا )
رواه البخاري ومسلم.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -:
[ والذي نفسي بيده؛ إنها لوصيَّةٌ لأمته :
لا ترجِعوا بعدي كُفَّارًا يضربُ بعضُهم رقابَ بعض ]
رواه البخاري ومسلم.
الدماءُ شأنُها عظيم؛ بل قطرةُ دمٍ زكيَّة تُراقُ تجرُّ إلى مآلٍ وخيم،
قال الله تعالى:
{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا }
[ النساء: 93 ]
وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( لن يزالَ المؤمنُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا )
رواه البخاري.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا،
وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

رد مع اقتباس