عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-04-2013, 04:01 AM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : أدرِكوا نفحات رمضان

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله
خطبتي الجمعة بعنوان :

أدرِكوا نفحات رمضان

والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وآخر أيامه ولياليه،
وأنه وإن كان اقترب على النهاية إلا أن في الوقت مُتَّسعٌ لتقديم القُربات
والإقبال على الطاعات في هذه الأيام والليالي المُباركات،
والتنافُس على الخيرات والبركات، اغتنامًا لليلة القدر وفضلِها،
وحصولاً على مرضاة الله والعتق من النار، وبيَّن أهمية زكاة الفِطر ووجوبها .

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الحمد لله، الحمد لله الذي له الخلق والأمر، والعزةُ والقهر،
تبارك ربُّنا وتفضَّل علينا بهذا الشهر، وبلَّغَنا أواخره العشر، فنحمدُ الله تعالى ونشكرُه،
ومن كل سوءٍ وتقصيرٍ نستعفِيه ونستغفرُه، ومن كل خيرٍ وفضلٍ نرجُو الله ونستكثِرُه،
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تقدَّس اسمُه، وعظُم حلمُه،
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه خيرُ من صامَ واعتكَف، ولربِّه تقرَّب وازدلَف،
صلَّى الله عليه وصلَّى على آله وأصحابِه ومن اقتفَى أثرَهم إلى يوم الدين،
وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أفعليكم بتقوى الله - أيها الناس فإن لباسَ التقوى خيرُ لباس،
وهي المُرتجَى حين الرَّحيل وعند الإياس
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[ آل عمران: 102 ]
ثم اعلموا أنكم غدًا أمام الله موقوفون، ويوم العرض عليه مُحاسَبون،
وبأعمالكم مجزِيُّون، ومن أخلَدَ إلى الأرض بانَت ندامتُه يوم العرض ،
واعلَموا أن للقبور وحشةً أُنسُها الأعمالُ الصالحة،
وبها ظُلمةٌ يُبدِّدُها تدارُك المواسم السانِحة، فلا تغُرَّنَّكم الحياة الدنيا ،
ولا تُلهيَنَّكم عن الآخرة، وإن الذين يُسابِقُ في الملذَّات لن يرقَى في سُلَّم الطاعات.
ولا تيأسُوا من كثرة الهالِكين، أو تسلُّط الفاسقين
{ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا }
[ المائدة: 105 ]
اللهم أقِل العثرةَ، واعفُ عن الزَّلَّة، وعُد بحلمِك على جهل من لم يرْجُ غيرَك ؛
فإنك واسعُ المغفرة، ليس لذي خطيئةٍ من خطيئتِه مهربٌ إلا إليك .
أيها المسلمون :
لئن مضَى أكثرُ شهرنا فلقد بقِيَ منه أرجاه، ولئن تصرَّمَت أيامُه
فلقد بقِيَ منها ما تكونُ به النجاة، ولئن ترحَّلَت لياليه فقد ظلَّت ليالٍ
يتحقَّقُ فيها للعبد مُنَاه .
شهرٌ كريمٌ تتضوَّع بالخير كلُّ ساعاته وثوانِيه، وموسمٌ عظيمٌ باركَ الله كلَّ لحظةٍ فيه،
فلم يزَل فيه مضمارًا لكل مُسارِعٍ ومُسابِق ،
ولم يزَل الميدانُ مُشرَعًا لكل مُستعتِبٍ ولاحِق.
وإنك لا تعلم - يا عبد الله - أيَّ ساعةٍ سوف تُظِلُّك فيها الرحمات، وتَطالُك فيها النَّفَحات !
وأيَّ ليلةٍ تُعتَقُ فيها من النار لتلحَقَ بركبِ الأبرار!
فقد باركَ الله الشهرَ كلَّ الشهر، ولم تزَل أبوابُ السماوات مُشرعةً لرفع الدعوات،
ولم تزَل الملائكةُ حاملةً أقلامَها لتكتُب الحسنات والأعمال الصالحات،
ولن يمَلَّ مُوفَّقٌ من خيرٍ حتى يكون مُنتهاهُ الجنة.
لم يأسَفِ العُبَّادُ والصالحون على الدنيا عند وفاتِهم إلا على فِراقِ أمثال هذه المواسِم ،
ولم يسُحُّوا الدمعَ عند رحيلِهم إلا على قيام الأسحار، وظمأ الهواجِر،
وعلى الجهاد في سبيل الله .
وأنتم بعدُ في المُهلة. فما أنتم فاعِلون ؟!
ولم تزالُوا في دار العمل. فكيف تصنَعون ؟!
وقد سنحَت هذه السوانِحُ لأقوامٍ قبلَكم فسوَّفُوا وأمَّلوا
حتى جاءتهم السكرةُ على حين غِرَّة، فأمسَوا خبرًا من أخبار الماضِين
وقد كانوا في دُنياهم مُتمكِّنين، ومن أنفسهم واثِقين، وقد قال الله في مثلِ أولئك :
{ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)
بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ }
[ الزمر: 56 ]
ألا وإن من أعظم آثار شهر رمضان على العبد المُوفَّق:
توبتُه إلى الله وأوبتُه لمولاه، وفي الحديث الصحيح :
أن نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم – قال :
( آمين
حينما دعا الملَكُ العظيمُ جبرائيل قائلاً :
( من أدركَه رمضانُ فلم يُغفَر له فأبعدَه الله
فقُل يا محمد: آمين
فقال: آمين )
ولا خيارَ للعبد في التوبة؛ فقد قال الله تعالى:
{ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
[ الحجرات: 11 ]
أيها المسلمون :
بقِيَت ليالٍ هي أرجَى ما تكونُ لليلةِ القدر؛ فجِدُّوا وشمِّروا،
فإنه عملٌ يسيرٌ بليلٍ قصيرٍ، وعُقباهُ ثوابٌ جزيلٌ وسعادةُ الأبد.
لا تُثبِّطنَّكم الرُّؤَى والمناماتُ في تحديدها، فلو أرادَ الله إطلاعَ خلقه عليها لفعَل،
ولكن عليكم بالعمل .
ولا تتواكَلوا فكلُّ ليالي العشر حرِيَّةٌ بها، وأرجَاها ليالي الوِتر،
وأرجاهنَّ ليلةُ سبعٍ وعشرين، وفي كل ليلةٍ لله عُتقاءُ من النار.
وقد كان هديُ نبيِّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم –
في العشر الأواخر من رمضان أتمَّ الهديِ وأكملَه ؛ إذ هي ليالٍ عظَّم الله أمرَها ،
وأعلى ذِكرَها وأجزلَ أجرَها.

رد مع اقتباس