الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقه وامتِنانه.
فإن الله - جلَّ شأنُه - قد شرعَ لنا عيدًا فيه فرحٌ وسرورٌ،
وسَعةٌ بعد شهر جدٍّ واجتهادٍ وشدٍّ للمِئزَر، لحكمةٍ بالغةٍ يعلمها - سبحانه
يتجلَّى بعضُ معانِيها في أن يُعوِّدَ المُسلمُ نفسَه وجسدَه على تحمُّل الحياة بفُصولِها
ونوائِبِها، وأنه ينتقلُ من شهر تسبيحٍ وقيامٍ وقراءةٍ وبُكاءٍ وابتِهالٍ إلى عيدِ محبَّةٍ
وفرحٍ وصِلةٍ وسَعةٍ وسُرور.
فإنه - سبحانه - ختمَ آيات الصيام بالتقوى، لما فيه من الطاعات المُقرِّبَة إليه سبحانه
وختمَ بالتكبير في العيد، لما فيه من الشُّكر والتيسير والفرَح تفاؤُلاً بقبول شهر الصوم،
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
ألا وإن من أعظم ما يُعينُ على الثبات على الطاعة:
أن يفرحَ المرءُ في العيد باعتدالٍ، فلا يطغَى في فرَحه بما يُغضِبُ اللهَ،
ولا يُضيِّقُ على نفسِه فيما جعلَ الله له فيه سَعَةً
حتى لا يكونَ حرَضًا أو يكون من الهالِكين.
وإنما يفرح فرَحَ الأقوياء بربِّهم لا فرَح اللاَّهِين السادِرين،
الذين تُدرِكُ من أحوالهم أن شهرَ رمضان كان حَجرًا للَهثِهم العابِث،
وفرَحهم الطاغِي. وخيرُ الأمور الوسَط،
ولنتذكَّر وصيَّةَ المُصطفى - صلى الله عليه وسلم – بقوله :
( من صامَ رمضان ثم أتبَعَه ستًّا من شوال كان كصِيام الدَّهر كلِّه )
ألا فلا يُنسِيَنَّكم - عباد الله - ما أنتُم فيه من عيدٍ وسُرور ما يُعانِيه إخوانٌ لكم
لم يعرِفوا العيد ولا الفرحةَ ولا السُّرور،
فالشهورُ عندهم على حدٍّ سواء بين دوِيِّ القنابل وصُروف الحروب المُدمِّرة،
لا تغمِضُ أجفانُهم إلا لُمامًا، لم يخْلُ بيتٌ فيهم من قتيلٍ أو جريحٍ أو شريدٍ،
ما انفكَّوا مظلومين حُفاةً جِياعًا ضُعفاء، يفترِشون الأرض، ويلتحِفون الهواء.
أن تُنسِيَكم فرحةُ العيد أحزانَهم وآلامَهم ، فلا تحرِموهم عاطفةً قلبيَّةً بالدعاء،
ولا عاطفةً ماديَّةً بالدعم والإغاثة والمُواسَاة؛
فإن الله في حاجة العبد ما كان العبدُ في حاجَة أخِيه.
هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خيرِ البرية، وأزكى البشرية :
محمد بن عبد الله، صاحبِ الحوض والشفاعة؛
فقد أمركم الله بأمرٍ بدأَ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائِكتِه المُسبِّحة بقُدسِه،
وأيَّه بكم - أيها المؤمنون -، فقال - جل وعلا -:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ صاحبِ الوجهِ الأنوَر، والجَبين الأزهَر،
وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة : أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ،
وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم
وعن التابعين وتابِعي التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين،
وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين،
واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان،
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان،
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان،
اللهم أصلِح أحوالهم في أراكان، وأصلِح أحوالهم في فلسطين، وفي سوريا، وفي مصر
يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا،
واجعل ولايتَنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال
يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجعل مواسِم الخيرات لنا مربَحًا ومغنَمًا،
واجعل أوقات البركات والنَّفَحات لنا إلى رحمتك طريقًا وسُلَّمًا.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار}
للإستماع إلي الخطبة أو مشاهدتها أو قراءتها