عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-01-2013, 12:58 AM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : حقوق الجار في الإسلام

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبتي الجمعة بعنوان:
حقوق الجار في الإسلام
والتي تحدَّث فيها عن حقوق الجار في دين الله تعالى ،
وذكر الأدلة من الكتاب والسنة والآثار على أهمية ذلك
وخطورة مخالفة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
الحمد لله، الحمد لله خلقَ وأمَر، وملكَ فقهَر، وأراد فقدَّر،
أحمده - سبحانه - وأشكرُه وهبَ وأعطى، وأغنَى وأقنَى،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الحمدُ في الآخرة والأولى،
وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه صفوةُ الأخيار وقُدوةُ الأبرار،
صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه أهل الفضل والتُّقى،
ما وهَنوا لما أصابَهم في سبيل الله وما ضعُفُوا وما استكانُوا،
والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله - واعبدوه،
اجتمِعوا على الرحمة والمحبّة والطاعة، ولا تتفرَّقوا على الشَّحناء والهوى والمعصية.
بطاعة ربِّكم تزيَّنوا، ومن الذنوب توبوا وتطهَّروا، وعن باب مولاكم فلا تبرَحوا؛
لعلَّكم في جنات عدنٍ أن تُحضَروا. من تفكَّر بعواقب الدنيا أخذَ بالحذَر،
ومن أيقنَ بطول الطريق تأهَّب للسفر.
المُسلمُ من سلِم المُسلمون من لسانه ويدِه، والمُهاجِرُ من هجرَ ما حرَّم الله،
والمُجاهد من جاهدَ نفسَه وهواه
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
[ آل عمران: 200 ].
أيها المسلمون :
التشريعاتُ في ديننا والوصايا في إسلامنا تبدأُ بتحقيق التوحيد،
وحُسن العبادة، ومتانة العلاقات، وصفاء الصِّلات.
الرابطةُ الإسلاميةُ والأُخوَّة الإيمانية هي لُبُّ الدين، ولُباب المشاعِر،
يحيا بها المسلم ويحيا لها، عقيدةٌ وشعائر وصِلات يأخذُ بعضُها برِقاب بعضٍ.
اقرأوا إن شئتم:
{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ
وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا }
[ النساء: 36 ]
جمعَ الله في هذه الآية بين حقِّه وحقوق عباده، وأصحابُ هذه الحقوق أنواعٌ؛
منهم: ذوو القرابات، وخَصَّ بالذِّكر الوالدَين؛ لشدَّة قُربهما وعِظَم حقِّهما.
ومنهم: قريبٌ مُخالِطٌ، وهمُ الجارُ ذو القُربى، والجارُ الجُنُب، والصاحبُ بالجَنب.
ومنهم: ضعيفٌ محتاجٌ إلى الإحسان لضعف بدنِه، وهو اليتيم.
ومُحتاجٌ لقلَّة مالِه، وهو المسكين.
معاشر الإخوة :
إن من أعظم ما عُنِيَ به الإسلام تنظيمَ حياة المُجتمع المُسلم في دوائِر مُتكاملة
تتَّسِع شيئًا فشيئًا، حتى تنتظِم المُجتمع كلَّه، بدءً من حقوق الوالدين،
ثم الأقارب، ثم تتَّسِع لتشملَ الجيران والأصدقاء والمعارف،
ثم تمتدّ لتتَّصِلَ بالغُرباء وغير المُسلمين.
وهذه وقفةٌ مع إحدى هذه الدوائر والحلقات، تُجسّد هذا التعاوُن،
وتُصوِّر هذه الرابطة الإسلامية بكل معانيها ووسائلها ومقاصِدها،
إنها: دائرةُ الجوار وحقوق الجيران.
ذلكم أن توثيق العلاقات مع المُجتمع القريب في البيت والحي هو المُقدَّم؛
لأنه هو الأقدرُ والأقربُ والأسرعُ لتحقيق التكامُل في وقته المُناسِب،
وتقدير النفع في صورته البارزة.
الجيرانُ يعرفُ بعضُهم أحوال بعض، ويُحيطُ بعضُهم بأسرار بعض،
يعرفون ما يدخل وما يخرُج، ويطَّلِعون على العورات، ويُشاهِدون الغادِي والرائِح،
ويسمَعون الأصوات، ويشمُّون الروائِح. يبلُغُهم ما يجري من وفاقٍ وخِصام،
وخلافٍ وئام، لا تُحجَبُ عنهم ذخائرُ البيوت، ولا تغيبُ عنهم خفايا الأُسَر.
والجوارُ في معناه - حفظكم الله - يُعبَّر به عن كلِّ ما يعظُم حقُّه عقلاً وشرعًا،
ولهذا يُقال: استجارَ به وأجارَه. وربُّنا - عزَّ شأنُه - لكمال ربوبيَّته وعلوّ مقامه
هو وحده الذي يُجيرُ ولا يُجارُ عليه.
وقد خذلَ إبليس - عليه لعنة الله - أتباعَه وزيَّن لهم حين قال:
{ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ }
[ الأنفال: 48 ].
فالجارُ - حفظكم الله - سُمِّي جارًا لأنه يُجيرُ صاحبَه ويدفع عنه السوء والأذى،
ويجلبُ له الخيرَ والنفع.
والجيرانُ أنواعٌ ومراتبٌ، بعضُها ألصَق من بعض.
يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
[ الجارُ يشملُ المُسلمَ والكافرَ، والعبادَ والفاسِق، والصديق والعدو،
والقريب والغريب، والأقرب دارًا والأبعد. ولهم مراتب بعضُها أعلى من بعضٍ،
فأعلاها من اجتمعت فيه الصفاتُ الأولى كلُّها، ثم أكثرها، وهكذا،
وعكسُه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى، فيُعطَى بحسبِه ]
وقال أهل العلم:
[ ينبغي توسيعةُ دائرة الصِّلة بالجوار ما أمكن ]
يقول عليٌّ - رضي الله عنه -:
[ من سمِع النداء فهو جارُه ]
ومنه حديث :
( لا صلاة لجار المسجِد إلا في المسجد )
ويقول الأوزاعي - رحمه الله -:
[ حدُّ الجوار أربعون دارًا من كل ناحية ]

رد مع اقتباس