عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-27-2013, 11:01 PM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي

وإذا كان للإيذاءِ باللِّسانِ واليَدِ ضُروبٌ شتَّى وألوانٌ لا حصرَ لها؛

فإن من أشدِّ صُور الإيذاء قُبحًا وأعظمها ضررًا ما اجتمعَ فيه اللِّسان واليَد،

كمن يبسُطُ لسانَه بالسوء في أعراض المُسلمين ويقعُ فيها بافتِراء الكذب،

ويخُطُّه بيمينِه في كلماتٍ أو مقالاتٍ أو خُطبٍ أو رسائل أو تغريداتٍ،

يستحكِمُ بها الإيذاء، ويعظُمُ وقعُه، وتتَّسِع دائرَتُه فتعُمُّ البلوَى به.


ولذا جاء الوعيدُ الصارِخُ والتهديدُ الشديد لكل من آذَى مُؤمنًا؛

زجرًا له وترهيبًا لمن ألقَى السمعَ وهو شهيد،

وذلك في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه"،

والحاكم في "مستدركه" بإسنادٍ صحيحٍ

عن عبد الله بن عُمر - رضي الله عنهما :

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:


( ومن قالَ في مُؤمنٍ ما ليسَ فيه حُبِسَ في رَدغَة الخَبَال حتى يخرُج مما قال ..)

الحديث.

ورَدغةُ الخَبَال - يا عباد الله - هي عُصارةُ أهل النار.

وخروجُه مما قال هو بالتوبَة النَّصُوح إلى الله تعالى، وباستِحلال أخيهِ مما قالَ فيه.


وإن الإيذاءَ كما يقعُ على آحاد الناس، فإنه يقعُ أيضًا على المجموع؛

كالشَّتْم والطَّعْن والاستِهزاء الواقِع على المُؤسَّسات عامِّها وخاصِّها،

والتَّنقيبِ عن أخطائِها، وتتبُّع عثَرَاتها، ونشر عُيُوبِها، والفرَح بذلك أشدَّ الفرَح،

والتباهِي به أعظمَ المُباهاة، وكأنَّه صيدٌ ثمينٌ أو غنيمةٌ تُغتنَم.


وبالاحتِيال لتكبير الصَّغير وتعظيم اليسير دون بُرهانٍ ساطِع، ولا مُستنَدٍ قاطع،

ولا حُجَّة بيِّنَة تصمُدُ أمام التمحيصِ المُخلِص،

والتتبُّع الصادق الذي يرجُو به صاحِبُه اللهَ والدارَ الآخرةَ،

كما قال تعالى على لسانِ نبيِّه شُعيب - عليه السلام -:


{ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }

[ هود: 88 ].


عباد الله :


إن من أعظَم أسباب الإيذاء الباعِثَة عليه: اللَّدَدَ في الخُصومة،

ولذا كانت هذه الصفةُ الذَّمِيمة والخَصلةُ المقبوحةُ حرِيَّةً بتوعُّد صاحبِها

على لسانِ خيرِ الورَى - صلوات الله وسلامُه عليه - بقوله:


( إنَّ أبغضَ الرِّجال إلى الله: الألَدُّ الخَصِم )


وقد جاء التحذيرُ الشديدُ لمن خاصمَ في باطلٍ وهو يعلم،

وذلك فيما أخرجَه الإمام أحمد في "مسنده"،

وأبو داود في "سننه" بإسنادٍ صحيحٍ

عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما :

أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:


( ومن خاصمَ في باطلٍ وهو يعلمُ لم يزَلْ في سخَط الله حتى ينزِع )


ولذا فإن من المُتعيِّن على من جُهِل عليه ألا يُقابِلَ ذلك الجهلَ بمثلِه؛

طاعةً لربِّه - سبحانه -، وحذَرًا من الوقوع فيما يقبُحُ بالمُؤمن ولا يحسُن به؛

فإن سبيلَ المُؤمن ليس سبيلَ الطعنِ والشَّتْم الذي يُنافِي كريمَ خُلُقِه وسليمَ فِطرَته،

كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"،

والحاكم في "مستدركه" بإسنادٍ صحيحٍ

عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما :

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال :


( ليس المُؤمنُ بالطَّعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحِشِ ولا البَذِيء )


وكان مما نُقِل عن بعض السَّلَف قولُه :


[ إنك لن تُعاقِبَ من عصَى الله فيك بأفضلَ من أن تُطيعَ اللهَ فيه ]

أي: فيكونُ استِعصامُك بتقوَى الله وطاعته في مُعامَلَته

أقوى باعِثٍ على كَبحِ جِماحِه وصدِّ عُدوانِه وردِّ باطِلِه.


فطُوبَى لمن لم يُقابِل الإساءةَ بمِثلِها ولم يدفَعِ الظُّلمَ بمثلِه؛ فإنه جديرٌ برحمةِ ربِّه،

خليقٌ برعايتِه ومعيَّتِه وتأيِيده


{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }

[ الحج: 38 ].


فاتقوا الله - عباد الله


واعمَلوا على سُلوك سبيل الصَّفوة من عباد الرحمن بالتَّجافِي عن الإيذاء

في كل صُوره وألوانِه، وبالحَذَر من اتِّخاذ أي خُطوةٍ، ومن المُضِيِّ في أي طريقٍ،

أو رفع العَقيرَة بشِعاراتٍ ومطالِب تكون عاقِبَتُها تهديدَ السِّلْم الاجتماعيِّ،

والرَّوابِط الأخويَّة، والأعراف الصالِحة المرضِيَّة، بما تبذُرُه من بُذور الفتنة والشِّقاق،

وما تُحدِثُه من فُرقةٍ ونُزاعٍ يكون عونًا للشانِئين والحاقِدين والحاسِدين،

وقُرَّة عينٍ للأعداء المُتربِّصِين أجمعين ؟


في زمنٍ يجبُ فيه على الكافَّة التنبُّهُ لما يُحاكُ ويُدبَّرُ ويُخطَّطُ له،

وما يُقصَدُ ويُستهدَفُ ويُراد.

هذا الزمن وما فيه من اضطِرابٍ يستلزِمُ النَّظرَ إلى مآلاتِ الأمور درءً للأخطار والشُّرور.


نفعني الله وإياكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -،

أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ،

إنه هو الغفور الرحيم .


رد مع اقتباس