عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-21-2013, 09:19 PM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
[ المائدة: 8 ].
حـتـى تـرى الـنـفـسَ كـالأنـداءِ طـاهـرةً تـشِـفُّ كـالـنُّـورِ كــالإرواءِ كـالـسُّـحُــبِ
ذاكُـم لـعـمــرِيَ إهــداءٌ لـمــن جـنَـحَــت مـنــه الـمـطـيَّــةُ إرقـــالاً إلـــى الـثَّــلَــبِ
إخوة الإيمان:
إن المُسلم الحقَّ الأريب هو الذي تفيضُ ينابيعُ الفضلِ من سُويداء نفسِه،
وتنشأُ أرسالُ الوعي الحَصيف من أركان حِسِّه،
فلا يرِدُ من أسَلات اللسان إلا نميرَ الوعي والإفهام،
قد تجلَّت شخصيَّتُه في أبدَع مظاهِرها تحريرًا،
وفي أرفَع آرائِها المُخلِصَة تصوُّرًا وتذكيرًا، وفي أروَع مواقِفِها بذلاً للحقِّ وتنظيرًا.
ولا يمتَحُ إلا صفوَ العُقول والأذهان، ولدُنَ القول الفَيْنان،
ورَطيبَ الأقلام عن النُّبَلاء الأعلام، الذين آسَوا أجواءَ الأهواء الفاضِحة،
ونهَجوا للأمة طرائِقَ الاعتِدال الواضِحة.
ومن ثمَّ فإن صناعةَ الفهم الراشِد لا تتمُّ إلا في مِهادِ الأمل المُدرِك للتحضُّر
والرُّقيِّ والإبداع، والتميُّز الأنيق النفَّاع.
والإدراك الذي يحملُ نفَحَات الحقِّ في التغيير، ونسائِم الهُدى في التطوير،
ويمتشِقُ مشاعِل التُّقضى والإصلاح الفيَّاح سعيًا للفهم الشرعيِّ والحضاريِّ
الذي يترقَّى بالأمة المُصعِدة والمُجتمعات المُسعِدة في درجَات الأولويات،
وفقهِ المقاصِد والمُوازنات، واعتِبار المآلات، وتفتيقِ الأذهان وتشقيق التصوُّرات،
في اعتِزازٍ بالأصالَة الدينيَّة، والثوابِت الشرعيَّة.
وبقَدرِ الظَّفَر بأوفَر الأنصِباءِ من الفهم، والاستِواءِ على مُتونِه،
وإدراجِه في المناهِج والعُقُول بقدر ما تُطوَى صحائِفُ التقهقُر والتوانِي،
وتنتصِرُ المُجتمعاتُ الإسلاميَّةُ المجيدةُ على أزمة الفَهم،
ومِحنة قلَّة الإدراك والبَصيرة التي أوبقَت الأممَ في أوهاقِ الانحِراف والتنازُع
والجُمُود والتبعيَّة والهُمود، والفُرقَة والتشرذُمِ الكَنُود.
معاشر الأحبَّة :
إن يكُن ذلك، ونِعمَّا ذلك، وحقَّق الله ذاك فتُؤصَّلُ أجيالُ الأمة
وكواكِب شبابِها على الوعيِ النضَّابِ الفَسِيح، والنَّظَر الثاقِبِ الصَّحيح،
والنقد والحِوار اللمَّاح النَّصِيح، المُرتكِز على المصالِح والمفاسِد والترجِيح،
حِيال مُتغيِّرات العصرِ ومُستجِدَّاتِه، ووقائِعِه ومُلِمَّاتِه، فيدكُّ المفاهِيمَ السَّحْماء،
ويُقوِّمُ التصوُّرات الجرداء، ويُهذِّبُ المبادِئَ المُلتاكَة الضَّلْعاء.
نعم، إنه الإدراكُ المُكتنِزُ بالنُّبوغ والعَطاء، والفهم المُنسرِبِ في سَمِّ الأحداث ومُغيَّباتها،
والفتن ومُخبَّآتها، وعويصات الأمور ومُحجَّباتها، فيُدرِكُ حقائقَها، ويكشِفُ للأمة دقائِقَا،
ويفتحُ - بإذن الله - مغالِقَها، ولكن بملَكَةٍ ذهنيَّةٍ أصيلة، ودُربَةٍ علميَّةٍ طويلةٍ،
ومُكنةٍ عقليَّةٍ جليلة، والشِّعارُ في ذلك والدِّثارُ:
بـالـفـهـمِ بـالإيـثـارِ بـالـحـبِّ الـذي عـن كـلِّ مـا هـو قُـربــةٌ لا يـعــدِلُ
واللهُ يـعـلــمُ مــا تُـكِــنُّ صــدورُنــا ورقـيـبُـنـا فـيـمـا نـقــولُ ونـفـعــلُ
والمُوفَّقُ - يا عباد الله - من لا يُقابِلُ من عصَى اللهَ فيه بأكثرَ من أن يُطيعَ اللهَ فيه.
تلك دعوةُ الحبِّ والوُدِّ والإشفاقِ، والعفوِ والتصافُحِ والتسامُحِ والإرفاق.
أما من حادَ عن طريق الهُدى، وسلَك سبيلَ الهوَى،
وجانبَ الحقَّ وأصرَّ على الإضرار بالخلق، فتلك هِجِّيرا من سارَ في رِكابِ المُحاولات
اليائِسَة في النَّيل من الحقِّ وشُداتِه، وإسقاطِ رُموزِه وهُداتِه.
وهذا لا يزيدُ صاحبَ الحقِّ إلا ثباتًا وثقةً وشُموخًا مما يتطلَّبُ من كل من أرادَ النجاةَ
أن يلزمَ الجماعةَ، ويحذرَ طريقَ أهل الفتنةِ والإضاعَة.

رد مع اقتباس