عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ (1) عَلَيْهَا دَلْوٌ (2) فَنَزَعْتُ مِنْهَا
(3) مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ (4) فَنَزَعَ مِنهَا ذَنُوبًا (5)
أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ(6) ثُمَّ اسْتَحَالَتْ(7)
غَرْبًا (8) فَأَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا (9) مِنْ النَّاسِ
يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ - وفي رواية : "يَفْرِي فَرِيَّهُ"(10)- حَتَّى ضَرَبَ
النَّاسُ بِعَطَنٍ (11).. - وفي رواية : "فَلَمْ يَزَلْ يَنْزِعُ حَتَّى تَوَلَّى
النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ )
رواه البخاري ومسلم بروايات متعددة.
فَجَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِي لِيُرَوِّحَنِي..قال النووي : قال العلماء
: فيه إشارة إلى نيابة أبي بكر عنه ، وخلافته بعده ، وراحته
صلى الله عليه وسلم بوفاته من نصب الدنيا ومشاقها
الدلو وقيل لا تسمى بذلك إلا إذا كان فيها ماء
(6) والله يغفر له :فليس فيه تنقيص له ، ولا إشارة إلى ذنب ، وإنما هي
كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم ، ونعمت الدعامة.
صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر .
السيد ، وقيل : الذي ليس فوقه شيء .
أي أرَوَوا إبلهم ثم آوَوهَا إلى عَطنها ، وهو الموضع الذي تساق إليه
من شرح صحيح مسلم للنووي وفتح الباري لابن حجر
قال النووي : قال العلماء : هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر
وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما ، وحسن سيرتهما ، وظهور آثارهما
، وانتفاع الناس بهما ، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم ،
ومن بركته ، وآثار صحبته . فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب
الأمر ، فقام به أكمل قيام ، وقرر قواعد الإسلام ، ومهد أموره ، وأوضح
أصوله وفروعه ، ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وأنزل الله تعالى
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }
ثم توفي صلى الله عليه وسلم ، فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين
وأشهرا ، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : ذنوبا أو ذنوبين " ،
وهذا شك من الراوي ، والمراد ذنوبان كما صرح به في الرواية الأخرى .
وحصل في خلافته قتال أهل الردة وقطع دابرهم ، واتساع الإسلام . ثم
توفي فخلفه عمر رضي الله عنه ، فاتسع الإسلام في زمنه ، وتقرر لهم
من أحكامه ما لم يقع مثله . فعبر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من
الماء الذي به حياتهم وصلاحهم ، وشبه أميرهم بالمستقي لهم ، وسقيه
هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم .
شرح صحيح مسلم للنووي 8/134