عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-19-2011, 11:24 PM
vip_vip vip_vip غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى vip_vip
افتراضي 81 - خطبتى الجمعة بعنوان( ليلة النصف من شهر شعبان )

81 - خطبتى الجمعة بعنوان( ليلة النصف من شهر شعبان )


الحمد لله ، شرح بفضله صدور أهل الايمان بالهدى ،
و أضل من شاء بحكمته و عدله فلن تجد له ولياً مرشداً .
أحمده سبحانه وأشكره ، و أتوب إليه و أستغفره ،
أحاط بكل شيءٍ علماً ، وأحصى كل شيءٍ عدداً ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً فرداً صمداً ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبدالله و رسوله كرم أصلاً و طاب محتداً .
خصه ربه بالمقام المحمود و سماه محمداً ،
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه هم النجوم بهم يُهتدى ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان و سار على نهجهم و اقتدى .

أمــا بــعــد :
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ و نفسي بتقوى الله عز و جل ،
اتقوا الله و أصلحوا ذات بينكم و أطيعوا الله و رسوله إن كنتم مؤمنين .
أصلحوا ذات بينكم ، فالإصلاح مصدر الطمأنينة و الهدوء و مبعث الاستقرار و الأمن ،
و ينبوع الألفة و المحبة . إنه عنوان الإيمان في الإخوان :
{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }
[الحجرات:10].
معاشر المؤمنين : روى ابن حبان في صحيحه من حديث
معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :
قال رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) :
(( يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان
فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ))
و المشرك : كل من أشرك مع الله شيئا في ذاته تعالى ، أو في صفاته ، أو في عبادته
. و المشاحن : هو المعادي ، و الشحناء هي العداوة .
عباد الله : و مع اقتراب هذه الليلة الفضيلة و دنوها ،
و الجميع يرنو إلى نيل ما فيها من العفو و الغفران ، يستعذب الحديث و يستحسن ،
عن الإصلاح بين الناس ، وبيان مسلكه و كيفيته ،
و التحذير من الشحناء و الخصومة و التمادي فيهما .
أيها الإخوة ، لقد أقضت مضاجع القضاة القضايا ، و امتلأت كثيراً من السجون بالبلايا ،
ناهيك بما في مراكز الشرطة و أسرة المشافي من المآسي .
إن التنازع و التشاحن مفسد للبيوت و الأسر ،
مهلك للشعوب و الأمم ، سافك للدماء ، مبدد للثروات .
{ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ }
[الأنفال:46].
بالخصومات و المشاحنات تنتهك حرمات الدين ، و يعم الشر القريب و البعيد .
و من أجل ذلك سمى رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) فساد ذات البين بالحالقة ،
فهي لا تحلق الشعر و لكنها تحلق الدين .
إن الأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين ، و يعيد الوئام إلى المتنازعين .
إصلاح تسكن به النفوس ، و تأتلف به القلوب . إصلاح يقوم به عصبة خيرون ،
شرفت أقدارهم ، و كرمت أخلاقهم ، و طابت منابتهم ،
و إنهم بمثل هذه المساعي الخيرة يبرهنون على نبل الطباع و كرم السجايا .
فئات من ذوي الشهامة من الرجال و المقامات العلية من القوم ،
رجال مصلحون ذو خبرة و عقل و إيمان و صبر ، يخبرون الناس في أحوالهم و معاملاتهم ،
حذاق في معالجة أدوائهم ،
أهل إحاطة بنفوس المتخاصمين و خواطر المتباغضين و السعي بما يرضي الطرفين .
أيها الإحبة ، إن سبيل الإصلاح عزيمة راشدة ، و نية خيرة ، و إرادة مصلحة .
و بريد الإصلاح ، حكمة المنهج ، و جميل الصبر ، و طيب الثناء ،
سبيل و بريد يقوم به لبيب تقي ، يسره أن يسود الوئام بين الناس :
{ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }
[النساء:129].
أيها الإخوة ، و للإصلاح فقه و مسالك دلت عليها نصوص الشرع
و سار عليها المصلحون المخلصون . إن من فقه الإصلاح حسن النية ، و ابتغاء مرضاة الله ،
و تجنب الأهواء الشخصية و المنافع الدنيوية .
إذا تحقق الإخلاص حل التوفيق و جرى التوافق و أنزل الثبات في الأمر و العزيمة على الرشد .
أما من قصد بإصلاحه الترؤس و الرياء و ارتفاع الذكر و الاستعلاء فبعيد أن ينال ثواب الآخرة ،
و حري ألا يحالف التوفيق مسعاه
{ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }
[النساء:114].
و من فقه الإصلاح سلوك مسلك السر و النجوى . فلئن كان كثير من النجوى مذموماً
فإن ما كان من صدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس فهو محمود مستثنى :
{ لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ
وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }
[النساء:114].
أيها الإخوة ، و هذا فقه في الإصلاح دقيق ، فلعل فشل كثير من مساعي الصلح
بسبب فشو الأحاديث ، و تسرب الأخبار ،
و تشويشات الفهوم مما يفسد الأمور المبرمة و الاتفاقيات الخيرة .
إن من الخير في باب الإصلاح أن يسلك به مسلك النجوى و المسارة ،
فمن عرف الناس و خبر أحوالهم لاسيما فيما يجري بينهم من منازعات و خصومات
و ما يستتبع ذلك من حبٍ للغلبة و انتصار للنفس أدرك دقة هذا المسلك و عمق هذا الفقه .
إن من الناس من يأبى أن يسعى في الصلح فلان أو فلانةٌ ،
و آخر يصر على أن تكون المبادرة من خصمه .
و تمشياً مع هذه المسالك السرية و التحركات المحبوكة
أذن الشارع للمصلح بنوع من الكذب في العبارات و الوعود .
( فليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيراً ، أو يقول خيراً ) .
هذا هو حديث رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) ،
و في خبر آخر عنه يقول عليه الصلاة و السلام :
( لا يصلح الكذب إلا في ثلاث ؛ رجل يصلح بين اثنين ،
و الحرب خدعة ، و الرجل يصلح امرأته ) .
و يقول نعيم بن حماد : قلت لسفيان بن عيينة : أرأيت الرجل يعتذر من الشيء
عسى أن يكون قد فعله و يُحرِّف فيه القول ليرضي صاحبه أعليه فيه حرج ؟ قال : لا .
ألم تسمع قوله ( صلى الله عليه و سلم ) :
( ليس بكاذب من قال خيراً ، أو أصلح خيراً ، أو أصلح بين الناس ) ،
و قد قال الله عز و جل :
{ لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ
وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }
[النساء:114].
إنها النفوس الشحيحة التي تحمل صاحبها و غيرها على ما تكره .
و لكن في مقابل هذه النفوس الشحيحة يترقى أصحاب المروءات من المصلحين الأخيار
ليبذلوا و يغرموا ، نعم يبذلون الوقت و الجهد ، و يصرفون المال و الجاه ،
و لقد قدر الإسلام مروءتهم ، و حفظ لهم معروفهم ،
فجعل في حساب الزكاة ما يحمل عنهم غرامتهم ـ بارك الله فيهم ـ
لئلا يُجْحِفَ ذلك بسادات القوم المصلحين .
أيها الإخوة في الله ، و ميدان الصلح واسع عريض ؛ في الأفراد و الجماعات و الأزواج و الزوجات ،
و الكفار و المسلمين ، و الفئات الباغية و العادلة ، في الأموال و الدماء ، و النزاع و الخصومات .
و من أجل ذلك فقد عظم ثوابه ، و كبر أجره ، فهو أفضل من درجة الصيام و الصلاة و الصدقة ،
فقد قال عليه الصلاة و السلام
( ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة و الصيام و الصدقة ؟ )
قالوا : بلى يارسول الله ، قال :
( إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ،
لا أقول تحلق الشعر و لكن تحلق الدِّينَ ) .
و لقد باشر الصلح بنفسه عليه الصلاة و السلام حين تنازع أهل قباء ، فندب أصحابه و قال :
( اذهبوا بنا نصلح بينهم ) .
و خرج عليه الصلاة والسلام للإصلاح بين أناس من بني عوف حتى تأخر عن صلاة الجماعة .
إذا كان الأمر كذلك ـ أيها الاخوة ـ ، فمن ذا الذي لا يقبل الصلح و لا يسعى فيه ،
ليسوا إلا أناس قد قست قلوبهم ، و فسدت بواطنهم و خبثت نياتهم ؛
حتى كأنهم لا يحبون إلا الشر ، و لا يسعون إلا في الفساد ، و لا يجنحون إلا إلى الظلم .
و الأشد و الأنكى أن ترى فئات من الناس ساءت أخلاقها ، و غلظت أكبادها ،
لا يكتفون بالسكوت و السكون ، بل في أجوائهم يستفحل الخصام ، و يقسو الكلام ،
و ما أشبه هؤلاء بأعداء الإسلام و أهل النفاق ،
إنهم يلهبون نار العداوة و يوقدون سعير البغضاء كلما خبت نار الفتن أوقدوها .
و لا غرو بعد ذلك أن تضيع الحقوق ، و تهدر الحرمات ، و يرق الدين ، و تنزع البركات .
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، اتقوه و أصلحوا ذات بينكم ،
جعلنا الله و إياكم ممن شملتهم مغفرته و رحمته ، إنه سميع مجيب .
نفعني الله و إياكم بهدي كتابه و بسنة نبيه محمد صلى الله عليه و سلم ؛
أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب و خطيئة
فاستغفروه و توبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

رد مع اقتباس