الموضوع: درس اليوم 4136
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-27-2018, 05:23 AM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 57,597
افتراضي درس اليوم 4136

من:إدارة بيت عطاء الخير


درس اليوم

الإيثار

جميلٌ أن يتصدَّق المسلم على المحتاجين والفقراء، ولكن عجيبٌ حقًّا
أن يُفَضِّل المسلمُ غيره على نفسه، فيعطي بينما هو في حاجة!
وهذا هو الإيثار الذي ذكره الله تعالى في كتابه في حقِّ الأنصار
رضي الله عنهم؛ وذلك حين قال:

{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
[الحشر: 9]،

والإيثار سُنَّة نبوية راقية، فعَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه:

( أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا
حَاشِيَتُهَا ). أَتَدْرُونَ مَا البُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: نَسَجْتُهَا
بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا. ( فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا،
فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ ). فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا.
قَالَ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا،
ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ. قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ،
إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ[1].

ففي هذا الموقف نفهم أبعاد هذه السُّنَّة النبوية العجيبة؛ فالرسول
صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى البردة، وليس عنده بديل لها، وقد لبسها
من فوره لشدَّة احتياجه لها؛ ولكنه عندما وجد سائلًا يطلبها ما تردَّد
في التصدُّق عليه بها، فهذا هو الإيثار، وقد حرص رسول الله
صلى الله عليه وسلم على تشجيع المسلمين على التحلِّي بهذه السُّنَّة
الجميلة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ، فَأَرْسَلَ
إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ. ثُمَّ أَرْسَلَ
إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ. فَقَالَ:
( مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ؟ ).
فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا، يَا رَسُولَ الله. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ،
فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي. قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ
بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِ السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ،
فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ. قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ
غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:
( قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ )[2].

فهذا الخُلُق الراقي يفتح المجال أمام جميع المسلمين ليكونوا من أصحاب
الفضل والعطاء، فليس بالضرورة أن تكون ثريًّا فتعطي من فضل مالك؛
بل يمكن أن تكون محتاجًا وتعطي، وليس أجر ذلك بالهيِّن؛ بل هو الفَلَاح
بعينه، فقد خَتَم اللهُ آية الإيثار بقوله:

{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
[الحشر: 9]،

فلْنَسْعَ إلى هذا الفلاح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
[1] البخاري: كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة
في الشراء والبيع ومن طلب حقًّا فليطلبه في عفاف، (1987).

[2] مسلم: كتاب الأشربة، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره، (2054)


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك

على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين

رد مع اقتباس