الموضوع: درس اليوم4761
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-04-2020, 01:05 PM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 57,804
افتراضي درس اليوم4761

من:إدارة بيت عطاء الخير

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

درس اليوم
معنى اسم الله الحكيم (01)

الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمَيِ (الحَكِيمُ وَالحَكَمُ)

الحَكِيمُ فِي اللُّغَةِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، فِعْلُهُ حَكَمَ يَحْكُمُ
حُكْمًا وَحُكُومَةً، وَالحَكِيمُ يَأَتِي عَلَى عِدَّةِ مَعَانٍ؛ مِنْهَا الإِحَاطَةُ وَالمَنْعُ، فَحَكَمَ
الشَيءَ يَعْنِي مَنَعَهُ وَسَيْطَرَ عَلَيْهِ وَأَحَاطَ بِهِ، وَمِنْهَا حَكَمَةُ اللِّجَامِ وَهِيَ الحَدِيدَةُ
المَانِعَةُ لِلدَّابَّةِ عَنِ الخُرُوجِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ حَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه:

فَنَحْكُمُ بِالقَوَافِي مَنْ هَجَانَا ♦♦♦ وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ

أَيْ نَمْنَعُ بِالقَوَافِي مَنْ هَجَانَا، وَقَوْلُ الآَخَرِ:

أَبَنِي حَنِيفَةَ حَكِّمُوا سُفَهَاءَكُمْ ♦♦♦ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُو أَنْ أَغْضَبَا

أَيِ: امْنَعوا سُفَهَاءَكُم، وَيَأْتِي الحَكِيمُ عَلَى مَعْنَى المُدَقِّقِ فِي الأُمُورِ المُتْقِنِ لِهَا،
فَالحَكِيمُ هُوَ الذِي يُحْكِمُ الأَشْيَاءَ وَيُحْسِنُ دَقَائِقَ الصِّنَاعَاتِ وَيُتْقِنُهَا، وَيُقَالُ
لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ حَكِيمًا قَدْ أَحْكَمَتْهُ التَّجَاربُ

وَالحَكِيمُ أَيْضًا هُوَ الذِي يُحْكِمُ الأَمْرَ وَيَقْضِي فِيهِ وَيَفْصِلُ دَقَائِقَهُ وَيُبَيِّنُ أَسْبَابَهُ
وَنَتَائِجَهُ، فَالحَكِيمُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى حَاكِمٍ مِثْلَ قَدِيرٍ بِمَعْنَى قَادِرٍ وَعَلِيمٍ
بِمَعْنَى عَالِمٍ، وَاسْتَحْكَمَ الرُّجُلُ إِذَا تَنَاهَى عَمَّا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ

وَالحَكِيمُ سُبْحَانَهُ هُوَ المُتَّصِفُ بِحِكْمَةٍ حَقِيقِيَّةٍ عَائِدَةٍ إِلَيْهِ وَقَائِمَةٍ بِهِ كَسَائِرِ
صِفَاتِهِ وَالتِي مِنْ أَجَلِهَا خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَسْعَدَ وَأَشْقَى، وَأَضَلَّ
وَهَدَى، وَمَنَعَ وَأَعْطَى، فَهُوَ المُحْكِمُ لِخَلْقِ الأَشْيَاءِ عَلَى مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ،
وَهُوَ الحَكِيمُ فِي كُلِّ مَا فَعَلَهُ وَخَلَقَهُ، حِكْمَةً تَامَّةً اقْتَضَتْ صُدُورَ هَذَا الخَلْقِ،
وَنَتَجَ عَنْهَا ارْتِبَاطُ المَعْلُولِ بِعِلَّتِهِ وَالسَّبَبِ بِنَتِيجَتِهِ، وَتَيْسِيرَ كُلِّ مَخْلُوقٍ لِغَايَتِهِ،
وَإِذَا كَانَ اللهُ عز وجل يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ لَهُ قَضَاءٌ، مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ
يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، إِلَّا أَنَّهُ الحَكِيمُ الذِي يَضَعُ الأَشْيَاءَ فِي مَوَاضِعِهَا، وَيَعْلَمُ خَوَاصَّهَا
وَمَنَافِعَهَا، وَيُرَتِّبُ أَسْبَابَهَا وَنَتَائِجَهَا

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ:
"الحَكِيمُ مِنْ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى، وَالحِكْمَةُ مِنْ صِفَاتِهِ العُلَى، وَالشَّرِيعَةُ الصَّادِرَةُ
عَنْ أَمْرِهِ مَبْنَاهَا عَلَى الحِكْمَةِ، وَالرَّسُولُ المَبْعُوثُ بِهَا مَبْعُوثٌ بِالكِتَابِ
وَالحِكْمَةِ، وَالحِكْمَةُ هِيَ سُنَّةُ الرَّسُولِ وَهِيَ تَتَضَمَّنُ العِلْمَ بِالحَقِّ وَالعَمَلَ بِهِ
وَالخَبَرَ عَنْهُ وَالأَمْرَ بِهِ، فَكُلُّ هَذَا يُسَمَّى حِكْمَةً، وَفِي الأَثَرِ الحِكْمَةُ ضَالَّةُ
المُؤْمِنِ، وَفِى الحَدِيثِ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةٌ، فَكَمَا لَا يَخْرُجُ مَقْدُورٌ عَنْ عِلْمِهِ
وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَهَكَذَا لَا يَخْرُجُ عَنْ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ، وَهُوَ مَحْمُودٌ عَلَى جَمِيعِ
مَا فِي الكَوْنِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ حَمْدًا اسْتَحَقَّهُ لِذَاتِهِ وَصَدَرَ عَنْهُ خَلْقُهُ وَأَمْرُهُ،
فَمَصْدَرُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنِ الحِكْمَةِ"

الحَكَمُ: بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ الحَاكِمُ، وَهُوَ الذِي يَحْكُمُ وَيَفْصِلُ فِي سَائِرِ الأُمُورِ.

وَالحَكَمُ سُبْحَانَهُ هُوَ الذِي يَحْكُمُ فِي خَلْقِهِ كَمَا أَرَادَ، إِمَّا إِلْزَامًا لَا يُرَدُّ
وَإِمَّا تَكْلِيفًا عَلَى وَجْهِ الابْتِلاَءِ لِلعِبَادِ، فَحُكْمُهُ فِي خَلْقِهِ نَوْعَانِ:
أَوَّلًا: حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالتَّدْبِيرِ الكَوْنِيِّ وَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالمَشِيئَةِ،
وَمَشِيئَةُ اللهِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالمَعْنَى الكَوْنِيِّ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ،
وَمِنْ ثَمَّ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا غَالِبَ لِأَمْرِهِ وَلَا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَمِنْ هَذَا
الحُكْمِ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ
أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }
[الرعد: 41]،

وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ:

{ قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }
[الأنبياء: 112]،

أَيِ: افْعَلْ مَا تَنْصُرُ بِهِ عِبَادَكَ، وَتَخْذُلُ بِهِ أَعْدَاءَكَ.

ثَانِيًا: حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالتَّدْبِيرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ حُكْمٌ تَكْلِيفِيٌّ دِينِيٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ
وَعِقَابٌ وَمَوْقِفُ المُكَلَّفِينَ يَوْمَ الحِسَابِ، وَمِثَالُهُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }
[المائدة: 1]،

وَمِثَالُ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى:

{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }
[الشورى: 10]،

وَقَوْلُهُ:

{ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ
ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ }
[المائدة: 43].

قَالَ القُرْطُبِيُّ:
"فَالحَكَمُ مَنْ لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ تَنْفِيذُ القَضَايَا، وَإِمْضَاءُ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَذَلِكَ
بِالحَقِيقَةِ هُوَ اللهُ تَعَالَى، فَهَذَا الاسْمُ يَرْجِعُ تَارَةً إِلَى مَعْنَى الإِرَادَةِ، وَتَارَةً إِلَى
مَعْنَى الكَلاَمِ، وَتَارَةً إِلَى الفِعْلِ، فَأَمَّا رُجُوعُهُ إِلَى الإِرَادَةِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى حَكَمَ
فِي الأَزَلِ بِمَا اقْتَضَتْهُ إِرَادَتُهُ، وَنَفَذَ القَضَاءُ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، يَجْرِي القَلَمُ
فِيهِ عَلَى وِفَاقِ حُكْمِ اللهِ، ثُمَّ جَرتِ الأَقْدَارُ فِي الوُجُودِ بِالخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالعُرْفِ
وَالنُّكْرِ عَلَى وِفَاقِ القَضَاءِ وَالحُكْمِ، وَإِذَا كَانَ رَاجِعًا إِلَى مَعْنَى الكَلاَمِ فَيَكُونُ
مَعْنَاهُ المُبَيِّنُ لِعِبَادِهِ فِي كِتَابِهِ مَا يُطَالِبُهُمْ بِهِ مِنْ أَحْكَامِهِ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يُبَيِّنُ
لِلنَّاسِ الأَحْكَامَ وَيَنْهَجُ لَهُمْ مَعَانِي الحَلَالِ وَالحَرَامِ: حَكَمٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ
فِي الوُجُودِ حَكَمٌ إِلَّا كِتَابُهُ، فَعِنْدَهُ يُوقَفُ إِذْ هُوَ الحَكَمُ العَدْلُ، وَإِذَا كَانَ رَاجِعًا
إِلَى الفِعْلِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الحَكَمُ الذِي يُنْفِذُ أَحْكَامَهُ فِي عِبَادِهِ بِإِشْقَائِهِ إِيَّاهُمْ
وَإِسْعَادِهِ، وَتَقْرِيبِهِ إِيَّاهُمْ وَإِبْعَادِهِ، عَلَى وِفْقِ مُرَادِهِ"


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين


رد مع اقتباس