المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
سلسلة مغنم القيادة
لمن هذه الصفحات؟ لكل داعية وكل خطيب.. لكل عالم وكل عابد.. لكل طالب علم وكل كاتب.. لكل صاحب موهبة أو نجاح.. لكل من يبدأ طريقه إلى الله.. لكل مسلم ومسلمة.. لنفسي ولكل من أحب.. إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فمما لاشك فيه أن التربية الإيمانية لها أثر كبير وفعال في دفع المرء للقيام بأعمال البر بسهولة ويسر، فكلما ازداد الإيمان في القلب كانت آثاره العظيمة في السلوك، قال تعالى ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [ الحج: 23 ]. ومع الأهمية القصوى لإيقاد شعلة الإيمان في القلب والعمل الدائم على زيادته، يبقي أمر آخر على نفس الدرجة من الأهمية ينبغي أن نهتم به كاهتمامنا بالتربية الإيمانية، ألا وهو المحافظة على أعمالنا الصالحة التي نقوم بأدائها من كل ما يفسدها ويبعدها عن مظنة الإخلاص لله عز وجل... ومن أهم الأمور التي يمكنها أن تفعل ذلك: إعجاب المرء بنفسه، ورضاه عنها ورؤيتها بعين التعظيم. .. هذا الداء الخطير الذي يتسلل بخبث إلى النفوس من شأنه أن يحبط العمل ويفسده، بل تصل خطورته إلى حد الوقوع في دائرة الشرك الخفي بالله عز وجل. معنى ذلك أن الواحد منا يتعب ويبذل الكثير من أجل قيامه بعمل ما، ثم يأتي داء العُجب فيقضي عليه ويحبطه. ويكفي لبيان خطورة هذا الداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عده من المهلكات. ومن سمات هذا الداء أن لديه القدرة على التسلل بخبث إلى النفوس: نفوس العلماء، والعباد، والدعاة، والخطباء، والكتاب، وأصحاب المواهب والنجاحات، فهو يعرف طريقه جيدًا إلى كل نفس، ولا يكاد يتركها إلا بعد أن يضخها، ويعظم قدرها في عين صاحبها. إنه أمر خطير ينبغي الانتباه إليه، وعدم الاستهانة به، أو إنكار وجوده داخلنا فنحن لا نريد أن نفاجأ يوم القيامة بأعمال صالحة تعبنا وسهرنا وبذلنا الكثير من أجل القيام بها، ثم نجدها وقد أحبطت بسبب هذا الداء. ألا يكفينا الترهيب النبوي " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " ؟![2] وقوله صلى الله عليه وسلم: " لايزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم ".[3] فإن كنت في شك من أهمية هذا الأمر، وضرورة التشمير من أجل التخلص منه فتأمل سيرة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، وكيف كانوا شديدي الحرص نحو أي أثر من آثار هذا الداء، وإغلاق الأبواب أمامه، مع استصغارهم الدائم لأنفسهم، وتواضعهم لربهم. أخرج ابن المبارك في الزهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُتي له بطعام فقالت له عائشة: لو أكلت يا نبي الله وأنت متكئ كان أهون عليك. فأصغى بجبهته حتى كاد يمس الأرض بها. قال: " بل آكل كما يأكل العبد، وأنا جالس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد "[4]. وهذا أبو عبيدة بن الجراح وقد أم قومًا يومًا، فلما انصرف قال: مازال الشيطان بي آنفًا حتى رأيت أن لي فضلًا على من خلفي، لا أؤم أبدًا [5]. ... فإلى كل طالب علم، وكل داعية. ... إلى كل عالم وكل عابد. ... إلى كل مسلم ومسلمة. إلى نفسي، وكل من أحب، كانت هذه الصفحات التي تدق لنا جميعًا ناقوس الخطر. .. إنها دعوة لتحطيم الأصنام داخلنا، ولأن يكون كل منا عند نفسه صغيرًا.. .. فلنكن جميعًا نِعْمَ المجيبين، ولنتعامل معها على أننا بها المخاطبون، وليرى الله من أنفسنا صدقًا في طلب التخلص والاحتراز من هذا الداء – داء الإعجاب بالنفس – عساه – سبحانه – أن يعيننا عليه ويلهمنا الرشد في التعامل معه والتحصن ضده؛ حتى نخرج من الدنيا عبيدًا مخلصين له، لا نرى فضلًا إلا فضله ولا خيرًا إلا خيره: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [ النور: 21 ]. الباب الأول هل بداخلنا أصنام ؟! · تمهيد: لا غنى لأحد عن الله. · الفصل الأول: الشرك الخفي. · الفصل الثاني: أسباب تضخم الذات ووجود الصنم. · الفصل الثالث: مظاهر الإعجاب بالنفس وتضخم الذات. · الفصل الرابع: خطورة الإعجاب بالنفس. لا غني لأحد عن الله الله عز وجل هو الذي خلقنا من العدم، فلم نكن قبل وجودنا في أرحام أمهاتنا شيئًا مذكورًا، كنا في التراب، وعندما شاء الله لنا أن نخلق كانت النطفة فالعلقة فالمضغة فالجنين ثم الخروج إلى الدنيا ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]. تولى – سبحانه وتعالى – نشأتنا والقيام على شيءوننا، وأعطانا ما أعطانا من الأسباب التي تمكننا من العيش في الحياة. .. هذه الأسباب من سمع، وبصر، وعقل، وأجهزة وأعضاء، ... لا يوجد لديها قدرة ذاتية للقيام بوظائفها، فالله عز وجل هو الذي يمدها بهذه القدرة لحظة بلحظة ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [يونس: 22]. فلا قيمة لهذه الأسباب بدون المدد الإلهي المتواصل، فهو – سبحانه – حى قيوم، قائم على شيءون جميع خلقه. لاتأخذه سنة ولانوم: وكيف تأخذه سنة أو نوم ؟! من سيمسك السماوات وهي مرفوعة بغير عمد ؟! من ذا الذي سيحفظ الشمس في مدارها، ويسيرها من الشرق إلى الغرب؟! أمن هذا الذي سيتولي نشأة الأجنة في أرحام الأمهات؟! من الذي سيطعمنا ويسقينا سواه ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ﴾ [الحجر: 22] . من الذي سيدبر أمر بلايين الخلايا داخل الجسم؟! من الذي سيجعل القلب يستمر في ضخ الدم، والكلية في تنقيته، والعضلات في الانقباض والانبساط والدم في الجريان، والرئة في التنفس، والأجهزة في العمل المتواصل؟! من غيره سيجعلنا ننام؟ ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ التي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [الزمر: 42] . من الذي سيصرف الرياح، ويحرك السحاب وينزل المطر؟ ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾. من الذي سيتولى أمر الرزق لهذه الأعداد التي لا تحصى من الخلائق؟ ﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾ [ الملك: 21 ]. من الذي سيدبر أمر النبات سواه ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ﴾ [ الزمر: 21 ]. فلنتفكر في أنفسنا، وفيما خلق الله من السماوات والأرض، وليسأل كل منا نفسه ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [ فاطر: 3 ]. من سواه يأتينا بالليل لنسكن فيه؟ ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [ القصص: 72 ]. من سواه يأتينا بالماء؟ ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [ الملك: 30 ]. من سواه سيجعلنا ننطق أو نسمع.. أونضحك أو نبكي؟ ﴿ وأنه هو أضحك وأبكى ﴾ [ النجم: 43 ]. من سواه يُسيِّر الفلك في البحر والدواب في البر؟ ﴿ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ ﴾ [ يس: 41 ]. إننا بدون المدد الإلهي المستمر كالجهاز الكهربائي عندما ينقطع عنه التيار.. لا وزن ولا قيمة.. لن نرى بأعيننا، ولن نسمع بآذاننا.. سيتوقف القلب عن الخفقان.. والدم عن الجريان.. لا ضحك ولا بكاء.. لا كلام ولا حراك.. حياة مظلمة.. فالسفن ستغرق في البحار، والطائرات ستسقط من السماء، والسيارات ستقف بلا حراك.. ستظلم السماء، ويتوقف الهواء.. ولِم لا، ولا غنى لأحد عن الله طرفة عين. فإن كان الأمر كذلك.. فأى ظلم يقع فيه العبد عندما يسأل غير الله، ويطلب منه المدد والعون ؟!! أى ظلم هذا الذي يجعل العبد يعتقد في أي شيء آخر مع الله لجلب النفع أو لدفع الضر؟ أيكون جزاء هذا العطاء المتواصل بالليل والنهار هو تجاهل مسببه، والتوجه إلى غيره بالسؤال؟! أى جحود هذا الذي يقع فيه الإنسان عندما يشرك بربه؟!
فيا عجبًا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد ؟ [1]حسن، أخرجه الطيالسي عن ابن عمر، وأورده الألباني في صحيح الجامع ح ( 3045 ). [2] أخرجه مسلم (1/93، رقم 91) [3] رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وضعفه الشيخ الألباني في الجامع برقم 6344. ويذهب بنفسه أي: يرتفع ويتكبر. [4] أخرجه ابن سعد (1/371)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/107، رقم 5975)، وعبد الرزاق عن معمر في الجامع (10/417، رقم 19554)، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة برقم 441 . [5] الزهد لابن المبارك برقم (834) صـ287 . [6] الزهد لابن المبارك ص189 .
|
#2
|
|||
|
|||
02
الفصل الاول أنواع الشرك بالله: من معاني الشرك بالله الاعتقاد في آخر مع الله أنه ينفع أو يضر.. هذا الاعتقاد يترجمه صاحبه في صورة التعظيم لمن يشرك به، وكذلك الاعتماد عليه في تصريف أموره وسؤاله حاجاته. والشرك نوعان: شرك جلي ظاهر، وشرك خفي مستتر. الشرك الجلي هو الاعتقاد في آخر مع الله بالنفع أو الضر، مثل الاعتقاد فيمن يسمونهم بالأولياء من الأحياء أو الأموات، وكذلك الاعتقاد في حجر أو شجر أو كوكب أو نجم أو ساحر أو كاهن، ومن ثم تتوجه إليه القلوب بالتعظيم، والألسنة بالسؤال وطلب الحاجات. وهو أمر خطير ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [ الحج: 31 ] . أما الشرك الخفي فهو الذي يخفى وجوده على الإنسان من الناحية الشكلية بمعنى أنه لا يعترف بوجوده لكنه متلبس به من الناحية الموضوعية. ومن أهم صور الشرك الخفي رؤية الإنسان لنفسه بعين التعظيم، واعتقاده في الأسباب التي حباه الله إياها أنها ملك ذاتي له، يمتلكها، ويستدعيها في الوقت الذي يشاء، وأنه يفضل بها غيره.. هذا الاعتقاد قد يكون في جزئية صغيرة، وقد يكون في كل الجزئيات التي تشكل شخصية الإنسان. فإذا ما أردنا أمثلة عملية توضح مفهوم الشرك بالنفس والذي يطلق عليه العلماء: العُجب، سنجد أمامنا الكثير والكثير. فالطالب الذي حباه الله موهبة الفهم والحفظ قد يقع في هذا النوع من الشرك إذا ما اعتقد في نفسه القدرة الذاتية على الفهم والحفظ. والمرأة التي تحسن إعداد الطعام قد تقع في نفس الأمر باعتقادها في خبراتها وقدرتها على القيام بذلك متى شاءت. وكذلك المدرس إذا اعتقد في قدرته على شرح الدروس، معتمدًا على إمكاناته، وخبراته، وتاريخه الطويل في التدريس. والداعية الذي يعظ الناس، ويدعوهم فيتأثرون بحديثه، قد يقع في نفس الأمر إذا ما اعتقد في بلاغته وحفظه وقدرته على التأثير. وكذلك كل من يظن أن عنده شيئًا ذاتيًا ليس عند غيره، مهما كان حجم هذا الشيء. رأى الحسن البصري كساء صوف على فرقد السبخي فقال: يا فرقد لعلك تحسب أن لك بكسائك على الناس فضلًا[1]. حقيقة العُجب: يقول ابن المبارك: العُجب أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك[2]. .. فهذا هو جوهر العُجب: أن ترى أن عندك شيئًا ذاتيًا تتملكه، وليس عند غيرك. .. أن ترى أن عندك مالًا.. أولادًا.. ذكاءً.. موهبة.. كساءً ليس عند غيرك. فإن قلت ولكن بالفعل عنديمن هذه الأشياء ما لا أجده عند غيرى. .. نعم كل منا عنده أشياء ليست عند غيره، ولكن هذه الأشياء ملك من؟! يقول تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ﴾ [ المائدة: 120 ]. فكل ما معنا من أصغر شيء إلى أكبره ملك لله عز وجل، أعارنا إياه لننتفع به، ونمتحن فيه ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [ الكهف: 7 ]. فلا يملك أحد – غير الله – شيئًا في هذا الكون ﴿ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [ سبأ: 22 ]. فإن اعتقد أحدنا أن المال الذي معه هو ماله لا مال الله، وفرح به، واطمأن لوجوده معه فهذا هو الإعجاب بالمال كمن قال: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [ القصص: 78 ]. ويتسع هذا المفهوم ليشمل كل شيء يفرح به الإنسان، ويطمئن إلى وجوده معه على أنه ملك ذاتي له. حمد النفس: ومن معاني العُجب كذلك رؤية أحدنا لنفسه بعين الرضا والفرح فيما علمت أو عملت وحمدها على ذلك، ولو في جزئية صغيرة، ونسيان أن الله عز وجل هو صاحب كل فضل نحن فيه. قال المحاسبي: العُجب هو حمد النفس على ما عملت أو علمت، ونسيان أن النعم من الله عز وجل[3]. ويؤكد على هذا المعنى أبو حامد الغزالي فيقول: العُجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها للمنعم[4]. سئل رياح القيسي: يا أبا مهاجر ما الذي أفسد على العمال أعمالهم؟ فقال: حمد النفس، ونسيان النعم[5]. فالعُجب خاطر يهيج في داخلك يدعوك لاستعظام عملك واستكثاره فتقول في نفسك: لقد قويت وصبرت واستطعت فعل كذا... لقد جاهدت... لقد فهمت كذا... صمت في يوم شديد الحر... لقد أنفقت كذا... فرحًا من نفسك بقوتها، معظمًا لها مع نسيان نعمة الله عليك في القيام بذلك [6]. الداء الخبيث: إعجاب المرء بنفسه ولو في جزئية صغيرة يؤدي به إلى استعظامها، ورؤيتها أكبر من غيرها في هذه الجزئية، والاعتقاد في نفعها، وفي أنه يمكنه بذاته أن يستدعى موهبته في أي وقت يشاؤه ليظهر من خلالها فضله وتميزه على غيره. هذا المفهوم قد يصغر عند البعض، وقد يكبر عند البعض الآخر. ويظن الكثير منا أن داء الإعجاب بالنفس لا يصيب إلا أهل التصدر بين الناس وأصحاب الإمكانات والمواهب العالية فقط، والحقيقة أن هؤلاء بالفعل أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بهذا المرض، إلا أنه لا يصيب هؤلاء فقط، بل يحاول مع الجميع، وينتظر اللحظة المناسبة للتمكن من نفس أي إنسان . فإن كنت في شك من هذا فما تفسيرك لحالة فقير معدم مجهول بين الناس ومع ذلك هو عند نفسه كبير، بل يرى كذلك تميزه على غيره بما لديه من مواهب متوهمة؟! إنه داء خبيث يعرف طريقه جيدًا إلى النفوس، فما من موقف إيجابي يقوم به الإنسان – قولًا كان أو فعلًا – إلا ولهذا الداء محاولة للتأثير على نفسه، والعمل على تضخيمها والإعجاب بها ونسيان المنعم سبحانه وتعالى. قيل لداود الطائي: أرأيت رجلًا دخل على هؤلاء الأمراء، فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر؟! فقال: أخاف عليه السوط. قبل: إنه يقوى عليه ( يعني أنه وطن نفسه على احتماله إن وقع واحتسابه عند الله تعالى) فقال: أخاف عليه السيف قيل: إنه يقوى عليه. قال: أخاف عليه الداء الدفين؛ العُجب)[7]. فالعُجب آفة العقل – أي عقل – يدعوه دومًا إلى استعظام قوله أو عمله أو أفكاره وحمد نفسه على ذلك. اللحظات العابرة: .. إذن فالعُجب داء لا يكاد يسلم منه أحد، وأخطر ما يقوم به هو تضخيمه للذات، ومن ثم تكوينه لصنم داخلي في نفس صاحبه يحمل اسمه. مع ملاحظة الفارق بين لحظات الإعجاب بالنفس العابرة، وبين تأصل هذا الداء داخل الإنسان. ومع ذلك فإن تجاوب المرء مع تلك اللحظات وعدم مقاومتها سيؤدي إلى تمكن الداء من نفسه شيئًا فشيئًا، ومن ثم تكوين الصنم. تأمل معي هذا الخبر لتدرك خطورة تلك اللحظات، والعمل على مقاومتها وإغلاق الأبواب أمامها. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: لبست مرة درعًا لي جديدة فجعلت أنظر إليها فأعجبت بها. فقال أبو بكر: ما تنظرين؟ إن الله ليس بناظر إليك! قلت: ومم ذاك؟ قال: ما علمت أن العبد إذا دخله العُجب بزينة الدنيا مقته الله عز وجل حتى يفارق تلك الزينة! قالت: فنزعته فتصدقت به.. فقال أبو بكر: عسى ذلك أن يكفر عنك[8].
[1] الزهد للحسن البصري – تحقيق د. محمد عبد الرحيم محمد – ص159 – دار الحديث – القاهرة . [2] سير أعلام النبلاء للذهبي 8 / 407 – مؤسسة الرسالة – بيروت . [3] الرعاية لحقوق الله للمحاسبي ص 420 – دار اليقين – المنصورة – مصر . [4] إحياء علوم الدين 3 / 574 – دار الحديث – القاهرة . [5] الرعاية لحقوق الله ص 429 . [6] المصدر السابق – بتصرف ص 421، 422 . [7] تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين لابن النحاس ص 52 . [8] العجب لعمر بن موسى ص 98 – نقلًا عن حلية الأولياء لأبي نعيم 1 / 37 . |
#3
|
|||
|
|||
03
الفصل الثاني * الجهل بالله عز وجل . * قلة مخالطة الأكفاء * الجهل بالنفس . وعدم وجود النصحاء. * إهمال تزكية النفس . * تربية الأبوين ( النشأة الأولى ). * كثرة الأعمال الناجحة . * وجود نقاط ضعف في * كثرة المدح . شخصية الفرد. مما لاشك فيه أن هناك أسبابًا عديدة من شأنها أن تهيئ المناخ المناسب لتسلل داء العُجب إلى النفوس، من أهمها: 1 – الجهل بالله عز وجل. 2 – الجهل بالنفس. 3 – إهمال تزكية النفس. 4 – كثرة الأعمال الناجحة. 5 – كثرة المدح. 6 – علو اليد ونفوذ الأمر. 7 – قلة مخالطة الأكفاء. 8 – تربية الأبوين ( النشأة الأولى ). 9 – وجود نقاط ضعف في شخصية الفرد. 10 – الاشتهار يبن الناس. العُجب – كما تم تعريفه في الصفحات السابقة – هو أن ينسب المرء لنفسه نجاحاته وتوفيقه فيما يقوم به من أعمال، وينسى أن الله عز وجل هو الذي أعانه على ذلك. معنى ذلك أن الجهل بالله من أهم الأسباب المؤهلة لإعجاب المرء بنفسه، فلو أيقن كل منا بأن الله عز وجل هو الذي يمده بأسباب النجاح والتوفيق والفلاح ما دخل العُجب إلى نفسه، وكيف يعجب بشيء ليس له دخل في وجوده؟! إن كل صلاة نصليها، وصيام نصومه، وذكر نذكره، ودعاء ندعوه، ونفقه ننفقها... كل ذلك وغيره من صور البر المختلفة، تتم بفضل وإعانة من الله عز وجل ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ﴾ [ الأنبياء: 73 ]. فالله سبحانه وتعالى هو مصدر كل خير نفعله.. يمدنا بأسبابه لحظة بلحظة، ولو شاء لمنعنا إياها.. ألم يقل لرسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَئِنْ شيءنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾ [ الإسراء: 86، 87 ]. فلولا فضل الله ما صلينا ولا صمنا ولا تصدقنا ولا أسلمنا ولا آمنا. ففي الحديث القدسي: " يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلانفسه "[1]. بل إن كل خاطرة تخطر على بال الإنسان تدعوه لخير هي من الله عز وجل .. ففي الحديث: " في القلب لمتان، لمة من الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد لك فليعلم أنه من الله سبحانه وليحمد الله، ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، ونهي عن الخير، فمن وجد ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم " [2]. وعندما تغيب هذه الحقيقة عن ذهن المرء، فما أسهل تسلل داء العُجب إليه فيفرح بنفسه، ويعجب بها وينسب الفضل إليها، كلما عمل عملًا أو قال قولًا واستحسنه الناس. قال مسروق: بحسب امرئ من العلم أن يخشي الله، وبحسب امرئ من الجهل أن يعجب بعلمه [3]. ليس للإنسان – أي إنسان – مقومات ذاتية أو الفلاح .. هكذا خلقه الله عز وجل، يستوى في ذلك الأنبياء والمرسلون مع الخلق أجمعين ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [ الأعراف: 188 ]. فنحن جميعًا نستمد قوتنا من الله عز وجل لحظة بلحظة، وآنا بآن. ... نعم أعطانا الله عز وجل أسبابًا ومواهب وإمكانات كالذكاء، أو اللباقة، أو البلاغة، ولكن هذه الإمكانات ليس لها أي قيمة بدون القوة الفاعلة من الله عز وجل. هل رأيت طفلًا رضيعًا – حديث الولادة – يستطيع أن يطعم نفسه، أو يسقيها، أو ينظف جسمه أو يصرف عن نفسه الأذى ؟! ما درجة اعتماده على أمه في هذه الأمور وغيرها ؟ وماذا لو تركته يومًا واحدًا دون رعاية ؟ إن حاجتنا إلى الله عز وجل أشد وأشد من حاجة هذا الرضيع إلى أمه، فالقلب على سبيل المثال يحتاج إلى الله في كل لحظة ؛ ليستمر في الخفقان واستقبال الدم المحمل بثاني أكسيد الكربون وإعادة تحميله بالأكسجين وضخه مرة أخرى إلى الجسم فيما لا يقل عن سبعين مرة في الدقيقة. بلايين الخلايًا داخل جسم الإنسان تحتاج في كل لحظة إلى تعاهد ورعاية للاستمرار في أداء وظائفها الحيوية، وعدم التحول إلى خلايًا سرطانية. تخيل نفسك وقد أوكل إليك إدارة شئون جسمك من حواس وغدد وأعضاء وأجهزة .. ملايين العمليات الحيوية التي تتم كل لحظة عليك أن تديرها بنفسك. ... هل تستطيع فعل ذلك ولو للحظة واحدة ؟! إذن فعندما يوكل العبد لنفسه للقيام بأى مهمة دون إعانة من الله عز وجل ولو لطرفة عين، فإنه يوكل للضعف والضياع .. لذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: " وإنك إن تكلنى إلى نفسي تكلنى إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة، وإني لا أثق إلا برحمتك "[4]. .. هذه هي إحدى الحقائق الأساسية التي يقوم عليها بنيان الإنسان، وإذا ما نسيها فما أسهل وقوعه فريسة لداء العُجب .. سينخدع في الأسباب التي حباه الله إياها .. سيظن أنه ذكي بطبعه، بليغ ينطق بأسلس العبارات دون تكلف .. لديه القدرة على التأثير في الناس، قوي بما لديه من عضلات .. خبير بما يعرف من معلومات .. .. نعم، لديه هذه الإمكانات، ولكن ما قيمتها بدون المدد الإلهي المتواصل ؟! ألم يقل سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [ آل عمران: 159 ]. وقال: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [ الإسراء: 74 ]. من تعريفات النفس البشرية أنها مجموعة الشهوات والغرائز داخل الإنسان فهي تسعى دائمًا للحصول على شهواتها وحظوظها من كل فعل يفعله العبد .. جاهلة، لا تنظر إلى العواقب، كالطفل الذي لا يمل من الإلحاح على أبويه في الحصول على شيء قد يكون فيه ضرر كبير عليه. نفس أمارة بالسوء، لا تأمر صاحبها إلا بما تراه يحقق مصلحتها .. شحيحة تحب الاستئثار بكل خير. وشهوات النفس تنقسم إلى قسمين: شهوات جلية: من طعام، وشراب، ومال ونساء وذهب، وعقارات ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾ [ آل عمران: 14]. وشهوات خفية: من حب للتميز، والعلو على الآخرين، وأن يشار إليها بالبنان وإذا ما أردت مثالًا للشهوة الخفية فتأمل ما يحدث لك عندما يمدحك شخص ما. ألست تشعر بالسعادة والانتشاء، وتظل تذكر كلمات المديح في غدوك ورواحك. إن الشعور الذي يتملكنا في مثل هذه اللحظات يطلق عليه الشهوة الخفية. .. معنى ذلك أن النفس لن تأمر صاحبها إلا بما يحقق شهواتها، فإذا ما ترك لها أحد الزمام، وأحسن الظن بها فسيصبح حتمًا أسيرًا لها .. إن تكلم فستأمره بالحديث عن إنجازاته. وإن صلى بالليل حثته على الإعجاب بها، وأنه أفضل من غيره النائم ... إن أمر بمعروف أو نهي عن منكر ألحَّت عليه لاستحسان فعله، ورضاه عنه. وهكذا ستعمل دومًا على أخذ حظها من كل فعل يقوم به الإنسان. .. من هنا ستضح لنا طبيعة النفس، والتي إن غابت عن العبد تسلل إليه داء العُجب وتمكن منه. ومن أسباب تضخم الذات: عدم الانتباه لهذا الأمر منذ البداية، وبالتالي عدم أخذ الحذر من هذا الداء، وتركه يتسلل إلى النفس ويتمكن منها. فطالب العلم إن لم يكن هذا الموضوع من أوائل ما يتعلمه، ويتربي عليه فسيكون العلم نفسه بابًا واسعًا يتسلل إليه العُجب من خلاله .. والداعية قد يقع فريسة لذلك وكذلك المدرس، والكاتب، والخطيب، وكل من يقوم بعمل إيجابي ينال استحسان الناس. كل هؤلاء ومن شاكلهم إن لم يهتموا بتحصين أنفسهم وتزكيتها منذ البداية، فسيجد هذا الداء مادة جيدة يدخل من خلالها إلى نفوسهم، ويتكاثر فيها، لتكبر الذات وتتضخم. يقول أبو حامد الغزالي: فالعبد إن لم يشتغل أولًا بتهذيب نفسه، وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات، بقى خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم – أي علم كان – صادف العلم من قلبه منزلًا خبيثًا فلم يطب ثمره، ولم يظهر في الخير أثره ..... فالعلم تحفظه الرجال، فتحوله على قدر هممها وأهوائها، فيزيد المتكبر كبرًا والمتواضع تواضعًا[5]. قال الحسن البصري: لو كان كلام ابن آدم صدقًا، وعمله كله حسنًا يوشك أن يخسر. قيل: كيف يخسر ؟ قال: يعجب بنفسه. وقال أيضًا: لو أن قول ابن آدم كله حق، وفعله صواب لَجُن. فكثرة الأعمال الناجحة التي يقوم بها الإنسان تشكِّل سببًا قويًا في إمكانية تسرب داء العُجب إليه إن لم ينتبه لذلك، فما أسهل اقتناعه بأنه – بالفعل – مميز عن الآخرين، ولم لا وكلامه دومًا مؤثر في الناس ولا يكاد يترك فرضًا بالمسجد ... مواعيده منضبطة ... حلو المعشر، لين الجانب، ناجح مع أولاده، منظم في شئونه ... إنه أمر شديد على النفس أن يكون صاحبها هكذا ولا يخالجها لحظات العُجب. روى الحاكم عن ابن عباس رضى الله عنهما: " ما أصاب داود ما أصابه بعد القدر إلا من عجب، عَجِب به من نفسه، وذلك أنه قال: يارب، ما من ساعة من ليل أو نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك، يصلى لك، أو يسبح، أو يكبر، وذكر أشياء، فكره الله ذلك. فقال: يا داود، إن ذلك لم يكن إلا بِي، فلولا عوني ما قويت عليه.. وجلالي لأكِلنَّك إلى نفسك يومًا. قال: يارب فأخبرني به، فأصابته الفتنة ذلك اليوم "[6]. مدح شخص ما في وجهه من أخطر أسباب تضخم الذات، وهذا أمر نلمسه جميعًا، ولقد انزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلًا يمدح آخر في وجهه فقال له: " ويحك، قطعت عنق صاحبك، لو سمعها ما أفلح "[7]. لأنه سيصدق نفسه بما استمع إليه من عبارات المديح، فينتشى ويتعاظم، ويفتر عن العمل والاجتهاد وينسى ذنوبه. وبكثرة المدح، تترسخ هذه الحقيقة داخل النفس ويوقن بأنه بالفعل مميز فيشتد استعلاؤه، ونظرته الفوقية لنفسه، فيقترب شيئًا فشيئًا إلى الهلاك وعدم الفلاح. قال الماوردي: وللإعجاب أسباب، فمن أقوى أسبابه كثرة مديح المتقربين، وإطراء المتملقين[8]. فكل صاحب سلطان، ولو صغر، سيجد أمامه مساحة يتحرك فيها دون اعتراض أومقاطعة من أحد، وسيجد كذلك من يمدحه ويثني عليه، ومن النادر أن يجرؤ أحد على انتقاده، مما يؤدي إلى تسرب داء العُجب لنفسه، واستعظامه لها. فالنمرود – على سبيل المثال – لم يكن ليدعي الربوبية لو كان فقيرًا مجهولًا بين الناس، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ﴾ [ البقرة: 258 ]. فملكه – كما بيَّن القرآن – كان سببًا في تبجحه، وتطاوله وادعائه الربوبية. عندما يجد صاحب الإمكانات والنجاحات كل من حوله دونه في المستوى، فإن هذا بلا شك من شأنه أن يهيئ نفسه أكثر وأكثر لاسقبال داء العُجب، واستفحاله فيه، ولم لا وهو يرى رأيه دومًا هو الرأي الصائب، وتفكيره هوالتفكير السديد .. تتعلق به الأنظار لتسمع وجهة نظره في مجريات الأحداث .. ومما يلحق بهذا السبب: عدم وجود النصحاء بجوار الشخص، فالنصيحة وإبداء الملاحظات على الأداء لها دور كبير في تحجيم الإنسان، وعدم تضخيم ذاته.. فإذا ما غابت النصيحة عنه، وجد العُجب الطريق ممهدًا للسيطرة على نفسه لذلك كان عمر بن الخطاب يقول: رحم الله امرًا أهدى إليَّ عيوبي. قد تكون التربية الأولى في المنزل لها دور كبير في تضخيم الذات، وذلك من خلال اهتمام الأبوين بإشعار أبنائهما بتميزهم على أقرانهم، فهم الأشرف نسبًا، أو الأعلى جاهًا، أو الأكثر مالًا، أو الأحسن أثاثًا ... مع كثرة مدحهم، وذم الآخرين أمامهم، وعدم تعويدهم على مساعدة الآخرين، ولا حب الفقراء والمساكين، وكذلك عدم ترشيد مواهبهم وعدم ربطها بالمنعم سبحانه وتعالى، فيولِّد كل هذا اعتقادًا عند الأبناء بأنهم أفضل من غيرهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض. ويلحق بهذا السبب أيضًا: تمثل الداء في أحد الأبوين أو كليهما، فيسرق الابن الطبع منهما كما قال الشاعر: مشى الطاووس يومًا باختيالفقلد شكل مشيته بنوه فقال: علام تختالون ؟ قالوا : بدأت به ونحن مقلدوه أما تدري أبانا كل فرخ يحاكي في الخطى من أدبوه فقوِّم خطوك المعوج واعدل فإنَّا إن عدلت معدلوه وينشأ ناشيء الفتيان منا على ما كان عوده أبوه فيتولد عن ذلك محاولته الدائمة لإثبات ذاته، وتعويض نقصه بشتى الطرق. قال المأمون: ما تكبَّر أحد إلا لنقص وجده في نفسه، ولا تطاول إلا لوهن أحس من نفسه. وقال ابن المعتز: لما عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال، استعانوا بالكبر، ليعظم صغيرًا، ويرفع حقيرًا.. وليس بفاعل[9]. الاشتهار بين الناس فتنة عظيمة. قال صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء فتنة أن يُشار إليه بالأصابع "[10]. وقال بعض السلف: المتكلم ينتظر الفتنة، والمنصف ينتظر الرحمة[11]. ولِم لا تكون فتنة، وهو يتكلم والناس ينصتون، يدعو والناس يؤمِّنون، يترك نفسه عرضة لمدح المادحين، وملق المتملقين. تقترب منه الأضواء، فلا يستطيع دفعها.. يكبر ظله، فيصدق نفسه أنه كبير. فتتواجد من هذا كله التربة الخصبة لنمو العُجب وتضخم الذات، وبناء الصنم داخل ذلك الشخص. جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن قومي قدموني فصليت بهم، ثم أمروني أن أقص عليهم، فتردد إلى عمر ثلاث مرات وأربع، فقال له عمر: لا تقص فإني أخاف عليك أن ترفع نفسك فيضعك الله قبضة[12]. وفي رواية قال عمر: أخاف أن تنتفخ فتبلغ الثريا. .. فهذه أكثر الأسباب التي تيسر دخول داء العُجب إلى النفس وتمكنه منها،
وإن كان من النادر أن تكون كلها مجتمعه في شخص ما، إلا أن كل سبب منها كفيل بأن يكون مادة جيدة لتسلل العُجب إلى داخل الإنسان. وكلما كثرت الأسباب كان تأثير هذا الداء على النفس أشد. [1] أخرجه مسلم (4/1994، رقم 2577). [2] أخرجه الترمذي (5/219 ، رقم 2988) وقال : حسن غريب ، والنسائي (6/305 ، رقم 11051). [3] أخلاق العلماء للآجري ص 63 – دار القلم – دمش . [4] حسن: رواه أحمد والطبراني والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ح ( 657 ). [5] إحياء علوم الدين 3 / 539 . [6] أخرجه الحاكم (2/470 برقم 3620) وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي ( 5/453 برقم 7253)، وابن أبي شيبة(11/552 برقم 32549) [7] متفق عليه، البخاري (2/946، رقم 2519)، ومسلم (4/2296، رقم 3000). [8] أدب الدنيا والدين للماوردي ص 234 – دار الكتب العلمية – بيروت . [9] أدب الدنيا والدين ص 232 . [10] رواه الطبراني، والبيهقي وأورد نحوه الترمذي، وأورده الألباني في السلسلة الضعيفة ح ( 2230 ) . [11] الزهد لابن المبارك ص 18 . [12] الزهد للإمام أحمد ص 122 . |
#4
|
|||
|
|||
04
الفصل الثالث * كثرة الحديث عن النفس . * المَنّ بالعطايا. * طلب الأعمال والتقدم إليها . * كثرة أحلام اليقظة * صعوبة التلقي من الغير بالاشتهار بين الناس. أو قبول النصيحة . * التعالي على الناس. * استصغار الآخرين . * أمثلة من الواقع. مظاهر الإعجاب بالنفس وتضخم الذات عندما يرضى الشخص عن نفسه ويعجب بها ويستعظمها، فإن هذا من شأنه أن ينعكس على خواطره وأفكاره وتصوراته، وسلوكه مع الآخرين، ومظاهر ذلك كثيرة نذكر منها. فتجد أحدنا يُكثر من الحديث عن نفسه ويزكيها، وخاصة إذا أحس بتميزه في جانب ما. فالأب يتفاخر بأولاده وبطريقة تربيته لهم. والموظف يتباهي بانضباطه في عمله وعدم تأخره ولو يومًا واحدًا عن موعد الحضور. والطالب يتحدث عن كفاءته في المذاكرة، وقدرته على الفهم وحل المسائل الصعبة. والداعية يُكثر من الحديث عن نفسه، وإنجازاته، ومدى التفاف الناس حوله، وتأثرهم به .. وربة المنزل تتباهي ببيتها ونظافته وترتيبه، فتنسب العمل لنفسها ولا ترجعه إلى فضل ربها ... وهكذا . من مظاهر تضخم الذات، رؤية الشخص أنه أهل للقيام بالأعمال التي يرى في نفسه أنه مميز فيها .. فالمدرس يقدِّم نفسه للآخرين لتدريس المادة الصعبة التي أعيت غيره. وربة المنزل تقدِّم نفسها لعمل هذا النوع من الطعام الذي لا يُحسنه غيرها. وصاحب الدعوة يُقدم نفسه لمناظرة فلان الذي يُثير الشبهات، ولسان حاله يقول: دعوه لي، فأنا أعرف كيف أتعامل مع هؤلاء ... وهكذا . صعوبة التلقي من الغير أو قبول النصيحة: من مظاهر (الأنا) أو تقديس الذات: عدم قدرة صاحبها على قبول النقد بسهولة في الشيء الذي يرى نفسه فيه، وكذلك عدم القدرة على الاستماع أو التلقي من الآخرين، أو قبول النصح منهم، وبخاصة في الأمور التي يشعر فيها بتميزه ونبوغه. فمدرس اللغة العربية يصعب عليه تلقي معلومة في البلاغة مثلًا من شخص ليس في مجاله، وكذلك معلم القرآن، والمهندس، والطبيب،... . لذلك نجد الحوار بين هؤلاء وبخاصة الأقران منهم كحوار الطرشان، لا يسمع أحد منهم لأحد .. ومن صور ذلك أيضًا الاستنكاف عن سؤال الغير في شيء لا يعرفه، وبخاصة إذا ما كان أصغر منه سنًا أو جاهًا أو خبرة. استصغار الأخرين: ومن مظاهر تقديس النفس كذلك: انتقاص الآخرين، ورؤية النفس دائمًا أعلى وأفضل منهم، وبخاصة في الجزئية المتضخمة عنده سواء كانت في حسب أو نسب أو مال، أو ذكاء، أو ألقاب .... فتراه يأنف من التعامل أو التواد مع من هم أقل منه في المستوى .. فإن كان من أصحاب الألقاب صعبت عليه مصاحبة مساعديه ومن هم أقل منه رتبة .. وإن كان من أصحاب الأموال صعب عليه الجلوس مع الفقراء .. وإن كان من أصحاب الجاه عزَّت عليه مصاحبة المساكين ... ولقد كان الصحابة يخشون من هذه الآفة، فهذا عمر بن الخطاب يخاف أن يكون لديه بقية من كبر واستعظام النفس لكونه عربيًا، وأنه أفضل من سلمان الأعجمي فأراد أن يمحوها ويتأكد من خلو نفسه منها بطلبه من سلمان أن يتزوج ابنته. أخرج ابن المبارك في الزهد أن عمر بن الخطاب قال لسلمان: يا سلمان ما أعلم من أمر الجاهلية شيئًا إلا وضعه الله عنا بالإسلام، إلا أنا لا ننكح إليكم ولا ننكحكم، فهلم فلنزوجنك ابنة الخطاب .... أفر والله من الكبر. قال سلمان: فتفر منه وتحمله عليّ .. لا حاجة لي به[1]. المَنُّ بالعطايا: من آثار رؤية النفس بعين الاستعظام، ونسيان أن الله عز وجل هو صاحب كل فضل ومنَّة: أن صاحبها لا يُعطي عطية لأحد، ولا يُقدم له خدمة إلا ويَمُنّ عليه بها وينتهز الفرصة المناسبة لتذكيره بخدماته وعطاياه، بل يعمل كذلك على استنطاق لسانه بمدحه وشكره، وقد يغضب منه إذا ما قصر في ذلك، ويصل به الأمر أحيانًا إلى أن يشكو لغيره على نكرانه للجميل. كثرة أحلام اليقظة بالاشتهار بين الناس: أما مجال خواطر الإنسان وحديث نفسه، فتجده كثيرًا ما يحلم بالشهرة وارتفاع شأنه بين الناس، وقيامه بأعمال خارقة تلفت إليه انتباه الجميع .. ينظر إلى نفسه على أن له قدرًا عند الله بما يقوم به من أعمال ... ينتظر الكرامات، ويستعظم أن ينزل به بلاء. يلازمه الشعور بالأمان ... يخاف على الناس أكثر مما يخاف على نفسه. يظن أنه محسن، وهم مسيئون، وأنه ناج وهم هالكون، وأنه عالم وهم جاهلون، وأنه عاقل وهم حمقى، وأنه من طلاب الآخرة وهم من طلاب الدنيا. التعالي على الناس: وعندما تتعدد الجزئيات التي تتضخم داخل الإنسان فإن نفسه تتعاظم وتكبر شيئًا فشيئًا، ومِن ثَمَّ يزداد إعجابه بها وتقديسه لها، وينعكس ذلك على تعاملاته مع الآخرين ... فتراه يكثر من نصح غيره ونقده، ولا يقبل نصيحة من أحد. .. يحب أن يخدمه الناس ويكره أن يخدم أحدًا. .. لا يمل من الحديث عن نفسه، وإنجازاته، وماضيه، ولو كرر ذلك مئات المرات، وفي نفس الوقت تراه يقطع غيره ولا يسمح له بالحديث عن نفسه كما يفعل هو. .. لا يعطي الآخرين حقوقهم من التقدير .. ويضيق صدره إذا ما أثنى على أحد غيره .. يفرح بسماع عيوب الناس وبخاصة إذا ما كانوا أقرانه. .. يبتعد عن كل ما ينقصه أو يظهره بمظهر الجاهل أو المحتاج إلى المعرفة. .. إذا سُئل عن أمر من الأمور تراه يجيب دون دراية لينفي عن نفسه صفة الجهل ( وإن رد عليه شيء من قوله غضب، وإن حاجّ أو ناظر أنِف أن يُرَد عليه وإن وعظ استنكف من قبول النصح .. وإن علم لم يرفق بالمتعلمين، وانتهرهم، وامتن عليهم، واستخدمهم )[2]. .. إن هذه المظاهر باختصار تعكس معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الكبر بطر الحق وغمط الناس "[3]. أمثلة من الواقع: ومن الأمثلة العملية التي تكشف تضخم الذات ووجود الصنم: · إبليس: عندما كبرت عنده ذاته وتضخمت حدا به ذلك إلى عدم الانصياع لأمر الله بالسجود لآدم عليه السلام معللًا ذلك بقوله: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾ [الأعراف: 12]. · صاحب الجنتين: الذي أعجب بما لديه من أموال وجنات، واغتر بها ولم يقبل نصح صاحبه، بل كبرت عنده نفسه حتى ظن أن سيكون له عند الله مكانة في الآخرة خير مما هو عليه في الدنيا ﴿ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 36] · ومن الأمثلة التي تبين ما يمكن أن يفعله الإعجاب بالنفس والكبر في السلوك ما رواه الماوردي في أدب الدنيا والدين عن عمر بن حفص قال: قيل للحجاج: كيف وجدت منزلك بالعراق ؟ قال: خير منزل، لو كان الله بلغني قتل أربعة لتقربت إليه بدمائهم، قيل: ومن هم ؟ قال: مقاتل بن مسمع: ولي سجستان، فأتاه الناس، فأعطاهم الأموال، فلما عزل دخل مسجد البصرة، فبسط الناس له أرديتهم، فمشى عليه، وقال لرجل يماشيه: لمثل هذا فليعمل العاملون. وعبد الله بن زياد بن ظبيان التيمي: خوف أهل البصرة أمرًا، فخطب خطبة أوجز فيها، فنادى الناس من أعراض المسجد: أكثر الله فينا مثلك ! فقال: لقد كلفتم الله شططًا. ومعبد بن زرارة كان ذات يوم جالسًا في طريق، فمرت به امرأة، فقالت له: يا عبد الله، كيف الطريق إلى موضع كذا ؟ فقال: يا هناه، مثلي يكون من عبيد الله! وأبو شمال الأسدي، أضل راحلته، فالتمسها الناس، فلم يجدوها، فقال: والله إن لم يرد إلى راحلتي لا صليت له صلاة أبدًا، فالتمسها الناس فوجدوها، فقالوا: قد رد الله راحلتك فصل، فقال: إن يميني يمين مصر[4]. القصيمي: ومن الأمثلة كذلك: عبد الله القصيمي، نال من العلم كثيرًا، وبرع فيه وخاصة علم العقيدة، جرد قلمه في الرد على مخالفي أهل السنة وله كتاب عن الوثنية قيل: إنه أروع ما كتب في بابه، قال عنه معاصروه: لم نره قط أبط كتابًا .. إلخ، لكن هذا الرجل كانت فيه دسيسة سوء وآفة مقيتة لم يستأصلها، الأمر الذي أدى إلى انتكاسه وضلاله وكفره بعد إيمانه، بل ألف في أهل التوحيد كتابًا يستهزئ فيه بهم وبدينهم، تلكم الآفة هي: العُجب والغرور، وقد شهد هذه الآفة شعره، ومنه: لو أنصفوا كنت المقدم في الأمر ولم يطلبوا غيري لدى الحادث النكر ولم يرغبوا إلا إلي إذا ابتغوا رشادًا وحزمًا يعذبان عن الفكر ولم يذكروا غيري متى ذكر الذكا ولم يبصروا غيري لدى غيبة البدر فما أنا إلا الشمس في غير برجها وما أنا إلا الدر في الحج البحر بلغت بقولي ما يرام من العلا فما ضرني نقد الصوارم والسمر أسفت على علمي المضاع ومنطقي وقد أدركا لو أدركا غاية الفخر وقال أيضًا: حاشا لهم أن يعدلوا بي واحدًا من بعد ماوضحت لهم أنبائي وأعيذهم من أن يحيل أديبهم وأديب كل الناس في النعماء عابوا على تحدثي وتمدحي
بأصالتي وشجاعتي وذكائي إن لم يبح مدح الفتى أخلاقه بيضا فأى تمدح وثناء نسأل الله تعالى العافية والعصمة من هذا الداء الوبيل[5]. [1] الزهد لابن المبارك ص 52 في زيادة نعيم بن حماد . [2] إحياة علوم الدين 3 / 532، 533. [3] رواه مسلم (1/93، رقم 91). [4] أدب الدنيا والدين ص 232 . [5] العجب لعمر بن موسى الحافظ ص 90، 91 نقلًا عن أخبار المنتكسين . |
#5
|
|||
|
|||
الفصل الرابع * الإعجاب بالنفس * يؤدي إلى اتباع الهوى شرك بالله . ونسيان الذنوب . * يحبط العمل ويفسده . * قد يؤدي إلى سوء * يؤدي إلى غضب الله ومقته . الخاتمة والحساب * يؤدي إلى الخذلان الدقيق يوم القيامة. وحرمان التوفيق * يؤدي إلى نفور النفس والتعرض للفتن من صاحبه. * يؤدي إلى الخسران المبين. لداء الإعجاب بالنفس تأثيرات سلبية، ومخاطر عظيمة على كل من يصاب به، ويكفى في بيان خطورته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعده من المهلكات .. قال صلى الله عليه وسلم: " .. فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه "[1]. فعندما يعجب المرء بنفسه – ولو في جزئية صغيرة – فإنه سيراها بعين التعظيم، فيثق بها ويتكل عليها في جلب النفع له في هذه الجزئية، وهذا لون خطير من ألوان الشرك. يقول ابن تيميه رحمه الله: الرياء من باب الإشراك بالخلق، والعُجب من باب الإشرك بالنفس[2]. ويؤكد د. محمد سعيد البوطي على هذا المعنى فيقول: ليس الشرك محصورًا في معناه السطحي المتمثل في عبادة الأصنام وما سوى الله، أو المتمثل في أن يتجه أحدنا بالدعاء إلى غير الله، بل إن له معنى خفيًا يتسرب بسبب خفائه إلى أفئدة ونفوس كثير من المسلمين دون معرفة له وشعور به، وذلك هو مصدر خطورته، إذ لا يصادف عملًا صالحًا، أوعبادة من العبادات أو نوعًا من أنواع الجهاد، إلا أحبطه وأفقده قيمته، وحوله من طاعة مبرورة إلى معصية وشرك، وصدق الله القائل: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [ يوسف: 106 ]. .. هذا الشرك الخفي هو أن يرى الإنسان من ذاته شيئًا هو مبعث القوة إن سار وتحرك، ومبعث الدراية والفهم إن علم وتعلم، أو مبعث الملك والغنى إن شبع وتنعم، أو مبعث الغلبة والقهر إن قدر وتحكم. فهذه كلها أوهام تناقض الحقيقة التي ركب منها الإنسان، ومِن ثَمّ فهي تناقض التوحيد، وتناقض حال من يزعم أنه موحد من حملة هذه الأوهام[3]. يقول النووي: اعلم أن الإخلاص قد يعرض له آفة العُجب، فمن أعجب بعمله حبط عمله، وكذلك من استكبر حبط عمله[4] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [ البقرة: 264 ]. فإن قلت: ولماذا يحبط العُجب العمل الصالح ؟! كان الجواب: لأن الله عز وجل لا يقبل إلا ما كان خالصًا لوجهه، واستعين به سبحانه على أدائه، والمُعجب يستعين بنفسه أكثر مما يستعين بالله، لذلك قال ابن تيمية: المُعجب بنفسه لا يحقق إياك نستعين، كما أن المرائي لا يحقق إياك نعبد. فالعُجب يحبط العمل الصالح الذي قارنه لأنه ينافي الإخلاص لله عز وجل … كان المسيح عليه السلام يقول: يا معشر الحواريين كم من سراج قد أطفأته الريح، وكم من عابد قد أفسده العُجب[5]. فيا بؤس المُعجب بنفسه، وهو يرى عمله الذي بذل فيه جهده قد أُحبط .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء: إنها خطيئة فليستقبل العمل"[6]. ويطلق يحيى بن معاذ تحذيرًا شديدًا فيقول: إياكم والعُجب، فإن العُجب مهلكة لأهله، وإن العُجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .. فالذي يبيت نائمًا ويصبح نادمًا، خير ممن يبيت قائمًا ويصبح مُعجبا. قيل لابن المبارك: ما الذنب الذي لا يغفر؟ قال: العُجب. وكان الصالحون يرون: أنه يموت مذنبًا نادمًا أحب إليهم من أن يموت مُعجبا. جاء في الحديث: " كان رجلان في بني إسرائيل متواخيان، وكان أحدهما مذنبًا ولآخر مجتهدًا في العبادة، وكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول أقصر. فوجده يومًا على ذنب، فقال له: أقصر. فقال: خلني وربي، أبعثت على رقيبًا ؟! فقال: والله لا يغفر الله لك، أو: لا يدخلك الله الجنة، فقبض روحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالمًا، أو كنت على ما في يدي قادرًا ؟! وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار "[7]. قال صلى الله عليه وسلم: " من تعظم في نفسه، واختال في مشيته، لقى الله وهو عليه غضبان"[8]. وقال عليه الصلاة والسلام: " النادم ينتظر الرحمة، والمُعجب ينتظر المقت"[9]. فإن قلت: لماذا يتعرض المُعجب بنفسه لمقت الله ؟! يتعرض لذلك لأنه جاحد لفضل ربه العظيم عليه .. تخيل أنك تساعد شخصًا على قضاء حاجة له، فإذا به يذهب بعد قضائها إلى آخر ليحمده .. ماذا ستكون مشاعرك نحوه ؟! وماذا لو تكرر ذلك مرات ومرات ؟! إنه لمن الطبيعي أن يفرح العبد بفضل ربه، على كل نعمة يسديها إليه، وعمل صالح يوفقه إلى فعله. فإن لم يفعل ذلك وجحد نعم ربه عليه، بل فرح بنفسه وحمدها على ما لم تفعله، فماذا سيكون وضعه عند ربه ؟! .. إنه المقت والعياذ بالله. لذلك قال ابن الحاج في المدخل: من كان في نفسه شيء فهو عند الله لا شيء[10]. اتق الله وارض بالدون من المجالس، ولا تؤذ أحدًا، فإنه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العُجب ما زادك الله به إلا سفالًا ونقصًا. وقيل للسيدة عائشة رضي الله عنها: متى يكون الرجل مسيئًا ؟ قالت: إذا ظن أنه محسن[11]. انظر إلى ما حدث للمسلمين في غزوة حنين عندما اتكلوا على قوتهم وأعجبوا بها حيث كان الجيش الإسلامي كبيرًا لدرجة أن العُجب قد دخل إلى بعض النفوس، كما قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [ التوبة: 25 ]. يقول المباركفوري: وبينما ينحدرون في وادي حُنين، و هم لا يدرون بوجود كمائن العدو في مضايق هذا الوادي، إذا بكتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فانشمر المسلمون راجعين، لا يلوى أحد على أحد، وكانت هزيمة منكرة، حتى قال أبو سفيان بن حرب وهو حديث عهد بالإسلام: لاتنتهي هزيمتهم دون البحر، أي البحر الأحمر. وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جهة اليمين وهو يقول: " هلموا إليّ أيها الناس، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله " ولم يبق معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين وبعض أهل بيته[12]. ولقد بعث أبو بكر لخالد بن الوليد رضي الله عنهما رسالة بعد انتصاراته في العراق : فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة فأتم يتم الله لك. ولا يدخلنك عُجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدل بعمل فإن الله له المَنّ وهو ولي الجزاء[13]. وقال الحسن: ليس بين العبد وبين ألا يكون فيه خير إلا أن يرى أن فيه خيرًا. فالمُعجب ينظر لنفسه بعين الرضا، ولا ينظر إليها بعين الاتهام والحذر، فإذا ما رضي الإنسان عن نفسه انقاد لما تحبه، وتدعو إليه، لذلك يقول ابن عطاء: أصل كل معصية وغفلة وشهوة: الرضا بالنفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة: عدم الرضا منك عنها، ولأن تصحب جاهلًا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالمًا يرضى عن نفسه. فأي علم لعالم يرضى عن نفسه ؟! وأى جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه ؟![14]. ومن خطورة العُجب أنه يوقع العبد فيما حذر منه يوسف بن الحسين للجنيد عندما قال له: لا أذاقك الله طعم نفسك فإن ذقتها لا تفلح. وفي رواية: فإنك إن ذقتها لم تذق بعدها خيرًا أبدًا[15]. وفي الأثر: قال الله عز وجل لداود عليه السلام: ياداود إني قد آليت على نفسي أن لا أثيب عبدًا من عبادي إلا عبدًا قد علمت من طلبه وإرادته وإلقاء كنفه بين يدي أنه لا غنى له عني، وأنه لا يطمئن إلى نفسه بنظرها وفعالها إلا وكلته إليها ...أضِف الأشياء إلي؛ فإني أنا مننت بها عليك[16]. قد يؤدي إلى سوء الخاتمة والتعرض للحساب الدقيق يوم القيامة: قال صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر"[17]. قال عمر: من قال إنه عالم فهو جاهل، ومن قال إنه في الجنة فهو في النار. وقال قتادة: من أعطى مالًا، أو جمالًا، أو علمًا، أو ثيابًا ثم لم يتواضع فيه كان عليه وبالًا يوم القيامة[18]. وفي الأثر: أوحى الله إلى داود: يا داود، أنذر عبادي الصديقين، فلا يعجبن بأنفسهم ولا يتكلن على أعمالهم. فإنه ليس أحد من عبادي أنصبه للحساب، وأقيم عليه عدلي إلا عذبته من غير أن أظلمه. وبشر عبادي الخطائين: أنه لا يتعاظمني ذنب أن أغفره، وأتجاوزه[19]. قال تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ﴾ [القصص: 83]. فالناس لا تحب من يُشعرها بنقصها، ويحدثها من علٍ. والناس لا تحب من يُكثر الافتخار بنفسه والمباهاة بإنجازاته .. لذلك قد ترى المُعجب بنفسه كثير المعارف لكنه قليل الأصحاب والأصدقاء. يقول مصطفي السباعي: نصف الذكاء مع التواضع أحب إلى قلوب الناس وأنفع للمجتمع من ذكاء مع الغرور[20]. يؤدي إلى الكبر وعدم القدرة على قبول الحق ومن ثم الخسران المبين: إعجاب المرء بنفسه ورؤيتها بعين التعظيم يؤدي إلى رؤية الآخرين بعين النقص، وشيئًا فشيئًا ينمو هذا التصور داخله حتى يصير به متكبرًا، ويكتب في الجبارين كما قال صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم "[21]. فالكبر إذن ثمرة طبيعية من ثمرات العُجب، أما خطورته فتفوقه بكثير، يقول صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر "[22]. ويتحدث أبو حامد الغزالي عن خطورة الكبر فيقول: وإنما صار الكبر حجابًا دون الجنة، لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلها، وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة، والكبر وعزة النفس يغلقان تلك الأبواب كلها. لأنه لا يقدر على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين وفيه العز، ولا يقدر على أن يدوم على الصدق وفيه العز، ولا يقدر على ترك الحسد وفيه العز، ولا يقدر على النصح اللطيف وفيه العز، ولا يقدر على قبول النصح وفيه العز، ولا يسلم من الازدراء بالناس واغتيابهم وفيه العز .. فما من خلق ذميم إلا وصاحب العز والكبر مضطر إليه ليحفظ عزه وما من خلق محمود لا وهو عاجز عنه خوفًا من أن يفوته عزه[23]. وفي النهاية: يلخص الدبوسي في كتابه " الأمد الأقصى " خطورة العُجب وما يسببه من هلاك وخذلان فيقول: دمار العُجب يشمل الدارين، فكان عملًا بلا جدوى، وما هو إلا عمل الحمقى. ولا نرى مُعجبا إلا ممقوتًا بين الناس، فكيف حاله مع ربه وهو مشرك بعجبه[24]. قال صلى الله عليه وسلم: " لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك: العُجب "[25]. وقال ضرار بن مرة يقول إبليس: إذا استمكنت من ابن آدم ثلاث أصبت منه حاجتي: إذا نسي ذنوبه، واستكثر عمله، وأعجب برأيه. وخلاصة القول – ما يقول الماوردي -: إن العُجب سيئة تحبط كل حسنة،
ومذمة تهدم كل فضيلة، مع ما يثيره من حنق، ويكسبه من حقد[26]. [1] حسن، أخرجه الطيالسي عن ابن عمر، وأورده الألباني في صحيح الجامع ح ( 3045 ) . [2] العجب لعمر بن موسى الحافظ ص 11 نقلًا عن الفتاوى 10 / 277 . [3] شرح الحكم العطائية للبوطي 2 / 292، 293 . [4] شرح الأربعين للنووية . [5] منهاج العابدين لأبي حامد الغزالي ص 197 – مكتبة الجندى – القاهرة . [6] صحيح، رواه الطبراني عن جندب وأورده الألباني في صحيح الجامع، ح ( 4347 ) . [7] صحيح، رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع ح ( 4455 ) . [8] صحيح، رواه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر، وأورده الألباني في صحيح الجامع ح ( 6157 ) والصحيحة ح ( 543 ) . [9] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان برقم ( 7254 ) . [10] المدخل لابن الحاج 2 / 25 – دار الكتب العلمية – بيروت . [11] العدب لعمر بن موسى ص31 . [12] الرحيق المختوم للمباركفوري ص 467، 468 بتصرف يسير . [13] الأخفياء لوليد سعيد با حكم 129 دار الأندلس الخضراء – جدة نقلًا عن تاريخ الطبرى 3 / 385 . [14] الحكم العطائية . [15] سير أعلام النبلاء 14 / 249 . [16] المدخل لابن الحاج . [17] أخرجه النسائي في سننه، وصححه الألباني في صحيح الجامع ح ( 7676 ) . [18] إحياء علوم الدين 3 / 528 . [19] الزهد للإمام أحمد . [20] هكذا علمتني الحياة لمصطفي السباعي . [21] سبق تخرجه . [22] سبق تخرجه . [23] إحياء علوم الدين 3 / 344، 345 . [24] الأمد الأقصى ص 156 – دار الكتب العلمية – بيروت . [25] رواه البيهقي في شعب الإيمان (5/453، رقم 7255)، والديلمي (3/371، رقم 5126)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره، ورواه البزار بإسناد جيد. [26] أدب الدنيا والدين ص 232 . |
#6
|
|||
|
|||
06
الباب الثاني · تمهيد: مدى حاجتنا لإزالة أصنامنا. · وسائل مقترحة. ·الفصل الأول: طلب العلاج من الله عز وجل. · الفصل الثاني: معرفة الله عز وجل وردوها في علاج العُجب. · الفصل الثالث: معرفة حقيقة الإنسان وطبيعة النفس. · الفصل الرابع: تكلف التواضع. · الفصل الخامس: غلق الأبواب أمام النفس. · الفصل السادس: العلاج بالقرآن. · الفصل السابع: التعاهد والتربية ودورهما في علاج العُجب. · الفصل الثامن: شبهات يجب أن تُزال. تمهيد مما سبق بيانه في الصفحات السابقة يتضح لنا أنه من غير المستبعد أن يكون هناك تضخم في أنفسنا ولو في جزء يسير منها، وهذا يستدعي العمل على سرعة إزالته، فوجوده يعرضنا لمخاطر عظيمة ومهلكة، ولا خيار أمامنا إلا البدء الفوري في تناول الدواء الذي يعيد أنفسنا إلى حجمها الطبيعي، إذا ما أردنا أن نقترب من دائرة الإخلاص لله عز وجل، ومن ثم نيل توفيقه ومعيته في الدنيا ورضاه وجنته في الآخرة. ومن دواعي حاجتنا كذلك لإزالة أصنامنا: تلقي نصر الله الذي طال انتظاره فقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن النصر من عنده وحده ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [ الأنفال: 10 ]. وحدد – سبحانه وتعالى – شروطًا وأسبابًا من شأنها إذا ما اكتملت أن تستدعى نصره، ومن أهم هذه الشروط تغيير ما بأنفسنا ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [ الرعد: 11 ]. ومنها: نصرته على أنفسنا ﴿ إن تنصروا ينصركم ويثبت أقدامكم ﴾ [محمد: 7 ]. ومنها كذلك: عدم الشرك بالله ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [ النور: 55 ]. من هنا يتضح لنا أن حاجتنا لإزالة صورة من صور الكبر وتضخم الذات، حاجة ماسة وضرورية، وينبغي أن تكون لها الأولوية في اهتماماتنا. المقصود بإزالة الأصنام داخلنا: أن تكون أنفسنا في أعيننا صغيرة مهما كان وضعنا بين الناس. وأن نستصغر ما نقدمه من أعمال مهما كان حجمها، بل نعمل العمل الصالح ونستغفر بعده. وأن نكون على حذر من أنفسنا، ونيأس من أن يأتينا فلاح من قبلها. وإن يعظم قدر الله عز وجل عندنا، وأن نربط كل نعمة وتوفيق به سبحانه، ولا ننسب أي فضل لأنفسنا. ألا نظن أن عندنا شيئًا نفضل الناس به، بل نراهم جميعًا أفضل منا. ..أن نعمل العمل الصالح ولا نعجب به .. أن نحدث الآخرين وندعوهم فلا تنتفخ أنفسنا وتشمخ ... فكيف نصل إلى ذلك كله ؟! أما الوسائل التي من شأنها أن تحقق هذه الأهداف فقد دلنا عليها الله عز وجل في كتابه، وبينها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته، ومارسها العلماء والمربون في صدر هذه الأمة، وهي كثيرة يأتي على رأسها: 1 – طلب العلاج من الله عز وجل. 2 – معرفة الله عز وجل. 3 – معرفة حقيقة الإنسان وطبيعة النفس. 4 – تكلف التواضع. 5 – غلق الأبواب أمام النفس . 6 – العلاج بالقرآن. 7 – التعاهد والتربية. 8 – شبهات يجب أن تزال.
|
|
|