المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الإعجاز التشريعي في القرآن
الأخت / الملــــكة نور الإعجاز التشريعي في القرآن إذا كان الغربيون يتباهون بأن حضارتهم كانت أول حضارة سبقت وأعلنت حقوق الإنسان رسمياً في مختلف دولها لأول مرة في التاريخ ويتفاخرون بأنهم لأول مرة في التاريخ ويتفاخرون بأنهم في القرن العشرين وضعوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويعتبرونه النموذج المثالي لهذه الحقوق فإنهم نسوا أو تناسوا أن القرآن الكريم قد قرر هذه الحقوق منذ أربعة عشر قرناً بأسمى مبدأ للبشرية جمعاء يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ الحجرات : 13 ] . و الخطاب في هذه الآية موجه للناس جميعاً وأنهم خلقوا على اختلاف أجناسهم وألوانهم ودياناتهم من رجل واحد وامرأة واحدة وأنهم متساوون في الميلاد والأصل ، والقرآن بهذه الآية يركز على وحدة النوع البشري ولا فضل لأحد إلا بالتقوى . و قد أشتمل القرآن على كثير من المبادئ السامية التي تدل على عظمته و أصالته ومنها : 1- مبدأ حرية العقيدة و الرأي في قوله تعالى : { لَا إِكْرَاهَفِيالدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُمِنْالغَيِّ} [ البقرة : 256 ] و قوله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَاالْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْعَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَدِينِ {6}} [ الكافرون : 1 – 6 ] 2- قواعد عادلة في المعاملات : في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِۚ} [ المائدة : 1 ] و قوله تعالى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } [ النحل : 91 ] و قوله تعالى : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ البقرة : 275 ] و قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً } [ البقرة : 282 ] 3- قوانين الأحوال الشخصية : وهي قواعد عادلة و مستقرة لتعلقها بِأحوال الإنسان الشخصية في الأسرة ، فوضع الشرع لها نظاماً كاملاً مفصلاً في مسائل الزواج والطلاق والحمل والعدة والرضاع والنفقة والميراث وحقوق الأبناء وذوي القربى وتوسع في أحكامها الكلية وجعلها مرنة وقابلة لاجتهاد المجتهدين من الفقهاء في استنباط أحكامها بما يساير الزمان و المكان 4- القانون الجنائي : وهو بحق أعظم برهان يدل على عظمة القرآن في تشريعه لجرائم الحدود التي بين نوعها وحدد عقوباتها التي تتمثل فيها العدالة والحكمة والرحمة بما فيه الكفاية للردع والزجر بصورة تكفل الأمن والسلام للعباد و البلاد .
|
#2
|
|||
|
|||
دعائم الشريعة الإسلامية : لابد لكل تشريع من دعائم يقوم عليها وتساعد على بقائه ودوامه بين الناس راضين بدالته ومطمئنين إلى حكمته وتمشيه مع مصالح الأفراد و الجماعة ، والشريعة الإسلامية بحمد الله لها دعائمها الثابتة وخصائصها التي تجعل الناس تنقاد إليها عن قناعة وثقة لأنها تتفق مع الفطرة السليمة وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ، وهي كما تشهد لها جميع الشواهد شريعة تخاطب العقول السليمة وتحض على العمل وتدعو للجهاد في سبيل الله وتنادي بالتسامح والحرية والمساواة والبر والتقوى . ومن أهم دعائم الشريعة الإسلامية ما يأتي : 1- أنها شريعة سمحة لا تكلف الناس فوق طاقتهم لأن تكاليفها كلها ميسرة لا مشقة فيها في حدود استطاعة كل إنسان، ويقول الله سبحانه وتعالى في وصفها : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْفِيالدِّينِمِنْحَرَجٍ } [ الحج : 78 ] كما يقول سبحانه : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [ البقرة : 268 ] 2- أنها جاءت شريعة عامة لا نظر فيها إلى حالات فردية أو جزئية أو شخصية . 3- أنها سنت للناس رخصاً عند الضرورة رفعاً للضرر ومنعاً للمشقة، فمثلاً : فرضت الشريعة الصيام ولكنها رخصت بالفطر للمسافر والمريض و غير ذلك من الرخص . 4- قلة تكاليفها : لأنها اقتصرت على الأركان الخمسة وما يتصل بها ويقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها) 5- التدريج في الأحكام: لأنها عالجت العادات الذميمة المتأصلة في النفوس بالتدرج في استئصالها شيئاً فشيئاً من غير تشديد ولا تعقيد في النهي عنها وتحريمها، فمثلاً : في عادة شرب الخمر جاء الإسلام بالأحكام متدرجة في تحريمها بأسلوب حكيم لم يشعر الناس معه بغضاضة أو حرج أو مشقة . 6- مسايرة مصالح الناس: وذلك أنه شرع بعض الأحكام ثم نسخها إذا كان في ذلك المصلحة العامة كما حدث في بعض الأحكام الخاصة بالوصية و آيات المواريث، وكذلك تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بمكة المكرمة، كما أن بعض الأحكام السنة نسخت، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه الصلاة و السلام أنه قال: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها أهم المبادئ التي جاءت التي جاءت بها الشريعة الإسلامية : جاءت الشريعة الإسلامية بالمبادئ الآتية : 1- مبدأ التوحيد : فقد جمع الناس إله واحد. قال تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ } [ آل عمران : 64 ] 2- مبدأ الاتصال المباشر بالله دون وساطة فقال سبحانه تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] و قوله جل شأنه : { فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : 186 ] 3- مبدأ التخاطب مع العقل : فالتشريع الإسلقالعلى العقول مناط التكليف خصوصاً فيما يتعلق بأمور الدنيا وبمعرفة الخالق لقوله تعالى: { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَار } [ الحشر : 59 ] و قوله سبحانه: { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ؟ [ البقرة : 44 ] و يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم) 4- مبدأ إحاطة العقيدة بالأخلاق الفاضلة لقوله تعالى : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَعَلَىالْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً } [ الفرقان : 63 ] 5- مبدأ التآخي بين الدين و الدنيا في التشريع فقد جاءت أحكامه بأمور الدين والدنيا ودعا إليهما مصداقاً لقوله تعالى : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَمِنَالدُّنْيَا } . [ القصص : 77 ] 6- مبدأ المساواة و العدالة بين الناس جميعاً لقوله تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَاكُمْمِنْذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْعِنْدَاللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [ الحجرات : 13 ] و قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبنته : ( يا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، اعملى خيرا فإني لا أغني عنك من الله شيئاً) 7-مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو في الحقيقة دستور لجميع نواحي الإصلاح 8- مبدأ الشورى لقوله تعالى : {وَشَاوِرْهُمْفِي الأَمْرِ } [ آل عمران : 159 ] |
#3
|
|||
|
|||
9- مبدأ التسامح، وهو من أسمى وأهم ما يعرف اليوم بمبدأ التعايش السلمي 10- مبدأ الحرية لقوله تعالى : {لَا إِكْرَاهَفِيالدِّينِ} [ البقرة : 256 ] 11- مبدأ التكافل الاجتماعى فقد جعل الله الزكاة فيها حق الفقير في مال الغني و ليست تفضلاً من الأغنياء على الفقراء. و هذه المبادئ تدل على متانة بناء التشريع الإسلامي وقوة أركانه وصلاحيته للأحكام في كل زمان ومكان بين جميع الأجناس، ويدل على ذلك أن الأمة الإسلامية ازدهرت وقويت شوكتها حينما كانت تخضع في جميع شؤنها للشرع الإسلامي ، وأنها ضعفت و تفككت حينما انصرفوا عن شريعته وجمد الفقهاء وركنوا إلى التقليد وحاولوا أن يخضعوا التشريع لأهوائهم وشهواتهم وأدى ذلك على الاستعانة بالقوانين الوضعية على اعتبار أن الفقه الإسلامي لم يعد يتفق مع التطورات العالمية و ما تقضيه المدنية الحديثة من مجاراة الدول القوية الغنية . و قد جاء التشريع الإسلامي بحلول جذرية لكثير من الجرائم التي كانت منتشرة وأوجد لها الحدود التي تكفل القضاء عليها منها : جريمة قتل النفس قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } [ النساء : 92 ] و قال تعالى : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } { المائدة : 32 } و قال صلى الله عليه و سلم : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه ) تعتبر الشريعة الإسلامية التعدي النفس من أخطر الجرائم، لأن الإسلام أعلى من شأن الإنسان بقوله تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } [ الإسراء : 70 ] و على قدر ما أعلى الإسلام من قدر الإنسان فإنه قد أشتد في العقوبة على من يعتدي على حياة غيره بغير حق، بل إن لإسلام اعتبر قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعا، وأن إحياء النفس الواحدة بمثابة إحياء النفس الواحدة بمثابة إحياء الناس جميعاً، و قد جعل الله عقاب القاتل كعقاب الكافر. و بهذا الحكم العادل جعل الشرع القصاص علاجاً يمنع العدوان، إذ لم يجعل الإسلام لدم أحد من الناس فضلاً على دم آخر، بل إن الإسلام ليقتص من الحاكم نفسه إذا اعتدى على أحد من رعيته بالقتل العمد، لأن الإسلام نظر إلى القاتل على اعتبار أنه بفعلته الشنعاء ق سلب القتيل حياته وترتب على ذلك أنه يتم أطفاله وأيم زوجته وحرم المجتمع من يد عاملة في خدمته كما أنه تحدى بذلك شعور مجتمعه و خرج على نظامه و قوانينه. و يقص علينا القرآن قصة أول جريمة قتل في تاريخ البشرية تلك هي الجريمة التي قتل فيها قابيل ابن آدم عليه السلام هابيل ظلماً و عدواناً. وذلك لأن آدم قد أمر والديه أن يتزوج كل منهما توأم أخيه وألا يتزوج الأخت التي ولدت معه ، و كانت توأم قابيل أجمل من توأم هابيل فأباها على أخيه وأصر على أن يمسكها لنفسه ، على حين أطاع هابيل أمر أبيه الذي هو وحي سماوي ، ثم أنهما اتفقا على أن يحتكما إلى الله بأن يقدم كل منهما قرباناً لله فتقبل الله من هابيل و لم يتقبل من قابيل الذي ثار ولم يرض حكم الله وأصر على موقفه من العناد وسولت له نفسه قتل أخيه فقتله . وكل ما جرى من هذا النزاع بين الأخوة ما هو إلا شرارة من شرارات الحسد اندلعت في صدر قابيل وشب ضرامها فكانت فتنة عارمة وجريمة قتل شنعاء ، وقد أحزن هذا الاعتداء قلب آدم فقضى أيامه الأخيرة في أيامه الأخيرة في ألم وصبر إلى أن عوضه الله عن هابيل بابنه شيث الذي كان قرة عين له وأعده ليكون خليقة له في النبوة ، فما كبر واشتد عوده أمره أبوه أن يأخذ الثأر لهابيل بقتل قابيل الذي فر هارباً وعاش طريداً شريداً يتعقبه أخوه شيث إلى أن لقي مصرعه وحق عليه قول الله : {وَمَنقُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [ الأسراء : 33 ] و من عدالة الإسلام في تشريعه أن جعل عقوبة القاتل أن يقتل لأن ذلك من الجزاء العادل الذي يستحقه بغير إبطال ولا هوادة ولا بحث في بواعث القتل ، وحتى هؤلاء الذين يقتلون أنفسهم انتحاراً لهم عذاب شديد يوم القيامة لأنهم قنطوا من رحمة الله و لا يقنط من رحمة الله إلا الكافرون . و لا شك أن رحمة الله عظيمة بفرضه القصاص الذي جعل فيه حياة الناس وأمنهم ومنع العدوان بينهم ، لأن من يهم بالقتل والفتك بغيره وهو يعلم أن في ذلك هلاكه سيتردد ولا يقدم على تنفيذ جريمته فيبقى ذلك الخوف على حياة من يهم بقتله وهلاك نفسه ، وإن من يتدبر قوله تعالى : { وَلَكُمْفِيالْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ } [ البقرة : 179 ] ليجد فيها كل الإعجاز البياني والتشريعي من حيث روعة الأسلوب وروعة المعنى وهما يؤكدان معجزة القرآن الكريم جريمة الحرابة قال تعالى : { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ المائدة : 33 ] و قال صلى الله عليه و سلم: ( كل المسلم حرام دمه و ماله و عرضه) والحرابة جريمة يعاقب عليها الشرع في إحدى الحالتين الآيتين : (أ) - الاستيلاء على مال الغير مغالبة و في خفاء عن المجتمع . (ب) - قطع الطريق على الناس ومنع المرور فيه بقصد السلب والنهب الإخافة والإرهاب . |
#4
|
|||
|
|||
والمحاربون هم الذين يجتمعون بقوة وشركة ويحمي بعضهم بعضاً ويقصدون إيذاء الناس في أرواحهم و أموالهم، ويخيفونهم ويثيرون الفزع والقلق في نفوسهم لإخضاعهم لأهوائهم الشريرة . و قد نص القرآن على عقوبتها بقطع اليد اليمنى وترك بقية الأطراف سليمة لكي يعمل بها لكسب رزقه من وجه حلال إذا ارتدع ، وتجمع هذه العقوبة بين القسوة والرحمة في آن واحد، وهذا ضرب من الإعجاز في العقوبة و الردع معاً، وقد أحل الشرع بعد ذلك قتله إذ ا تمادى في الجريمة ولم يرتدع، ويعاقب المحارب بالقتل إذا قتل سواء استولى على المال أم لم يستول عليه . و قد نصت الآية على أنواع أخرى من العقوبات التي توقع على المحاربين الآثمين غير قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، لشل نصف الجسم المجرم عن الحركة وهي قتلهم وصلبهم تشهيراً بسوء عملهم وإذلال لهم . و من هذه الأحكام تدل دلالة واضحة على أن الشريعة الإسلامية تنظر إلى آثار الجريمة التي فيها اعتداء شنيع على الأبرياء من الرجال و النساء و الأطفال ، وإزهاق أرواحهم وسلب أموالهم وشددت العقوبة بما يناسب ما أحدثته الحرابة من عدوان وترويع للآمنين ثم إن لهم في الدار الآخرة عذاباً عظيماً هو عذاب الجحيم . و المقرر في الشريعة الإسلامية أن جريمة الحدود لا يثبت ارتكابها إلا بوسائل إثبات مشددة و محدودة ، وهي في جملتها لا تخرج عن الاعتراف الصريح والإقرار والبينة ، ويزيد بالبينة شهادة رجلين عجلين ويكون الإقرار في مجلس القضاء أمام القاضي . و قد أثبتت الأيام أن المجتمع الإسلامي عندما طبق أحكام الحدود عاش آمناً مطمئناً على أموله وأعراضه ونظامه ، بل إن المجرم نفسه كان يسعى لإقامة الحد عليه رغبة منه في تطهير نفسه بالتكفير عن ذنبه ، وعندما تهاون المجتمع الإسلامي في تطبيق الحدود وأنساق مع تشريعات الغرب الوضعية وبهره زخرفها الزائف تسرب إليه الفساد و أشاع فيه الإجرام ، و كاد يلحق بدول الغرب في التفنن في أساليب الجريمة . ويرى التاريخ أن هشام بن عبد الملك من خلفاء بني أمية عطل حدا السرقة والحرابة سنة ، فتضاعفت حوادثها وصار الناس غير آمنين على أنفسهم ولا على أموالهم من النهب و السلب، واستشرى خطر اللصوص في البوادي والحواضر ، فما تفاقم الأمر واضطربت الأحوال أعاد هشام بن عبد الملك العقوبة كما شرعها الله تعالى ، فكان الإعلام بالإعادة وحده كافياً لردع المجرمين وصيانة الحقوق وحفظ الأموال و النفوس . و كان من أبشع جرائم الحرابة في عصورنا الحديثة ما كان يحدث في الحجاز قبل الحكم السعودي لحجاج بيت الله من الاعتداء عليهم و اغتصاب أموالهم وإزهاق أرواحهم ، حتى أن الفقهاء المتأخرين أوجبوا على كل من يخرج للحج أن يكتب وصيته قبل أن يغادر بلده ، وكانت الحكومة في مصر وسوريا ترسل مع بعثاتها للحج الجنود المسلحين لحمايتها ، فلما حكم الجزيرة العربية الملك عبد العزيز آل سعود ونفذ الأحكام الشرعية كما أمر الله و رسوله ، هاب اللصوص وقطاع الطرق عقوبتها الشرعية التي تنفذ فوراً ، حتى أنه ليذكر بالحمد لهذا الملك الراحل أن عدد الأيدي التي قطعت في مملكته لا تزيد على ستة عشر يداً خلال أربعة وعشرين عاماً هي مدة حكمه . و من الناس من يلهجون باستغلاظ عقوبة الحرابة ويحسبون أنها غير إنسانية ، وأولئك ينظرون إلى العقوبة ولا ينظرون إلى الجناية ، ويرحمون الجاني و لا يرحمون المجني عليه ، والمجني عليه هنا هو الجماعة التي تنهب أموالها وتسفك دماؤها ، وإنه كلما عظمت الجريمة كان لابد من أن تكون العقوبة قاسية ورادعة . والنبي صلوات الله عليه و سلامه يقول : ( من لا يرحم لا يرحم ) و لو أن عقوبة الحرابة طبقت في أمريكا وأوربا حيث العصابات الدولية لأمن الناس على أنفسهم ، و لما اضطربت الحكومة إلى تجنيد آلاف الجنود وصرف الأموال الطائلة في مطاردة هذه العصابات الآثمة . جريمة السرقة : قال تعالى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ المائدة : 38] و قال صلى الله عليه وسلم : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه ) ( وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) |
#5
|
|||
|
|||
السرقة نزعة شريرة تحمل صاحبها على ارتكاب جرائم عديدة فظيعة في سبيل الاستيلاء على مال غيره ، خفية أو كرهاً بدافع من خبث الطبع وفساد المنشأ وسوء التربية ، وهي عوامل تجره إلى ارتكاب جريمة القتل أحياناً إذا أعترضه معترض ، وقد يصل به الإجرام إلى قتل الأب أو الأم أو الأخوة من أجل سلب أموالهم ، و كثيراً ما سولت هذه النزعة الشريرة إلى خلق عصابات من الأشرار تعبث بالأمن في كثير من الدول ، وتستطيع بقوة سلاحها وإرهابها ووسائلها الإجرامية أن تسطو على أموال البنوك وخزائن الحكومات ، ومتاع الأغنياء تسلب ما فيها وتخرب وتدمر ما شاء لها التدمير والتخريب ، وتعاني الحكومات من ويلاتها وتنفق الأموال الطائلة في مكافحتها ومقاومتها، وكثيراً ما فرضت هذه العصابات سلطانها على الأبرياء الآمنين و روعتهم . وهؤلاء السارقون الذين يجمعون الأموال الطائلة المنهوبة لا يجدون لها مصرفاً إلا مجال الموبقات والمنكرات ، و شراء ذمم الناس للتستر عليهم وتحريضهم على الفجور بأموالهم و نفوذهم ، و يلاحظ أن أكثر دور اللهو الميسر والدعارة كلها من منشآة أثرياء اللصوص ويقوم على حمايتها أعوانهم الفجرة . و نظراً لخطورة جريمة السرقة وويلاتها شرع الإسلام عقوبات قاسية ورادعة تكفل القضاء عليها و التقليل من مضارها ، مستهدفة بهذه العقوبات مصلحة الجماعة لأنها تريد المحافظة على الضروريات اللازمة للناس في حياتهم التي قوامها حماية النفس والعقل والنسل والمال وقد انتهج الإسلام لتحقيق هذه الغاية وسيلتين رئيسيتين هما : أولا : وسيلة تهذيب نفس المسلم ذاته عن طريق المجتمع الإسلامي القائم على دعائم الاستقامة والمحبة والطهر والتعاون على البر والتقوى ، وثانياً : وسيلة ما شرعه القانون الجنائي الإسلامي من إقامة الحدود لحماية الضروريات اللازمة لأمن الإنسان فجعل حد الردة لحماية الدين وحد القصاص للحفاظ على الأنفس ، و حد شرب الخمر لحماية لحماية العقل ، وحد الزنا والقذف لحماية العرض والنسل الخ .... عقوبة السرقة : واجهت الشريعة الإسلامية جريمة السرقة بعقوبة قاسية هي قطع اليد ، لتكفل بذلك استئصال شأفة الجريمة ولتكوين بقسوتها رادعة وزاجرة لكل من تسول له نفسه العدوان على مال الغير خفية أو غصباً ، تهدف العقوبة إلى قطع اليد لأنها هي الأداة التي استعملها السارق وساعدته على ارتكاب جريمته ، وذلك لمنع استعمالها مرة أخرى في السرقة ، وحكمة التشريع في قطع اليد أنها تعتبر أن الجرائم الخطيرة لا يفلح في ردها إلا عقوبات صارمة ومؤلمة ، ليس فيها لين أو رخاوة ليكون الجزاء من جنس العمل ، ولتكون العقوبة ملازمة للجاني و ظاهرة للناس و محذرة لهم . شروط قطع اليد : أشترط في السرقة المعاقبة عليها بقطع اليد أن يكون الجاني بالغاً من الرشد عاقلاً وغير محتاج ولا مضطر للسرقة ، وأن يكون المسروق مملوكاً للغير ومحفوظاً في حرز ولا يقل نصابها عن سبعة عشر جراماً من الذهب أو ما يعادل ذلك نقداً ، وهذا هو العقاب المقدر لحد القطع ، و إذا قل عن ذلك فلا قطع ، وقد أتفق الفقهاء على قطع يد السارق اليمنى في السرقة الأولى فإذا عاد للسرقة تقطع رجله اليسرى في رأي بعض الفقهاء وذلك لشل حركة السارق فإذا عاد بعد ذلك فلا قطع وإنما يحبس إلى مدة غير محدودة حتى يموت أو يتوب نهائياً . حالات لا تقام فيها الحدود : لا يطبق حد السرقة إذا حصلت في الأماكن العامة أثناء العمل فيها وحيث لا حراسة فيها للمال أو في أماكن مأذون للجاني بدخولها ، ولم يكن الشيء المسروق محرزاً ، أو أن تحصل السرقة بين الأصول والفروع من أفراد الأسرة أي بين الأب وولده أو بين الزوج و زوجته ، أو كان المال المسروق مجهولاً لا يعرف صاحبه ، أو كان الجاني دائناً لصاحب المال المسروق ، وكان مماطلاً وجاحداً ، وان السارق استولى على ما يوازي حقه فقط . و قد يحلو لبعض الناقدين الجاهلين بحكمة التشريع الإسلامي أن يصفوا عقوبة قطع اليد بالقسوة وعدم الرحمة ، ويتباكون على الأيدي المقطوعة ناسين أو متناسين ما أحدثته هذه الأيدي الآثمة من أذى وقتل وتخريب وفساد في الأرض وترويع الآمنين ، فهم يشفقون على الجاني ولا يشفقون على المجني عليهم وحقيقة الواقع الذي لا خفاء فيها في عصرنا أن الدول الإسلامية التي طبقت أحكام الشريعة الإسلامية قلت فيها جرائم السرقة ، ودليل ذلك ما يحدث في المملكة العربية السعودية التي طبقت شرع الله ، فإنه لم يقطع فيها يد السارق إلا في القليل جداً من الحالات ، وحبذا لو احتذت الدول الإسلامية الأخرى حذو المملكة العربية السعودية ، ليهيء لألها الآمن و الطمأنينة على أموالهم و أنفسهم ، و إنه من الإنصاف أن ننظر إلى قطع اليد لا يقصد الشرع به الرغبة في قطع الأيدي ، بل هو الرغبة في سلامة هذه الأيدي من القطع بمثل هذه العقوبة المخيفة التي تمنع السارق من ارتكاب جرائمه ، فهل بعد ذلك رحمة في قسوة الأحكام التي تحفظ الأمن و تمنع الإجرام . المصدر : عن كتاب القرآن وإعجازه التشريعي تأليف / الأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم. |
|
|