المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى الشريف بعنوان : فضائل الاستغفار ومواضِعُه
ِ
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتى الجمعة من المسجد النبوي الشريف مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: فضائل الاستغفار ومواضِعُه ، والتي تحدَّث فيها عن استغفار الله تعالى والتوبة إليه، وأنه واجِبٌ على العبدِ في كل وقتٍ وحينٍ، ثم بيَّن فضائلَه ومنافعَه، وأنه مِن هَديِ الأنبياء والمُرسَلين، كما ذكرَ مواضِعَ الاستِغفار التي وردَت في الكتاب الكريم والسنَّة النبويَّة المُطهَّرة. الخطبة الأولى الحمدُ لله، الحمدُ لله الرحمن الرحيم، العليم الحكيم، ذِي الفضل العظيم، أحمدُ ربِّي وأشكُرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذُو العرش الكريم، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا وسيِّدَنا مُحمدًا عبدُه ورسولُه ذو الخُلُق العظيم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك مُحمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه الدُّعاة المُهتَدين إلى الصراط المُستقيم. أما بعد: فاتَّقُوا اللهَ بالعمل بمرضَاتِه، وهَجر مُحرَّماتِه؛ لتفُوزُوا برِضوانِه ونعيم جنَّاتِه، وتنجُو مِن غضبِه وعُقُوباتِه. أيها المُسلمون: إن ربَّنا - جلَّ وعلا - كثَّر أبوابَ الخير وطُرق الأعمال الصالحات، تفضُّلًا ورحمةً وجُودًا وكرمًا من ربِّ العزَّة والجلال؛ ليَدخُل المُسلمُ أيَّ بابٍ من الخيرات، ويسلُكَ أيَّ طريقٍ من طُرق الطاعات، ليُصلِحَ الله دُنياه، ويرفعَه درجاتٍ في أُخراه، فيُكرِمه المولى - سبحانه – بالحياة الطيبة، والسعادة في حياته، وينالَ النعيمَ المُقيمَ، ورِضوانَ الربِّ بعد مماتِه. قال الله تعالى: { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 148]، وقال - سبحانه - عن الأنبياء الذين هم قُدوةُ الناس – صلَّى الله وسلَّم عليهم أجمعين -: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } [الأنبياء: 90]. وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمُعاذٍ - رضي الله عنه -: ( ألا أدلُّك على أبوابِ الخير؟ الصومُ جُنَّة، والصدقةُ تُطفِئُ الخطيئةَ كما يُطفِئُ الماءُ النارَ، وصلاةُ الرجل في جَوفِ الليل ) ، ثم تلَا: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [السجدة: 16، 17]. ثم قال: ( ألا أُخبِرُك برأسِ الأمر وعمُوده، وذروة سَنامِه؟ )، قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: ( رأسُ الأمر: الإسلام، وعمودُه: الصلاة، وذروة سَنامِه: الجهادُ في سبيل الله )؛ رواه الترمذي وصحَّحه. فمِن أبوابِ الخيراتِ، ومن طُرق الصالحات والطاعاتِ، ومن الأسبابِ لمَحوِ السيئاتِ: الاستغفارُ؛ فالاستغفارُ سُنَّةُ الأنبياء والمُرسلين – عليهم الصلاة والسلام -. قال الله تعالى عن أبَوَي البشر - صلواتُ الله ورحمتُه وبركاتُه عليهما -: { قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23]. وقال عن نُوحٍ - عليه السلام -: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [نوح: 28]. وقال - عزَّ وجل - عن الخليل - عليه الصلاة والسلام -: { رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } [إبراهيم: 41]. وقال تعالى عن مُوسى - عليه الصلاة والسلام -: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [الأعراف: 151]. وقال تعالى: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ } [ص: 24]. وقال تعالى آمِرًا نبيَّه - صلى الله عليه وسلم -: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } [محمد: 19]. وكان هَديُ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -: كثرةَ الاستغفار، مع أن الله تعالى غفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر. فعن ابن عُمر - رضي الله عنهما - قال: كنا نعُدُّ لرسولِ الله – صلى الله عليه وسلم - في المجلِسِ الواحِدِ مائةَ مرَّة: ( ربِّ اغفِر لِي وتُبْ عليَّ، إنك أنت التوابُ الرحيمُ )؛ رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح . وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُكثِرُ أن يقول قبل مَوتِه: ( سُبحان الله وبحمده، أستغفرُ الله وأتوبُ إليه )؛ رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ( لم أرَ أحدًا أكثرَ أن يقول: أستغفرُ الله وأتوبُ إليه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )؛ رواه النسائي. وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول بعد سَلامِ الصلاة: ( أستغفرُ الله ) ثلاثًا؛ رواه مسلم من حديث ثوبَان - رضي الله عنه -. ثم يقول الأذكارَ المشرُوعةَ بعد الصلاةِ. والاستغفارُ دأبُ الصالحين، وعملُ الأبرار المُتقين، وشِعارُ المؤمنين، قال الله تعالى عنهم: { رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ } [آل عمران: 193]، وقال تعالى: { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } [آل عمران: 16، 17]. قال الحسن: ( مَدُّوا الصلاةَ إلى السَّحر، ثم أقبَلوا على الاستغفار ). وقال تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران: 135]. قال ابنُ رجبٍ - رحمه الله -: ( وأما الاستِغفارُ من الذنوبِ، فهو طلبُ المغفِرة وسُؤالُها، والعبدُ أحوَجُ شيءٍ إليه؛ لأنه يُخطِئُ بالليلِ والنهارِ، وقد تكرَّر في القرآن ذِكرُ التوبة والاستغفارُ، والأمرُ بهما والحثُّ عليهما ). اهـ كلامُه. وطلَبُ المغفِرَة من الربِّ - جلَّ وعلا - وعدَ الله عليه الاستجابةَ والمغفِرة. ويُشرعُ أن يطلُبَ العبدُ المغفِرةَ للذنبِ المُعيَّن؛ لقولِ النبي – صلى الله عليه وسلم -: ( إن عبدًا أذنبَ ذنبًا، فقال: يا ربِّ! إني عمِلتُ ذنبًا فاغفِر لِي، فقال الله: علِم عبدِي أن له ربًّا يغفرُ الذنبَ، ويأخذُ به، قد غفرتُ لعبدي )؛ رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. كما يُشرعُ أن يطلُبَ العبدُ المغفِرةَ مُطلقًا، فيقول: ربِّ اغفِر لي وارحَمنِي، قال الله تعالى: { وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ } [المؤمنون: 118]. وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعلِّمُ الرجُلَ إذا أسلَمَ أن يدعُ و بهذه الكلمات: ( اللهم اغفِر لي، وارحَمني، واهدِني، وعافِني، وارزُقني )؛ رواه مسلم من حديث طارق بن أُشَيْمٍ - رضي الله عنه -. كما يُشرعُ للعبد أن يطلُبَ من ربِّه - سبحانه - مغفِرَةَ ذنوبِه كلِّها، ما علِمَ منها وما لم يَعلَم؛ فإن كثيرًا من الذنوبِ لا يعلَمُها إلا الله، والعبدُ مُؤاخَذٌ بها. عن أبي مُوسى الأشعريِّ - رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعُو بهذا الدعاء: ( اللهم اغفِر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلَمُ به منِّي، اللهم اغفِر لي جِدِّي وهَزلي، وخَطَأي وعَمدي، وكلُّ ذلك عندي، اللهم اغفِر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسرَرتُ وما أعلَنتُ، وما أنت أعلَمُ به منِّي، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، وأنت على كل شيء قدير ) ؛ رواه البخاري ومسلم. ولقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( الشِّركُ في هذه الأمة أَخْفَى من دَبِيبِ النَّمل )، فقال أبو بكرٍ - رضي الله عنه -: فكيفَ الخَلاصُ منه يا رسولَ الله؟ قال: ( أن تقول: اللهم إني أعوذُ بك أن أُشرِكَ بك شيئًا وأنا أعلَمُ، وأستغفِرُك من الذنبِ الذي لا أعلَمُ )؛ رواه ابن حبان من حديث أبي بكرٍ، وأحمدُ من حديث أبي موسى – رضي الله عنهما -. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه كان يدعُو: ( اللهم اغفِر لي ذنبي كلَّه، دِقَّه وجِلَّه، خطأَه وعمدَه، سرَّه وعلانيتَه، أوَّلَه وآخرَه )؛ رواه مسلم وأبو داود. فإذا سألَ العبدُ ربَّه مغفِرةَ ذنوبه ما علِمَ منها وما لم يعلَم، فقد وُفِّق توفيقًا عظيمًا. ودُعاءُ العبدِ ربَّه بمغفِرة الذنوبِ دُعاءَ إخلاصٍ وإلحَاحٍ، وسُؤالَ تضرُّع وتذلُّلٍ، يتضمَّن التوبةَ من الذنوب، وسُؤالُ التوبة والتوفيقُ لها يتضمَّنُ الاستِغفارَ. فكلٌّ من الاستِغفارِ والتوبةِ إذا ذُكِرَ كلٌّ منهما بمُفرَدِه تضمَّنَ الآخر، وإذا اجتمعَا في النصوص كان معنى الاستغفار: طلبَ محو الذنوبِ وإزالة أثرِها، ووقاية شرِّ ما مَضَى من الذنبِ وسَتره. والتوبةُ: الرجوعُ إلى الله بترك الذنوبِ، ووِقايةِ ما يخافُه في المُستقبَلِ من سيئاتِ أعمالِهِ، والعزمُ على ألا يفعلَه. وقد جمَعَ بين الاستغفارِ والتوبةِ قولُهُ تعالى: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } [هود: 3]، وغيرُ ذلك من الآيات. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( يا أيها الناس! تُوبوا إلى ربِّكم واستغفِروه؛ فإني أتوبُ إليه وأستغفِرُه كلَّ يومٍ مائةَ مرَّة )؛ رواه النسائي من حديث الأغَرِّ المُزنِيِّ - رضي الله عنه -. والعبدُ مُحتاجٌ إلى الاستِغفار دائمًا أشدَّ الحاجَةِ، ولاسيَّما في هذا الزمانِ؛ لكثرة الذنوب والفتن، ليُوفِّقه الله في حياته وبعد مماته، ويُصلِح شأنَه. فالاستغفارُ بابُ خيراتٍ، ودافِعُ شُرورٍ وعقوباتٍ، والأمةُ بحاجةٍ شديدةٍ إلى دوامِ الاستغفار والتوبة؛ ليرفعَ اللهُ عن الأمة العقوبات النازِلة، ويدفَع العقوبات المُستقبَلة. ولا يزهَدُ في الاستغفار إلا من جهِلَ منافِعَه وبركاتِه. وقد استَفاضَ بفضائلِه القرآنُ والسنَّةُ؛ قال الله تعالى عن صالحٍ – عليه الصلاة والسلام -: { قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [النمل: 46]. فبالاستِغفار تُرحمُ الأمةُ. وقال تعالى عن نُوحٍ - عليه الصلاة والسلام -: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } [نوح: 10- 12]. وقال عن هُودٍ - عليه السلام -: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ } [هود: 52]. وقال تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33]. قال أبو مُوسى - رضي الله عنه -: ( كان فيكُم أماناَن؛ فأما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقد مضَى، والاستِغفارُ باقٍ فيكُم إلى يوم القيامة ). فكثرةُ استغفار الأمة رافعٌ ما نزل ووقَع، ودافِعٌ ما سينزِلُ؛ لأنه ما نزَلَ بلاءٌ إلا بذنبٍ، وما رُفِع إلا بتوبةٍ واستِغفارٍ. وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ( من لزِم الاستغفارَ جعلَ الله له من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍّ فرَجًا، ورزقَه من حيث لا يحتسِب )؛ رواه أبو داود. وقد وردَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلماتٌ محفوظةٌ مُبارَكةٌ في الاستِغفار، في قولِها الثوابُ العظيم، من ذلك: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: ( من قال: أستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيُّومَ وأتوبُ إليه، غُفِرَت ذنوبُه وإن كان قد فرَّ من الزَّحفِ )؛ رواه أبو داود والترمذي والحاكم، وقال: حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاري ومسلم . وعن أبي سعيد الخُدريِّ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( من قال حين يأوِي إلى فِراشِه: أستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيُّومَ وأتوبُ إليه ثلاثَ مرَّات، غفرَ الله له ذنوبَه وإن كانت مثلَ زبَد البحر )؛ رواه الترمذي. وعن عُبادَة بن الصامِت - رضي الله عنه - قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ( من تعارَّ من الليل - يعني: استيقَظَ - فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، سُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، اللهم اغفِر لي، فدعَا استُجِيبَ له، فإن صلَّى قُبِلَت صلاتُه )؛ رواه البخاري. وفي الحديث أيضًا: ( من قال قبل فَجرِ يوم الجُمعة: أستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوبُ إليه ثلاثًا، غُفِرَت ذنوبُه وإن كانت مثلَ زبَد البحر ). وعن شدَّاد بن أوسٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( سيِّد الاستغفار أن يقول العبدُ: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتَني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِك ووعدِك ما استطَعتُ، أعوذُ بك من شرِّ ما صنَعتُ، أبوءُ لك بنعمتِك عليَّ، وأبوءُ بذنبي، فاغفِر لي، فإنه لا يغفِرُ الذنوبَ إلا أنت. من قالها في النهار مُوقِنًا بها فماتَ من يومِه قبل أن يُمسِي دخَلَ الجنة، ومن قالَها من الليل وهو مُوقِنٌ بها فماتَ قبل أن يُصبِحَ، فهو من أهل الجنة )؛ رواه البخاري. وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: سمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( قال الله تعالى: يا ابنَ آدم! لو بلَغَت ذنوبُك عنانَ السماء، ثم استغفَرتَني غفَرتُ لك ولا أُبالِي )؛ رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسن . كما يُشرعُ الاستغفارُ عند القيام بالطاعَةِ وبعدَها؛ لجُبران ما كان فيها من نقصٍ، وللابتِعادِ عن العُجْبِ والرِّياءِ، قال الله تعالى: { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 199]، وقال - سبحانه -: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المزمل: 20]، فأمرَ بالاستغفار مع هذه الطاعات وبعدَها. كما يُشرعُ أن يستغفِرَ المُسلمُ للمُؤمنين والمؤمنات، والمُسلمين والمُسلِمات، الأحياء منهم والأموات؛ إحسانًا، وحبًّا، وسلامةَ صدرٍ، ونفعًا للمُسلمين، وشفاعةً لهم عند الله، قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر: 10]. وعن عُبادة بن الصامِتِ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( من استغفَرَ للمُؤمنين والمُؤمنات، كتبَ الله له بكلِّ مُؤمنٍ ومُؤمنةٍ حسنةً )؛ قال الهيثميُّ: إسنادُه جيِّد . وهذا كالاستِغفار لهم في الجنائِز، والاستِغفار لهم في المقبَرِة إذا زارَهم، واقتِداءً بحمَلَة العرش والمُقرَّبين، قال الله تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } [غافر: 7]. وهذا من أعظم النُّصح والمحبَّة للمُؤمنين. عباد الله: استَجِيبُوا لأمر ربِّكم، قال الله تعالى في الحديث القُدسي: «يا عبادي! إنكم تُخطِؤون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا، فاستغفرُوني أغفِر لكم»؛ رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -. فأقبِلُوا على ربِّكم بالاستِغفار والتوبةِ؛ ترَوا كرَمَه وجُودَه وفضلَه وبركاتِه، وتجِدُوا مَحوَ السيئات، ورفعَ الدرجات. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ( والذي نفسي بيَدِه؛ لو لم تُذنِبُوا لذهبَ الله تعالى بكم، ولجاءَ بقومٍ يُذنِبُون فيستغفِرُون الله تعالى فيغفِرُ لهم )؛ رواه مسلم. لأنه - جلَّ وعلا - واسِعُ المغفِرَة، جوادٌ كريم. قال الله تعالى: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء: 110]. بارَكَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، ونفعَنا بهَديِ سيِّد المُرسَلين وقَولِه القَويم، أقولُ قَولِي هذا، وأستغفِرُ الله لي ولكم وللمُسلمين، فاستغفِرُوه إنه هو الغفورُ الرحيمُ. الخطبة الثانية الحمد لله الغُفورِ الشَّكُورِ، لربِّي الأسماءُ الحُسنَى والصِّفاتُ العُلَى، أحمدُ ربي على نعمِه العُظمَى التي لا يُحصِيها غيرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُجتبَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه الأتقِيَاء. أما بعد: فاتَّقُوا اللهَ تعالى بطلَبِ مرضَاتِه، والعملِ بطاعاتِه، واجتِنابِ مُحرَّماتِه؛ فقد مكَّنكُم ربُّنا من العملِ الصالِحِ، وجعلَ هذه الدنيا دارَ عملٍ، والآخرةَ دارَ جزاء، وقد فازَ في هذه الدارِ العامِلُون المُخلِصُون المُحسِنُون، وخابَ المُبطِلُون المُعرِضُون. وكأنَّكم بالأجَلِ وقد أتَى، وبالأمَلِ وقد قُطِعَ وولَّى، ولكُم فيمَن مَضَى اعتِبار، وفي أخبارِهم وتارِيخِهم ادِّكار. وأهلُ القبُور يتمنَّى أحدُهم أن يرجِعَ إلى الدنيا ليُصلِّي ركعتَين، ويستغفِرَ كثيرًا، ولكن .. هيهَاتَ أن يُجابَ، قال الله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 99، 100]. ولا تحقِرَنَّ قليلًا مِن خيرٍ، ولا قليلًا مِن شرٍّ؛ ففي الحديث: ( إيَّاكُم ومُحقِّراتِ الذنوبِ؛ فإنهنَّ يجتَمِعنَ على الرَّجُلِ حتى يُهلِكْنَه ). وفي الحديث: ( لا تَحقِرنَّ مِن المعروفِ شيئًا ولو أن تَلقَ أخاكَ بوَجهٍ طَلِقٍ ). عباد الله: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ( من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا ). فصلُّوا وسلِّمُوا على سيِّد الأولِين والآخِرين، وإمامِ المُرسَلين. اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ. اللهم وارضَ عن الصحابةِ أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديِّين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، اللهم وارضَ عن التابِعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين، يا ذا الفضل العظيم. اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم وأذِلَّ الكفرَ والكافِرين، اللهم وأذِلَّ الكفرَ والكافِرين، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدين يا رب العالمين. اللهم أبطِل مُخطَّطات الكافِرين، اللهم أبطِل مُخطَّطات الكافِرين، الذين يُخطِّطُون بها للضرر بالإسلام يا رب العالمين، اللهم أبطِل مُخطَّطات مَن يُريدُ بمُخطَّطاتِه ضررَ الإسلام وإذلالَ الإسلام يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير. اللهم إنا نعوذُ بِك مِن شُرور أنفُسِنا، ومِن سيئاتِ أعمالِنا. اللهم أحسِن عاقِبتَنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا مِن خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة، اللهم لا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ، ولا أقلَّ مِن ذلك، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه، اللهم أصلِح لنا شأنَنا كلَّه يا رب العالمين. اللهم اغفِر للمُسلمين والمُسلمات، والمُؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفِر لأمواتِنا وأمواتِ المُسلمين، اللهم نوِّر عليهم قُبورَهم، وضاعِف حسانتهم، وتجاوَز عن سيئاتهم يا رب العالمين. اللهم أحسِن عاقِبتَنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا مِن خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة يا أرحم الراحمين. اللهم ثبِّتنا بالقَول الثابِتِ، اللهم إنا نسألُك أن تَمُنَّ علينا بالتمسُّك بسُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى تتوفَّانا على ذلك وأنت راضٍ عنَّا يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أعِذنا وذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وشياطينه وأوليائِه وجنوده يا رب العالمين، اللهم أعِذنا مِن ذرِّ كلِّ ذي شرٍّ إنك على كل شيء قدير، وأعِذنا مِن شُرور أنفُسِنا، اللهم أعِذ المُسلمين من إبليس وذريَّته يا رب العالمين. اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكَرات يا أرحم الراحمين. اللهم { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [البقرة: 201]. اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه لِهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، اللهم أعِنه على كل خيرٍ يا رب العالمين، وسدِّد آراءَه، اللهم ارزُقه الصحةَ إنك على كل شيء قدير، اللهم وفِّق وليَّ عهدِه لِما تُحبُّ وترضَى، اللهم خُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوَى، اللهم انفَع به الإسلامَ والمُسلمين يا رب العالمين، اللهم أعِنه على كل خيرٍ إنك على كل شيء قدير، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم احفَظ بلادَنا مِن كل شرٍّ ومكروهٍ، اللهم احفَظ بلادَنا مِن كل شرّ ٍ ومكروهٍ، واحفَظ حُدودَنا يا رب العالمين، واحفَظ جُنودَنا إنك على كل شيء قدير، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اغفِر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّمُ وأنت المُؤخِّرُ، لا إله إلا أنت. اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ يا أرحم الراحمين. عبادَ الله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النحل: 90]. فاذكُرُوا الله العظيمَ الجليلَ يذكُركُم، واشكُرُوه على نعمِه وفضلِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنَعون.
|
|
|