المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : صفاتُ المنافقين في القرآن والسنة
خُطَبّ الحرمين الشريفين خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين ألقى فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن علي الغامدي - يحفظه الله خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان : صفاتُ المنافقين في القرآن والسنة والتي تحدَّث فيها عن التحذير من النفاقِ وأهلِه، مُبيِّنًا أنه ينقسِمُ إلى قسمَين: أكبر، وأصغَر، كما أوردَ أشهرَ صفاتِ المُنافِقين، والتي نزلَت آياتُ الكتاب المُبين في فضحِهم وهَتك أستارهم، وذكر بعضَ خِصال النفاق الأصغَر؛ لئلا تصِلَ بالعبدِ إلى النفاقِ الأكبر - عياذًا بالله . إن الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسنا وسيئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابِه، والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا. فاتَّقوا الله - عبادَ اللهِ -، وراقِبوه في السرِّ والعلانية؛ فإن حقيقةَ التقوَى: هي الإخلاصُ للهِ، والصدقُ معه، وخشيتُه في كل الأحوال، وإصلاحُ السرائِر والقلوبِ، فإنها محلُّ نظر الربِّ - سبحانه -. وإن قومًا يأتُون يوم القيامة بحسناتٍ كجِبال تِهامة بِيضًا، فيجعلُها اللهُ هباءً منثُورًا؛ لأنهم كانوا إذا خلَوا بمحارِمِ الله انتهَكُوها، فجعلُوا اللهَ أهونَ الناظرين، { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [ الأنعام: 91 ]. أيها المُسلمون: قدَرُ الله على هذهِ الأمةِ المُحمدية، في هذه الأزمانِ المُتأخِّرة، أن يتكالَبَ عليها الأعداءُ من كل حدَبٍ ينسِلُون، ويتنادَوا على خيراتِها، ويتكاتَفُوا لتمزيقِها وتعويقِها وتأخير نهضَتِها. ومن رحمةِ الله: أنه لم ترُك الأمةَ بدون بيانٍ وتحذيرٍ من هؤلاءِ الأعداء، وهَتكِ أستارِ مكرِهم وكَيدِهم، وكان من بيانِ الله - سبحانه - أن أعداءَ الأمةِ على قِسمَين، هما: كُفَّار صُرحاء، ظاهرةٌ عدواتُهم، وبيِّنٌ كيدُهم، كما قال الله تعالى: { إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا } [ النساء: 101 ] يعني: ظاهِرين بيِّنِين في عداوتهم، وهؤلاء الكُفَّار الصُّرحاءُ لم تُعانِ الأمةُ كثيرًا من التعرُّف عليهم، واتِّقاءِ شرِّهم؛ لوُضوحِهم وظُهورِهم. وإنما عانَتِ الأمةُ الأمَرَّين منذ عهدِ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وذاقَت العلاقِمَ المرائِر من النِّفاق وأهلِه، الذين هم أعداءُ الأمة حقًّا، المُتلوِّنون المُخادِعُون، الطاعِنون الأمةَ بخناجِرَ مسمُومةٍ في دينِها وعقيدتِها ووحدتِها، واجتِماعِ كلمتِها، المُتربِّصُون بها الدوائِر مكرًا وكيدًا، وإثارةً للفتنِ والقلاقِل. ولا تزالُ المُعاناةُ والمكائِدُ منهم مُستمرَّةً؛ حتى يخرُجَ رأسُ النِّفاق الأكبَر المسيحُ الدجَّالُ الأعوَرُ ومن معَه من اليهود والمُنافِقين، فيُهلِكَهم الله على يدِ مسيحِ الهُدى والحقِّ عيسى ابن مريم - عليه وعلى نبيِّنا أفضلُ الصلاة والسلام -. عبادَ الله: لم تكُنْ هناك حاجةٌ لكَي ينشَأ النفاقُ في العهدِ المكيِّ في زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لوُضوحِ عداوَة الكُفَّار وصراحَتهم. وإنما نشَأَ في أوائِلِ ما نشَأَ بعد غزوة بدرٍ الكُبرى، حينما رأى اليهود ومن في قلبِه مرضٌ أن أمرَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد توجَّه، وأن رايةَ الإسلام آخِذةٌ في الظُّهور، فخشوا على أنفسِهم، واقترَحَ طائفةٌ من اليهود على أوليائِهم خُطَّة النفاقِ هذه، كما قال الله - سبحانه -: { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ آل عمران: 72 ] فاشتعلَت شرارةُ النفاقِ الأولى، ونبَتَت نبتَتُه، فبسَقَت شجرةً يهوديَّةً خبيثةً بمكرِ وخديعة مرَضى القلوب، حتى غدَا النفاقُ موئِلَ الغادِرين الحاقِدين، ينضَوُون تحت لوائِه؛ ليُصبِحُوا شوكةً في خاصِرةِ الأمة، وأشدَّ عُدوانًا وخطرًا على عقيدةِ الأمة ومُقدَّراتها من الكُفَّار الصُّرحاء. ولسُوء أفعالهم، وخُبث طويَّتهم، وإضمارهم الشرَّ للأمة تولَّى الله - سبحانه بنفسِه فضحَ هذه الطائفة المُندسَّة، وبيَّن - سبحانه - خُطُورتَهم وعلاماتهم وصفاتهم، وخصائِص سُلوكيَّاتهم، وبواعِثَ تحرُّكاتهم، والمنهجَ الصحيحَ في التعامُل معهم في آياتٍ مُحكَماتٍ عظيماتٍ، كأنَّها الصواعِقُ المُحرِقةُ تهتِكُ أستارَهم. آياتٌ حيَّةٌ نابِضةٌ لكأنَّها أُنزِلَت اليوم، من حيويَّتها وتدفُّق معانِيها، كما في صدر سُورة البقرة في ثلاث عشرة آية، وفي سُورة آل عمران، والنساء، والأنفال، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والمُنافِقُون، وما أعظمَ بيانَ الله في سُورة التوبة التي تُسمَّى "الفاضِحة" لأحوال المُنافِقين وصفاتِهم؛ حيثُ ما زالَ الله تعالى يقولُ فيها: ومنهم، ومنهم، ومنهم، حتى ظنَّ الصحابةُ أنه لا يبقَى أحدٌ إلا ذُكِرَ فيها. ولقد بيَّن رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بيانًا مُشرِقًا كثيرًا من صفاتهم، وملامِح شخصياتهم والتعامُل معهم، في سنُنه القولية والفعلية والعملية، وسيرته التطبيقيَّة التي تَفيضُ بها دواوينُ السنَّة النبوية، وكل ذلك - يا عباد الله - حتى يحذَر المسلمون، ويعُوا خطرَ النفاق الداهِم، وأن أهلَه هم العدوُّ حقًّا، هم العدوُّ على الحقيقة، فاحذَرُوهم - يا عباد الله -، قاتَلَهم الله أنَّى يُؤفَكون. أيها المسلمون: النفاقُ الذي ذمَّه الله ورسولُه - صلى الله عليه وآله وسلم - على نوعَين، وهو في حقيقته وأصله يرجِعُ إلى اختِلاف حالة السرِّ عن حالة العلانية وتغايُرهما، فإن كان هذا الاختِلاف والتغايُر يرجِعُ سببُه إلى أن يُظهر العبدُ الإسلامَ والإيمانَ بأصول الاعتقاد، ويُبطِن الكفرَ والعقائِدَ الباطلة، فهو النفاقُ الأكبرُ الاعتقادِيُّ المُخرِجُ من الملَّة، وأهل هذا النفاق، آمَنُوا بأفواهِهم ولم تُؤمِن قلوبُهم. ولهم علاماتٌ وصفاتٌ بيَّنها الله أتمَّ بيان، وهي تظهَرُ منهم - أعني: هذه العلامات - في لَحن القول والعمل، وإسرارهم إلى أوليائهم إذا خلَوا إليهم. والقرآن العظيم لم يتعرَّض لذِكر أسمائهم وأعيانهم، بل كان حديثُه عنهم مُركَّزًا في بيان صِفاتهم وأفعالهم، وهذا المنهجُ القرآنيُّ الفريدُ هو أعظَمُ نفعًا، وأبقَى أثرًا، وأسلَم عاقبة؛ لأن النفاق وأهله ليسُوا مرحلةً تاريخيةً مرَّت وانتَهَت، بل هم نموذجٌ يتكرَّر في كل زمانٍ ومكانٍ. وهؤلاء المنافقون أصنافٌ؛ فمنهم الذين يكرَهُون الإسلامَ وشعائِرَه وأهلَه، ويتحاكَمُون إلى الطاغوت، { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ } [ النور: 48 ]. ومنهم الذين يُكذِّبُون الله ورسولَه تكذيبًا كلِّيًّا أو جُزئيًّا، ويُظهِرون حبَّ الإسلام ونُصرة المسلمين، وهم في الحقيقةِ في حقيقةِ أمرهم مثلُ أصحابِ مسجد الضِّرار، يُبطِنُون الكفرَ المحضَ، والغدرَ والخيانةَ والإضرارَ بالمسلمين. ومنهم الذين يُؤذون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالقولِ والفعلِ، ويُبغِضُونه ويسخَرُون منه، ويطعَنُون في سنَّته وهديِه، ويلمِزُون المُتمسِّكين بسنَّته ويهزَأُون منهم، خاصَّةً صحابةَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من الخلفاء الراشدين، وبقية الصحابة، وأمهات المؤمنين - رضي الله عنهم أجمعين -. ومنهم الذين يكرَهون انتِصارَ الإسلام وأهله، ولا يَودُّون أن يُنزَّل عليكم من خيرٍ من ربكم، ولا يرقُبُون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمَّة، ويفرَحُون ويبتَهِجُون بهزيمة المسلمين، وتسلُّط الأعداء عليهم بالقتل والدمار والتشريد، { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } [ آل عمران: 118 ] وقد عضُّوا على المسلمين الأنامِلَ من الغيظ، وودُّوا لو تكفُرون كما كفروا فتكونون سواءً، وإن تمسَسكم حسنةٌ تسُؤهم، وإن تُصِبكم سيئةٌ يفرَحُوا بها. ومنهم الذين يتربَّصُون بالمسلمين الدوائِر يبغُونهم الفتنةَ، ويسعَون في تخذِيل المسلمين وكسر شوكتهم، والرقصِ على جِراحهم وآلامهم، وتمزيق وحدتهم، وتفريق كلمتهم، وتخريب بُلدانهم، وحواضِرهم الكبرى. كما يفعَلُ الباطنيُّون اليوم مُنافِقُو العصر، أحفادُ ابن العلقَمِيِّ، ومن عاوَنَهم في ذلك من أدعِيَاء الخلافة الإسلامية زُورًا وبُهتانًا، الذين ينشُرون الطائفية والنَّعرات الجاهلية، ويُحرِّضون على حُكَّام المسلمين، ويُحاوِلون إسقاطَ ولاةَ أمرهم والشعوب المسلمة في وحل الدمار والهلاك والتخريب والفوضى، كما كان المُنافِقون الأوائِل يُظهِرون الطاعةَ لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإذا برزُوا من عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بيَّتَ طائفةٌ منهم الشرَّ، ودبَّروا الخروجَ عن طاعةِ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعِصيانه. ولذلك حاوَلُوا مِرارًا قتلَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولكن الله عصَمَه منهم، وهم الذين أثَارُوا الفتنةَ على أمير المؤمنين عُثمان - رضي الله تعالى عنه -، وحرَّضُوا عليه غَوغَاء الناس ودَهماءَهم، حتى قُتل شهيدًا صابِرًا مُحتسبًا، كما وصَّاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: ( يا عثمان! إن الله مُقمِّصُك قميصًا، فإن أرادَك المنافقون على خَلعِه، فلا تخلَعه حتى تلقَاني ) أخرجه أحمد والترمذيُّ بسندٍ صحيحٍ.
|
|
|