صفحة بيت عطاء الخير
بطاقات عطاء الخير
تويتر عطاء الخير الرسمي
مجموعة بيت عطاء الخير الرسمية
بحث في موقع الدرر السنية
 

بحث عن:

ابحث بالموقع
تاريخ اليوم:

  المستشار نبيل جلهوم  
المهندس عبدالدائم الكحيل الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى بطاقات عطاء الخير
دروس اليوم أحاديث اليوم بطاقات لفلي سمايل


مجموعات Google
اشترك فى مجموعة بيت عطاء الخير
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة

تسجيل دخول اداري فقط

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-23-2018, 03:49 AM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 59,977
افتراضي خطبتتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : ذكرُ الله تعالى

خُطَبّ الحرمين الشريفين
خطبتى الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


ألقى فضيلة الشيخ فيصل بن جميل غزاوي - حفظه الله –
خطبة الجمعة بعنوان:
ذكرُ الله تعالى ،

والتي تحدَّث فيها عن ذِكرِ الله - جلَّ وعلا -، وعلاقته الوَطيدة بحياةِ قلبِ العبد،
وبيَّن أنَّ ذِكرَ الله تعالى سببٌ في صحَّة البدَن وقوَّته، مُدلِّلًا على ذلك
ببعضِ آياتٍ مِن القرآن الكريم، وأقوالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -
وأفعالِه، وما ثبَتَ عن السَّلَف الصالِح.
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله مِن شُرور أنفسِنا
ومِن سيئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له،
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[آل عمران: 102].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }
[النساء: 1].
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإنَّ المُؤمنَ في سكَناته وتحرُّكاته، وحِلِّه وتَرحالِه، وتصرُّفاته وجميعِ
أحوالِه لا غِنَى له عن خالقِه ومولاه؛ إذ هو عَونُه ومُعتمَدُه ومُبتغاه،
والعبدُ الربَّانيُّ عابِدٌ مُتألِّهٌ، ومُخبِتٌ مُنكسِرٌ لله - جلَّ في عُلاه -.
لذا فكلما قوِيَت صِلةُ العبد بربِّه، وكان دائِمَ الطاعة لله هُدِيَ طريقَه،
وأُلهِمَ رُشدَه، وقوِيَت عزيمتُه، وازدادَ قوةً إلى قوَّته، واشتدَّ صلابةً
في الدين.
فهذا نبيُّ الله هُودٌ - عليه السلام - يقولُ لقومِه مُرشِدًا:
{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا
وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ }
[هود: 52].
قولُه:
{ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ }
فإنَّهم كانُوا مِن أقوَى الناسِ، ولهذا قالُوا:
{ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً }
[فصلت: 15]،
فوعَدَهم إن آمنُوا زادَهم قوةً إلى قوَّتهم.
ويُستفادُ مِن الآية: أنَّ الاستِغفارَ مع الإقلاعِ عن الذنبِ سببٌ للخِصبِ
والنَّماء، وكثرة الرِّزق، وزيادة العِزَّة والمنَعَة.
قال ابنُ كثيرٍ - رحمه الله -:
ومَن اتَّصَفَ بهذه الصِّفة - أي: الاستِغفار - يسَّر الله عليه رِزقَه،
وسهَّل عليه أمرَه، وحفِظَ عليه شأنَه وقوَّتَه .
ولما سألَت فاطمةُ - رضي الله عنها - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم –
خادمًا، وجَّهَها وزوجَها عليًّا بقولِه:
( ألا أدُلُّكما على خيرٍ مما سألتُما؟ إذا أخذتُما مضاجِعَكما أو أويتُما إلى
فِراشِكما، فسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمَدا ثلاثًا وثلاثين، وكبِّرَا أربعًا
وثلاثين، فهو خيرٌ لكما مِن خادمٍ )؛
رواه البخاري مِن حديثِ عليٍّ - رضي الله عنه -.
فأرشَدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ابنتَه فاطمةَ - رضي الله عنها –
إلى أنَّ ذِكرَ الله يُقوِّي الأبدانَ، ويحصُلُ لها بسبب هذا الذِّكر الذي علَّمَها
قوَّةً، فتقدِرُ على الخِدمة أكثر مما يقدِرُ الخادِمُ.
قال ابنُ حجرٍ - رحمه الله -:
ويُستفادُ مِن قولِه:
( ألا أدُلُّكما على خيرٍ مما سألتُما؟ ):
أنَّ الذي يُلازِمُ ذِكرَ الله يُعطَى قوَّةً أعظمَ مِن القوَّة التي يعملُها له الخادِمُ،
أو تسهُلُ الأمورُ عليه؛ بحيث يكون تعاطِيه أمورَه أسهل مِن تعاطِي
الخادِم لها .
معاشِر المُسلمين:
لقد فطِنَ أولياءُ الله وتيقَّنُوا أنَّ ذِكرَهم لله هو قُوتُهم، وأنَّ حاجةَ أرواحِهم
للغِذاء أحوَجُ مِن حاجةِ أجسادِهم، بل إنَّ المادة التي تستمِدُّ مِنها أبدانُهم
قُواها هي زادُ أرواحِهم؛ فقُلوبُهم مُعلَّقةٌ بالله، وألسِنتُهم تلهَجُ بذِكرِ الله
دائِمًا.
جاء في صحيح مسلم مِن حديث جابرِ بن سمُرَة،
أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلَّى الفجرَ جلَسَ في مُصلَّاه،
حتى تطلُعَ الشمسُ حسَنًا .
قال أبو العباسِ القُرطبيُّ - رحمه الله -:
هذا الفِعلُ مِنه - صلى الله عليه وسلم - يدُلُّ على استِحبابِ موضِعِ
صلاةِ الصُّبحِ للذِّكر والدُّعاء إلى طُلوع الشمسِ؛ لأنَّ ذلك الوقت وقتٌ لا
يُصلَّى فيه، وهو بعد صلاةٍ مشهُودة، وأشغالُ اليوم بعدُ لم تأتِ، فيقعُ
الذِّكرُ والدُّعاءُ على فراغِ قلبٍ، وحُضورِ فهمٍ، فيُرتجَى فيه قبُولُ الدُّعاء، وسماعُ الأذكار .
وعن الوليد بن مُسلم - رحمه الله - قال:
رأيتُ الأوزاعيَّ يثبُتُ في مُصلَّاه يذكُرُ اللهَ حتى تطلُعَ الشمسُ، ويُخبِرُنا
عن السَّلَف أنَّ ذلك كان هَديَهم، فإذا طلَعَت الشمسُ قامَ بعضُهم إلى بعضٍ،
فأفاضُوا في ذِكرِ الله والتفقُّه في دينِه .
وقال ابنُ القيِّم - رحمه الله - عن شيخِه ابن تيمية - رحمه الله -:
وحضَرتُه مرَّةً صلَّى الفجرَ، ثم جلَسَ يذكُرُ اللهَ تعالى إلى قريبٍ مِن
انتِصافِ النَّهار، ثم التفَتَ إلَيَّ وقال: هذه غَدوَتِي، ولو لم أتغَدَّ الغداءَ سقَطَت قُوَّتِي .
تُرَى مَن اعتادَ هذا العملَ يبدأُ يومَه ذاكِرًا لله، مُنطَرِحًا بين يدَي مولاه،
ذِلَّةً وخُضوعًا، ورغبةً ورجاءً .. كيف يكون سائِرَ يومه؟
وكيف يكون نشاطُه وحالُه؟ وقد عُلِمَ أنَّ الذِّكرَ يُقوِّي القلبَ والبدنَ.
وما بالُكم إذا كان الذِّكرُ مما يجمعُ فيه العبدُ بين الذِّكر القوليِّ
والذِّكر البدنيِّ؛ كصلاةِ الليلِ تجمعُ الذِّكرَين، بل تجمعُ كثيرًا مِن الأذكار:
القرآن الكريم، والأدعية، وتعظيم الله، كلُّ هذه الأمور
- ولا شكَّ - تزيدُ العبدَ قوَّةً بدنيَّةً، وقوَّةً معنويَّةً.
وقد كان هَديُه - صلى الله عليه وسلم - الحِرصَ على قِيام الليل؛
فعن أم المُؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -
كان يقومُ مِن الليل حتى تتفطَّرَ قدَماه، فقالت عائشةُ:
لِمَ تصنَعُ هذا يا رسولَ الله، وقد غفرَ الله لك ما تقدَّم مِن ذنبِك وما تأخَّر؟! قال:
( أفلا أُحِبُّ أن أكون عبدًا شَكُورًا؟ )؛
متفق عليه.
إنَّ هذه العبادة تُغذِّي الرُّوح، وتُقوِّي النَّفس، وتُربِّي الإرادة، فلا عجَبَ
أن يصبِرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ما كان يُواجِهُه مِن الشدائِد
والصِّعابِ في سبيلِ الله، وما يلقَاهُ مِن الفتَن والأذَى، فيُدافِع كيدَ العدوِّ.
قال تعالى:
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ }
[الحجر: 97، 98]
أي: توكَّل على الله خالقِك، فإنَّه كافِيك وناصِرُك عليهم، فاشتغِل بذِكرِ الله،
وتحميدِه، وتسبيحِه، وعبادتِه التي هي الصلاة؛ ولهذا قال:
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ }
[الحجر: 98].
فكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حَزَبَه أمرٌ صلَّى،
والصلاةُ مِن أكبَر العَون على الثباتِ في الأمر، كما قال تعالى:
{ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ }
[العنكبوت: 45].
ومِن تسلِية الله لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم -: أن ضرَبَ له العبدَ
الصالِحَ والنبيَّ المُصطفى داود - عليه السلام - مثَلًا في قُوَّة العبادة، فقال –
عزَّ مِن قائِل -:
{ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ }
[ص: 17].
قال السعديُّ - رحمه الله -:
مِن الفوائِدِ والحِكَم في قصة داود: أنَّ الله تعالى يمدَحُ ويُحبُّ
القُوَّةَ في طاعته: قُوَّة القلبِ والبدَن، فإنَّه يحصُلُ مِنها مِن آثار الطاعة
وحُسنِها وكثرتِها ما لا يحصُلُ مع الوَهن وعدم القُوَّة، وإنَّ العبدَ ينبغي
له تعاطِي أسبابِها، وعدم الرُّكُون إلى الكسَل والبَطالَة المُخِلَّة بالقُوَى، المُضعِفة للنَّفس .
ولم يقتصِر - صلى الله عليه وسلم - على بابٍ واحدٍ مِن أبوابِ تقوِية
الصِّلة بربِّه، بل تنوَّعَت وسائِلُه في ذلك.
ففي صحيح البخاري عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال:
نهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوِصال في الصَّوم،
فقال له رجُلٌ مِن المُسلمين: إنَّك تُواصِلُ يا رسولَ الله، قال:
( وأيُّكُم مِثلِي؟ إنِّي أبِيتُ يُطعِمُني ربِّي ويَسقِينِ ).
أي: يشغَلُني بالتفكُّر في عظمتِه، والتملِّي بمُشاهَدتِه، والتغذِّي بمعارِفِه،
وقُرَّة العينِ بمحبَّته، والاستِغراقِ في مُناجاتِه، والإقبالِ عليه عن الطعامِ والشرابِ.
قال ابنُ القيِّم - رحمه الله -:
قد يكونُ هذا الغِذاء أعظمَ مِن غِذاء الأجساد، ومَن له أدنَى ذَوقٍ وتجرِبةٍ
يعلَمُ استِغناءَ الجِسمِ بغِذاءِ القلبِ والرُّوح عن كثيرٍ مِن الغِذاءِ الجُسمانيِّ،
ولاسيَّما الفَرِحُ المسرُورُ بمطلُوبِه الذي قرَّت عينُه بمحبُوبِه .
والذِّكرُ - عباد الله - عُمدةُ العبادات وأيسَرُها على المُؤمن، فلا غَرْوَ
أن يُكثِرَ العبدُ مِنه؛ امتِثالًا لأمرِ الله:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا }
[الأحزاب: 41].
قال ابنُ عطيَّة - رحمه الله -:
وجعلَ تعالى ذلك دُون حدٍّ ولا تقديرٍ؛ لسهولتِه على العبدِ،
ولعِظَم الأجرِ فيه .
أيها المُسلمون:
إنَّ للقلبِ غِذاءً يجبُ أن يتغذَّى به حتى يبقَى قويًّا، وغِذاءُ القلبِ هو
الإيمانُ بالله تعالى، والعملُ الصالِحُ، وعلى قَدر ما يُحقِّقُ العبدُ مِن ذلك يكون
في قلبِه مِن القوَّة والثباتِ على الحقِّ.
إنَّ الحياةَ الحقيقيَّة هي حياةُ القلبِ، وحياةُ القلبِ لا تتمُّ إلا بالعملِ بما
يُرضِي اللهَ تعالى؛ فقد صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال:
( مثَلُ الذي يذكُرُ ربَّه والذي لا يذكُرُ ربَّه مثَلُ الحيِّ والميِّت )
رواه البخاري.
إنَّ القلبَ متى ما اتَّصلَ بالله وأنابَ إليه، حصَلَ له مِن الغذاءِ والنَّعيم
ما لا يخطُرُ بالبال، ومتى غفَلَ العبدُ عن ربِّه، وأعرَضَ عن طاعتِه،
فإنَّه سيموتُ قلبُه؛ ولذا فلا يجِدُ المرءُ راحةَ قلبِه، ولا صلاحَ بالِه،
ولا انشِراحَ صَدرِه إلا في طاعةِ الله، فهذه العباداتُ والقُرُبات التي يقومُ
بها العبدُ مِن شأنِها - بإذن الله - أن تُحقِّقَ الاطمِئنان، وتُورِثَ الصبرَ
والثباتَ، وتُزيلَ الهُموم، وتُذهِبَ الاكتِئاب، وتمنَعَ الإحباطَ، وتُخلِّصَ
مِن الضِّيقِ الذي يشعُرُ به العبدُ نتيجةَ مصائِبِ الدنيا.
أقولُ هذا القَول، وأستغفِرُ الله لي ولكم، فاستغفِرُوه إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله مَن أقبلَ عليه تلقَّاه، ومَن اعتصَمَ به نجَّاه، ومَن لاذَ بحِماه وقاه،
ومَن فوَّضَ أمرَه إليه هداه، أحمدُه - سبحانه -، وأشهدُ أن لا إله إلا الله
وفَّق مَن شاءَ مِن عبادِه لهُداه، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُه ورسولُه ومُصطفاه،
أعظمُ النَّاسِ صِلةً بمولاه، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومَن والاه.
أما بعد .. فيا عباد الله:
مِن أعظم ثِمار الإيمان: الصِّلةُ بالله، والافتِقارُ إليه، والإقبالُ عليه،
والاستِئناسُ به، وتحقيقُ العبوديَّة له في السرَّاء والضرَّاء، وفي الشدَّة والرَّخاء.
وقُوَّةُ الصِّلة بالله تجعلُ المُؤمنَ طائِعًا لله، عامِلًا بأوامِرِه، مُستقيمًا
على شرعِه، ومَن كان كذلك فجزاؤُه الحياةُ الطيبة التي وعدَها الله المُؤمنين،
قال تعالى:
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
[النحل: 97].
إنَّ التعلُّقَ بالله وحُسنَ الصِّلة به يُربِّي في صاحبِه العمل، ويجعلُه
يُحاسِبُ نفسَه على الصَّغير والكبير، ويستشعِرُ مُراعاةَ الخالِقِ قبل مُحاسَبَة الخلق.
وصاحِبُ الصِّلة بالله مُقبِلٌ على فعلِ الخير، ساعٍ إليه، حرِيصٌ على ألا
يفُوتَه شيءٌ مما ينفعُه، ويحزَنُ ويتحسَّرُ على ما فاتَه مِن زادٍ
إيمانيٍّ عظيمٍ كان يُحصِّلُه وقتَ نشاطِه وقوَّتِه.
أيها الإخوة:
مَن حفِظَ جوارِحَه عن محارِمِ الله زادَه الله قوَّةً إلى قوَّته، ومتَّعَه بها،
وهذا مطلَبُ كل مُؤمن؛ فمِن دُعائِه - صلى الله عليه وسلم -:
( ومتِّعنا بأسماعِنا، وأبصارِنا، وقوَّتنا ما أحيَيتَنا، واجعَله الوارِثَ مِنَّا ).
والتمتُّعُ بالسَّمع والبصَر إبقاؤُهما صحيحَين إلى الموت، فيكون معنى
هذه الدُّعاء: اجعَلنا مُتمتِّعين ومُنتَفِعين بأسماعِنا وأبصارِنا وسائِر قُوانا
مِن الحواسِّ الظاهِرة والباطِنة، وكلِّ أعضائِنا البدنيَّة بأن نستعمِلَها
في طاعتِك مُدَّة حياتِنا وحتى نمُوت.
ومَن حفِظَ الله في صِباه وقوَّته، حفِظَه الله في حالِ كِبَرِه وضعفِ قوَّته،
ومتَّعَه بمسعِه وبصرِه، وحواسِّه وأعضائِه، وحَولِه وقوَّتِه وعقلِه.
ألا وصلُّوا وسلِّمُوا - رحمكم الله - على النبيِّ المُصطفى، والرسولِ المُجتبَى،
كما أمرَكم بذلك ربُّكم - جلَّ وعلا -، فقال تعالى قولًا كريمًا:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على مُحمدٍ وعلى أزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم،
وبارِك على مُحمدٍ وعلى أزواجِه وذريَّته، كما بارَكتَ على آل إبراهيم،
إنَّك حميدٌ مجيد.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافِرين، وانصُر عبادَك المُوحِّدين،
ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدين، واجعَل هذا البلَدَ آمنًا مُطمئنًّا
وسائِرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم آمِنَّا في الأوطانِ والدُّور، وأصلِح الأئمةَ ووُلاةَ الأمور، واجعَل
ولايتَنا فيمَن خافَك واتَّقاك، واتَّبَع رِضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا لِما تُحبُّه وترضَاه مِن الأقوال والأعمال يا حيّ
ُ يا قيُّوم، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوَى.
اللهم كُن لإخوانِنا المُستضعَفين والمُجاهِدين في سبيلِك، والمُرابِطين
على الثُّغور، وحُماة الحُدود، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا، ومُؤيِّدًا وظَهيرًا.
ربَّنا اجعَلنا لك شكَّارين، لك ذكَّارين، إليك مُخبِتِين مُنِيبِين أوَّاهِين.
اللهم احفَظنا بالإسلام قائِمين، واحفَظنا بالإسلام قاعِدين، واحفَظنا
بالإسلام راقِدين، ولا تُشمِت بنا عدوًّا ولا حاسِدًا.
اللهم اكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار، وأذَى المُؤذِين، اللهم إنَّا
نجعلُك في نُحورِهم، ونعوذُ بك مِن شُرورهم.
اللهم اجعَلنا هُداةً مُهتَدين على صراطِك المُستقيم.
والحمدُ لله ربِّ العالمين.

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



ديزاين فور يو لحلول تقنية المعلومات