المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى الشريف بعنوان : آدابُ المُفتِي والمُستفتِي
ِ
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتى الجمعة من المسجد النبوي الشريف مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: آدابُ المُفتِي والمُستفتِي ، والتي تحدَّث فيها عن الآداب التي ينبغي أن يتحلَّى بها كلٌّ مِن المُستَفتِي في سُؤالِه، والمُفتِي في جوابِه، كما بيَّن ما على المرأة مِن أحكامٍ وآدابٍ في استِفتائِها للعالِمِ. الخطبة الأولى الحمدُ لله، الحمدُ لله الكريمِ الفتَّاح، فالِقِ الحبِّ والنَّوَى وفالِقِ الإصبَاح، أحمدُه - سبحانه - وأشكُرُه على نعمٍ وآلاء تتوالَى علينا في الغُدُوِّ والرَّوَاح، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةَ حقٍّ ويقين هي للجنَّة مِفتَاح، وللصُّدُور انشِراح، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه جعَلَنا على المحبَّة البيضاء، ودلَّنا على أسبابِ الفلَاح، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابِه، ومَن تبِعَهم بإحسان ٍ ما بدَا نجمٌ ولاح، وما أغنَى الصبَاحُ عن المِصبَاح، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعدُ: فأُوصِيكم - أيها الناس - ونفسِي بتقوَى الله، فاتَّقُوا الله - رحمكم الله -، واحذَرُوا مِن علمٍ لا عملَ معه، وعملٍ لا إخلاصَ فيه، ومالٍ لا يُنفَقُ في وُجُوهِ الخيرِ مِنه، وقلبٍ خالٍ مِن محبَّةِ الله والشَّوقِ إليه، ووقتٍ مُعطَّلٍ مِن فعلِ الخيرات، واغتِنامِ المبَرَّات. واعلَمُوا أن أعظمَ ما تحذَرُون: إضاعةُ القلبِ، وإضاعةُ الوقتِ. أما إضاعةُ القلبِ فيَضيعُ بإيثارِ الدنيا على الآخرة، وأما إضاعةُ الوقتِ فيَضيعُ باتِّباع الهوَى، وطولِ الأمل. والصلاحُ كلُّ الصلاحِ - حفِظَكم الله – في اتِّباع الهُدَى، والاستِعداد ليوم اللِّقاء. والله المُستعان، وعليه التُّكلان، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العليِّ العظيم. { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } [لقمان: 33]. أيها المُسلمون: العلمُ ميراثُ الأنبياء، والسُّؤالُ مِفتاحُ العلم، والشرعُ أمَرَ بالسؤال ورغَّبَ فيه، فقال - جلَّ وعلا -: { فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ } [يونس: 94]، وقال - عزَّ شأنُه -: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43]. ووردَ في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -: ( هلَّا سألُوا إذا لم يعلَمُوا؟! إنما شِفاءُ العِيِّ السُّؤال )؛ رواه أبو داود وغيرُه مِن حديث جابرٍ وابن عباسٍ - رضي الله عنهما -. والسؤالُ استِفتاءٌ، والإفتاءُ أمانة. يقولُ ابنُ شهاب: ( العلمُ خزائِن، ومفاتِيحُها المسألة ). ويقولُ الخليلُ: ( العلومُ أقفال، والسُّؤالاتُ مفاتِيحُها، وإذا ملَكتَ المِفتاح فتَحتَ ما شِئتَ ). والسؤالُ عُنوانُ عقلِ السائلِ وأدَبِه، والعاقلُ لا يقولُ كلَّ شيء، والجاهِلُ لا يُحسِنُ التفريق بين ما يُقال وما لا يُقال، ومتى يُقال، وكيف يُقال. ومِن القواعد المحفُوظة: اسأَل سُؤال جاهِل، وافهَم فهمَ عاقِل، وحُسنُ السؤال نِصفُ الجواب، ومَن دلَّ في التعلُّم طالِبًا عزَّ في التحصيلِ مطلُوبًا، ولا يَنالُ العلمَ إلا صاحِبُ اللسان السَّؤُول، والقلبِ العَقُول، ودأبٍ غير مَلُول. كما لا ينالُ العلمَ مُستَحٍ، ولا مُستكبِرٍ. يقولُ الحسنُ: ( مَن استَتَرَ عن طلبِ العلم بالحياء لبِسَ للجِهال سِربالَه ). معاشِرَ المُسلمين: ونظرًا لأهمية ذلك سُؤالًا وجوابًا، فقد بسَطَ أهلُ العلم - رحمهم الله – الكلامَ في آداب السؤال والاستِفتاء، وآدابِ الجواب والإفتاء. وقد يسَّر الله لأهل هذا الزمان أسبابَ الاتصال والتواصُل وأدواتهما، مما ظهرَت فيه الحاجةُ فيما بسَطَه أهلُ العلم في ذلك مِن آدابٍ وأخلاقٍ. وحينما ينظرُ المُتأمِّلُ تصدُّرَ بعضِ المُفتِين ومواقِع الفتوَى في الصُّحُف والمجلَّات، والقنوات، وشبَكَات المعلُومات، يتبيَّن له خطرُ هذا الأمر وعِظَم المسؤوليَّة. أيها الأحِبَّة: وهذه وقَفَاتٌ في هذا البابِ تجمَعُ شيئًا مِن هذه الآداب: الوقفةُ الأولى: في آداب السائل والمُستفتِي: يقولُ أهلُ العلم: على المُستَفتِي والسائل أن ينظُرَ فيما يُبرِئُ ذِمَّتَه، ويُنجِيَه حين يقِفُ بين يدَي ربِّه في صحَّة ما يقولُ، ودِقَّة ما ينقُل؛ حتى يكون السؤالُ مُطابِقًا للواقِع. وينبغي الوُضوحُ في السؤال في كلماتِه وتفاصِيله، ويستفتِحُ سُؤالَه بعباراتٍ تدلُّ على الأدبِ والاحتِرام وحُسن الأخلاق؛ مِن البدء بالسلام، والدعاء. كأن يقول: ( نفَعَ الله بعلمِكم، بارك الله فيكم، أحسنَ الله إليكم، ونحو ذلك ). وليحذَر الكِتمانَ والتدليسَ أو التزويرَ في الألفاظ والوقائِع، وليسأَل عما وقَعَ له، ولا يسأَل عما لم يقَع له. ولا ينتقِل بسُؤاله بين المُفتِين وأهلِ العلم؛ فهذا ليس مِن الديانة، ولا مِن الورَع. كما يجبُ الحذرُ مِن تتبُّع الرُّخَص، وأن يتخيَّرَ مِن فتاوى أهل العلم ما يرُوقُ له. وقد قال أهلُ العلم: ( مَن أخذَ برُخصةِ كل عالمٍ، أو زلَّة كل مُفتٍ، اجتمَعَ فيه الشرُّ كلُّه ). ويقولُ إبراهيم بن عَبْلة: ( مَن حملَ شاذَّ العلم حمَلَ شرًّا كثيرًا ). وتعمُّدُ تتبُّع الرُّخص والتأويلات واختِلاف المذاهِب هو عينُ البَطَالة المُنافِية للصِّدق، وحُسن الدِّيانة، وتحرِّي براءة الذِّمَّة. وليحذَر مَن يُريدُ الخيرَ لنفسِه أن يضرِبَ أقوالَ أهل العلم بعضِهم ببعضٍ؛ فأهلُ العلم لا يزالُون يختلِفُون في اجتِهاداتهم وآرائِهم وأجوبتِهم مُنذ عهد صحابةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم – إلى أن تقوم الساعة، بل يجِبُ الحرصُ على براءة الذِّمَّة؛ ليسلَمَ الدينُ، وتصِحَّ العِبادة، وتحِلَّ المُعامَلَة، وتستقيمَ الحياة. أيها الإخوة: وإذا سمِعَ في مسألةٍ أكثرَ مِن جوابٍ أو قولٍ، فعليه أن يأخُذ بفتوَى الأوثَقِ عنده في دِينِه وعلمِه وورَعِه، وليُغلِق عن نفسِه بابَ الهوَى وتتبُّع الرُّخَص. وليحذَر المُستفتِي كلَّ الحذَر أن يكون قَصدُه اختِبارَ العالِم أو المُفتِي، أو تصنِيفَه، أو إحراجَه، أو تعجِيزَه، أو الإيقاعَ فيه، أو إظهارَ التعالُم وسَعَة الاطِّلاع. قال رجُلٌ للشعبيِّ: إنِّي خبَأتُ لك مسألةً، فقال الشعبيُّ - رحمه الله -: ( اخبَأها لإبليس حتى تلقَاه فتسألَه عنها ). وعند البخاري: عن يُوسف بن ماهِك، أن رجُلًا قال لعائشة – رضي الله عنها -: أيُّ الكفَن خيرٌ؟ فقالت: ( وَيحَك! وما يضُرُّك؟! ). ولا يسأَل السائِلُ وهو يعرِفُ الجوابَ؛ فإن الله يقول: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43]. ومَن كان قصدُه بالسؤال الاختِبار والامتِحان، رجَعَ بالحِرمان والخُسران وقسوة الجَنَان؛ فالسؤالُ لا يُطلَبُ إلا لحاجةِ السائل ومعرفةِ الجوابِ؛ ليَستفِيدَ مِنه، ويعملَ به، لا ليُجادِل ويُظهِر التعالُم. وثد جاء في الخبَر: ( مَن تعلَّم العلمَ ليُجارِيَ به العلماء، ويُمارِيَ به السُّفهاء، ويصرِفَ وُجوهَ الناسِ إليه كبَّه الله في النار ). معاشِر المُسلمين: ولا ينبغي أن يُورَدَ السؤالُ بصِيغةٍ تتضمَّنُ الجوابَ، فيضَعُ صِفاتٍ وقُيُودًا وافتِراضاتٍ مِن عندِه لا يسَعُ المُفتِي أو المسؤُول إلا أن يقول: هذا جائِزٌ، أو هذا ممنُوعٌ، فكأنَّه يُوجِّهُ المُفتِي ليُجِيبَ حسب رغبتِه؛ أي: أنه يُريدُ جوابًا مُوجَّهًا. ولهذا جرَت عادةُ أهل العلم في أجوبتِهم أنهم يستَفتِحُونها بقولِهم: ( إذا كان الحالُ على ما ذُكِر ). ومِثلُ ذلك: قولُ السائل: ( ما رأيُكم فيمَن يدَّعِي كذا )، أو ( ما قولُكم فيمَن يزعُمُ كذا )، فهذا كلُّه توجِيهٌ للجوابِ لا يَحسُنُ سُلُوكُه. وإذا أرادَ طالِبُ العلم أن يبحَثَ المسألةَ مع العالِمِ فليُبيِّن له وليستأذِنه، فإن أذِنَ له، وإلا توقَّفَ بأدبٍ وتواضُعٍ وطِيبِ خاطِرٍ. ولا يكتُبُ جوابَ المُفتِي ولا يُسجِّلُه إلا بإذنِه؛ فقد تكون الكِتابةُ غيرَ دقيقةٍ أو غيرَ سليمةٍ، وقد يكون للجوابِ ظرفُه ومُناسبتُه التي يختلِفُ فيها عن ظروفٍ ومُناسباتٍ أُخرى. وينبغي عدمُ الإطالة في السؤال، ولا كثرة الأسئِلة فيما لا حاجةَ إليه؛ مُحافظةً على وقتِ المُفتِي وحقِّ الآخرين. يقولُ ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: ( ما رأيتُ قومًا خيرًا مِن أصحابِ مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ما سألُوا إلا عن ثلاث عشر مسألة حتى قُبِض، كلُّهنَّ في القرآن، وما كانُوا يسألُون إلا عما ينفَعُهم ). وجاء رجُلٌ إلى يحيى بن سعيدٍ فأطالَ في أسئلتِه، فقال يحيى: ( ما أُرَاكَ إلا خيرًا مِنِّي، ولكنَّك ثقِيلٌ ) أنت حريصٌ ولكنَّك ثقيلٌ. وفي الحديث: ( إنما أهلكَ الذين كانُوا مِن قبلِكم: كثرةُ مسائلِهم، واختِلافُهم على أنبيائِهم ). قال أهلُ العلم: ( أي: السؤالُ عمَّا لم يقَع ولم يأتِ بيانُه في الكتابِ المُنزَّل ). فلا يتكلَّفُ المسائلَ التي يندُرُ وقوعُها، فهذا تنطُّعٌ. عباد الله: ومِن الأدب: ألا يقول في استِفتائِه: ( قال العالِمُ الفلانيُّ كذا )، أو ( أن العالِمَ الفلانيَّ يُخالِفُك في كذا )، فهذا مِن قلَّة الأدبِ، ومِن طبيعةِ النُّفُوس أنها لا تُحبُّ إيرادَ قولِ غيرِها في معرِضِ السؤال. وقد قالُوا: ( كلامُ الأقران يُطوَى ولا يُروَى ). وليحذَر إيقاعَ الخلاف أو الشَّحناء بين أهل العلم. ومِن الأدبِ: تحرِّي الأوقات المُناسِبة للمُفتِي، فلا يسأَلُ في كل وقتٍ، ولاسيَّما مع تيسُّر أدواتِ الاتصال والتواصُل، واختِلافِ الأوقاتِ بين الدول والمناطِق. فينبغي مُراعاة ذلك؛ حتى لا يتسبَّبَ ذلك في إيذاءِ المُفتِي، فللمُفتِي الحقُّ في الراحةِ والعبادة والأكل والشُّرب والقراءة والجلوس مع الأهل، وغير ذلك مِن الحاجات والأغراض. وهذا ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - يقول: ( إن كُنتُ لآتِي الرجُلَ مِن أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا رأيتُه نائِمًا لم أُوقِظه، وإن رأيتُه مغمُومًا لم أُكلِّمه، وإذا رأيتُه مشغُولًا لم أسأله ). فهذا هو الأدبُ، وهذا هو الصبرُ، وهذه هي الفِطنَة. ومِن وصايا عليٍّ - رضي الله عنه -: ( إن مِن حقِّ العالِمِ ألا تُكثِرَ عليه السؤال، ولا تُعنِتَه في الجواب، ولا تُلِحَّ عليه إذا كسَل، ولا تأخُذ بثَوبِه إذا نهَض، ولا تُفشِيَنَّ له سِرًّا، ولا تغتابَنَّ عنده أحدًا، ولا تطلُبنَّ له عَثْرة، وإن زلَّ قبِلتَ معذِرتَه، وعليك أن تُوقِّرَه وتُعظِّمَه لله ما دامَ يحفَظُ أمرَ الله، ولا تجلِس أمامَه، وإن كانت له حاجةٌ سبَقتَ القومَ إلى خِدمتِه ). معاشِر المُسلمين: أما الوقفةُ الثانيةُ: فمع المرأة وحقِّها في السؤال، وآدابها فيه: إن سُؤال المرأة أهل العلم عن أمرِ دِينِها حقٌّ مشرُوعٌ، وأمرٌ لا تَستَغنِي عنه المرأةُ المُسلمة. فعند البخاري - رحمه الله -: كانت عائشة - رضي الله عنها – لا تسمَعُ شيئًا لا تعرِفُه إلا رجَعَت فيه حتى تعرِفَه، ولم تزَلْ نساءُ الصحابة يُكلِّمنَ الرِّجالَ في السلامِ والاستِفتاء والسؤال والمُشاوَرَة. وعند مُسلم: قالت عائشة - رضي الله عنها -: ( نِعمَ النساءُ نساءُ الأنصار؛ لم يمنَعهنَّ الحياءُ أن يسأَلن عن الدين ويتفقَّهنَ فيه ). وجاءت أمُّ سُليمٍ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقالت: يا رسولَ الله! إن الله لا يستَحِي مِن الحقِّ، فهل على المرأة مِن غُسلٍ إذا احتَلَمَت؟ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ( إذا رأَت الماءَ )، فغطَّت أمُّ سلمة - يعني: وجهَها -، وقالت: يا رسولَ الله! وتَحتَلِمُ المرأةُ؟ قال: ( نعم، ترِبَتْ يَمِينُكِ! فيمَ يُشبِهُها ولَدُها؟! )؛ أخرجه البخاري. وفي روايةٍ لمُسلم: قالت أمُّ سلمة: ( قُلتُ: فضَحتِ النساء ). وقولُ أم سُلَيمٍ - رضي الله عنها -: ( إن الله لا يستَحِي مِن الحقِّ ) قال أهلُ العلم: تقديمٌ لطيفٌ، وتوطِئةٌ حسنةٌ للسؤال الذي يُستحيَا مِنه. ومعناه: أن الله لا يأمُرُ بالحياء في هذا الموضِعِ؛ حتى لا تبقَى المرأةُ في جهلٍ مِن أحكامِ دينِها. وعن عائشة - رضي الله عنها -، أن امرأةً سألَت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن غُسلِها مِن الحَيض، فأمَرَها كيف تغتَسِل، وقال: ( خُذِي فِرصَةً مِن مِسكٍ، فتطهَّرِي بها )، قالت: كيف أتطهَّرُ؟ قال: ( تطهَّرِي بها )، قالت: كيف؟ فقال: ( سُبحان الله! تطهَّرِي )، فقالت عائشةُ: ( فاجتَذَبتُها إلَيَّ فقلتُ: تتبَّعِي بها أثَرَ الدم )؛ رواه البخاري. قال أهلُ العلم: ( فقولُها: كيف أتطهَّرُ؟ سُؤالٌ ليس في محلِّه؛ فمِثلُ هذا لا يُجيبُ عليه الرِّجال، ولهذا قال لها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ( سُبحان الله! تطهَّرِي )، فقامَت عائشةُ - رضي الله عنها - وبيَّنَت لها ). وبعدُ .. رحِمَكم الله: فليعلَم المُستَفتِي أن فتوَى المُفتِي لا تُحرِّمُ حلالًا ولا تُحِلُّ حرامًا، إذا كان المُستَفتِي قد أخفَى في سُؤالِه أو تحايَلَ أو كتَمَ ما يُؤثِّرث في الحُكم أو في الجوابِ، فالمُفتِي يُفتِي على حسب ما يسمَعُ مِن المُستَفتِي. وكذلك لو أن المُفتِي حابَاهُ أو جامَلَه، فالجميعُ آثِمُون. سدَّد الله في الجواب، وهدَى إلى الصواب، وإليه المرجِعُ والمآبُ. أعوذُ بالله مِن الشيطان الرجيم: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل: 43، 44]. نفَعَني اللهُ وإياكم بِهَديِ كِتابِه، وبسُنَّةِ نبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ وخَطيئةٍ، فاستغفِرُوه، إنه هو الغفورُ الرحيم. الخطبة الثانية الحمدُ لله، الحمدُ لله أظهرَ الحقَّ ورفعَه، وخفضَ الباطِلَ ووضعَه، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُهُ لا مانِعَ لما أعطاه، ولا مُعطِيَ لما منَعَه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةَ مَن عرفَ الحقَّ واتَّبَعَه، وعلَّقَ بعفوِ الله رجاءَه وطمَعَه، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه جاءَ بشريعةِ اليُسرِ والسماحةِ والسَّعَة، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِه ومَن سارَ على نَهجِه واتَّبَعَه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد .. معاشِر المُسلمين: الوقفةُ الثالثةُ في آداب المُفتِي: المُفتِي مُوقِّعٌ عن ربِّ العالمين، فهو يُفتِي بما ينسِبُه إلى شرعِ الله، إما بشرعٍ مُنزَّل ونصٍّ مُباشِر، أو باجتِهادٍ سائِغٍ صادرٍ مِن أهلِه في محلِّه. وقد قال - عزَّ شأنُه -: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ } [النساء: 176]، فالمُفتِي يُوقِّعُ عن الله في إخبارِ الناسِ بأحكامِ الله. وكان ابنُ عُمر - رضي الله عنهما - إذا سُئِل يقولُ: ( يُريدُون أن يجعَلُونا جسرًا يمُرُّون عليه إلى جهنَّم ). ويقولُ عبدُ الرحمن بن أبي ليلَى: ( لقد أدرَكتُ عشرين ومائة مِن الأنصار مِن أصحابِ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم - ما مِنهم أحدٌ يُحدِّثُ بحديثٍ إلا ودَّ أن أخاهُ كفَاه الفُتيَا )؛ أخرجه الدارميُّ في سننه . كيف وقد جاء في الحديث: ( إن أعظمَ المُسلمين في المُسلمين جُرمًا: مَن سألَ عن شيءٍ فحُرِّم مِن أجل مسألتِه ). فهذا يشملُ السائلَ والمسؤولَ. إذا كان ذلك كذلك - عباد الله -، فعلى المُفتِي أن يكون واسِعَ الصدر، يتغاضَى عن غليظِ العِبارات وجفاء التعامُل، فضلًا عن سفَهِ السُّفهاء، وجَهالَةِ العوام. ويحسُنُ فِيه ألا يتسرَّعَ في الفتوَى، أو يتعجَّل؛ بل يتأنَّى ويتفهَّم السؤال، ويتصوَّرُه مع فِكرٍ ونظَرٍ. وعليه أن يكون واضِحًا في الإجابة، مُبيِّنًا لها بيانًا شافِيًا كافِيًا، ويرفُقَ بالسائل، ويصبِرَ على تفهُّم السؤال وتفهيم الجواب. كما ينبغي العنايةُ بالتيسير على الناسِ، ومُراعاة أحوالهم وظُروفهم وعاداتهم، ورفع المشقَّات عنهم ودفعها. ومعلومٌ أن التيسيرَ ليس بإسقاط فرائِضِ الله، أو التحلُّل مِن التكالِيفِ الشرعيَّة والتمشِّي مع أهواءِ الناس ورغباتهم. ولئِن كانت الفتوَى تتغيَّرُ بتغيُّر الأزمِنة والأمكِنة والأحوال والعوائِد - كما يقولُ أهل العلم -، لكنَّها لا تتمشَّى مع الأهواء والشَّهوات؛ بل تلتَزِمُ الأُصولَ الشرعيَّة، والعِلَلَ المرعِيَّة، والمصالِحَ الحقيقيَّة. ومِن الآداب: ألا يُفتِي إذا كان لدَيه ما يشغَلُه ويصرِفُ قلبَه؛ مِن مرضٍ، وشدَّة غضبٍ، أو غلَبَة نومٍ أو نُعاسٍ، وكل ما يُخرِجُ عن حدِّ الاعتِدال والنَّظَر والتأمُّل. وتأمَّلُوا ما قال أهلُ العلم: وقلَّ مَن حرِصَ الفتيَا وسابَقَ إليها، وثابَرَ عليها إلا قلَّ توفيقُه، واضطرَبَ أمرُه، ومَن كان كارِهًا لذلك، غيرَ مُؤثِرٍ له، ما وجدَ عنده مندُوحة، وأحالَ الأمرَ إلى غيرِه، كانت المعُونةُ له مِن الله أكثَر، والصلاحُ في جوابِه أغلَب. ألا فاتَّقُوا اللهَ - رحمكم الله -، وليَتَّقِ اللهَ كلٌّ مِن المُفتِي والمُستَفتِي، وليَضَعُوا أحكامَ الشرعِ مواضِعَها، وليُراقِبُوا اللهَ حقَّ المُراقبة؛ أداءً لحقِّه - سبحانه -، وبراءةً للذِّمَّة، وطلَبًا للنجاةِ في الآخرة يوم العرضِ والسُّؤال، والوَعدِ والوَعِيد. هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على الرحمةِ المُهداة، والنِّعمةِ المُسداة: نبيِّكُم محمدٍ رسولِ الله؛ فقد أمرَكم بذلك ربُّكم، فقالَ في مُحكَم تنزيلِه – وهو الصادِقُ في قِيلِه - قولًا كريمًا: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك: نبيِّنا محمدٍ الحَبيبِ المُصطَفى، والنبيِّ المُجتَبَى، وعلى آله الطيبين الطاهِرِين، وعلى أزواجِه أمهاتِ المؤمنين. وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الأربعةِ الراشدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وجُودِك وإحسانِك يا أكرَمَ الأكرمين. اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمُشركين، واخذُل الطُّغاةَ، والملاحِدَة، وسائرَ أعداءِ المِلَّة والدين. اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاةَ أمُورِنا، واجعَل اللهم ولايتَنَا فيمن خافَك واتَّقاك واتَّبَع رِضاكَ يا رب العالمين. اللهم وفِّق إمامَنا وولِيَّ أمرِنا بتوفيقِك، وأعِزَّه بطاعتِك، وأَعلِ به كلمَتَك، واجعَله نُصرةً للإسلامِ والمسلمين، ووفِّقه ووليَّ عهدِه وإخوانَه وأعوانَه لما تُحبُّ وتَرضَى، وخُذ بنواصِيهم للبِرِّ والتقوَى. اللهم وفِّق ولاةَ أمورِ المسلمين للعملِ بكتابِك، وبسنَّةِ نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، واجعَلهم رحمةً لعبادِك المؤمنين، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ والهُدَى والسنَّة يا ربَّ العالمين. اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم احقِن دماءَهم، واجمَع على الحقِّ والهُدى والسنَّةِ كلمتَهم، وولِّ عليهم خيارَهم، واكفِهم أشرارَهم، وابسُط الأمنَ والعدلَ والرَّخاءَ في ديارِهم، وأعِذهم من الشُّرور والفتَن ما ظهَرَ منها وما بَطَن. اللهم انصُر جنودَنا، اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطِين على الحُدود، اللهم سدِّد رأيَهم، وصوِّب رميَهم، وشُدَّ أزرَهم، وقوِّ عزائِمَهم، وثبِّت أقدامَهم، واربِط على قلوبِهم، وانصُرهم على مَن بغَى عليهم، اللهم أيِّدهم بتأيِيدك، وانصُرهم بنصرِك، اللهم وارحَم شُهداءَهم، واشفِ جرحَاهم، واحفَظهم في أهلِهم وذَرَاريهم، إنك سميعُ الدعاء. اللهم إنَّ لنا إخوانًا مُستضعَفين مظلُومين في فلسطين، وفي بُورما، وفي أفريقيا الوُسطى، وفي ليبيا، وفي العِراق، وفي اليمَن، وفي سُوريا قد مسَّهم الضُّرُّ، وحلَّ بهم الكَربُ، واشتَدَّ عليهم الأمرُ، اللهم يا ناصِرَ المُستضعَفين، ويا مُنجِيَ المُؤمنين انتصِر لهم، وتَوَلَّ أمرَهم، واكشِف كَربَهم، وارفَع ضُرَّهم، وعجِّل فرَجَهم، وألِّف بين قُلوبِهم، واجمَع كلمَتَهم. اللهم عليك بالطُّغاة الظالِمين ومَن شايعَهم ومَن أعانَهم، اللهم فرِّق جمعَهم، وشتِّت شملَهم، ومزِّقهم كلَّ مُمزَّق، اللهم واجعَل تدميرَهم في تدبيرِهم يا رب العالمين. اللهم عليك باليهود الصَّهايِنة، اللهم عليك باليهود الصَّهايِنة المُحتلِّين الغاصِبين، فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القومِ المُجرمِين، اللهم إنا نَدرَأُ بك في نُحورِهم، ونعُوذُ بك من شُرورهم. اللهم اغفِر ذُنُوبَنا، واستُر عيُوبَنا، ونفِّس كُرُوبَنا، وعافِ مُبتَلانا، واشفِ مرضانا، وارحَم موتَانا. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا مِن القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا مِن القانِطين. اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا، واجعَل ما أنزلتَه قُوَّةً لنا على طاعتِك، وبلاغًا إلى حين. اللهم غيثًا مُغيثًا، غدَقًا سحًّا مُجلِّلًا، تُحيِي به البلاد، وتَسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِرِ والبادِ. اللهم إنا خلقٌ مِن خلقِك، ليس بِنَا غِنًى عن سُقيَاك، اللهم فلا تمنَع عنَّا بذنوبِنا فضلَك. { عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [يونس: 85]. { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23]، { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [البقرة: 201]. سُبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
|
|
|