![]() |
![]() |
المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() 48 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / القَـــدَرَ لفضيلة الأخ الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة حصريــاً لبيتنا و لتجمع الجروبات الإسلامية الشقيقة و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب ================================================== ================================ الحمد لله الذي استأنس بذكره المخلصون ، و لهج بمحبته الصادقون ، و فرح بحسن بلائه الراضون . و أشهد أن لا إله إلا الله ، لا يقبل من الأعمال إلا ما خلصت فيه النيات ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدا عبده الذي اصطفاه ، و رسوله الذي اجتباه ، و صفيه الذي اختاره و حباه ، هدى به إلى السبيل الأقوم ، و بين به الطريق الأعدل الأحكم ، و شدّ به عرى الدين فاستحكم . صلى الله عليه ، و على آله و أصحابه ، صلاة تستنزل غيث الرحمة من سحابه ، و تحل صاحبها من الرضوان أوسع رحابه ، و سلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين . أمــا بعــد : فأوصيكم أيها الناس و نفسي بتقوى الله عز و جل ، فمن اتقى الله كفاه ، و من اتقى الناس لن يغنوا عنه من الله شيئًا . أوصيكم و نفسي بتقوى الله التي لا يقبل غيرها ، و لا يرحم إلا أهلها ، و لا يثيب إلا عليها ، الواعظون بها كثير، و العاملون بها قليل ، جعلنا الله و إياكم من المتقين . أيها الناس ، لقد خلق الله السماوات و الأرض ، و بنى الأجسام و العوالم ، بناء متقنا ، دالا على حكمته و كمال علمه و قدرته ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض ، و لا أصغر من ذلك و لا أكبر ، خلق كل شيء فأحسن خلقه ، و قدر كل شيء تقديرا ، خلق الثقلين الجن و الإنس ، فجعل منهم كافرا و جعل منهم مؤمنا ، قدر مقادير الخلائق فلم يبق و لم يذر، و أجرى مقاديره حتى على غرز الإبر ، أعجز العقول و الأفهام عن إدراكه ، أو الإحاطة به علما ، تجلت عظمة الله في القضاء و القدر، و عجزت العقول المسلمة عن تعليله ؛ فبقيت مبهوتة ، عالمة قصورها عن إدراك جميع الأمور ، فأذعنت مقرة بالعجز ، مؤمنة بأن الكل من عند الله ، و أن الله قد أحاط بكل شيء علما [ آل عمران : 7 ] . سلموا لله في أفعاله ، و علموا أنه حكيم و مالك ، و أنه لا يقدر عبثا ، فإن خفيت عليهم حكمة فعله ، نسبوا الجهل إلى نفوسهم و سلموا للحكيم المالك . و إن أقواما نظروا إلى قضاء الله و قدره بمجرد عقولهم ، فرأوها كما لو صدرت من مخلوق ، نسبت إلى ضد الحكمة ؛ فنسبوا الخالق إلى ذلك ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا . و أول من فعل ذلك ، إبليس ـ عليه لعائن الله ـ ، فإنه قد رأى ربه فضل جنس الطين على جنس النار ، فأبى و استكبر و قال : [الأعراف:12] . و اعترض أبو جهل على الخالق و حكمته ، حينما قال في نبوة سيدنا محمد و حملوا فحملنا ، و أعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب ، و كنا كفرسي رهان ، قالوا: منا نبي ، يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه ؟ و الله لا نؤمن به أبدا و لا نصدقه أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا [الزخرف:31-32] . و اعترض ابن الراوندي ، الذكي المشهور ، في القرن الثالث الهجري ، اعترض على قضاء الله و قدره ، وعطل حكمته ، و استنكف عن قسمته و رزقه ، فقد جاع يوما و اشتد جوعه ، فجلس على الجسر ، و قد أمضَّه الجوع ، فمرت خيل مزينة بالحرير و الديباج ، فقال : لمن هذه ؟ فقالوا لعلي بن بلتق ، غلام الخليفة ، فمر به رجل ، فرآه و عليه أثر الضر فرمى إليه رغيفين ، فأخذهما و رمى بهما و قال: هذه الأشياء لعلي بن بلتق و هذان لي ؟ فنسي هذا الجاهل الأحمق ، أنه بما يقول و يعترض و يفعل ، أهل لهذه المجاعة . قال الذهبي ـ يرحمه الله ـ: فلعن الله الذكاء بلا إيمان و رضي الله عن البلادة مع التقوى . عباد الله ، إن تطبيق مقاييس البشر و مفاهيمهم على قضاء الله و قدره ، هو مكمن الخطر ، و اعتراض ضعاف النفوس على قسمة الله و رزقه ؛ حيث جعل هذا مؤمنا و ذاك كافرا ، و ذاك غنيا و هذا فقيرا ، و أخذه للشاب في شبابه ، و ما بلغ بنيانه المقصود ، و أخذه الطفل من أكف أبويه و الله الغني عن أخذه ، و أبواه أشد الخلق فقرا إلى بقائه ، و إبقائه لهرم ، لا يدري معنى البقاء ، كل ذلك يجد الشيطان به طريقا للوسواس ، و يبتدي بالقدح في حكمة الله و قدره . و لو ملئت قلوب أولاء بالإيمان و اليقين ، و الرضا بالله ربا ، لما كان للشيطان مسلك و لا مستقر في أفئدتهم ، و لأيقنوا أن الله لم يقدر شيئا إلا لحكمة ، و أن الحكمة قد يعلمها الإنسان و قد تختفي عنه وفق إرادة العزيز الحكيم . ألا ترون أيها المسلمون ، أن الاعتداء على السفينة بخرقها يعد ظلما و اعتداء ؟ و مع ذلك فقد يظهر لكم أن ذلك الخرق ، كان طريقا للنجاة من هلكة . و هذا ما وقع للخضر مع موسى ـ عليه السلام :- وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [الكهف:79] . و انظروا ـ حفظكم الله ـ ، إلى يوسف عليه السلام ، لما اتهم بالفاحشة ، و سجن بها ؛ ليكون ذلك السجن سبيلا إلى جعله على خزائن الأرض حفيظا عليما . و يعيش محمد تصد الأبواب دونه ، و يُرمى بالحجارة ، و يُلقى عليه سلا الجزور ، ثم هو بعد ذلك ، سيد ولد آدم ، و من لم يحبه كفر بالله و بما أنزل على محمد أيها المسلمون ، مضت سنة الله في خلقه ، بأن للأعمال القلبية ، سلطانا على الأعمال البدنية ، فما يكون في الأعمال من صلاح و فساد ، فإنما مرجعه ، فساد القلب و صلاحه ، فطمأنينة فؤاد المسلم ، و ركونه إلى ربه بعد أن يؤدي ما عليه من واجب ، إنما هو إيمان منه ، بأن زمام الأمور كلها تحت مشيئة الله النافذة ، فهو يتوكل على ربه ، دون توتر و لا قلق ؛ و من ثم ، فإنه يستقبل الدنيا بشجاعة و يقين ، عباد الله ، إن شأن الناس مع القدر عجيب ، فذاك تاجر يؤرقه السهود ، لأنه من خوفه على رزقه ، يتوجس انهيار تجارته بين الحين و الآخر، و آخر غط في نوم عميق ، فهو لا يتجشم مؤنة سعي ؛ لأن الأرزاق مقسومة . و الحقيقة كلها ، في التوسط بين الطرفين ، فالمسلم يؤدي العمل المطلوب ، فيعقل و يتوكل ، و ينفي الريب عن فؤاده ، بعد أن يؤدي ما عليه ، عملا بقول المصطفى (( اعملوا فكل ميسر لما خلق له )) متفق عليه . و لذا ، فإن أحاديث القدر ، علاج للقلق و التشاؤم ، و ليست ذريعة كسل أو خمول . إذ ما عساك ـ أيها المسلم ـ أن تفعل ، إذا أصابك ما تكره ؟ إن كان تغيير المكروه في مقدورك ، فالصبر عليه بلادة ، و الرضا به حمق . و إن كان ما عراك ، فوق ما تطيق ، فهل هناك حيلة ، أفضل من الاتزان و رباطة الجأش ؟ و هل هناك مسلك أرشد من الرضا و التسليم للخالق ، الذي يحول الداء دواء ، و المحنة منحة ؟ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَـٰذِبِينَ [العنكبوت:2-3] . و قال (( لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره و شره ، و حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، و أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه )) رواه الترمذي . أيها الناس ، إن الله ـ عز وجل ـ قسم المعاش و قدر الأرزاق ، و الناس لا يملكون عطاء و لا منعا ، و إنما الناس وسائط ، فما أعطوك ، فهو بقدر الله و ما منعوك فهو بقدر الله ، و ما كان لك ، فسوف يأتيك على ضعفك ، و ما كان لغيرك فلن تناله بقوتك ، و ما عليك إلا أن تجد و تعمل ، و تضرب في آفاق الأرض ، و تأخذ بأسباب الرزق ، فمن جد وجد ، و من زرع حصد ، فلا كسب بلا عمل ، و لا حصاد بلا زرع ، و مسألة الرزق أدق من أن تدرك ، و أبعد من أن تنال . و انظروا إلى الناس ، ترون منهم الغواصين ، الذين جعل الله رزقهم في أعماق البحار ، و الطيارين ، الذين جعل الله معاشهم في الهواء بين السماء و الأرض ، و أصحاب المناجم يجدون خبزهم ، مخبوءا في الصخر الأصم ، فلا ينالونه إلا بتكسيره . وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32] . فلا تجزعوا من الفقر عباد الله ، فإن الفقر قد يسمو ، كما سما فقر المصطفى و لا تغتروا بالغنى ؛ فإن الغنى قد يدنو ، كما دنى غنى قارون و أبي جهل . و اجعلوا الفقر و الغنى مطيتين ، لا تبالون أيهما ركبتم ، إن كان الفقر ، فإن فيه الصبر ، و إن كان الغنى فإن فيه البذل . و أبشروا بقول المصطفى (( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت ، حتى تستكمل أجلها ، و تستوعب رزقها ، فاتقوا الله و أجملوا في الطلب و لا يحملن أحدكم ، استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله ـ تعالى ـ ، لا ينال ما عنده إلا بطاعته )) أخرجه ابن حبان و أبو نعيم في الحلية . أيها المسلمون ، إن الإيمان بالقضاء و القدر ، يثمر الإقدام ، و خلق الشجاعة و التسليم بأقدار اليوم و الغد ، و هذا ما ذكره الله في قوله : [التوبة:51] . و قوله : [التوبة :52] . يعنون بذلك كسب المعركة بالنصر ، أو الموت دون الظفر بها ، و هو حسن كذلك ؛ لأن ما عند الله خير و أبقى . أما الذين لا إيمان لهم ، فهم إن انتصروا أو انهزموا ، بين عذابين ، آجل و عاجل . فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ [التوبة :52] . فهم يحيون بفؤاد هواء ، تلعب به الأحداث و الظنون ، و أشباح الموت و المصائب . إن الذي يعتقد أن الأجل محدود ، و الرزق مكفول ، و الأشياء بيد الله يصرفها كيف يشاء ، كيف يرهب الموت و البلى ؟ و كيف يخشى الفقر و الفاقة مما ينفق من ماله ؟ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَٱتَّبَعُواْ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174] . و من هنا اندفع السلف الصالح ، إلى الممالك و الأقطار يفتحونها ، فأدهشوا العقول ، و حيروا الألباب ، و قهروا الأمم ، فكسروا كسرى ، و قصروا قيصر ، و دمروا بلادا، و دكوا أطوادا ، و سحقوا رؤوس الجبال تحت حوافر جيادهم . أرجفوا كل قلب ، و أرعدوا كل فريسة ، و قائدهم في ذلك كله ، الإيمان بالله و بقضائه و قدره . بهذا الاعتقاد ، لمعت سيوفهم بالمشرق ، و انقضت شهبها على الحيارى من أهل المغرب ، فالله أكبر ما أعظم الإيمان بالقدر ! و الله أكبر ، ما أعظمه من مطهر للنفوس ، من رذيلة الخور و الدعة ، العائقين عن بلوغ الرشد و الدرجات العلى ! اللهم إنا نسألك إيمانا بك ، و بملائكتك ، و كتبك و رسلك ، و اليوم الآخر ، و بقدرك خيره و شره ، إنك قريب مجيب الدعوات . بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم ، و نفعني و إياكم بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم ، و بهدي محمد و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب و خطيئة ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . |
|
|
![]() |