المستشار نبيل جلهوم | ||
المهندس عبدالدائم الكحيل | الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى | بطاقات عطاء الخير |
دروس اليوم | أحاديث اليوم | بطاقات لفلي سمايل |
|
تسجيل دخول اداري فقط |
رسائل بيت عطاء الخير لنشر رسائل اسلامية تهدف الى إعادة الأخلاق الأسلامية للاسرة |
انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
كيف نزكي أنفسنا بعد رمضان؟
كيف نزكي أنفسنا بعد رمضان؟ اسم الخطيبإبراهيم بن محمد الحقيل عناصر الخطبة1/ خطورة الإعراض عن الطاعات بعد مواسم الخيرات 2/ شدة الحاجة إلى تزكية النفوس بعد رمضان 3/ بعض طرق تزكية النفس بعد رمضان 4/ مفاسد الفتور والتكاسل عن الطاعة. لَا شَيْءَ أَضَرَّ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنَ الإِعْرَاضِ عَنِ اللهِ -تَعَالَى- بَعْدَ الإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَلَا خَسَارَةَ تَعْدِلُ خَسَارَةَ مُفَارِقِ الطَّاعَاتِ بَعْدِ إِلْفِهَا، وَهَاجِرِ المَسَاجِدِ بَعْدَ لُزُومِهَا، وَتَارِكِ المَصَاحِفِ بَعْدَ مُرَافَقَتِهَا. وَبَعْدَ كُلِّ رَمَضَانَ يَنْقَضِي يَكْثُرُ ذَلِكَ فِي النَّاسِ، فَيُفَرَّطُ فِي الْفَرَائِضِ، وَتُهْجَرُ المَصَاحِفُ، وَيَضْعُفُ ارْتِيَادُ المَسَاجِدِ، فَتَقْسُو الْقُلُوبُ بَعْدَ لِينِهَا، وَهَذَا الْأَمْرُ يَشْكُوهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. فَالْحَاجَةُ إِلَى تَزْكِيَةِ النُّفُوسِ بَعْدَ رَمَضَانَ مُتَأَكَّدَةٌ، كَمَا أَنَّ التَّذْكِيرَ بِكَيْفِيَّةِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ... الخطبة الأولى: الْحَمْدُ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71]. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. أَيُّهَا النَّاسُ: لَا شَيْءَ أَضَرَّ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنَ الإِعْرَاضِ عَنِ اللهِ -تَعَالَى- بَعْدَ الإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَلَا خَسَارَةَ تَعْدِلُ خَسَارَةَ مُفَارِقِ الطَّاعَاتِ بَعْدِ إِلْفِهَا، وَهَاجِرِ المَسَاجِدِ بَعْدَ لُزُومِهَا، وَتَارِكِ المَصَاحِفِ بَعْدَ مُرَافَقَتِهَا. وَبَعْدَ كُلِّ رَمَضَانَ يَنْقَضِي يَكْثُرُ ذَلِكَ فِي النَّاسِ، فَيُفَرَّطُ فِي الْفَرَائِضِ، وَتُهْجَرُ المَصَاحِفُ، وَيَضْعُفُ ارْتِيَادُ المَسَاجِدِ، فَتَقْسُو الْقُلُوبُ بَعْدَ لِينِهَا، وَهَذَا الْأَمْرُ يَشْكُوهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. فَالْحَاجَةُ إِلَى تَزْكِيَةِ النُّفُوسِ بَعْدَ رَمَضَانَ مُتَأَكَّدَةٌ، كَمَا أَنَّ التَّذْكِيرَ بِكَيْفِيَّةِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ. فَمِنْ طُرُقِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ: تَعْظِيمُ اللهِ -تَعَالَى- وَدَوَامُ مُرَاقَبَتِهِ؛ فَالمُعَظِّمُ لِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ لَنْ يَنْكُثَ عَهْدَهُ، وَلَنْ يَنْقُضَ غَزْلَهُ، وَلَنْ يُخْلِفَ وَعْدَهُ، وَسَيَتَعَاهَدُ قَلْبَهُ، وَيُزَكِّي نَفْسَهُ. وَالمُرَاقِبُ لِرَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَنْ يَعُودَ لِلْمَعَاصِي بَعْدَ ذَهَابِ رَمَضَانَ لِعِلْمِهِ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- يَرَاهُ؛ (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [العلق: 14]، «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، وَمُطَّلِعٌ عَلَى عَمَلِهِ (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب: 54]، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19]. فَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ تَكُونُ بِمُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى، وَهِيَ مِنْ أَسْبَابِ لَذَّةِ الْإِيمَانِ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ عَمَارَةَ الْقَلْبِ بِتَعْظِيمِ اللهِ -تَعَالَى-، وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَدَوَامِ مُرَاقَبَتِهِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِهِ؛ سَبَبٌ لِتَزْكِيَتِهِ، وَإِذَا زَكَى الْقَلْبُ زَكَى حَامِلُهُ. يَقُولُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "الْقَلْبُ لَا يَزْكُو فَيَنْمُو وَيَتِمُّ صَلَاحُهُ إِلَّا بِحُصُولِ مَا يَنْفَعُهُ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ". وَمِنْ طُرُقِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ: تَجْدِيدُ الْإِيمَانِ وَزِيَادَتُهُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) [فصلت: 6- 7] وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: لَا يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ لَا يَزْكُو بِخُلُوِّهِ مِنْهُمَا. يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْآيَةَ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يَتَزَكَّى بِهِ الْإِنْسَانُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ". فَتَجْدِيدُ الْإِيمَانِ، وَتَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ تَتَزَكَّى بِهِ الْقُلُوبُ. وَقَدْ قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي دَعْوَتِهِ لِفِرْعَوْنَ وَهُوَ يَدْعُوهُ لِلْإِيمَانِ: (هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى) [النازعات: 18- 19]. وَمِنْ طُرُقِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَالتَّبْكِيرُ لِلْمَسَاجِدِ، مَعَ الْإِتْيَانِ بِنَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَقَدْرٍ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَالْتِزَامِ الْوِتْرِ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا زَكَا بِهَا قَلْبُهُ؛ لِدَوَامِ صِلَتِهِ بِاللهِ -تَعَالَى-، وَقَدِ اقْتَرَنَ ذِكْرُ التَّزْكِيَةِ بِالصَّلَاةِ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى: 14- 15]، فَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَكْثَرَ صَلَاةً؛ كَانَ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُ. وَمِنْ طُرُقِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ: زَكَاةُ الْفَرْضِ، وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَتَزْكِيَتُهَا لِصَاحِبِهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103]. وَمِنْ طُرُقِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ: الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ يُضَيِّقُ مَجَارِيَ الدَّمِ عَلَى الشَّيْطَانِ، وَيَقْمَعُ شَهْوَةَ صَاحِبِهِ؛ وَلِذَا أَمْسَكَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّائِمِينَ فِي رَمَضَانَ عَنْ شَهَوَاتِهِمْ لمَّا شُغِلُوا بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَلَازَمُوا المَسَاجِدَ وَالمَصَاحِفَ، وَوَجَدُوا أَثَرَ ذَلِكَ عَلَى قُلُوبِهِمْ؛ وَلِذَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُوَاصِلَ الصِّيَامَ بَعْدَ رَمَضَانَ بَدْءًا بِسِتِّ شَوَّالَ، ثُمَّ مَا تَيَسَّرَ مِنْ نَوَافِلِ الصَّوْمِ؛ لِيَبْقَى عَلَى صِلَةٍ بِالصِّيَامِ، وَتَمْتَدُّ تَزْكِيَتُهُ لِقَلْبِهِ بَعْدَ رَمَضَانَ. وَمِنْ طُرُقِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّ المَنَاسِكَ مِنَ الشَّعَائِرِ، وَتَعْظِيمُ الشَّعَائِرِ مِنَ التَّوْحِيدِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى زَكَاةِ الْقُلُوبِ وَتَقْوَاهَا، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، وَفِي الْحَدِيثِ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وَمِنْ طُرُقِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ كِتَابُ تَزْكِيَةٍ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُزَكِّي أَصْحَابَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- بِسُوَرِهِ وَآيَاتِهِ، فَيَتْلُوهَا عَلَيْهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِحِفْظِهَا وَتِلَاوَتِهَا، وَيُرَغِّبُهُمْ فِي ذَلِكَ؛ وَلِذَا قُرِنَ فِي الْقُرْآنِ بَيْنَ التَّزْكِيَةِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ بِبَعْثَةِ سَيِّدِ الْأَنَامِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) [الجمعة: 2]. وَهَذِهِ التَّزْكِيَةُ النَّبَوِيَّةُ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ كَانَتِ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حِينَ دَعَا قَائِلًا (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) [البقرة: 129]. وَمِنْ طُرُقِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ: مُصَاحَبَةُ الْأَخْيَارِ وَمُجَالَسَتُهُمْ؛ لِيُنَافِسَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَيَزِيدَ إِيمَانَهُ بِطِيبِ مَجَالِسِهِمْ وَحَدِيثِهِمْ، وَيُجَانِبَ الْأَشْرَارَ وَالمُتَثَاقِلِينَ عَنِ الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ مُجَالَسَتَهُمْ شَرٌّ وَبَلَاءٌ، وَقَدْ جَمَعَ اللهُ -تَعَالَى- الْأَمْرَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: 28]. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «إِنَّمَا الْأَخُ الَّذِي يَعِظُكَ بِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَعِظُكَ بِكَلَامِهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْأَخِ مِنْ إِخْوَانِي بِالْعِرَاقِ فَأَعْمَلُ عَلَى رُؤْيَتِهِ شَهْرًا». وَقَالَ مُجَاهِدٌ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «لَوْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُصِيبُهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّ حَيَاءَهُ مِنْهُ يَمْنَعُهُ مِنَ الْمَعَاصِي». وَمِنْ طُرُقِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ: الدُّعَاءُ؛ فَإِنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِ اللهِ -تَعَالَى- يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَيَمْلَؤُهَا مَا شَاءَ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال: 24]، فَيَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ صَلَاحَ قَلْبِهِ وَزَكَاتَهُ، وَفِي خُصُوصِ التَّزْكِيَةِ وَأَنَّهَا بِيَدِ اللهِ سُبْحَانَهُ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) [النور: 21]، وَمِنَ الدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ فِي سُؤَالِ التَّزْكِيَةِ: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164]. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ... الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: الحَمْدُ لِلهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَزَكُّوا قُلُوبَكُمْ بِالإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَلَا صَلَاحَ لَهَا إِلَّا بِتَزْكِيَتِهَا، وَلَا سَعَادَةَ لَهَا فِي الدَّارَيْنِ إِلَّا بِتَزْكِيَتِهَا (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) [فاطر: 18]. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: أَعْرَاضُ الْفُتُورِ وَالتَّثَاقُلِ عَنِ الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ تُصِيبُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَنْصَرِفُ لِلْمَعَاصِي مِنْ ضِيقِ مَا يَجِدُ مِنِ انْصِرَافِهِ عَنِ الطَّاعَاتِ. وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَلَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلْيُبَكِّرْ إِلَى المَسْجِدِ فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ، وَلَا يَتْرُكْ فِيهِ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ وَالْوِتْرَ وَسُنَّةَ الضُّحَى، وَلَا يَهْجُرِ الْقُرْآنَ، بَلْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَيَسَّرَ، حَتَّى يُجَاوِزَ أَيَّامَ الْفُتُورِ، فَيَعُودَ فِي الطَّاعَةِ نَشِيطًا كَمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ. وَعَلَى المَرْءِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْجَنَّةَ هِيَ جَزَاءُ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ بِالإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى) [طه: 76] . وَلِأَنَّ الْفَلَاحَ وَالْفَوْزَ فِي الْآخِرَةِ مُعَلَّقٌ بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ بِالإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ قَسَمًا؛ تَأْكِيدًا لِأَمْرِ التَّزْكِيَةِ، وَتَعْظِيمًا لَهَا فِي نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 1 - 10]، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ إِلَّا إِخْبَارُ المَوْلَى سُبْحَانَهُ أَنَّ الْفَلَاحَ مُعَلَّقٌ بِهَا؛ لَكَانَ حَرِيًّا بِالمُؤْمِنِ أَنْ يَسْعَى إِلَيْهَا، وَيَتَفَانَى فِي تَحْصِيلِهَا، فَكَيْفَ وَقَدْ أَقْسَمَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَحَدَ عَشَرَ قَسَمًا عَلَيْهَا؟! لِيُعَظِّمَهَا فِي نُفُوسِنَا، حَتَّى نَلْقَاهُ سُبْحَانَهُ وَقَدْ زَكَّيْنَاهَا. فَالْإِيمَانَ الْإِيمَانَ، وَالطَّاعَةَ الطَّاعَةَ، وَلْنَجْعَلْ عَامَنَا كُلَّهُ كَرَمَضَانَ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَلُزُومِ طَاعَتِهِ، وَمُجَانَبَةِ مَعْصِيَتِهِ، (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ.... |
|
|