صفحة بيت عطاء الخير
بطاقات عطاء الخير
تويتر عطاء الخير الرسمي
مجموعة بيت عطاء الخير الرسمية
بحث في موقع الدرر السنية
 

بحث عن:

ابحث بالموقع
تاريخ اليوم:

  المستشار نبيل جلهوم  
المهندس عبدالدائم الكحيل الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى بطاقات عطاء الخير
دروس اليوم أحاديث اليوم بطاقات لفلي سمايل


مجموعات Google
اشترك فى مجموعة بيت عطاء الخير
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة

تسجيل دخول اداري فقط

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-30-2010, 08:35 PM
vip_vip vip_vip غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى vip_vip
افتراضي 04

الفصل الثالث


* كثرة الحديث عن النفس . * المَنّ بالعطايا.

* طلب الأعمال والتقدم إليها . * كثرة أحلام اليقظة

* صعوبة التلقي من الغير بالاشتهار بين الناس.

أو قبول النصيحة . * التعالي على الناس.

* استصغار الآخرين . * أمثلة من الواقع.

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

مظاهر الإعجاب بالنفس وتضخم الذات

عندما يرضى الشخص عن نفسه ويعجب بها ويستعظمها،
فإن هذا من شأنه أن ينعكس على خواطره وأفكاره وتصوراته،
وسلوكه مع الآخرين، ومظاهر ذلك كثيرة نذكر منها.



فتجد أحدنا يُكثر من الحديث عن نفسه ويزكيها،
وخاصة إذا أحس بتميزه في جانب ما.

فالأب يتفاخر بأولاده وبطريقة تربيته لهم.

والموظف يتباهي بانضباطه في عمله وعدم تأخره
ولو يومًا واحدًا عن موعد الحضور.

والطالب يتحدث عن كفاءته في المذاكرة،
وقدرته على الفهم وحل المسائل الصعبة.

والداعية يُكثر من الحديث عن نفسه، وإنجازاته،
ومدى التفاف الناس حوله، وتأثرهم به ..

وربة المنزل تتباهي ببيتها ونظافته وترتيبه،
فتنسب العمل لنفسها ولا ترجعه إلى فضل ربها ... وهكذا .


من مظاهر تضخم الذات،
رؤية الشخص أنه أهل للقيام بالأعمال التي يرى في نفسه أنه مميز فيها ..

فالمدرس يقدِّم نفسه للآخرين لتدريس المادة الصعبة التي أعيت غيره.

وربة المنزل تقدِّم نفسها لعمل هذا النوع من الطعام الذي لا يُحسنه غيرها.

وصاحب الدعوة يُقدم نفسه لمناظرة فلان الذي يُثير الشبهات،
ولسان حاله يقول: دعوه لي، فأنا أعرف كيف أتعامل
مع هؤلاء ... وهكذا .
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

صعوبة التلقي من الغير أو قبول النصيحة:

من مظاهر (الأنا) أو تقديس الذات: عدم قدرة صاحبها على قبول النقد
بسهولة في الشيء الذي يرى نفسه فيه، وكذلك عدم القدرة على الاستماع
أو التلقي من الآخرين، أو قبول النصح منهم، وبخاصة في الأمور
التي يشعر فيها بتميزه ونبوغه.

فمدرس اللغة العربية يصعب عليه تلقي معلومة في البلاغة
مثلًا من شخص ليس في مجاله، وكذلك معلم القرآن، والمهندس، والطبيب،... .

لذلك نجد الحوار بين هؤلاء وبخاصة الأقران منهم كحوار الطرشان،
لا يسمع أحد منهم لأحد ..

ومن صور ذلك أيضًا الاستنكاف عن سؤال الغير في شيء لا يعرفه،
وبخاصة إذا ما كان أصغر منه سنًا أو جاهًا أو خبرة.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

استصغار الأخرين:

ومن مظاهر تقديس النفس كذلك: انتقاص الآخرين، ورؤية النفس
دائمًا أعلى وأفضل منهم، وبخاصة في الجزئية المتضخمة عنده سواء
كانت في حسب أو نسب أو مال، أو ذكاء، أو ألقاب ....

فتراه يأنف من التعامل أو التواد مع من هم أقل منه في المستوى ..
فإن كان من أصحاب الألقاب صعبت عليه مصاحبة مساعديه
ومن هم أقل منه رتبة ..
وإن كان من أصحاب الأموال صعب عليه الجلوس مع الفقراء ..
وإن كان من أصحاب الجاه عزَّت عليه مصاحبة المساكين ...
ولقد كان الصحابة يخشون من هذه الآفة، فهذا عمر بن الخطاب
يخاف أن يكون لديه بقية من كبر واستعظام النفس لكونه عربيًا،
وأنه أفضل من سلمان الأعجمي فأراد أن يمحوها ويتأكد من خلو نفسه
منها بطلبه من سلمان أن يتزوج ابنته.

أخرج ابن المبارك في الزهد أن عمر بن الخطاب قال لسلمان:
يا سلمان ما أعلم من أمر الجاهلية شيئًا إلا وضعه الله عنا بالإسلام،
إلا أنا لا ننكح إليكم ولا ننكحكم، فهلم فلنزوجنك ابنة الخطاب ....
أفر والله من الكبر. قال سلمان: فتفر منه وتحمله عليّ .. لا حاجة لي به[1].
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

المَنُّ بالعطايا:

من آثار رؤية النفس بعين الاستعظام، ونسيان أن الله عز وجل هو صاحب
كل فضل ومنَّة: أن صاحبها لا يُعطي عطية لأحد، ولا يُقدم له خدمة
إلا ويَمُنّ عليه بها وينتهز الفرصة المناسبة لتذكيره بخدماته وعطاياه،
بل يعمل كذلك على استنطاق لسانه بمدحه وشكره، وقد يغضب منه
إذا ما قصر في ذلك، ويصل به الأمر أحيانًا إلى أن يشكو لغيره على نكرانه للجميل.
كثرة أحلام اليقظة بالاشتهار بين الناس:

أما مجال خواطر الإنسان وحديث نفسه، فتجده كثيرًا ما يحلم بالشهرة
وارتفاع شأنه بين الناس، وقيامه بأعمال خارقة تلفت إليه انتباه الجميع ..

ينظر إلى نفسه على أن له قدرًا عند الله بما يقوم به من أعمال ...
ينتظر الكرامات، ويستعظم أن ينزل به بلاء.

يلازمه الشعور بالأمان ...
يخاف على الناس أكثر مما يخاف على نفسه.

يظن أنه محسن، وهم مسيئون، وأنه ناج وهم هالكون، وأنه عالم وهم جاهلون،
وأنه عاقل وهم حمقى، وأنه من طلاب الآخرة وهم من طلاب الدنيا.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

التعالي على الناس:

وعندما تتعدد الجزئيات التي تتضخم داخل الإنسان فإن نفسه تتعاظم
وتكبر شيئًا فشيئًا، ومِن ثَمَّ يزداد إعجابه بها وتقديسه لها، وينعكس ذلك
على تعاملاته مع الآخرين ... فتراه يكثر من نصح غيره ونقده، ولا يقبل نصيحة من أحد.

.. يحب أن يخدمه الناس ويكره أن يخدم أحدًا.

.. لا يمل من الحديث عن نفسه، وإنجازاته، وماضيه،
ولو كرر ذلك مئات المرات، وفي نفس الوقت تراه يقطع غيره
ولا يسمح له بالحديث عن نفسه كما يفعل هو.

.. لا يعطي الآخرين حقوقهم من التقدير ..
ويضيق صدره إذا ما أثنى على أحد غيره ..
يفرح بسماع عيوب الناس وبخاصة إذا ما كانوا أقرانه.

.. يبتعد عن كل ما ينقصه أو يظهره بمظهر الجاهل أو المحتاج إلى المعرفة.

.. إذا سُئل عن أمر من الأمور تراه يجيب دون دراية لينفي عن نفسه صفة الجهل
( وإن رد عليه شيء من قوله غضب، وإن حاجّ أو ناظر أنِف أن يُرَد عليه
وإن وعظ استنكف من قبول النصح .. وإن علم لم يرفق بالمتعلمين،
وانتهرهم، وامتن عليهم، واستخدمهم )[2].

.. إن هذه المظاهر باختصار تعكس معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" الكبر بطر الحق وغمط الناس "[3].
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أمثلة من الواقع:

ومن الأمثلة العملية التي تكشف تضخم الذات ووجود الصنم:
· إبليس: عندما كبرت عنده ذاته وتضخمت حدا به ذلك إلى عدم الانصياع
لأمر الله بالسجود لآدم عليه السلام معللًا ذلك بقوله:
﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ﴾ [الأعراف: 12].

· صاحب الجنتين: الذي أعجب بما لديه من أموال وجنات، واغتر بها
ولم يقبل نصح صاحبه، بل كبرت عنده نفسه حتى ظن أن سيكون له
عند الله مكانة في الآخرة خير مما هو عليه في الدنيا
﴿ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 36]
· ومن الأمثلة التي تبين ما يمكن أن يفعله الإعجاب بالنفس والكبر
في السلوك ما رواه الماوردي في أدب الدنيا والدين عن عمر بن حفص قال:
قيل للحجاج: كيف وجدت منزلك بالعراق ؟ قال: خير منزل،
لو كان الله بلغني قتل أربعة لتقربت إليه بدمائهم، قيل: ومن هم ؟
قال: مقاتل بن مسمع: ولي سجستان، فأتاه الناس، فأعطاهم الأموال،
فلما عزل دخل مسجد البصرة، فبسط الناس له أرديتهم، فمشى عليه،
وقال لرجل يماشيه: لمثل هذا فليعمل العاملون.

وعبد الله بن زياد بن ظبيان التيمي: خوف أهل البصرة أمرًا،
فخطب خطبة أوجز فيها، فنادى الناس من أعراض المسجد:
أكثر الله فينا مثلك ! فقال: لقد كلفتم الله شططًا.

ومعبد بن زرارة كان ذات يوم جالسًا في طريق، فمرت به امرأة،
فقالت له: يا عبد الله، كيف الطريق إلى موضع كذا ؟
فقال: يا هناه، مثلي يكون من عبيد الله!

وأبو شمال الأسدي، أضل راحلته، فالتمسها الناس، فلم يجدوها،
فقال: والله إن لم يرد إلى راحلتي لا صليت له صلاة أبدًا،
فالتمسها الناس فوجدوها، فقالوا: قد رد الله راحلتك فصل،
فقال: إن يميني يمين مصر[4].
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

القصيمي:

ومن الأمثلة كذلك: عبد الله القصيمي، نال من العلم كثيرًا، وبرع فيه
وخاصة علم العقيدة، جرد قلمه في الرد على مخالفي أهل السنة وله كتاب
عن الوثنية قيل: إنه أروع ما كتب في بابه، قال عنه معاصروه:
لم نره قط أبط كتابًا .. إلخ، لكن هذا الرجل كانت فيه دسيسة سوء
وآفة مقيتة لم يستأصلها، الأمر الذي أدى إلى انتكاسه وضلاله وكفره بعد إيمانه،
بل ألف في أهل التوحيد كتابًا يستهزئ فيه بهم وبدينهم، تلكم الآفة هي:
العُجب والغرور، وقد شهد هذه الآفة شعره، ومنه:
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

لو أنصفوا كنت المقدم في الأمر

ولم يطلبوا غيري لدى الحادث النكر

ولم يرغبوا إلا إلي إذا ابتغوا

رشادًا وحزمًا يعذبان عن الفكر


ولم يذكروا غيري متى ذكر الذكا

ولم يبصروا غيري لدى غيبة البدر

فما أنا إلا الشمس في غير برجها

وما أنا إلا الدر في الحج البحر

بلغت بقولي ما يرام من العلا

فما ضرني نقد الصوارم والسمر

أسفت على علمي المضاع ومنطقي

وقد أدركا لو أدركا غاية الفخر

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
وقال أيضًا:

حاشا لهم أن يعدلوا بي واحدًا

من بعد ماوضحت لهم أنبائي

وأعيذهم من أن يحيل أديبهم

وأديب كل الناس في النعماء


عابوا على تحدثي وتمدحي

بأصالتي وشجاعتي وذكائي

إن لم يبح مدح الفتى أخلاقه

بيضا فأى تمدح وثناء
نسأل الله تعالى العافية والعصمة من هذا الداء الوبيل[5].

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
[1] الزهد لابن المبارك ص 52 في زيادة نعيم بن حماد .
[2] إحياة علوم الدين 3 / 532، 533.
[3] رواه مسلم (1/93، رقم 91).
[4] أدب الدنيا والدين ص 232 .
[5] العجب لعمر بن موسى الحافظ ص 90، 91 نقلًا عن أخبار المنتكسين .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-31-2010, 11:24 PM
vip_vip vip_vip غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى vip_vip
افتراضي

الفصل الرابع


* الإعجاب بالنفس * يؤدي إلى اتباع الهوى

شرك بالله . ونسيان الذنوب .

* يحبط العمل ويفسده . * قد يؤدي إلى سوء

* يؤدي إلى غضب الله ومقته . الخاتمة والحساب

* يؤدي إلى الخذلان الدقيق يوم القيامة.

وحرمان التوفيق * يؤدي إلى نفور النفس

والتعرض للفتن من صاحبه.

* يؤدي إلى الخسران المبين.

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



لداء الإعجاب بالنفس تأثيرات سلبية، ومخاطر عظيمة على كل من يصاب به،
ويكفى في بيان خطورته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعده من المهلكات ..
قال صلى الله عليه وسلم:
" .. فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه "[1].

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



فعندما يعجب المرء بنفسه – ولو في جزئية صغيرة – فإنه سيراها بعين التعظيم،
فيثق بها ويتكل عليها في جلب النفع له في هذه الجزئية،
وهذا لون خطير من ألوان الشرك.

يقول ابن تيميه رحمه الله: الرياء من باب الإشراك بالخلق،
والعُجب من باب الإشرك بالنفس[2].

ويؤكد د. محمد سعيد البوطي على هذا المعنى فيقول:
ليس الشرك محصورًا في معناه السطحي المتمثل في عبادة الأصنام وما سوى الله،
أو المتمثل في أن يتجه أحدنا بالدعاء إلى غير الله، بل إن له معنى خفيًا
يتسرب بسبب خفائه إلى أفئدة ونفوس كثير من المسلمين دون معرفة له وشعور به،
وذلك هو مصدر خطورته، إذ لا يصادف عملًا صالحًا، أوعبادة من العبادات
أو نوعًا من أنواع الجهاد، إلا أحبطه وأفقده قيمته،
وحوله من طاعة مبرورة إلى معصية وشرك، وصدق الله القائل:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [ يوسف: 106 ].
.. هذا الشرك الخفي هو أن يرى الإنسان من ذاته شيئًا هو مبعث القوة إن سار وتحرك،
ومبعث الدراية والفهم إن علم وتعلم، أو مبعث الملك والغنى إن شبع وتنعم،
أو مبعث الغلبة والقهر إن قدر وتحكم.

فهذه كلها أوهام تناقض الحقيقة التي ركب منها الإنسان، ومِن ثَمّ فهي تناقض التوحيد،
وتناقض حال من يزعم أنه موحد من حملة هذه الأوهام[3].

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



يقول النووي: اعلم أن الإخلاص قد يعرض له آفة العُجب،
فمن أعجب بعمله حبط عمله، وكذلك من استكبر حبط عمله[4]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [ البقرة: 264 ].

فإن قلت: ولماذا يحبط العُجب العمل الصالح ؟!

كان الجواب: لأن الله عز وجل لا يقبل إلا ما كان خالصًا لوجهه،
واستعين به سبحانه على أدائه، والمُعجب يستعين بنفسه أكثر مما يستعين بالله،
لذلك قال ابن تيمية: المُعجب بنفسه لا يحقق إياك نستعين،
كما أن المرائي لا يحقق إياك نعبد.

فالعُجب يحبط العمل الصالح الذي قارنه لأنه ينافي الإخلاص لله عز وجل …

كان المسيح عليه السلام يقول: يا معشر الحواريين كم من سراج قد أطفأته الريح،
وكم من عابد قد أفسده العُجب[5].

فيا بؤس المُعجب بنفسه، وهو يرى عمله الذي بذل فيه جهده قد أُحبط ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان،
فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء: إنها خطيئة فليستقبل العمل"[6].

ويطلق يحيى بن معاذ تحذيرًا شديدًا فيقول: إياكم والعُجب، فإن العُجب مهلكة لأهله،
وإن العُجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .. فالذي يبيت نائمًا ويصبح نادمًا،
خير ممن يبيت قائمًا ويصبح مُعجبا.

قيل لابن المبارك: ما الذنب الذي لا يغفر؟ قال: العُجب.
وكان الصالحون يرون: أنه يموت مذنبًا نادمًا أحب إليهم من أن يموت مُعجبا.

جاء في الحديث: " كان رجلان في بني إسرائيل متواخيان، وكان أحدهما مذنبًا
ولآخر مجتهدًا في العبادة، وكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول أقصر.
فوجده يومًا على ذنب، فقال له: أقصر. فقال: خلني وربي، أبعثت على رقيبًا ؟!
فقال: والله لا يغفر الله لك، أو: لا يدخلك الله الجنة، فقبض روحهما،
فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالمًا،
أو كنت على ما في يدي قادرًا ؟! وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي،
وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار "[7].

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



قال صلى الله عليه وسلم:
" من تعظم في نفسه، واختال في مشيته، لقى الله وهو عليه غضبان"[8].

وقال عليه الصلاة والسلام:
" النادم ينتظر الرحمة، والمُعجب ينتظر المقت"[9].

فإن قلت: لماذا يتعرض المُعجب بنفسه لمقت الله ؟!

يتعرض لذلك لأنه جاحد لفضل ربه العظيم عليه ..

تخيل أنك تساعد شخصًا على قضاء حاجة له، فإذا به يذهب بعد
قضائها إلى آخر ليحمده .. ماذا ستكون مشاعرك نحوه ؟!
وماذا لو تكرر ذلك مرات ومرات ؟!

إنه لمن الطبيعي أن يفرح العبد بفضل ربه،
على كل نعمة يسديها إليه، وعمل صالح يوفقه إلى فعله.

فإن لم يفعل ذلك وجحد نعم ربه عليه، بل فرح بنفسه وحمدها على ما لم تفعله،
فماذا سيكون وضعه عند ربه ؟! .. إنه المقت والعياذ بالله.

لذلك قال ابن الحاج في المدخل: من كان في نفسه شيء فهو عند الله لا شيء[10].

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



اتق الله وارض بالدون من المجالس، ولا تؤذ أحدًا، فإنه لو ملأ علمك
ما بين السماء والأرض مع العُجب ما زادك الله به إلا سفالًا ونقصًا.

وقيل للسيدة عائشة رضي الله عنها: متى يكون الرجل مسيئًا ؟
قالت: إذا ظن أنه محسن[11].


انظر إلى ما حدث للمسلمين في غزوة حنين عندما اتكلوا على قوتهم
وأعجبوا بها حيث كان الجيش الإسلامي كبيرًا لدرجة أن العُجب
قد دخل إلى بعض النفوس، كما قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ
بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [ التوبة: 25 ].

يقول المباركفوري: وبينما ينحدرون في وادي حُنين، و هم لا يدرون
بوجود كمائن العدو في مضايق هذا الوادي، إذا بكتائب العدو قد شدت عليهم
شدة رجل واحد، فانشمر المسلمون راجعين، لا يلوى أحد على أحد،
وكانت هزيمة منكرة، حتى قال أبو سفيان بن حرب وهو حديث عهد بالإسلام:
لاتنتهي هزيمتهم دون البحر، أي البحر الأحمر.
وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جهة اليمين وهو يقول:
" هلموا إليّ أيها الناس، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله "
ولم يبق معه في موقفه إلا عدد قليل من المهاجرين وبعض أهل بيته[12].

ولقد بعث أبو بكر لخالد بن الوليد رضي الله عنهما رسالة بعد انتصاراته في العراق
: فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة فأتم يتم الله لك. ولا يدخلنك عُجب فتخسر وتخذل،
وإياك أن تدل بعمل فإن الله له المَنّ وهو ولي الجزاء[13].

وقال الحسن: ليس بين العبد وبين ألا يكون فيه خير إلا أن يرى أن فيه خيرًا.

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



فالمُعجب ينظر لنفسه بعين الرضا، ولا ينظر إليها بعين الاتهام والحذر،
فإذا ما رضي الإنسان عن نفسه انقاد لما تحبه، وتدعو إليه،
لذلك يقول ابن عطاء: أصل كل معصية وغفلة وشهوة: الرضا بالنفس،
وأصل كل طاعة ويقظة وعفة: عدم الرضا منك عنها، ولأن تصحب
جاهلًا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالمًا يرضى عن نفسه.
فأي علم لعالم يرضى عن نفسه ؟! وأى جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه ؟![14].

ومن خطورة العُجب أنه يوقع العبد فيما حذر منه يوسف بن الحسين
للجنيد عندما قال له: لا أذاقك الله طعم نفسك فإن ذقتها لا تفلح.
وفي رواية: فإنك إن ذقتها لم تذق بعدها خيرًا أبدًا[15].
وفي الأثر: قال الله عز وجل لداود عليه السلام: ياداود إني قد آليت على نفسي
أن لا أثيب عبدًا من عبادي إلا عبدًا قد علمت من طلبه وإرادته وإلقاء
كنفه بين يدي أنه لا غنى له عني، وأنه لا يطمئن إلى نفسه بنظرها وفعالها
إلا وكلته إليها ...أضِف الأشياء إلي؛ فإني أنا مننت بها عليك[16].

قد يؤدي إلى سوء الخاتمة والتعرض للحساب الدقيق يوم القيامة:

قال صلى الله عليه وسلم:
" لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر"[17].
قال عمر: من قال إنه عالم فهو جاهل، ومن قال إنه في الجنة فهو في النار.

وقال قتادة: من أعطى مالًا، أو جمالًا، أو علمًا، أو ثيابًا
ثم لم يتواضع فيه كان عليه وبالًا يوم القيامة[18].

وفي الأثر: أوحى الله إلى داود: يا داود، أنذر عبادي الصديقين،
فلا يعجبن بأنفسهم ولا يتكلن على أعمالهم. فإنه ليس أحد من
عبادي أنصبه للحساب، وأقيم عليه عدلي إلا عذبته من غير أن أظلمه.

وبشر عبادي الخطائين: أنه لا يتعاظمني ذنب أن أغفره، وأتجاوزه[19].

قال تعالى:
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا
[القصص: 83].

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



فالناس لا تحب من يُشعرها بنقصها، ويحدثها من علٍ. والناس
لا تحب من يُكثر الافتخار بنفسه والمباهاة بإنجازاته ..

لذلك قد ترى المُعجب بنفسه كثير المعارف لكنه قليل الأصحاب والأصدقاء.

يقول مصطفي السباعي: نصف الذكاء مع التواضع أحب إلى قلوب الناس
وأنفع للمجتمع من ذكاء مع الغرور[20].

يؤدي إلى الكبر وعدم القدرة على قبول الحق ومن ثم الخسران المبين:

إعجاب المرء بنفسه ورؤيتها بعين التعظيم يؤدي إلى رؤية الآخرين بعين النقص،
وشيئًا فشيئًا ينمو هذا التصور داخله حتى يصير به متكبرًا، ويكتب في
الجبارين كما قال صلى الله عليه وسلم:
" لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم "[21].

فالكبر إذن ثمرة طبيعية من ثمرات العُجب، أما خطورته فتفوقه بكثير،
يقول صلى الله عليه وسلم:
" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر "[22].

ويتحدث أبو حامد الغزالي عن خطورة الكبر فيقول: وإنما صار الكبر
حجابًا دون الجنة، لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلها،
وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة، والكبر وعزة النفس يغلقان تلك الأبواب كلها.
لأنه لا يقدر على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين وفيه العز، ولا يقدر
على أن يدوم على الصدق وفيه العز، ولا يقدر على ترك الحسد وفيه العز،
ولا يقدر على النصح اللطيف وفيه العز، ولا يقدر على قبول النصح وفيه العز،
ولا يسلم من الازدراء بالناس واغتيابهم وفيه العز .. فما من خلق ذميم
إلا وصاحب العز والكبر مضطر إليه ليحفظ عزه وما من خلق محمود
لا وهو عاجز عنه خوفًا من أن يفوته عزه[23].

وفي النهاية: يلخص الدبوسي في كتابه " الأمد الأقصى " خطورة العُجب وما يسببه من هلاك وخذلان فيقول:
دمار العُجب يشمل الدارين، فكان عملًا بلا جدوى،
وما هو إلا عمل الحمقى. ولا نرى مُعجبا إلا ممقوتًا بين الناس،
فكيف حاله مع ربه وهو مشرك بعجبه[24].

قال صلى الله عليه وسلم: " لو لم تذنبوا لخشيت عليكم
ما هو أشد من ذلك: العُجب "[25].

وقال ضرار بن مرة يقول إبليس: إذا استمكنت من ابن آدم ثلاث
أصبت منه حاجتي: إذا نسي ذنوبه، واستكثر عمله، وأعجب برأيه.

وخلاصة القول – ما يقول الماوردي -: إن العُجب سيئة تحبط كل حسنة،
ومذمة تهدم كل فضيلة، مع ما يثيره من حنق، ويكسبه من حقد[26].

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
[1] حسن، أخرجه الطيالسي عن ابن عمر، وأورده الألباني
في صحيح الجامع ح ( 3045 ) .
[2] العجب لعمر بن موسى الحافظ ص 11 نقلًا عن الفتاوى 10 / 277 .
[3] شرح الحكم العطائية للبوطي 2 / 292، 293 .
[4] شرح الأربعين للنووية .
[5] منهاج العابدين لأبي حامد الغزالي ص 197 – مكتبة الجندى – القاهرة .
[6] صحيح، رواه الطبراني عن جندب وأورده الألباني في
صحيح الجامع، ح ( 4347 ) .
[7] صحيح، رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني
في صحيح الجامع ح ( 4455 ) .
[8] صحيح، رواه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب
المفرد عن ابن عمر، وأورده الألباني في صحيح الجامع ح
( 6157 ) والصحيحة ح ( 543 ) .
[9] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان برقم ( 7254 ) .
[10] المدخل لابن الحاج 2 / 25 – دار الكتب العلمية – بيروت .
[11] العدب لعمر بن موسى ص31 .
[12] الرحيق المختوم للمباركفوري ص 467، 468 بتصرف يسير .
[13] الأخفياء لوليد سعيد با حكم 129 دار الأندلس الخضراء
– جدة نقلًا عن تاريخ الطبرى 3 / 385 .
[14] الحكم العطائية .
[15] سير أعلام النبلاء 14 / 249 .
[16] المدخل لابن الحاج .
[17] أخرجه النسائي في سننه، وصححه الألباني في صحيح
الجامع ح ( 7676 ) .
[18] إحياء علوم الدين 3 / 528 .
[19] الزهد للإمام أحمد .
[20] هكذا علمتني الحياة لمصطفي السباعي .
[21] سبق تخرجه .
[22] سبق تخرجه .
[23] إحياء علوم الدين 3 / 344، 345 .
[24] الأمد الأقصى ص 156 – دار الكتب العلمية – بيروت .
[25] رواه البيهقي في شعب الإيمان (5/453، رقم 7255)،
والديلمي (3/371، رقم 5126)، وقال الألباني في صحيح
الترغيب والترهيب: حسن لغيره، ورواه البزار بإسناد جيد.
[26] أدب الدنيا والدين ص 232 .
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



ديزاين فور يو لحلول تقنية المعلومات