صفحة بيت عطاء الخير
بطاقات عطاء الخير
تويتر عطاء الخير الرسمي
مجموعة بيت عطاء الخير الرسمية
بحث في موقع الدرر السنية
 

بحث عن:

ابحث بالموقع
تاريخ اليوم:

  المستشار نبيل جلهوم  
المهندس عبدالدائم الكحيل الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى بطاقات عطاء الخير
دروس اليوم أحاديث اليوم بطاقات لفلي سمايل


مجموعات Google
اشترك فى مجموعة بيت عطاء الخير
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة

تسجيل دخول اداري فقط

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-23-2018, 05:59 AM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 57,597
افتراضي خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :الأخوة الإسلامية

خُطَبّ الحرمين الشريفين
خطبتى الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان:
الأخوة الإسلامية،

والتي تحدَّث فيها عن الأُخُوَّة الإسلاميَّة، والوحدة الدينيَّة؛ إذ بيَّن أن الشَّريعة
الإسلاميَّة جاءَت بالأُخُوَّة والاعتِصام، والتحذيرِ مِن الفُرقةِ والانقِسام،
مُعرِّجًا على بيانِ فضلِ الصُّلحِ بين المُسلمين وأنَّ ذلك يعُودُ
إيجابًا على الأمةِ الإسلاميَّة كلِّها بالنَّفع والعِزَّة والاستِقرار.

الخطبة الأولى

الحمدُ لله، الحمدُ لله على ما خوَّلَنا مِن آلاء الأُلفة وأَولَانا، أحمدُه - سبحانه -
ترادَفَ فضلُه على عبادِه هتَّانًا، فأَولَى الشَّاكِرين زيادةً وإحسانًا، وأشهدُ أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تُزكِّي مِنَّا قلوبًا وتعمُرُ أوطانًا،
وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا مُحمدًا عبدُ الله ورسولُه أتقَى البريَّة إنسانًا،
وأطهَرُها جوارِح وجَنانًا، صلَّى الله عليه وعلى آله الباذِلِين في الله مُهَجًا وأزمانًا،
وصحبِه الذين تقارَضُوا الوُدَّ ألوانًا، وكانوا في الذَّودِ عن الديار فُرسانًا،
والتابِعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ يبتَغُون فضلًا مِن الله ورِضوانًا،
وسلَّم تسليمًا كثيرًا مُبارَكًا إلى يوم الدين.
أما بعد:

فاتَّقُوا الله - عباد الله - حقَّ التقوَى، واسعَوا في تحصِيلِها والتِماسِها،
واستَضِيئُوا دَومًا بنِبراسِها؛ تلِنْ لكم القلوبُ العصِيَّة بعد شِماسِها، وتُحقَّقُ
لكم السعادةُ العُظمَى في أطراسِها،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا }

[آل عمران: 102، 103].
مَن يَتَّقِ اللهَ فِي الأعماقِ مُتَّجِهَا

إلى الإلَهِ سيَرقَى عَالِيَ الرُّتَبِ

ويَنهَلُ الحقَّ شَلَّالًا بخَافِقِهِ

ويُلجِمُ النَّفسَ إذعانًا لمُجتَنَبِ

معاشِر المُسلمين:
عاشَت الأمةُ الإسلاميةُ خلالَ أيامٍ موسِمًا عظيمًا، وعيدًا سعيدًا كريمًا،
وإنَّ في اختلافِ الليلِ والنهارِ لآياتٍ وعِبرًا لأُولِي الألباب وعِظات.
فما أسرَعَ مُرورَ الليالِي والأيام، وكرَّ الشُّهُور والأعوام!
فها هو شهرُ الصيام وموسِمُ العيد السعيد قد مرَّ كلَمحةِ برقٍ أو غَمضَةِ عينٍ.
فطُوبَى لمَنْ كانَت التَّقوَى بِضاعَتَهُ

فِي شَهرِهِ وبِحَبلِ اللهِ مُعتَصِمَا

قال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -:
إنَّ الله لم يجعَل لعملِ المُسلمِ أجَلًا دُون المَوتِ
، وقرأَ قولَه تعالى:
{ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }
[الحجر: 99].
وإنَّ مِن علاماتِ القَبُول وأماراتِه:
الثَّباتَ على الطاعةِ بعد انقِضاءِ رمضان والعيدِ وفَوَاتِه.
قال الإمامُ عليُّ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه -:
كُونُوا لقَبُول العمل أشدَّ اهتِمامًا مِنكُم بالعمل، ألم تسمَعُوا إلى قولِ الله –
عزَّ وجل -:
{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }
[المائدة: 27]؟! .
فيا مَن أقبَلتَ على ربِّك في شهر الصِّيام! لا تَكسَل ولا تَتوانَى، وكُن مِن
عبادِ الله الشَّاكِرين؛ فإنَّ مِن شُكرِ نِعمةِ الله - عزَّ وجل - على توفيقِه
للصِّيام والقِيام أن يستمرَّ المُسلمُ على طاعةِ الله - سبحانه - في حياتِه كلِّها،
ومِن علامةِ قَبُول الحسنةِ الحسنةُ بعدَها.
ولقد كان سلَفُنا الصالِحُ - رحمهم الله - يَدعُون اللهَ تعالى بعد رمضان أن
يتقبَّلَ مِنهم الطاعات، وقد نَدَبَكم نبيُّكم - صلى الله عليه وسلم - إلى صِيامِ
سِتَّةِ أيامٍ مِن شوال، وجعَلَ صِيامَها بعد رمضان كصِيامِ الدَّهر، كما في
حديثِ أبي أيوب - رضي الله عنه -، الذي خرَّجَه مُسلمٌ في صحيحه .
تقبَّل الله مِنَّا ومِنكم صالِحَ الأعمال.
أيها المُسلمُون:

لقد جاءَت الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ بالأُخُوَّة والاعتِصام، والتحذيرِ مِن الفُرقةِ والانقِسام،
وفي مُزدَحِمِ شُؤُون الحياةِ ومشاغِلِها، وفي دوَّامة قضايا الأمة ومُتغيِّراتها،
ينسَى كثيرُون - بل يتناسَون - مقصِدًا مِن أجَلِّ مقاصِدِ إسلامِنا الحقِّ،
وشريعتِنا الغرَّاء، ذلكم هو مقصِدُ الأُخُوَّةِ الإسلاميَّة، والوحدة الدينيَّة،
فيُحِلُّون محلَّ الاجتِماع والائتِلاف التفرُقَّ والاختِلافَ،
غافِلِين عن قولِ الحقِّ - تبارك وتعالى -:
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }
[التوبة: 71]،
وقولِه - سبحانه -:
{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }
[الأنبياء: 92].
فالأُخُوَّةُ الإسلاميَّةُ مقصِدٌ عظيمٌ مِن مقاصِدِ شريعتِنا البَلْجاء، وليس لأحدٍ
مِن أبناءِ الأمة أن يشُقَّ عصاهُ مِن أجلِ أهواء شخصيَّة، أو أطماعٍ دنيويَّة،
أو تعصُّباتٍ حِزبيَّة، بل الأوجَبُ الاعتِصامُ بالجماعة، وحُسن السمع للإمام والطاعة.
فالاتِّحادُ والإخاءُ هو لُبُّ الإسلام المَصُون، وجَوهَرُه المَكنُون،
وقِوامُ السيادة والسياسة، وطُنُبُ الحكمة والكِياسة.
يقولُ الإمامُ الطحاويُّ - رحمه الله -:
ونرَى الجماعةَ حقًّا وصوابًا، والفُرقةَ زَيغًا وعذابًا .
ويقولُ شيخُ الإسلام - رحمه الله -:
ثم إنَّ الاعتِصامَ بالجماعة والائتِلاف مِن أصولِ الدين .
ويبرُزُ ذلك - يا رعاكم الله - في فُشُوِّ ظواهِر خطيرة لها آثارُها البالِغة
في توسِيع هُوَّة الخلافِ في الأمة وتقطيعِ جسَدِها الواحِد إلى
أوصال مُتناثِرة، وأشلاء مُتنافِرة.
ومَن أمْعَنَ النَّظَر في آفاقِ التاريخ العافِي والأَمَم، واستقرَأَ أحوالَ الأُمَم،
وما نابَها مِن غِيَر الدُّثُور بعد الاستِقرار والظُّهور عبر الدُّهور،
الفادُون عناء، وبمَدِيدِ الجلاء أنَّ ما أصابَها مِن التشرذُم والفناء،
والهلَكَة والامِّحاء إنما سببُه التنازُع والشِّقاقُ، والتخالُفُ والافتِراق،
فهو الخَطْبُ الرَّاصِد، والبلاءُ الوافِد، والجَهلُ الحاصِد.
وماذا تَجنِي مُجتمعاتٌ تُضرِمُ السَّخائِم والعصبيَّات، وتُورِثُ الأوجالَ والمعَرَّات،
وهي تعلَمُ أنَّ الخلافات والنَّعَرات سَهمٌ غَرَبٌ يجعَلُ النَّظيمَ
أشتاتًا مُتناثِرة، والأمةَ المُتراصَّة طرائِق مُتنافِرة، والقُوَى المَرِيرة
مُزَعًا مبثُوثة، والصُّفوفَ المُعتصِمَة أبادِيدَ منكُوثة، قد غشَّاها البَأْوُ
والوَهم، وجَفاهَا الحِجَى والفَهم. وتلك رَجوَى العدوِّ مِنَّا،
ومطمَحُه الأخيرُ فينا، يقولُ - سبحانه -:
{ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }
[الأنفال: 46].
ولن يصُدَّ تيَّارَ هاتِيك التشدُّد وأتِيَّه، ولن يُقَوِّمَ مُعوَجَّه وعصِيَّه إلا
اتِّحادُ المُسلمين وتلاحُمُهم، وترابُطُ أواخِيهم وتراحُمُهم، وتلك هي الشَّعيرةُ
التي احتَفَى بها الإسلامُ أيَّما احتِفاء، فوطَّدَها وعزَّزَها ووتَّدَها.
أليست هي عِمادَ القُوَّة والمُنَّة؟! ونِعمَت النِّعمةُ والمِنَّة؟! وذلك لما يترتَّبُ
عن الاتِّحاد والأُخُوَّة مِن
المحبَّة والوِداد، واستِئصال السَّخائِم والأحقادِ،
والتفرُّغ للإعمارِ والبِناء، والتطويرِ والنَّماء.
إخوة الإيمان:
ورغمَ ما تُعانِيه أمَّتُنا الإسلاميَّةُ مِن تشتُّتٍ وتفرُّقٍ، إلا أن تباشِيرَ
الأمل والضِّياء تُبدِّدُ دائمًا دياجِيرَ الظُّلَم واليأس.
وفي هذه الآوِنة العصِيبَة، والحُقبة التأريخيَّة اللَّهِيبة أُثلِجَت صُدورُ المُؤمنين،
وقرَّت أعيُنُ الغَيُورِين مع أفراحِها بالعيدِ السَّعيد، تجدَّدَت أفراحُها بحدَثٍ كبيرٍ،
وعملٍ جليلٍ، وإنجازٍ تأريخيٍّ، وعملٍ استِثنائيٍّ، ألا وهو المُصالحةُ
بين أبناءِ الشَّعب الأفغانيِّ الأبِيِّ؛ عملًا بقولِه تعالى:
{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا }
[آل عمران: 103].
واستِبصارًا بقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -:
(عليكُم بالجماعة، وإيَّاكُم والفُرقَة )؛
أخرجه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
وقد قال عبد الله بن مسعُودٍ - رضي الله عنه -:
عليكُم بالجماعة؛ فإنَّ الله لن يجمعَ أُمَّةً مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم –
على ضلالةٍ .
لقد جاءَت هذه المُصالحةُ المُبارَكةُ لتُبدِّدَ غياهِبَ الغُمَّة التي أظَلَّت الأمة،
فتُفيقَ مِن تَهوِيمِها الذي طالَ أمَدُه، وتَغوِيرِها الذي اسبَطَرَّ عمَدُه، وتعُودَ
هذه البلادُ الإسلاميَّةُ العَريقةُ إلى سابِقِ مَجدِها ورِفعتِها، وتسترِدَّ سامِقَ
عِزِّها ومكانتِها، ولتحقيقِ العفوِ والصُّلح بين المُسلمين، قال تعالى:
{ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ }
[النساء: 128].
وبمشاعِرِ الحُبِّ التي تجِلُّ عن الوَصفِ، وبعواطِفِ التقديرِ التي يقصُرُ
عنها الرَّصفُ، أرسلَتْها بلادُ الحرمين الشريفين هتِيفةً مُشفِقةً حانِية؛
إشادةً بهذه المُصالَحة المُبارَكة، وتجديدِ الهُدنة المُوفَّقة التي تمَّ التوصُّلُ
إليها بين الأفراد الأفغانيَّة لفترةٍ أطوَل؛ ليتسنَّى للجميعِ العملُ على تحقيقِ الأمنِ والسلامِ
لأبناءِ الشعبِ الكِرامِ.
فالشعبُ الأفغانيُّ الشَّقيقُ له مكانتُه المرمُوقة في العالَم الإسلاميِّ، وله
صفحةٌ ناصِعة، وسجِلٌّ حافِلٌ في الجِهاد في سبيلِ الله، وقد عانَى كثيرًا
مِن وَيلاتِ الحُروب، يتطلَّعُ ويتطلَّعُ معه العالَمُ الإسلاميُّ إلى طَيِّ صفحة الماضِي،
وفتحِ صفحةٍ جديدةٍ قائِمةٍ على التسامُح والتصالُح، ونَبذِ العُنف وإراقة الدماء،
والمُحافظَة على حياةِ الأبرِياء؛ استِنادًا إلى التعاليمِ
الإسلاميَّةِ العظيمةِ التي تدعُو إلى نَبذ الفُرقة والخِلاف، والتعاوُن على
البِرِّ والتقوَى، والعفوِ والإصلاحِ بين الإخوة، قال تعالى:
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }
[الحجرات: 10].
إنَّ الجماعةَ حَبلُ الله فاعتَصِمُوا

مِنْهُ بعُروتِهِ الوُثقَى لمَنْ دَانَا

لولا الأئِمَّةُ لم تُؤْمَنْ لنا سُبُلٌ

وكانَ أضعَفُنا نَهبًا لأقوَانَا

وقد دعَمَت بلادُ الحرمين الشريفين - حرسَها الله - حكومةً وشعبًا، ومِن
خلالِ مُؤسَّساتِها الرسميَّة قرارَ المُصالَحة؛ لأنه قرارٌ حكيمٌ، قائِمٌ على
هَديٍ مِن الشريعة، وقِيَمِها الرفيعة، ويهدِفُ إلى صالِح شعبٍ مُسلمٍ عزيزٍ،
وتجاوُز الخلافات التي عانَى مِنها طويلًا، ولم تُجْدِ مُواجهاتُها إلا مزيدًا
مِن إراقة الدماء والدمار، والعداوة والتناحُر والتَّبار.
والأمةُ الإسلاميَّةُ والإنسانيَّةُ أحوَجُ ما تكونُ لتغليبِ منطِقِ العقل والحِكمة والحِوار،
لتحقيقِ مصالِحها العُليا على كافَّة المطامِع، والنِّزاعاتِ الضيِّقة التي تعُودُ
خسائِرُها بأكثر مِن مكاسِبِها الموهُومة، وللتأريخِ في هذا
شواهِدُ ماثِلة لا يعتبِرُ بها إلا مَن وفَّقَه الله تعالى.
ومِن مِنبَر الحرم الشريف: هذه دعوةٌ حرَّاء، مُضمَّخةٌ بالوُدِّ والوفاء
إلى مُواصَلة الجُهود نحو المزيدِ مِن التوافُقِ والتصالُحِ والتسامِي دومًا فوقَ الخِلافات.
هيَّا إلى التنافُسِ الشريفِ، والتسابُقِ المحمُود، والإنجازِ الرائِع،
والإبداعِ المُتألِّق دُون تعصُّبٍ أعمَى، أو تجريحٍ للآخرين وازدراءٍ لهم؛
فمَيدانُ العمل مفتُوحٌ تحت مِظلَّةٍ رسميَّةٍ مأمُونة تُحقِّقُ
المودَّةَ والتجرُّد، ورُوحَ الترابُط،
في حِكمةٍ رَصِينةٍ مُتوَّجةٍ بأَوفَى الضوابِط المُحكَمة، تُحيِي التُّراثَ الإسلاميَّ
الحضاريَّ المُعتبَر، والمورُوثَ الاجتماعيَّ المُزدَهِر.
ولتكُن هذه البدايةُ انطِلاقةً لعمليَّةِ سلامٍ ومُصالَحةٍ حقيقيَّةٍ شامِلةٍ ينعَمُ
بظِلِّها شعوبُ المنطِقة بالأمنِ والأمانِ، والسلامِ والاطمِئنان،
ولتزأَر فيكُم - أيها المُتصالِحُون - دُون إبطاءٍ آمالُ التحدِّي للشِّقاقات، ولتُزَمجِر في
دواخِلِكم اعتِبارُ أعلَى المقاصِد في الأمة والمآلات، ولتتدفَّق في مرابِعِكم
شلَّالاتُ الحُبِّ والوُدِّ والوِفاق والمكرُمات؛ حِفاظًا على سُمعة هذا البلَد الإسلاميِّ،
وإرثِه الحضاريِّ، ونَبذ العُنف والسِّلاح، ومُواصَلة الحِوار
لتجاوُز كافَّة سُبُل النِّزاع، ومتى تجرَّدَت النُّفوسُ لهذا الغرضِ النَّبِيل،
كان العَون والتأييد، وحصَلَ الخَيرُ والأمنُ والسلامُ، والمحبَّةُ والمودَّةُ والوِئام.
وإنَّكم - بإذن الله - لفاعِلُون، وإنَّ الغَيُورين لينتظِرُون،
وربُّنا الرحمن المُستعان على ما تصِفُون.
حقَّقَ الله الرَّجاء، وحقَنَ الدماء، ووقَى الجميعَ شرَّ الثَّارات والخلافات،
ووفَّقَنا لخالِصِ النيَّات، وأسمَى الأُمنِيات.
تلكُم لعَمْرِي أنماطٌ لوحدتِنا

فهَل تُرانَا لصَوتِ العَقلِ نمتَثِلُ؟!

فنَكتُبُ اليومَ للتأريخِ ملحَمَةً

تُفِيضُ حُبًّا وتِيهًا إنَّهُ أمَلُ

سدَّد الله الخُطَى، وبارَكَ في الجُهود، وحقَّق الآمال، ووفَّقَنا لصالِح
الأقوال والأعمال، إنه خيرُ مسؤُول، وأكرَمُ مأمُول.
أعوذُ بالله مِن الشيطان الرجيم:
{ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ
إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ
نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }

[النساء: 114].
بارَكَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكُم بهَدْيِ سيِّد المُرسَلين،
إنَّه جوادٌ كريمٌ، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم؛
فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إن ربِّي لغفورٌ رحيم.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله أَولَانا نِعمًا غِداقًا، وحبَانَا اعتِصامًا واتِّفاقًا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله
وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبيِّنَا مُحمدًا عبدُ الله ورسولُه أزكَى البريَّة
قَدرًا وأعظمُها أخلاقًا، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِه وصحبِه
المُدبَّجِين مِن المكارِمِ أطواقًا، والباذِلِين للآخرة مُهَجًا وأشواقًا ومَن تبِعَهم بإحسانٍ
إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتَّقُوا الله - عباد الله -، ولتكُن تقوَى الله على الدوامِ حافِزًا لكم على
الاجتِماع والاعتِصام، ونَبذ الفُرقة والانقِسام.
أمة الإسلام:
إنَّ الحِفاظَ على النَّسيج الاجتماعيِّ في الأوطان والأمة واجِبٌ دينيٌّ،
ومقصِدٌ شرعيٌّ، وعدمُ بثِّ الفُرقة والاختِلافات،
والتشتُّت والانقِسامات، والشَّائِعات والافتِراءات.
أمة الإيمان:
وبهذه المُناسَبةِ العظيمةِ، والمُصالَحة الكريمة يُنوَّهُ بجُهودِ هذه البلادِ
المُبارَكة المملكة العربية السعودية؛ فهي مُنذ تأسِيسِها وهي تُولِي قضايا
الإسلام والمُسلمين في كل مكانٍ الاهتِمامَ والعِناية، والحِرصَ والرِّعاية،
وتجعَلُ عِلاجَ قضايا الأمة مِن أُسُسها وثوابتِها الرَّاسِخة.
وما البيانُ الصادِرُ عن خادمِ الحرمَين الشريفَين الملكِ سلمان بن عبد العزيز
- حفظه الله - إلا أنمُوذجٌ مُشرِقٌ لمواقِفِ هذه البلاد المُبارَكة،
فهي اليدُ الحانِية، والبَلسَمُ الشافِي لجِراحاتِ الأمة، وقد عبَّر باهتِمامٍ
بالِغٍ عن حِسِّه الإيمانيِّ، ووِجدانهِ الإسلاميِّ والإنسانيِّ الكبير،
وما أبانَه - رعاه الله وأيَّدَه - مِن سُرورِه وترحِيبِه وكلِّ مُسلمٍ بهذه الخُطوةِ
المُبارَكة، وتأييدِه لها، وأمَلِه أن يتمَّ تجديدُها والبِناءُ عليها لفترةٍ أطوَل؛
ليتسنَّى لجميعِ الفُرقاء العملُ
على تحقيقِ الأمنِ والسلامِ للشعبِ الأفغانيِّ المُسلمِ الأبِيِّ.
فهنيئًا لكم أشِقَّاءَنا الأعِزَّاء بهذه الهُدنة المُسدَّدة، ويا بُشراكُم بهذه
المُصالَحة المُبارَكة التي تجعَلُ مِن خلافِ الأشِقَّاء سحابَةَ صَيفٍ عما قريبٍ تنقَشِع.
وإنَّنا مِن مِنبَر المسجِدِ الحرامِ لنَدعُو إخوانَنا الأشِقَّاء مِن أبناءِ
شَعبِ أفغانِستان المُسلم - وقد وفَّقَهم الله إلى هذه الخُطوة الميمُونة –
إلى الاستِمرار ومُواصَلَة وتوثِيقِ روابِط الأُخوَّة، والتعاوُن معًا للمُحافظة
على المُقدَّرات والمُكتسَبات، وبِناءِ مُستقبَل بلادِهم، وجَعل مصلَحة وطنِهم
فوقَ كلِّ الاعتِبارات، مُفوِّتِين الفُرصةَ على المُغرِضِين والمُتربِّصِين،
مُرتَقِين عالِيًا بمعانِي أُخوَّتهم وقِيَمهم الدينيَّة، ولُحمَتهم الوطنيَّة.
لتأخُذ أفغانُنا المُسلمةُ وضعَها اللَّائِقَ بها في منظومتها الإسلاميَّة والعالميَّة،
وأن يجِدُوا في دعوةِ خادمِ الحرمين الشريفين - وفَّقه الله -
مِن مُنطلَق الرسالة الإسلاميَّة في بُعدِها الإسلاميِّ الكبير،
والإنسانيِّ العميق، والحضاريِّ الوَثِيق، وقِيَمها العُليا الحاضِنة للجميع
أُسوةً حسنةً، وأنموذجًا يُحتفَى حولَ مطالِبِها الأخويَّة المُشفِقة والمُحِبَّة،
والداعِمة لكل خيرٍ وتصالُحٍ في بلادِ الأفغان، وفي كل مكانٍ.
والله المسؤُول أن يُوفِّقَ الإخوةَ الأفغانَ إلى ما فيه مصلَحةُ بلادِهم،
وأن يُصلِحَ ذاتَ بينهم، ويُحقِّقَ لهم الأمنَ والسلامَ والاستِقرارَ،
وسائِرَ بلادِ المُسلمين، وأن يجزِيَ خادمَ الحرمين الشريفين وولِيَّ عهدِه خيرَ الجزاء
على حِرصِهم على نُصرة قضايا الإسلام والمُسلمين في بلاد الأفغان وفي
كل مكانٍ، وأن يجعلَه في موازين أعمالِهم الصالِحة، إنه جوادٌ كريمٌ.
هذا، وصلُّوا - رحِمَكم الله - على خَيرُ الورَى، كما أمرَكم بذلك ربُّكم - جلَّ وعلا -،
فقال تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيِّد الأولِين والآخرِين، ورحمةِ الله للعالَمين نبيِّنا مُحمدٍ،
وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وارضَ اللهم عن خُلفائِه
الراشِدِين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائِرِ الصحابةِ
والتابِعِين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، واحمِ حَوزَةَ الدِّين،
واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائِرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا
ووليَّ أمرِنا، اللهم وفِّقه لِما تُحبُّ وتَرضَى، وخُذ بناصِيتِه للبرِّ والتقوَى،
وهيِّئ له البِطانةَ الصالِحةَ التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم اجزِه
خيرَ الجزاء وأوفاه جزاءَ ما قدَّم ويُقدِّمُ للإسلام والمُسلمين، اللهم وفِّقه
ووليَّ عهدِه وأعوانَهم إلى ما فِيه عِزُّ الإسلام وصَلاحُ المُسلمين،
ووفِّق قادةَ المُسلمين إلى تحكيمِ شرعِك، واتِّباع سُنَّة نبيِّك –
صلى الله عليه وسلم -.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم،
واغفِر لنا ولوالِدِينا وجميعِ المُسلمين الأحياءِ مِنهم والميتين.
اللهم كُن لإخوانِنا في فلسطين، وفي بلاد الشام، وأصلِح حالَ إخوانِنا في العراق،
وفي اليمَن، ووفِّق رِجالَ أمنِنا، واحفَظهم، ووفِّقهم، وتقبَّل
شُهداءَهم، وعافِ جَرحاهم، واشفِ مرضاهم يا ذا الجلال والإكرام.
سُبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عمَّا يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين،
والحمدُ لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



ديزاين فور يو لحلول تقنية المعلومات