صفحة بيت عطاء الخير
بطاقات عطاء الخير
تويتر عطاء الخير الرسمي
مجموعة بيت عطاء الخير الرسمية
بحث في موقع الدرر السنية
 

بحث عن:

ابحث بالموقع
تاريخ اليوم:

  المستشار نبيل جلهوم  
المهندس عبدالدائم الكحيل الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى بطاقات عطاء الخير
دروس اليوم أحاديث اليوم بطاقات لفلي سمايل


مجموعات Google
اشترك فى مجموعة بيت عطاء الخير
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة

تسجيل دخول اداري فقط

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-26-2015, 09:17 PM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 57,842
افتراضي خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : خلق التغافل

خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم - يحفظه الله


خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
خلق التغافل


والتي تحدَّث فيها عن خُلُقٍ صارَ من نوادر الأخلاق في زماننا، ألا وهو:

التغافُل، مُبيِّنًا الفرقَ بينه وبين الغفلة والغباء، كما ذكر بعض الآيات والأحاديث

والآثار الدالَّة على هذا الخُلُق العظيم .

إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفِرُه ونتوبُ إليه،

ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،

من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،

وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

[ آل عمران: 102 ]

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ

وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً

وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }


[ النساء: 1 ]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)

يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }


[ الأحزاب: 70، 71 ]

فيا أيها الناس :

إن المرءَ العاقلَ هو ذلكم الذي يستحضِرُ على الدوام عدمَ كمال الحياة

التي يعيشُ فيها الناس، ويستحضِرُ على الدوام أيضًا عدمَ كمال الناس أنفسهم،

وأن النقصَ يعتريها ويعتريهم، وأن من سرَّه شيءٌ ربما ساءَته أشياء،

وأن لكلٍّ زلَّةً وهناةٍ فمن ذا الذي تُرضَى سجاياهُ كلُّها ؟! ومن ذا الذي ما ساءَ قطُّ ؟!

لذا فإن لكل نفسٍ حيَّةٍ طبعًا أصيلاً لم يطرَأ عليه ما يُغيِّره،

فكان لزامًا أن تتفاوَت النفوسُ في درجات الثبات والهدوء،

والأناةِ والصفاء أمام المُثيرات التي تؤُزُّ ضِعاف النفوسِ إلى الحُمق والعجَلة أزًّا،

فتفصِل بين ثقة المرء بنفسه وبين أناتِِه وحلمه، وبين أناتِه وحلمِه مع غيره،

بوسيلةٍ يجهلُها كثيرٌ من الناس، قد حصرَها حكماءُ النفوس في خصلة التغافُل أو التغابِي

عن المُكدِّرات في الحياة العامَّة والخاصَّة بين الشعوب والسَّاسة،

والأسرة وأفراد المُجتمع الواحد .

نعم، إنه التغافُل من باب القوة لا الضعف، والحِلم لا العَجز، والصبر لا الخَوَر؛

لأن اتِّساع الأذن لكل مسموع، واتِّساع العين لكل مرئيٍّ كفيلان في تكدير الصفو،

وتفريق المُجتمع، ونصب خِيام سوء الظنِّ في القلب وسط عواصِف الشُّكوك

والإحَن والشَّحناء والبغضاء .

فلا مناصَ حينئذٍ من التغافُل والتغابِي أحيانًا، حتى تسير القافلةُ بأمانٍ؛

لأن المنزلَ بعيدٌ لا يحتمل الالتِفات أثناء المسير .

فإن كثرة الالتِفات من مُعوِّقات الوصول السريع،

ومن أخذ بكل زلَّةٍ على كل أحد فلن يبقَى له في الدنيا زوجةٌ، ولا أخٌ،

ولا صديقٌ، ولا جارٌ؛ إذ لا يشكُّ عاقلٌ البتَّة أن التغافُل أدبٌ جميلٌ

يحملُ صاحبَه على تعمُّد الغفلة والتغابِي، مع علمِه بما هو مُتغافلٌ عنه جلبًا

لمصلحةٍ راجحةٍ، أو درءً لمفسدةٍ راجحةٍ أيضًا.

وهو خُلقٌ نبويٌّ كريمٌ، فقد قال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -:

[ ما استقصَى نبيٌّ قطُّ ]

قال الله عن نبيِّه حين أخطأت بعضُ أزواجه :

{ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ

وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ }


[ التحريم: 3 ].

ومما يزيد على أن عدمَ الاستِقصاء وتتبُّع الزلاَّت،

والحِرص على سلامة الصدر تُجاه الآخرين، وكُره أن يبلُغه شيءٌ مما لا يُسرُّ عنهم،

إنما هو نهجٌ نبويٌّ شريفٌ،

ما جاء في الحديث مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -:

( لا يُبلِّغني أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا،

فإني أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سليمُ الصدر )


رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

المرءُ المحمودُ - عباد الله - هو ذلكم المُتغافلُ الذكيُّ لا المُتذاكي الغافل؛

فإن الأولى كياسةٌ وفِطنةٌ، والأخرى بلادةٌ وحُمقٌ، وقديمًا قيل :

ليس الغبيُّ بسيِّدٍ في قومِه

لكنَّ سيِّد قومِه المُــــتغابِي

وفي لاميَّة ابن الورديِّ حكمتُه المشهورة:

وتغــافل عن أمورٍ إنـــــــــــــــه

ليس يسعَدُ بالخيرات إلا من غفَل

والحاصلُ - عباد الله - أن التغابِي أو التغافُل المحمود هو ما حملَ في طيَّاته

معنى السماحَة واللِّين وغضِّ الطرف، فإنه كلما افتقَر التغابِي إلى هذا المعنى،

فإنه سيُصبِحُ حينئذٍ جُزءً من المشاكل لا جُزءً من الحُلول.

وهذا سرُّ كثيرٍ من الخُصومات والأحقاد والتربُّص بالآخرين .

فإنه ليس من الفُتُوَّة التشبُّث بزلاَّت الآخرين، والفرحُ باستِحصالها على وجه التتبُّع،

والحرث في أرض النوايا، وحملها أكثر مما تحتمِل.

ناهِيكم عن إغلاق أبواب الأعذار والاعتِذار،

وحمل الأخطاء والزلاَّت على أقلِّ الوجوه سُوءً في الظنِّ، وغُلوًّا في النوايا،

والشقِّ عن القلوب، فإن العافيةَ - يا رعاكم الله - لا تُستجلَبُ بمثل ذلكم؛

بل إنها تُوأدُ بذلكم كلِّه.

قيل للإمام أحمد - رحمه الله -: العافيةُ عشرة أجزاء تسعةٌ منها في التغافُل، فقال:

[ العافيةُ عشرةُ أجزاء كلُّها في التغافُل ]

وقال أبو محمد ابن حزم:

[ احرِص على أن تُوصَف بسلامة الجانِب، وتحفَّظ من أن تُوصَف بالدَّهاء،

فيكُر المُتحفِّظون منك، حتى ربما أضرَّك ذلك وربما قتَلَك ]


وللأعمش قولُه:

[ التغافُل يُطفئُ شرًّا كثيرًا ]

بالتغافُل - عباد الله - يُلقِمُ المرءُ خصمَه حجرًا، ويزيدُه وجعًا إلى وجعِه،

ولربما مرَّ على لئيمِ طبعٍ وهو يسبُّه، فيمضِي كأن لم يسمَعه، ولسانُ حالِه يقول:

ربما قصدَ غيرِي!

ولقد أمرُّ على اللئيم يسُبُّني

فمضيتُ ثم قُلتُ لا يـــعنيني

ففي التغافُل يقلُّ الخُصوم، وتسمُو النفسُ إلى معالِي الأمور، وتنأَى عن سفسافِها،

فإن من لم يتغافَل فأكثرَ العتاب، تنافَرَ عنه الأهلُ والجيران، والأصحاب والأحباب،

وقد أحسنَ من قال :

إذا كــنـــتَ فــــي كــــل الأمــــور مُــعــاتِــبًــا

صـديــقَــك لـــم تــلـــقَ الــــذي لا تُـعــاتِــبُــه

فــعِـــش واحــــدًا أو صِــــل أخــــاكَ فـــإنـــه

مُــــفــــارِقُ ذنـــــــبٍ مـــــــرَّةً ومُــجــانِـــبُـــه

إذا أنـت لـم تـشـرَب مِــرارًا عـلــى الـقَــذَى

ظـمِـئـتَ وأيُّ الـنـاس تـصـفُـو مـشـارِبُـه؟!

إن النسيمَ لا يهُبُّ عليلاً على الدوام؛ إذ لا بُدَّ أن يتقلَّب هُبُوبُه،

فتستقبِلَه تارةً وتتَّقِيَه أخرى، وهكذا هي الحياة مع الآخرين، ليست صفوًا على الدوام،

لذا فإن من اشتغلَ بتتبُّع الزلاَّت والمُحاسبة عليها والانتِقام لها،

وأهملَ خُلُق التغافُل في كثيرٍ منها، فإنه سيجِدُ نفسَه يومًا ما وحيدًا يتَّقِيه جُلُّ الناس،

فضلاً عن كونِه ضيَّع وقتَه في إفساد قلبِه بتفويتِ مصالِح الكبرى

في مُقابِل ما هو أقلُّ منها بمراحل، بحيث يتعذَّرُ إدراكُ ما مضَى منها،

فتطيشُ الكليَّات، وتبقَى الجُزئيَّات .

ومعلومٌ أن من حرِصَ على قتل العقارِب فاتَته القافلة، ومن تتبَّع الصيدَ غفَل.

وقد أحسن شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حين قال:

[ ومن اعتادَ الانتِقام ولم يصبِر لا بُدَّ أن يقَع في الظُّلم ]

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ،

فاستغفِروه وتوبوا إليه؛ إن ربي كان غفَّارًا .

الحمد لله على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتِنانه،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه،

وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعِي إلى رضوانه،

فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله وصحبِه وإخوانه .

فإن أحسنَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،

وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة.

فاتَّقوا الله - عباد الله -، واعلَموا أن التغافُل قيمةٌ رحبةٌ تتَّسِعُ للجميع،

وليست مُختصَّةً بأحدٍ دون أحد، بل يشتركُ فيها الشريفُ والوضيعُ، والأميرُ والمأمور،

والرئيسُ والمرؤوسُ، والشيخُ والتلميذُ، والأبُ والأولاد، والزوجُ والزوجة،

لا مناصَ من ذلكم لمن أراد توافُقًا في هذه الحياة مع نفسِه ومع الناس .

فلا صفاءَ دون تغافُل، ولا وحدة واجتِماع دون تغافُل، ولا إيثار دون تغافُل،

فهو الكِياسةُ والسياسةُ البارِعةُ التي تُستمالُ بها القلوب، ويخبُو بها العتَب،

ويعلُو الأدب، وتُنالُ الرُّتَب، ويبلُغ به المُتغابِي الأدب .

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



ديزاين فور يو لحلول تقنية المعلومات